الحديث عن فلسطين في الميديا الغربية: لتقل خيرا أو لتصمت
تاريخ النشر: 2nd, November 2023 GMT
بمجرد إندلاع شرارة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر، أصبح كل من هو عربيًا في المواجهة شاء أو أبى، وفي عصر الفضاءات الإلكترونية التي أصبحت تُمكن كل سردية من آليات جديدة لترسخيها وإيصالها لأبعد نقطة عن موقعها الجغرافي، كان على "المؤثرين العرب Puplic Figures" العرب مسئولية تجاه القضية الفلسطينية يجب أن يؤدوها، فامتدادًا لما يتيحه عصر السوشيال ميديا من آليات ذكرناها مسبقًا، فإنه أيضًا ينتصر من ناحية الرواج والشهرة لموقف الشخصية العامة سواء كانت رياضية أو إعلامية أكثر من الشخصية السياسية، فبالطبع يعرف العالم عن محمد صلاح اللاعب المصري في صفوف نادي ليفربول أكثر مما يعرفوه عن "غوتيريش" الأمين العام للأمم المتحدة بل وتتجاوز سطوة كلمة محمد صلاح تأثيرًا في المتلقين كلمة عدد من الساسة وصناع القرار في العالم.
ولكن، لكلمة الساسة قوة النفاذ والتأثير في صناعة القرار وإن كانت ليست الأكثر رواجًا أو حفاوة، ولانقطاع الإتصال بين الرأي العام العربي والساسة النافذين في الهيئات الدولية ومجالس الأمن، آمل العرب في قدرة هؤلاء النجوم الذين ظلوا يدعمونهم في نجاحهم في أوروبا أن يحدثوا بكلماتهم تأثيرًا على الرأي العام الغربي من خلال وسيط مؤثر هو "النجم العربي" سواء كان عربيًا خالصًا مثل "صلاح" و"باسم يوسف" أو عربيًا من أجيال ثالثة ورابعة تعيش في الغرب مثل عارضة الأزياء "جيجي حديد" أو اللاعب "كريم بنزيمة".
يعكس عصر الصورة وصناعة النجوم في مجالات مختلفة، من سينما ورياضة الذي جعل من الفنانين والرياضيين أشخاصًا تؤثر في الجمهور أكثر من الساسة حقيقة قد تكون مُرّة ولكنها حقيقة، هي أن قيمة الشخصية العامة تتجاوز كثيرًا قيمة المثقف المشتبك، فبينما منذ نهاية السبعينيات كان "إدوارد سعيد" يزلزل الأكاديميا الغربية ببحوثات وكتب ولقاءات تلفازية تحاول تغيير التغطية الإعلامية الغربية للوطن العربي والإسلامي، إلا أن هذه الزلزلة لم تتجاوز المناقشات النخبوية والمعارك بين "سعيد" و"برنارد لويس" وربما لم تصل إلى المشاهد العربي غير المثقف على الإطلاق سيرة سعيد وإستشراقه.
ولم تحدث جهود "سعيد" المبذولة تأثيرًا كبيرًا فسرعان ما تبنى الإعلام الغربي نظرية "هانتجتون" عن "صدام الحضارات" والكثير من هراء "برنار لويس" في كتبه ولقاءاته وقد زاد في رسوخ تلك النظريات ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر 2001 والذي لم تنفع في أعقابه كلمات "زكاري لوكمان" أو "تزفيتان تودروف" والتي دعت إلى نقاش هادئ يفسر أسباب الهجمات وأن لا مشكلة جوهرية بالإسلام وأنه خطأنا نحن "الغرب" وتغطيتنا المشوهة دائمًا للإسلام والشرق الأوسط وقضية فلسطين. ولم يستفق الرأي العام الغربي في النهاية إلا على استحياء في أعقاب تسريب صور ما حدث في سجن "أبو غريب" وأسرار "جوانتانامو".
