ناشطة يهودية أميركية للجزيرة نت: بايدن يمكّن إسرائيل من الإبادة الجماعية بغزة
تاريخ النشر: 2nd, November 2023 GMT
واشنطن- مع تكثيف إسرائيل عدوانها على قطاع غزة الذي خلّف حتى الآن أكثر من 8 آلاف شهيد وما يزيد على 20 ألف جريح لا تتوقف المظاهرات المناوئة للعدوان داخل أغلب المدن الأميركية.
ومن أهم المظاهرات التي نجحت في لفت أنظار الرأي العام الأميركي والعالمي تلك التي نظمتها ووقفت وراءها منظمات لليهود الأميركيين ممن يعارضون السياسات الإسرائيلية ويطالبون بمنح الفلسطينيين دولتهم المستقلة.
ونجحت هذه المظاهرات في الاستيلاء لساعات عدة على محطة "غراند سنترال" الرئيسية للقطارات في مدينة نيويورك وعلى "الكابيتول" (مقر الكونغرس) في العاصمة واشنطن، وقبل ذلك أغلقت مداخل البيت الأبيض ومخارجه، للفت الأنظار إلى مطالبهم بضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار، وتم اعتقال العشرات منهم وأُفرج عن أغلبهم لاحقا.
وتأتي منظمة "لو ليس الآن" على رأس تلك المنظمات المشاركة بقوة في معارضة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتبرز حق الفلسطينيين في المقاومة، وكذلك انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها إسرائيل في القطاع، وتضغط لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس.
والمنظمة هي تجمّع من اليهود الأميركيين المطالبين بإنهاء الدعم الأميركي لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي، وبالمساواة والعدالة وبمستقبل مزدهر لجميع الفلسطينيين والإسرائيليين.
وتصف المنظمة الحكومة الإسرائيلية بأنها "نظام عنيف متعطش للدماء"، وتكرر أن إسرائيل ترتكب "إبادة جماعية" في غزة، وشارك نشطاؤها في اعتصامات أمام مكاتب القادة السياسيين، بمن فيهم نائبة الرئيس كامالا هاريس.
تأسست "لو ليس الآن" عام 2014 من قبل شباب يهود أميركيين شعروا بالغضب مما اعتبروه هجوم إسرائيل غير المتناسب على رد المقاومة الفلسطينية في العدوان الإسرائيلي على غزة صيف 2014.
وتاريخيا، كان التركيز الأساسي للجماعة على احتلال إسرائيل الضفة الغربية، وترى أنه لا يمكن الدفاع عنه أخلاقيا، وتواصل النظر إلى المؤسسة اليهودية الأميركية والجماعات المؤيدة لإسرائيل على أنها تدعم أو تتواطأ في إدامة الاحتلال.
وفي هذا السياق، حاورت الجزيرة نت المسؤولة في المنظمة إيفا بورجواردت التي ألقت باللوم على إدارة بايدن في دعم العدوان الإسرائيلي.
وفي ما يلي نص الحوار:
إنه اقتباس من كلمات للحاخام هيلل في التلمود -وهو نص أساسي في الديانة اليهودية- ويقول "إذا لم أكن لنفسي فمن سيكون لي؟ إذا كنت لنفسي فقط فما أنا؟ إن لم يكن الآن فمتى؟".
إنه يعلمنا أنه من الضروري أن ما نطلبه لأنفسنا علينا طلبه للآخرين، وأن الطريقة للقيام بذلك هي باتخاذ إجراءات نحو عالم أفضل.
وفي سياق إسرائيل وفلسطين هذا نهجنا في منظمة "لو ليس الآن" ويوجه من أجل تحريرنا كيهود وتحرير الفلسطينيين عبر اتخاذ إجراءات الآن، لإنهاء الدعم الأميركي لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي الذي يضع سلامة اليهود والفلسطينيين ضد بعضهم البعض، والنضال من أجل المساواة والعدالة ومستقبل مزدهر لجميع الفلسطينيين والإسرائيليين.
كيف تقيمون سياسة الرئيس جو بايدن تجاه الأزمة الحالية؟ ولماذا اتخذ هذا الموقف؟يعمل بايدن على تمكين هجوم الإبادة الجماعية للحكومة الإسرائيلية على قطاع غزة، والذي يكلف يوميا مئات الأرواح ويخاطر بزعزعة استقرار المنطقة بأكملها، مما يضع أحباءنا الإسرائيليين والفلسطينيين في بؤرة حرب إقليمية أوسع.
لنكن واضحين، إن اختياره القيام بذلك مدفوع بالمصالح الأميركية وليس بالقلق على سلامة اليهود أو الإسرائيليين، ويتبع بايدن نفس قواعد اللعبة الكارثية التي دفعت الولايات المتحدة إلى غزو العراق، وهو يعرض أحباءنا للخطر.
