الشارقة (الاتحاد)
استعرض كلٌّ من د. ديفيد فوّينكنوس، الروائي والمخرج الفرنسي الحائز جائزة رينودو الأدبية المرموقة، ود. مانيا سويد، الكاتبة الروائية والناقدة السينمائية السورية، الإمكانات الدفينة للسينما والأدب، وكيف يمكن أن يؤثر كلٌّ منهما في الآخر، وتوقفا عند أوجه التشابه والاختلاف بينهما.
جاء ذلك خلال جلسة حوارية بعنوان «الخط المتوازي بين السينما والكتب» في أول أيام معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الـ 42.

وأوضح ديفيد فوينكنوس -خلال الجلسة التي أدارها الكاتب معتز قطينة- أن أوجه التشابه بين الأدب والسينما تتلخص في أن كليهما يسعى لتجسيد مختلف المشاعر الإنسانية، وأهم وجه شبهٍ بينهما هو تركيزهما على سرد القصص المختلفة، مشيراً إلى وجود مسافات تقنية كبيرة الرواية والفيلم، وقال: «حين أعمل على رواية، أنسجم مع الشخصيات للغاية، وأتعمق في مشاعرها، ودوافعها، بينما في إخراجي السينمائي، أركز على كيفية سرد القصة بالصور، وباستخدام مختلف العناصر السينمائية».

أخبار ذات صلة ناشرون في «الشارقة للكتاب»: الكتاب الورقي العربي شهد في السنوات الخمس الأخيرة تنامياً ملحوظاً أدباء وباحثون لغويون: العربيّة هي الأسرع تطوّراً والأوسع تأثيراً بين لغات العالم

المقاربة السينمائية
من جانبها، لفتت د. مانيا سويد إلى أن كلّاً من السينما والأدب يخدم الآخر، وقالت: «الكثير من الروايات العظيمة حين تحولت إلى أفلام برؤى مخرجين مبدعين، أضافت للأفلام قيمة جديدة، لكن لا بد أن نعي أمراً مهماً، وهو أن كل عمل إبداعي قائم بذاته، ويجب عدم المفاضلة بين الأعمال الفنية، فربما يفشل مخرج في تقديم رواية ما عظيمة، فلا نقول إن هذا المخرج دمر الرواية، بل ببساطة نقول لم يقدم المخرج فيلماً جميلاً».
واتفق الضيفان على ضرورة أن تعهد الروايات التي سيتم تحويلها لفيلم لكاتب سيناريو متخصص وماهر، واعٍ لما يجب أن تقوله السينما، مشددين على أهمية أن يعي السينمائي أنه يجب ألا يكرر بالحرف ما تم ذكره في الرواية.
وقدم الضيفان مقاربة لتأثر الرواية بصرياً بعوالم السينما، موضحين أنه من المهم ألا يقع الروائي ضحيةً للمشهدية الطافحة التي تتميز بها السينما، ويتحوّل فعل القراءة في الرواية إلى فعل مشاهدة لفيلم مصوّر، فمهمة الرواية أن تمنح القارئ الحق بتخيل.
وفي إجابة الضيفين عن سؤال: «لو قدر لكل منكما أخذ قصة من بلد الآخر، وتحويلها لفيلم، أي قصة ستأخذون؟»، كان جواب ديفيد فوينكنوس أنه سيقتبس من رواية «شحاذون ونبلاء» للروائي المصري الفرنسي ألبير قصيري، مشيراً إلى أنه يأمل أن يحوّل رحلته من فرنسا للشارقة إلى فيلمٍ سينمائي من إخراجه، ويصوّر أحداثه في الشارقة، أما د. مانيا سويد، فاختارت «البؤساء» لفيكتور هوجو. 

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: معرض الشارقة الدولي للكتاب الشارقة السينما الأدب

إقرأ أيضاً:

المدائح النبوية في حب رسول الله

(1)

لا تخلو مناسبة دينية إسلامية من استدعاء سيرة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهو نبي الإسلام وخاتم المرسلين، المبلغ عن ربه مبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله برسالة السلام والمحبة والإنسانية..

وذكرى مولده صلى الله عليه وسلم أحاطها المسلمون بعنايتهم، ووجهوا اهتمامهم بكل شوقهم ومحبتهم إلى رسولهم للحديث عنه صلى الله عليه وسلم، والتفنن في التعبير عن هذا الشوق وهذه المحبة وهذا الغرام بخير خلق الله، باستدعاء سيرته الشريفة والتفنن في عرضها وترجمتها إلى أشكال وفنون من الإبداع الشعري والنثري، كان من حصيلته ظهور فن «المدائح النبوية» أو «فن المديح النبوي» في الأدب العربي.