"لأجل ماذا أُطلق عليهم الرصاص؟"
على عكس المثقفين، كان الرأي العام الغربي دومًا ما يكون أكثر تفاعلًا مع الشخصيات العامة ومواقفها، هكذا كان موقف الملاكم "محمد علي/ كاسيو كلاي" مؤثرًا في الحراك المناهض للحرب في فيتنام وكذلك موقف الممثلة "جين فوندا" التي ذهبت بنفسها لزيارة جيش "الفيت كونج" والتقاط الصور مع جنوده في سعادة وتآخي، ورغم ما تعرض له شخصان بحجم علي وفوندا من تخوين إلا أنهما أسهما في إشعال كتلة أخرى مناهضة للحرب ظلت تتنامى ككرة الثلج حتى أتت بثمارها في النهاية. في ظل الأزمة، استدعت الجماهير العربية كثيرًا موقف محمد علي أكثر من "جين فوندا" تبعًا لشهرة محمد علي الكبرى في الأوساط الإسلامية والعربية، ولقد كان استدعاءه جديرًا بالاحترام بالفعل، فمحمد علي على عكس غيره من الأمريكيين لم يهرب إلى كندا خوفًا من التجنيد، بل ذهب إلى مركز التجنيد، ورفض أن يستمع للنداء، وقبل حكمًا عليه بخمسة سنوات سجن ومائة ألف دولار غرامة، كان "علي" متسقًا مع أفكاره، وقبل عامين من تلك الحادثة كان قد صرح: "ضميري لن يسمح لي بإطلاق النار على إخوة لي، أو بعض الأشخاص ذوي البشرة السمراء، أو بعض الأشخاص الذين لم ينادونني أبدًا بكلمة "زنجي" ولم يعدموا أبناء جلدتي ولم يؤمروا كلابًا بالهجوم علينا ولم يسرقوا جنسيتي ولم يغتصبوا أمي ويقتلوا أبي، فقط خذوني إلى السجن. كيف يمكنني أن أُطلق رصاصًا على فقراء مثلي؟ من أجل ماذا؟".
تبعًا لذلك كله، استرعى صمت "محمد صلاح" الإنتباه كما استرعى حديثه الاستياء. فذلك النجم المؤثر الذي عولت الجماهير العربية على استخدامه كسلاح يفيق ضمير الرأي العام الغربي المتواطئ بجهله بما يحدث في فلسطين أو بعقدة الذنب تجاه تاريخ اليهود في أوروبا، كان صامتًا طيلة الخمسة عشر يومًا الأولى من الأحداث، وحين نطق نطق "كفرًا". فكلمات محمد صلاح لم تعكس واقع ما يحدث في فلسطين، فالعالم الغربي لا يحتاج لأن يعرف أن سكان غزة يعانون وأطفالهم يعانون فتلك الكلمات يرددها "جو بايدن" وماكرون وسوناك كما يرددون كلمات دعمهم إلى حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وكذلك كان من الخطأ أن يتلفظ النجم المصري حديثًا عن قدسية كل الأرواح ويأخذ موقفًا إنسانويًا غربيًا مشوهًا تجاه الموقف في فلسطين، فهكذا بدلًا من تعويلنا عن محمد صلاح لتقديم ما هو جديد إلى الرأي العام الغربي عن قضية فلسطين، خرج محمد صلاح ليقول للغربيين الذين يتحدثون الإنجليزية ما يعرفونه بالفعل، ولكن جاء بجديد لنا نحن العرب الذين عرفنا إلى أي مدى اتسعت الفجوة بيننا وبين "فخرنا" الذي تحول إلى مواطنًا عالميًا. مشى محمد صلاح على حبل مشدود إلى آخره، فبينما ظل ينال الثناء على دبلوماسيته في الأوساط الغربية، كان بالفعل قد بدء في خسارة مجموعة من جماهيره العرب، حيث خسرت صفحته على الفيسبوك 2 مليون متابع في غضون ثلاثة أيام.