وبدلا من ذلك يجب عليه اتخاذ الخيار الوحيد الذي ينقذ الأرواح ويمنع حربا كارثية أخرى لا نهاية لها، ولديه أي فرصة لإنقاذ انتخابات عام 2024 بالضغط من أجل وقف فوري لإطلاق النار، وإطلاق سراح الرهائن، وخفض التصعيد، والتحرك لإنهاء الاحتلال والفصل العنصري والحصار في نهاية الكابوس الحالي.
نعلم أن مؤسسة السياسة الخارجية الأميركية قد أرسلت على مدى عقود تمويلا عسكريا غير مشروط إلى إسرائيل، في انتهاك للقانون الدولي، وهو ما مكّن من تقوية الحكومات اليمينية وخدمة مصلحتها الجيوسياسية الخاصة، هذا التمويل لم يكن أبدا بشأن سلامة اليهود، إنه يعرض حياة الجميع في المنطقة للخطر ويجب أن ينتهي.
هل طلب منكم البيت الأبيض أو وزارة الخارجية زيارتهم لشرح موقفكم وفهم الموقف الرسمي الأميركي؟نعتقد أن قادتنا يجب أن يستمعوا إلى أصوات اليهود الذين يعانون شخصيا ويقلقون على أحبائهم ويدعون إلى وقف إطلاق النار، والذين يمثلون 40% من اليهود الأميركيين الشباب و25% من اليهود عامة ممن يعتقدون أن إسرائيل دولة فصل عنصري، ونحن واضحون بشأن الأسباب الجذرية لذلك.
طلبنا عقد اجتماع فيما كنا في الاعتصام خارج البيت الأبيض، لكن بايدن لا يستمع، لذلك اضطررنا إلى إغلاق أبواب الدخول والخروج من البيت الأبيض.
بما أنهم لا يستمعون فإننا نجعلهم يسمعوننا، نسير في الشوارع ونواجه السياسيين الذين يدعمون الحرب ونرفع مستوى الوعي على وسائل التواصل الاجتماعي.
كما ندعو ممثلينا في الكونغرس إلى الضغط لوقف فوري لإطلاق النار، وإطلاق سراح الرهائن، وخفض التصعيد، والضغط لإنهاء الاحتلال والفصل العنصري والحصار الذي خلق هذا الكابوس.
إن المسار الذي اختاره بايدن -والذي يتعارض مع جوقة متزايدة من المنظمات المحترمة -بمن فيها الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية واليهود والفلسطينيون الأميركيون الذين يدعون إلى وقف إطلاق النار- كارثي سياسيا ولا يحظى بشعبية كبيرة بين الناخبين الديمقراطيين.
كيف تتعاملون مع المنظمات المؤيدة لإسرائيل مثل منظمة "آيباك"؟أولا وقبل كل شيء وكما كتب عنه المعلقون الإسرائيليون فإن السياسات اليمينية المتطرفة التي تدعمها "آيباك" تعرض الإسرائيليين العاديين لخطر أكبر، وتشكل وغيرها من المنظمات اليمينية تهديدا كبيرا للحقوق الفلسطينية والحركة التقدمية الأميركية، وعلى نحو متزايد سلامة اليهود.
وتقود هذه حملات جمع التبرعات المالية من قبل المليارديرات الجمهوريين اليمينيين الذين تذهب مساهماتهم المالية إلى المرشحين اليمينيين.
نعتقد أن جميع اليهود يجب أن يتحدوا في معارضتهم بصخب كما نعارض نحن جماعات الضغط اليمينية الأخرى مثل الرابطة الوطنية للسلاح "إن آر إيه" الخاصة بحق حمل السلاح، ليس فقط كنزاع داخل المجتمع مع حركات مختلفة، ولكن باعتبارهم متطرفين.
عندما أزور متحف الهولوكوست في العاصمة فإن الرسالة الواضحة هناك هي "لن يتكرر ذلك أبدا"، هل هناك أي طريقة للتوفيق بين هذا الالتزام وبين ما تقوم به إسرائيل في غزة؟
هناك درسان يمكن أن نستخلصهما من رعب "الهولوكوست"، "لن يتكرر ذلك أبدا بالنسبة لنا كيهود"، "ولن يحدث ذلك أبدا لأي شخص"، نحن ندرك الاضطهاد عندما نراه ونرفض السماح بحدوثه لأي شخص آخر.
إن سلامة الإسرائيليين كما رأينا بوضوح شديد وصارخ في الأسابيع الماضية لا تنفصم عن سلامة الفلسطينيين، والسلامة اليهودية لا تنفصم عن سلامة جميع الناس.