(2)

«المدح أو المديح أو المدحة»، في العموم، وكما عرفها أساتذة الأدب العربي، فن الثناء والإكبار والاحترام، قام بين فنون الأدب العربي مقام السجل الشعري لجوانب من حياتنا التاريخية، إذ رسم نواحي عديدة من أعمال الملوك وسياسة الوزراء وشجاعة القادة وثقافة العلماء.. إلخ ما يمتدح به أصحاب العزائم والمناقب والخصال الكريمة والأفعال الشريفة والأخلاق العالية..

و«المديح النبوي» فرع من «المديح الديني» (بحسب تقسيم المرحوم سامي الدهان وتصنيفه لأنواع المديح في الأدب العربي) فهناك قصائد تمجد الخالق جل علاه، وأخرى تسرد مناقب الأنبياء وطرفا من قصصهم، وإبراز مكامن العظمة والسمو في سيرهم..

لكن جل ما وصلنا من إبداع في هذه الدائرة يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالمديح النبوي؛ وقد كانت القصائد والمطولات من الوفرة والجودة للدرجة التي أفرد لها باحثون ومتخصصون الكتب الكاملة لجمعها وإحصائها أولا، وتصنيفها وترتيبها بحسب أغراضها وبنائها الفني ثانيا، ثم تحليل نماذج منها والوقوف على جمالياتها وما نتج عنها من روافد تشكيلية ولغوية وجمالية خاصة عرفت في العصور المتأخرة بالبديعيات..

(3)

وكان كتاب المرحوم زكي مبارك «المدائح النبوية في الأدب العربي» من الكتب المبكرة التي توفرت على قراءة وتحليل قصائد الشعر العربي منذ عصر النبوة وحتى العصور المتأخرة، إذ صدرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب عام 1935 (بالتزامن مع صدور الطبعة الأولى من كتاب حياة محمد للدكتور محمد حسين هيكل).

في هذا الكتاب يقدم صاحب «الأخلاق عند الغزالي» معالجة استقصائية تاريخية تحليلية لأدب المديح النبوي،

معرفا به وراصدا نشأته وظهوره، ومؤرخا لمراحل تطوره وأعلام الشعراء في كل مرحلة، لم يفلت منها قصيدة أو أي نص معتبر في هذه الدائرة.. مستهلا رصده من قصائد حسان بن ثابت الأولى، ودالية الأعشى الشهيرة، ولامية كعب بن مالك التي حازت ما حازت من شهرة وذيوع:

(بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يفد مكبول)

مرورًا بظهور مدح آل بيت النبي الذي ارتبط واتصل اتصالا وثيقا بالتطورات السياسية والكلامية والتاريخية والاجتماعية في المجتمع المسلم والدولة الإسلامية التي اتسعت وتوسعت شرقا وغربا.

وهنا يتوقف المؤلف مليا أمام تنويعات من هذه المدائح لكل من الكميت ودعبل والشريف الرضي ومهيار الديلمي، وهي كلها نماذج رفيعة المستوى من الشعر، فيها التصوير وفيها العاطفة وفيها المشاعر الجياشة وفيها أيضا الحمولة المعرفية والثقافية التي اختزنت وقائع وشروط اللحظة التاريخية التي كتبت فيها. وتكاد كل قصيدة منها أو كل نص يمثل انتقالة خاصة أو نقلة نوعية بحسب زكي مبارك في فن المدائح أو في فن المديح النبوي.

(4)

ثم نتابع مع صاحب «النثر العربي في القرن الرابع الهجري» رصده الاستقصائي التاريخي لتطور فن المدائح النبوية حتى نصل إلى محطتها المشرقة البهية وألقها المنير الذي تجلى في قصيدة المديح الأشهر في أدبنا العربي كله، وأقصد البردة للإمام البوصيري، التي قيض الله لها المحبة في القلوب والحفظ في الصدور والترداد عبر العصور ناقلا عن ناقل حتى وقتنا هذا (ويمكن أن نضيف إلى بردة البوصيري كذلك ما عرف في العصور المتأخرة بالبديعيات وأبرز من قدم فيها قصائد ومطولات ابن حجة الحموي، ومثلها مدائح ابن نباتة المصري، وإن لم تنل الشهرة العارمة ذاتها التي نالها البوصيري وبردته).

ويختتم المؤلف كتابه الرائع القيم بالحديث عن المولد النبوي الشريف، وما ارتبط به من ازدهار القول الشعري والنثري على السواء، وما اتصل به كذلك من مظاهر احتفالية (رسمية كانت أم شعبية)، وبخاصة في مصر التي ازدهرت بها هذه المظاهر الاحتفالية بصورةٍ ربما لم تكن بالدرجة ذاتها في أي بقعة أخرى من بقاع العالم الإسلامي..