"هل تُدين حماس؟"
الخطأ الآخر كان في كلمات "باسم يوسف" التي أحدثت صدىً كبيرًا في الوطن العربي والأمريكي على حد سواء نظرًا لذيوع صيت المذيع "بيرس مورجان". ولكن للأسف، لم تتعد كلمات "باسم" كونها مخاطبة للسيد من عبيد المنزل الذين يتحدثون بلسان عبيد الحقل بعد تخفيف حدة الكلام والموقف، فالسيد "بيرس" كان يريد أن يستخلص موقفًا واضحًا لم يتردد باسم عن إعطاءه له إن كان عن قصد أو عن فورة عفوية حين تلفظ باسم بكلمة بذيئة في حق حركة حماس تدين أفعالها، وما قاله باسم طيلة ربع ساعة لم يكن بذلك القدر من الأهمية التي تقارن مع "شتم" حماس، فإن كان "العربي" يُدين حماس بوصفها حركة إرهابية فتصرفات إسرائيل مشروعة تمامًا للقضاء على "** أم حماس" التي وصفها باسم. ولكن يظل لباسم موقفًا أفضل في إدانة إسرائيل بل وتسميتها من موقف صلاح الرخو الذي تحدث كما لو أنه يقصد كائنات ظلامية من خارج هذا الكوكب تستهدف قدسية ارواح البشريين.
أعاد طوفان الأقصى تشكيل التطلعات من الجمهور على شخصياته المؤثرة وتصنيفهم في خانات من صمت جبنًا ومن تحدث شجاعة، ولكن أكثر ما كشف عنه طوفان الأقصى للجماهير العربية إنهم بإمكانهم هم "التأثير" مستغلين منصات "تيك توك وإكس" وتفاعل "الغضب" على الفيسبوك، وجهودهم الشخصية في ترجمة تغريدات وفيديوهات بعدة لغات لتنقل قضية فلسطين إلى الخارج، بالإضافة للأدوار التي تلعبها الجالية المسلمة والعربية، حتى اليساريين، في المهجر في تحريك مظاهرات تجوب شوارع العالم الغربي من جديد، وتكمن أهمية ذلك الحراك الشعبي العربي الإلكتروني أنه يمثل نفسه بصدق ولا يقع في فخ بيرس مورجان الذي أصبح ترندًا على منصات التفاعل العربية "دو يو كوندمن هاماس؟".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي تقارير الإعلامية الغربية حماس حماس قطاع غزة الإعلام الغربي سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الرأی العام الغربی محمد صلاح محمد علی موقف ا
إقرأ أيضاً:
محمد مغربي يكتب: لماذا ندم عرّاب الذكاء الاصطناعي في العصر الحديث؟
كان العام 1850 حين تمكن إسحاق سنجر من تطوير آلة خياطة عُرفت لاحقا باسمه «سنجر»، آنذاك كان الثوب يستغرق 20 يوما على يد الخيّاط العادي وبعد الماكينة بات يستغرق يومين فقط، حينها أيضا كان أول من اعترض على هذا الاختراع هم الخيّاطون أنفسهم لأنهم ظنّوا أنّ الآلة ستحل محلهم ويندثروا، لكن ما حدث أن الإنتاج هو ما زاد وباتت الماكينات في حاجة إلى أيدٍ عاملة أكثر، خاصة وقت الحرب العالمية الأولى التي بيع خلالها مليون ماكينة سنجر، وهكذا بدلا من الاندثار زاد الطلب على الخياطين لدرجة أصبح لها معاهد وأكاديميات في بلاد أوروبا.
هذا النموذج يعد الأوضح لعلاقة الإنسان بالآلة في عصر الثورة الصناعية التي ظهرت أواخر القرن الثامن عشر وازدهرت في منتصف القرن التاسع عشر، فبدلا من الخوف من اندثار المهن ومصدر الرزق كانت الآلات هي ما وفرت فرص عمل للملايين، صحيح أنّ مقابل ذلك هناك مهن اندثرت لكن أي مقارنة ستصب في صالح الآلة التي حسّنت من حياة الإنسان خلال قرون.