إن إبقاء الفلسطينيين في سجن واسع لعقود والتعامل بوحشية مع مقاومتهم السلمية ليس إستراتيجية لسلامة اليهود، ولا هذا الهجوم المروع على غزة من قبل المسؤولين الذين يستخدمون بشكل صارخ خطاب الإبادة الجماعية بهدف عام هو التطهير العرقي، لا أحد منا حر وآمن حتى نصبح جميعا أحرارا وآمنين، أبدا مرة أخرى بالنسبة لنا يعني أبدا مرة أخرى لأي شخص.
ما رأيك في قيام بعض المسؤولين الإسرائيليين بتجريد الشعب الفلسطيني من إنسانيته ووصفه بالحيوانات البشرية؟كيهود، ندرك هذا النوع من التجريد من الإنسانية عندما نراه، لقد استخدمته البشرية لوصفنا من قبل، ونحن نعرف بالضبط إلى أين يؤدي هذا النوع من التجريد من الإنسانية وأعمال الإبادة الجماعية، الدروس مكتوبة في كتب تاريخنا وفي قصص العديد من عائلاتنا.
في الولايات المتحدة من المهم تسليط الضوء على أن بعض الأصوات الأعلى صخبا والتي تردد خطاب الإبادة الجماعية العنيف واللاإنساني حول الفلسطينيين هم من الجمهوريين المسيحيين البيض، نحن نعلم أن دعمهم هذه الإبادة لا يتعلق بسلامة اليهود.
يعتقد الكثير منهم أن اليهود بحاجة في النهاية إلى التجمع في إسرائيل، إنهم يستخدمون هذه اللحظة وسيلة لتعزيز أجندتهم العنصرية المعادية للفلسطينيين وللمسلمين والعرب وللسامية مستخدمين اليهود غطاء، وهذا أمر مثير للاشمئزاز وخطير.
حتى الآن يستمر اعتقال العديد من أعضاء منظمتنا في الاحتجاجات المختلفة، كما أن العديد منا لديهم عائلات وأصدقاء ومعارف توقفوا عن التحدث إليهم.
ويواجه أعضاء منظمتنا قمعا متزايدا بفقدان الوظائف والتسريح، ونشهد تصعيدا في هذه اللحظة من نوع العواقب التي واجهها نشطاء حقوق الإنسان الفلسطينيون لعقود.
ما الرسالة التي تودين أن تتركيها للقراء العرب في ما يتعلق بعملك وأهدافك؟نحن واضحون في أن دعم واشنطن من قبل الإمبريالية الأميركية غير المشروط للحكومة الإسرائيلية لا يتعلق بسلامة اليهود، بل بمصالح أميركا الجيوسياسية والاقتصادية والعسكرية في المنطقة.
وقال الرئيس بايدن نفسه مرارا وتكرارا "إذا لم تكن هناك إسرائيل لأنشأناها نحن لحماية مصالحنا في المنطقة"، وكانت المرة الأولى التي قال فيها ذلك في عام 1986، أمن وسلامة اليهودية هما غطاء، ولن نسمح لأنفسنا أو لأقاربنا في إسرائيل بأن نُستخدَم دروعا بشرية لمصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بعد الآن.
نرفض السماح لقادتنا بالاستمرار في تأليب اليهود والفلسطينيين ضد بعضهم البعض، نريد مستقبلا يمكن فيه للطرفين أن يعيشا بحرية ومساواة، وحيث توجد العدالة لتعويض الضرر الذي لحق بالشعب الفلسطيني من قبل الحكومة الإسرائيلية ومن الولايات المتحدة وبريطانيا والحكومات الأخرى التي مكنت من قمعهم لعقود.
نحن بحاجة أيضا إلى العدالة من هذه الحكومات لعقود من الزمن التي استخدمت فيها دعم إسرائيل ذريعة لعدم مواجهة معاداة السامية الخاصة بها، وإبعاد اللاجئين اليهود "غير المرغوب فيهم" وإرسال الدعم إلى إسرائيل بدلا من ذلك.
ونعتقد أن العمل معا هو السبيل الوحيد لكسب هذه المعركة من أجل المساواة والعدالة ومستقبل مزدهر للجميع.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الإبادة الجماعیة الولایات المتحدة البیت الأبیض فی المنطقة من قبل من أجل
إقرأ أيضاً:
معظمها أميركية.. هذه أشرس 5 قنابل تستخدمها إسرائيل لقصف غزة
مع نهاية شهر يناير/كانون الثاني عام 2025، أفصح موقع "أكسيوس" الأميركي، نقلا عن ثلاثة من كبار المسؤولين الإسرائيليين، عن قرار اتخذه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يقضي برفع الحظر الذي كانت قد فرضته إدارة سلفه، جو بايدن، على إمدادات القنابل الثقيلة التي تزن ألفَيْ رطل المخصصة لإسرائيل.
