سودانايل:
2025-04-27@22:20:05 GMT

عبد الله النور الجيلي.. الرحيل الموجع

تاريخ النشر: 2nd, November 2023 GMT

من العاصمة القطرية الدوحة ، تلقيت صباح اليوم (الأول من نوفمبر ٢٠٢٣) بكثير من الحزن والأسى نبأ رحيل الأستاذ عبد الله النور الجيلي .

الفقيد مربي أجيال ، تخرج في معهد (بخت الرضا) أعرق مؤسسة لاعداد المعلمين عرفها تاريخ السودان، ولعب أدورا في نشر الوعي في مناطق النيل الأبيض) و(الجزيرة ) بالسودان ، وهو من المعلمين الأوائل و البارزين الذين ساهموا في النهضة التعليمية في دولة قطر .



رحيله فقد كبير لأسرته وزملائه وأصدقائه وأحبابه والجالية السودانية ولعارفي فضله من القطريين الذين تتلمذوا على يديه ونهلوا من علمه وفنه وابداعه ، إذ سجل اسمه وعطاءه في سجل الرواد الذين عملوا بجد واجتهاد وضمير حي في مجال التعليم في دولة قطر .

الراحل فنان تشكيلي ، روائي، شاعر، انسان بطبعه ودواخله ونبضه الجميل ، مرهف الاحساس ، كريم ، شجاع ،طيب القلب ومشحون بأنبل وأجمل قيم التواضع .

على الصعيد الشخصي ربطتني بالوالد الحبيب الاستاذ عبد الله علاقة محبة يصعب وصفها، وكان بيننا بحر من الود والمودة والعناق الانساني المتميز . رغم فارق السن ، وتجربته عميقة الجذور في عالم التعليم والابداع .

خلال سنوات عملي في الدوحة (أكثر من ٣٠ عاما). توثقت بيننا جسور المحبة والاحترام المتبادل ، و شكل نبض الكلمة قاسمًا مشتركا ، وقد أهداني في تاريخ قديم بخط يده الجميل - وهو خطاط بارع- اوبريت تاريخي كتبه بعنوان ( من صوت الوطن).

أبدع في الأوبريت بتسجيل وقائع بطولات سودانية سجلها بحروف من نور قادة الثورة المهدية الذين انتصروا للسودان والسودانيين وسجلوا بحروف من نور اروع الملاحم والبطولات في تاريخ السودان والمنطقة والعالم آنذاك ، وهذا ما شهد به أعداء قبل الأصدقاء.

نشرت الأوبريت كاملا في حلقات في صحيفة (العرب ) القطرية في مرحلتها الأولى ،وكان مؤسسها و صاحبها آنذاك عميد الصحافة القطرية الراحل الأستاذ عبد الله حسين نعمه ورئيس تحريرها ابنه الأستاذ خالد عبد الله نعمة, وقد لعبت هذه الصحيفة دورا تاريخيا وحيويا في دعم تطلعات السودانيين للحرية والعدالة ، في توقيت مهم وصعب، وتلك الفترة تستحق ان أوثق لها. في وقت لاحق بعون الله.

كان راحلنا العزيز الحبيب الأحب عبد الله النور الجيلي حتى ساعة رحيله متفاعلا مع قضايا شعب السودان وهمومه وتطلعاته من أجل العيش الكريم .

بشخصيته الفذة وروحه الجميلة ونبض الانصاف الكامن في أعماقه كان مبادرا بتسجيل وقائع انجازات أبطال سودانيين قبضوا على الجمر ، في سبيل استقلال و عزة وكرامة السودان وشعبه ، من خلال الكلمة المبدعة .

بعد مغادرتي الدوحة الى لندن في العام ٢٠١٥ حرص الراحل على تعزيز جسور التواصل ، اذ كان يرسل سلامه وتحياته، ولعب ابنه المقيم في بريطانيا الأستاذ السموأل دورا في هذا التواصل بنقل رسائل الوالد ثم نقل لي كتاب أوبريت (من صوت الوطن ) بعد طباعته، وكان الراحل ارسل قبل ارسال الكتاب هدية هي زي سوداني وانا مقيم في بريطانيا ، واعتبرها من أجمل الهدايا لأنها تحمل دلالات مهمة.