نفس التحدي تعيشه البشرية في السنوات الأخيرة، لكن تلك المرة مع الذكاء الاصطناعي الذي بات يحل محل الإنسان في العديد من المهن، وكالعادة تكررت المخاوف من فقدان الناس لمهنهم ومصدر رزقهم مقابل تلك الأجهزة، وكانت الإجابة أنّ ذلك لن يحدث كما علمنا التاريخ وأنّ الذكاء الاصطناعي قادر على خلق فرص عمل تعوض اندثار مهن أخرى، لكن تلك الإجابة لم تعد تصلح لأن الذكاء الاصطناعي ليس كالآلات والثورة الصناعية، هو ثورة من نوع آخر أشد وأشرس.
من يقول ذلك ليس مجرد خبير تكنولوجي أو عالم متمسك بتقاليد الحياة القديمة، بل هو البروفيسور جيفري هينتون، وقبل أن نوضح السبب الذي دفعه إلى قول ذلك منذ أيام، أوضح أولا أنّ «هينتون» هو عالم كمبيوتر بريطاني يبلغ من العمر 77 عاما ويُعرف بـ«عرّاب الذكاء الاصطناعي»، فبجانب حصوله على جائزة نوبل في الفيزياء، فهو الرجل الذي اخترع في ثمانينيات القرن العشرين طريقة يمكنها العثور بشكل مستقل على خصائص في البيانات وتحديد عناصر محددة في الصور، وتلك الخطوات هي الأساس للذكاء الاصطناعي الحديث في العصر الحالي.
وإذا كنّا عرفنا هوية الشخص فالآن نعرف ما قاله، إذ أوضح أنّ الـ«AI» قد يقضي على الجنس البشرى خلال العقد المقبل، وقد توقع أن يحدث ذلك خلال ثلاثة عقود لكن تطورات الذكاء الاصطناعي وقفزاته أمر مدهش ومرعب في آن واحد، أما الفرق بينها وبين الثورة الصناعية أنّ في الثورة الصناعية كانت الآلات تتولى الأعمال الشاقة، بينما كان الإنسان هو من يملك زمام الأمور لأنه كان يفكر ويخطط وتتولى الآلات التنفيذ، وبالتالي ففضيلة الإنسان كانت التفكير.
أما الآن فنماذج الذكاء الاصطناعي تقترب من طريقة التفكير البشري، وبالتالي هي من ستتولى زمام الأمور إذا نجحت في الاستمرار، أي أنّ العلاقة ستصبح معكوسة، وبدلا من أن يصبح الروبوت في خدمة الإنسان، سيصبح الإنسان نفسه في خدمة الروبوت، وتلك مصيبة كما وصفها.
تحذيرات جيفرى هينتون لم تتوقف عند هذا الحد، بل أتبعها بأنّ الذكاء الاصطناعي سيتسبب في زيادات هائلة فى الإنتاجية، وهذا يفترض أن يكون مفيدا للمجتمع، لكن الحقيقة أن كل الفوائد ستذهب للأغنياء وبالتالى سيفقد كثير من الناس وظائفهم مقابل أن تغتني فئة قليلة، فالشركات الكبرى والأرباح لا ترحم، لذلك فالحل الوحيد فرض تنظيم حكومي أكثر صرامة على شركات الذكاء الاصطناعي لتضمن تنظيم عدالة ما، ولأن «هينتون» يشك في ذلك، فإنه لم يخجل من كشف أنّه يشعر أحيانا ببعض الندم لأنه قدم تلك التكنولوجيا في العالم، صحيح لو عاد به الزمن لفعل نفس الشيء، ولكن القلق من النتيجة لن يمنعه من الندم.