ووفق ما نُقل، فإن ما يقارب 1800 قنبلة من طراز "مارك 84″، كانت ترقد في مستودعات عسكرية أميركية، قد تقرّر تحميلها على متن سفينة نقل عسكرية، في رحلة موجَّهة إلى السواحل الإسرائيلية.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2هل الحرب الأهلية في إسرائيل قدر حتمي؟list 2 of 2ماذا فعل عبد الله حمدوك بنفسه وبالسودان؟end of listوبحلول منتصف فبراير/شباط، لم يبقَ الأمر سريا، إذ أعلنت وزارة الأمن الإسرائيلية استلام الشحنة بالفعل، فيما خرج وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، ليُعلن أن هذه القنابل تُمثِّل "إضافة إستراتيجية مهمة".
ليست هذه الواقعة إلا حلقة من سلسلة طويلة تتكرر، فبين عامي 2023-2025، وفي ظل الهجمات الجوية الإسرائيلية المكثفة على قطاع غزة، كان السلاح الأميركي حاضرا بوضوح في خلفية المشهد، وكانت قنابل "مارك 84" تتصدر هذا المشهد، حتى غدت الأكثر استخداما.
لقد بلغ اتساع نطاق استخدامها حدًّا لم يعد يمكن تجاهله، وأضحى شاهدا دامغا على الخروقات الإسرائيلية المتكررة للقانون الإنساني الدولي عبر استهداف المدنيين والبنية التحتية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول عام 2024، أُعلنت نتائج دراسة دقيقة غاصت في تفاصيل تلك الهجمات، لتكشف أن ما بين 7 أكتوبر/تشرين الأول و17 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أسقط طيران جيش الاحتلال ما لا يقل عن 600 قنبلة من طراز "مارك 84″، كلٌّ منها تزن 2000 رطل (الرِّطْل يساوي 0.453 كيلوغرام)، على مناطق مأهولة وشديدة الحساسية، بما في ذلك المستشفيات. ليست هذه مجرد أرقام، بل هي مشاهد متكررة لأبنية منهارة، وأرواح أُزهقت تحت الركام.
إعلانوقد خلص الباحثون إلى أن إسرائيل تبنَّت نمطا ممنهجا في إسقاط هذه القنابل العملاقة قرب المستشفيات، في مسافات مدروسة تكفي لإلحاق أضرار جسيمة ووفيات مقصودة، وأوضحوا أن هذا النوع من التدمير لا يُخلِّف فقط آثارا فورية على النظام الصحي، بل يمتد أثره طويلا على كل مفصل من مفاصل الحياة في غزة.
قنبلة "مارك 84" هي أحد أبناء سلسلة "مارك 80" الأميركية، تلك العائلة من القنابل العامة، التي تتفاوت أوزانها بين 250-2000 رطل. لكنها، دون مبالغة، تُمثِّل الشقيق الأكبر والأشد تدميرا في هذه السلسلة. صُمِّمت لتكون متعددة المهام، قادرة على الانطلاق من طائرات عسكرية مختلفة، واستهداف بنى تحتية، وهياكل أرضية ضخمة.
لكن وجهها الأكثر رعبا يظهر في لحظة انفجارها؛ فهي تُحدث انفجارا هائلا قادرا على تسوية أبنية بالأرض، وإحداث فجوات ضخمة في عمق الأرض يصل حتى 11 مترا، وبعرض يصل إلى 20 مترا، بينما تمتد موجات الضغط التي تولِّدها إلى محيط كبير، مهددةً كل ما يقع في نطاقها بالتحطم.
ومع كل هذه القدرات التدميرية، تبقى "مارك 84" قنبلة "غبية"، أي إنها لا تحتوي على أنظمة توجيه ذكية، بل تعتمد على السقوط الحر، فبمجرد أن تُلقى من الطائرة، تتبع مسارا قوسيا بفعل الجاذبية، وهو ما يجعلها أقل دقة، خاصة عندما تُلقى من ارتفاعات شاهقة.
من مفارقات هذه القنبلة أيضا أن بساطة تصميمها وقلة تكلفتها مقارنة بالذخائر الذكية الموجهة تجعلها خيارا مفضلا للدول التي تسعى لتقليل نفقات الحرب، حتى لو كان الثمن حياة المدنيين.
والواقع أن أحد التقارير الاستخباراتية الأميركية كشف أن نصف القنابل التي أسقطتها إسرائيل فوق غزة كانت من هذا النوع غير الموجَّه، رغم الكثافة السكانية الهائلة في القطاع، في مؤشر على نية متعمَّدة للإضرار بالمدنيين.