وسنتوقف قليلًا عند «بردة البوصيري» التي نظمها في القرن السابع الهجري، لأنها نالت ما لم ينله غيرها من قصائد المديح، على كثرتها ووفرتها وجمالها، كما أنها نالت من الاهتمام والحفظ والإنشاد والمعارضة والتشطير.. إلخ، ربما ما لم يحدث مع قصيدة أخرى في تاريخ الشعر العربي عمومًا، وفن المدائح النبوية بشكل خاص.

تفيدنا مصادر الأدب العربي، وتاريخه وتاريخ الشعر، بأن محمدًا بن سعيد البوصيري (من شعراء القرن السابع) قد وضع عددًا من القصائد في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأطال في بعضها حتى بلغ في «الهمزية» مثلا ما ينيف على الأربعمائة بيت، بسط فيها حياة النبي وفضائله ومزاياه، ورسم مولده في الليلة الغراء التي وضعته فيها آمنة بنت وهب، ثم بسط النسب الشريف وما أحاط بولادته من خوارق ومعجزات، ثم بسط القول في معجزة الرسول الكبرى ألا وهي القرآن الكريم، من رقيق اللفظ ورائق المعنى.. إلخ ما قال في الفضائل والشمائل النبوية وأخلاق الرسول الكريم وما أثر عنه صلوات الله وسلامه عليه.

(5)

أما قصيدة البردة؛ فهي بإجماع مؤرخي الأدب ونقاد الشعر وأصحاب الرأي فيه، هي أهم القصائد بين المدائح النبوية، فهي أولًا قصيدة جيدة، وهي ثانيًا أَسْيَرُ قصيدة في هذا الباب، وهي ثالثًا مصدر الوحي لكثير من القصائد التي أنشئت بعد البوصيري في مدح الرسول، بحسب زكي مبارك في كتابه وقد خصها بحديثٍ مفصل.

أما سبب تسميتها بالبردة فقد أوضحه لنا البوصيري نفسه؛ إذ يقول إنه قد أصيب بفالج أقعده، فدعا إلى الله وتشفع بالرسول صلى الله عليه وسلم، فلما كان في نومه رأى النبي فمسح وجهه بيده المباركة، وألقى عليه بردة، فانتبه فإذا هو قد شفي من مرضه، فنظمها وسماها لذلك «البردة» تيمنا وتبركا. وسارت قصتها وذاعت بين العالمين، فأنشدها الناس كذلك تيمنا وتبركا. والقصيدة تنيف على مائة وثمانين بيتا، فيها صلوات على النبي ووقوف الأنبياء ببابه يلتمسون الرضا، ويتشفعون به صلى الله عليه وسلم.

وتقع «البردة» في اثنين وثمانين ومائة بيت (182)، فهي من القصائد الطوال، وأغلب الظن عند زكي مبارك أن البوصيري قد استأنس عند نظمها بميمية ابن الفارض، ويستدل على ذلك بتشابه المطلعين، مطلع قصيدة ابن الفارض ومطلع قصيدة البوصيري (ويضيق المقام عن إيرادهما لحدود المساحة).

وتشتمل البردة على عدة عناصر: ففي صدرها النسيب، ويليه التحذير من هوى النفس، ثم مدح النبي، والكلام عن مولده ومعجزاته، ثم القرآن، والإسراء والمعراج، والجهاد، ثم التوسل والمناجاة.

والنسيب في البردة يتصل بالشوق إلى المعالم العربية، وقد لام زكي مبارك البوصيري على هذا في كتابه «الموازنة بين الشعراء» ثم تبين له فيما بعد أنه اختار تلك المواطن لصلتها بمولد الرسول، وخاصة «إذا لاحظنا أن النسيب لم يُقصد لذاته حتى يتحدث الشاعر عن هواه في بلبيس أو فاقوس، وإنما هو نسيب وقع موقع التمهيد لقصيدة دينية، ولولا حرص الشاعر على متابعة القدماء في افتتاح القصائد بالنسيب لما كان للتغزل في مثل هذه القصيدة مكان».

مقالات مشابهة

  • 408 طلاب من غزة يتابعون تعليمهم في مدينة الإمارات الإنسانية
  • الهجوم اليمني على “تل أبيب”: الرواية الرسمية الإسرائيلية تتناقض مع المشاهد الميدانية والاحتلال يعترف بفشل دفاعاته
  • سارة الأميري: مدينة الإمارات الإنسانية تحتضن أطفال غزة وتعيد لهم ثقتهم للتعلم والتعافي
  • القراءة مع صديقٍ من الدرجة الثانية.. البابا فرنسيس متحدثاً عن الأدب
  • شجار بين سائقي حافلة وسيارة في هاتاي: سائق يهاجم الآخر بسكين
  • قصة قصيرة: إثنان والعربة
  • توافق المشاعر العربية
  • المدائح النبوية في حب رسول الله
  • الديمقراطية..الرأي الآخر!
  • السيرة النبوية مصدر إلهام الدراما والسينما