تتكون "مارك 84" من هيكل فولاذي انسيابي، يخبئ في داخله نحو 429 كيلوغراما من مادة "تريتونال" شديدة الانفجار، وهي مزيج من ثلاثي نترو التولوين (TNT) ومسحوق الألمنيوم، يضاعف قدرة القنبلة على توليد الحرارة والانفجار. تتفجر هذه القنبلة عند ارتطامها بالهدف، أو بعده بلحظات، لتخترق الخرسانة أو طبقات الأرض، قبل أن تُطلق جحيمها.
إعلانلكن استخدامها في غزة، وهي منطقة مكتظة بالبشر، لا يتماشى مع ما صُنعت له، إذ صُمِّمت هذه القنابل بالأساس لتُستخدم في ساحات قتال مفتوحة، ضد أهداف عسكرية كبيرة، وليس فوق أحياء سكنية أو بالقرب من المستشفيات.
ولمزيد من فهم الآثار التدميرية لهذا النمط من استخدام القنابل، دعنا نقارن بين احتمالات سقوط قنبلة غير موجَّهة على منطقة ما، وأخرى موجَّهة. في الحالة الأولى يمكن أن تدمر القنبلة أي مكان تقع عليه ضمن منطقة مساحتها تصل إلى 125 ألف متر مربع، بما يساوي مساحة نحو 18 ملعب كرة قدم، بينما تنخفض تلك المساحة مع القنابل الذكية لتصل إلى 314 مترا مربعا.
وإلى جانب القنابل "الغبية" التي ترميها المقاتلات الإسرائيلية على قطاع غزة، هناك نوع آخر لا يقل خطرا، بل يتفوق عليها دقة وفعالية، يُعرف باسم "ذخيرة الهجوم المباشر المشترك" (JDAM)، وهي من إنتاج أميركي، لكنّها ليست قنبلة بحد ذاتها، بل عقل إلكتروني يُضاف إلى جسد قنبلة تقليدية ليحوِّلها إلى أداة قتل ذكية ومدمرة.
هذه المنظومة التقنية لا تُميّز بين قنبلة صغيرة تزن 250 رطلا، أو أخرى ثقيلة مثل "مارك 84" بوزن ألفَيْ رطل، فبمجرد أن تُزوَّد القنبلة بجهاز التوجيه هذا، تتحول إلى قنبلة ذكية، فمثلا إن وضعت تلك الأجهزة على "مارك 84" تتحول إلى قنبلة سُميت "بي إل يو 109" (BLU-109/MK 84K) قادرة على إصابة أهدافها بدقة عالية، حتى في الظلام، أو في الطقس العاصف.
تقوم الفكرة على تزويد القنبلة بجهاز ملاحة متطور يعتمد على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) وملاحة بالقصور الذاتي (INS)، وتُضاف زعانف توجيهية في الذيل لتُصحح مسار القنبلة أثناء سقوطها.
إعلانقبل أن تُقلع الطائرة الحربية، تقوم بتحميل إحداثيات الهدف في نظامها الإلكتروني. وفي أثناء الطيران، يمكن للطاقم تعديل هذه الإحداثيات يدويا، أو عبر أجهزة الاستشعار المتطورة على متن الطائرة، ما يمنحها قدرة على التعامل مع الأهداف المتغيرة أو المفاجئة. وبمجرد إطلاق القنبلة، تُصبح كالسهْم الهادف، تتّبع المسار المُحدد بدقة، حتى تهبط في قلب الهدف المقصود، بهامش خطأ لا يتجاوز في أفضل حالاته 5 إلى 10 أمتار فقط.
بدأ التفكير الجاد في هذا النوع من الذخائر بعد دروس من حرب الخليج الثانية، فقد كشفت سُحب الدخان والعواصف الرملية عن عجز خطير في قدرة القنابل التقليدية على إصابة أهدافها بدقة، خاصة حين تُطلَق من ارتفاعات عالية.
وفي عام 1992، بدأت الأبحاث، لتُتوَّج في أواخر التسعينيات باختبارات ناجحة حققت معدل دقة بلغ 9.6 أمتار، ومعدل موثوقية وصل إلى 95%، وهو رقم هائل في معايير سلاح الجو.
لكن كما هو حال كل ما يُصنَّع بدقة، يأتي هذا السلاح الذكي بتكلفة مرتفعة، إذ يبلغ سعر الواحدة منها قرابة 40 ألف دولار، مقابل تكلفة تتراوح بين 3-16 ألف دولار لقنبلة "مارك 84" التقليدية، التي تُترك لمصيرها مع الجاذبية، متأرجحة في الهواء دون توجيه.
وتلك الفجوة في السعر تُقابلها فجوة مماثلة في الدقة، فبينما تهبط "JDAM" في نطاق 5-10 أمتار من الهدف، قد تُخطئ "مارك 84" الهدف بمئات الأمتار، وهو ما يُترجَم في ميادين القتال إلى مزيد من الضحايا المدنيين، ومبانٍ تُدمَّر دون تمييز.
ورغم ما تحمله هذه الذخائر من "سمعة نظيفة" بوصفها قنبلة ذكية، فإن استخدامها في أماكن مأهولة يحولها إلى أداة قتل لا تقل فتكا عن القنابل العمياء. وفي غزة، حيث لا حدود تفصل بين المسكن والمستشفى وساحة المعركة، يبقى الفرق بين قنبلة "غبية" و"ذكية" مجرد وهم.
إعلان سبايسوتستخدم إسرائيل مجموعة أخرى من أطقم القنابل دقيقة التوجيه التي طورتها شركة "رافائيل" لأنظمة الدفاع المتقدمة، تسمى "سبايس"، ومثل ذخيرة الهجوم المباشر المشترك، فهي طقم توجيه إضافي يمكن ربطه بالقنابل "البسيطة" العادية مثل فئة "مارك" (84 و83 و82)، مما يحولها إلى قنابل ذكية عالية الدقة، تبدأ أسعارها من 50 إلى 150 ألف دولار.
في مقدمة القنبلة، تُثبَّت كاميرا كهروضوئية تُغذَّى سلفا بصور مفصلة للهدف، أشبه ما تكون بذاكرة قاتلة. وبفضل دمجها بين نظام تحديد الموقع العالمي (GPS) ونظام الملاحة بالقصور الذاتي (INS)، تستطيع هذه القنابل أن تُصيب أهدافها حتى في غياب إشارات الأقمار الصناعية، أو في أجواء مشوشة.
ويُقاس نجاح القنابل الموجَّهة بما يُعرف بـ"احتمال الخطأ الدائري"، أي المسافة بين النقطة المقصودة ونقطة السقوط، وهنا، تتفاخر "سبايس" بدقة تُقاس بأقل من 3 أمتار.
في صباح الثالث عشر من يوليو/تموز 2024، في منطقة مواصي خان يونس، حيث خُيّل للنازحين أنها "منطقة آمنة"، انقضّ صاروخ من طراز "سبايس 2000″، يزن طنين من الحُمم، على خيام المدنيين.
فبحسب شهادات ثلاثة خبراء تحدثوا إلى صحيفة "نيويورك تايمز"، واستنادا إلى نمط الشظايا وعمق الحفر، تأكد أن القنبلة التي استُخدمت في تلك المجزرة كانت من هذا الطراز، وبلغ عدد الشهداء ما لا يقل عن 90 فلسطينيا، بينما امتلأت المستشفيات بمئات المصابين، حسب وزارة الصحة في غزة.
ورغم أن القنبلة مُصمَّمة لتكون دقيقة، فإن استخدامها في مناطق مكتظة بالسكان يفقدها أي قيمة أخلاقية أو قانونية، فحتى لو أصابت هدفها المحدد، فإن محيطها يمتلئ بالبشر الآمنين، ولم يتردد جيش الاحتلال في استخدامها بكثافة، حتى في المناطق التي طلبت من سكانها مسبقا النزوح إليها بحجة أنها "مناطق إنسانية".
القنبلة نفسها، "سبايس 2000″، شُوهدت مجددا في سماء بيروت، في أكتوبر/تشرين الأول 2024، أُبلغ عن غارة إسرائيلية استهدفت مبنى في حي الطيونة، أسفرت عن تسوية مبنى مكوّن من عشرة طوابق بالأرض.
إعلانورغم أن شركة "رافائيل" هي الجهة المنتجة لـ"سبايس"، فإن الحرب تتطلب نهما لا تُشبعه المخازن المحلية. لذلك، في وقت مبكر من العدوان على غزة، وتحديدا في أكتوبر/تشرين الأول 2023، أرسلت الولايات المتحدة إلى إسرائيل شحنات ضخمة من هذه القنابل، عُرفت بـ"مجموعات قنابل طائرة شراعية من طراز سبايس فاميلي"، بقيمة 320 مليون دولار، بحسب ما أفادت "نيويورك تايمز".
تبدأ تكلفة القنبلة الواحدة من 50 ألف دولار، وقد تصل إلى 150 ألفا، حسب نوع الهدف والمهمة، لكنها تظل، في رأي البعض، أرخص من إطالة أمد الحرب أو فشل المهمة العسكرية.
كل ما سبق (وما يلي) من قنابل، تنطلق غالبا من نوعين أساسيين من الطائرات أميركية الصنع التي تستخدمها إسرائيل بكثافة في الحرب الحالية على غزة، وهما "إف-15" و"إف-16″، تتميز الأولى بقدرتها على السيطرة على الأجواء، بفضل محركاتها القوية وسرعتها التي تتجاوز ضِعْف سرعة الصوت، كما أنها تتمكن من تحمُّل كمية ضخمة من الأسلحة، والتحليق لمسافات بعيدة، وتتميز الثانية برشاقتها وقدرتها العالية على المناورة، وتصميمها الذي يسمح بتنفيذ ضربات دقيقة بتكلفة تشغيل منخفضة نسبيا مقارنة بالطائرات الأثقل.
خارقات الحصونخلال عملياتها في غزة، استخدم جيش الاحتلال قنابل خارقة للتحصينات (bunker-buster) بهدف تدمير الأنفاق التي ظلَّت عصية على الاختراق، هذه القنابل تطلق غاز أول أكسيد الكربون القاتل عند الانفجار، وهو غاز عديم اللون والرائحة، يسبب الاختناق داخل الأنفاق.
ولم تكن هذه الإستراتيجية وليدة اللحظة، بل بدأت بوادرها عام 2017، حين اكتشف جيش الاحتلال أن بعض قنابله تطلق غازات فتاكة عند الانفجار في الأماكن المغلقة، لتُجرَّب لأول مرة على أرض غزة عام 2021.
ولأن الأنفاق شبكة خفية صعبة الكشف، لا تُرى ولا تُرسم على الخرائط، ابتكر الإسرائيليون سياسة "التبليط" (Tiling)، التي تقوم على إسقاط سيلٍ من القنابل الخارقة للتحصينات زنة 2000 رطل على منطقة واسعة يُعتقد أنها تحتوي على شبكة أنفاق، حتى لو لم تكن هناك إحداثيات دقيقة.
إعلانالقصف إذن لا يُوجَّه إلى نقطة، بل إلى محيط كامل، يصل مداه إلى مئات الأمتار. يُغطى الحيّ كما يُفرش البلاط، قنبلة تلو الأخرى، وكانت هذه العمليات تُنفَّذ بموافقة إسرائيلية وتنسيق أميركي مباشر، رغم إدراك الجميع الكامل والواضح أن القنابل لن تميّز بين مقاتل ومدني، وأن مئات الفلسطينيين قد يكونون "أضرارا جانبية" لهذا الجنون الهندسي.
بين عامي 2023-2025، وخلال الصراع في غزة، استخدم الاحتلال عدة أنواع من القنابل الخارقة للتحصينات لاستهداف المنشآت المحصنة تحت الأرض، مثل قنابل "بلو-109 ب"، بوزن 2000 رطل، وقنابل "جي بي يو 28" (GBU-28)، الموجَّهة بالليزر، مع وزن 5000 رطل.
عادة ما تُعرف القنابل الخارقة للتحصينات بأنها تلك القنابل المُصمَّمة لاختراق الهياكل المحصنة والمخابئ تحت الأرض، مثل قنبلة "جي بي يو 28" التي يمكنها اختراق ما يصل إلى أكثر قليلا من 30 مترا من الأرض أو 6 أمتار من الخرسانة.
صُمِّمت هذه القنابل لتكون ثقيلة نسبيا وتتحرك بسرعات عالية، ولذلك فإن أوزان بعض الأنواع من هذه القنابل تتخطى الطن للقنبلة الواحدة، وتؤدي الكتلة والسرعة العاليتان إلى كمية هائلة من الطاقة الحركية، مما يساعد القنبلة على اختراق الأرض أو الهياكل الخرسانية بعمق قبل أن تنفجر.
وتستخدم بعض القنابل الخارقة للتحصينات، خاصة تلك المُصمَّمة للاختراق العميق، معززات صاروخية تُنشَّط أثناء مرحلة الهبوط النهائية إلى الهدف، لزيادة سرعتها إلى أقصى حد.
إلى جانب ذلك، تُصمَّم القنابل بغلاف خارجي طويل نسبيا ونحيف ومقوَّى، وغالبا ما يكون مصنوعا من مواد مثل الفولاذ عالي القوة أو التنغستن أو في بعض الحالات يورانيوم منضب (وهو ناتج ثانوي لتخصب اليورانيوم)، تمتلك هذه المواد من الكثافة والشدة ما يركز الطاقة الحركية في مساحة سطح صغيرة، وهو ما يرفع قدرتها على اختراق الخرسانة والأرض.
إعلانوتتمثل إحدى السمات الرئيسية لقنابل اختراق التحصينات في الفتيل الذي يعمل متأخرا، فبدلا من الانفجار عند التلامس مثل القنابل التقليدية، تُبرمَج القنبلة للانفجار فقط بعد أن تخترق القنبلة الهدف بعمق، وهذا يضمن إطلاق الطاقة المتفجرة داخل الهيكل، مما يزيد من الضرر.
يمنع التفجير المتأخر القنبلة من الانفجار قبل الأوان على السطح، مما قد يؤدي إلى تبديد الطاقة إلى الخارج بدلا من تركيزها على الجزء الداخلي من المخبأ. وبمجرد اختراق القنبلة الهدف، فإنها تستخدم رأسا حربيا شديد الانفجار، مصنوعا عادة من مركبات قوية مثل "إتش إم إكس" أو "آر دي إكس"، بحيث يولد الانفجار موجة صدمة شديدة، مما يخلق ضغطا زائدا قويا وحرارة داخل المساحة الضيقة المستهدفة.
في ربيع عام 2024، سجّل المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان مشهدا يفوق الوصف في قطاع غزة، إذ رُصدت أجسادٌ لم تُقتل فحسب، بل بدت وكأنها تبخّرت أو ذابت في مكانها، عقب قصف إسرائيلي استهدف منازل سكنية. هذه الملاحظات دفعت المرصد للإشارة إلى أنه "يجب إطلاق تحقيق دولي في استخدام إسرائيل المحتمل للأسلحة المحظورة دوليا، بما فيها القنابل الفراغية".
فما القنبلة الفراغية؟ إنها ليست مجرد قنبلة، بل جحيم تقني. هي سلاح لا يكتفي بانفجار واحد، بل يصنع عاصفة نارية تبدأ بسحابة من وقود معلق في الهواء، ثم يشعلها ليُولِّد انفجارا يفوق المتفجرات التقليدية بمراحل، ضغطا وحرارة ودمارا.
تُعرف القنابل الفراغية أيضا باسم الأسلحة الحرارية الباريّة، وتعمل على مرحلتين: تفجير أولي يُطلِق سحابة دقيقة من الوقود، على شكل قطرات أو مسحوق، تنتشر في الهواء، ثم تفجير ثانوي يُشعل هذه السحابة بعد أن تختلط بالأكسجين، فتتحول إلى كرة لهب حرارتها قد تتجاوز 3000 درجة مئوية، تُطلِق موجة ضغط هائلة تلتهم كل ما في نطاقها، خصوصا في الأماكن المغلقة مثل الأنفاق والملاجئ.
إعلانمنصات التواصل الاجتماعي لم تكن بعيدة عن ساحة الحرب، فقد التُقطت صورة لطائرة أباتشي إسرائيلية مُحمَّلة بذخيرة تتدلّى منها شرائط حمراء، وهي إشارة معتمدة في نظام الشفرة الأميركي للدلالة على نسخة حرارية أو فراغية من صواريخ "هيلفاير".
الصورة أثارت جدلا كبيرا، مما دفع جيش الاحتلال إلى إزالتها لاحقا، وفقا للكاتب في "ذا وار زون"، توماس نيوديك.
يحتوي صاروخ "هيلفاير" من نوع "آي.جي.إم-114 إن" على رأس حربي حراري، مُصمَّم خصوصا لزيادة القوة القاتلة في الأماكن الضيقة، مثل المخابئ والكهوف والبيئات الحضرية.
وعلى عكس الرؤوس الحربية التقليدية التي تعتمد فقط على الانفجار والتفتت، فإن صاروخ "هيلفاير" الحراري يخلق موجة ضغط شديدة ودرجات حرارة عالية لزيادة الضرر إلى أقصى حدٍّ داخل منطقة مغلقة. ويَستخدم هذا الصاروخ شحنة معدنية متفجرة معززة، تُشتِّت مزيج الوقود والهواء ثم تُشعله، وينتج عن هذا انفجار ثانوي أكبر يعزز بشكل كبير من الضغط والتأثيرات الحرارية.
ما جرى في غزة لم يكن الحادثة الأولى، بل حلقة جديدة في سلسلة من الاستخدامات المثيرة للريبة. ففي حرب عام 2006 ضد حزب الله في لبنان، اتُّهِمت إسرائيل باستخدام هذه القنابل، وهو ما أثار انتقاد منظمة العفو الدولية، التي أعلنت أن "القدرات التدميرية الكبيرة لهذه الأسلحة تثير مخاوف من أنها تؤدي غالبا إلى القتل العشوائي".
ولا يُنسى مشهد من عام 1982، أثناء حصار بيروت، إذ أسقطت طائرات إسرائيلية قنبلة فراغية على مبنى سكني اعتقدوا أن ياسر عرفات يختبئ داخله. لم يكن عرفات هناك، بل 200 إنسان قُتلوا في لحظة واحدة.