في العام ٢٠١٩ سعدت بتلقي دعوة كريمة من شخصية قطرية رفيعة المستوى ، لزيارة قطر وكانت هي الأولى بعد المغادرة ، وشكلت زيارة الدوحة فرصة،اذ حرصت رغم قصر فترة الزيارة على زيارة الراحل الصديق في بيته في ١٦ نوفمبر ٢٠١٩ .

رافقني مشكورا الاخ العزيز المهندس جمال موسى الزين ، هناك سعدت بلقائه، وجدته كما عرفته لم يزده تعاقب السنين الا مزيدا من التواضع والكرم والتواضع والمحبة النابعة من دفء الأعماق، فكان عناقا حارا، وحيويا .

عدت الى لندن ، وبعدما علم الراحل باصابتي بمرض السرطان ، والحمد لله و - حماكم الله وشفى كل المرضى-
فقد أرسل تسجيلا صوتيا سكب فيه عصارة محبته وانسانيته وعطفه وروائع وجدانه الزاخر بالحنين والدعاء والايمان العميق برب السموات والأرض وما بينهما .

قال بصوته الدافيء ،وكنت استمع اليه وأعرف ان يتكلم وتنساب الدموع من عينيه ( السلام عليكم ياولدي محمد المكي، سلامتك يازول، أجر وحسنة ، كلمني السموأل، سلامتك يا رجل، الف أجر وحسنة، اصبر ، أصبر ، نشكر الله الذي لا يحمد على مكروه سواه، ان شاء الله نشوفك،الله يخليك يا محمد، الله يسلمك، الله يبارك فيك، ماقصرتوا، كله خير يا ولدي، سلم على الأسرة كلها واولادنا والأهل ،الله يخليك، الله يحفظك ).

لم يستطع ان يواصل الكلام في التسجيل الصوتي …….. بسبب قوة تدفق مشاعره وعواطفه ومحبته التي اعتز بها وستبقى قوة دفع لتمتين علاقتي بأسرته الكريمة أكثر من أي وقت مضى لو كان في العمر بقية .

هذه حروف أكتبها بحزن وألم شديد في وداع الوالد والأخ والصديق والحبيب والمبدع الأستاذ عبد الله النور الجيلي، فبرحيله فقد سودانيو قطر رجلا من أبرز رجال التعليم وعلما من أعلام الوطنية التي تسمو فوق (الأنا ) .

السودانيون،وخصوصا القابضون على أنفاس الناس، محتاجون في زمن الحرب والبؤس والتشرد والنزوح وانتشار الحقد، والكراهية وأمراضها،
للتعلم من قيم ومباديء آمن بها عبد الله النور الجيلي وجسدها بالقول والعمل،وفي صدارتها نشر المحبة بين الناس لا سفك الدماء .

نسأل الله ان يتغمد الفقيد،ابن (الملاحة ) البار بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء بقدر ما قدم لوطنه السودان وقطر من اسهامات وأدوار تعليمية وتربوية وابداعية .

أحر التعازي الى أبنائه النور والفياض والسموأل ومحمد وبناته وأحفاده ،وكل أفراد الأسرة الكريمة والأهل في الدوحة والسودان .
(إنا لله وإنا اليه راجعون)
لندن ١-١١-٢٠٢٣

modalmakki@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

إبراهيم شقلاوي يكتب: قَدَر البرهان وعفوية حماد عبد الله

في مشهد بدا عفويًا، التقى رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، خلال زيارته أمس لمنطقة الدندر، بالمواطن “حماد عبد الله حماد” الذي اشتهر قبل أشهر بمقطع متداول عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عقب ظهوره بشكل عفوي أمام كاميرا تلفزيون السودان بعد اندلاع الحرب. الرجل بدأ حديثه حينها بتمجيد الجيش السوداني، لكنه سرعان ما أطلق عبارة مباشرة، وغير محتشمة تجاه مليشيا الدعم السريع، أربكت المذيع، ومنعها لاحقًا الإعلام الرسمي من البث، لكنها انتشرت مجتزأة وأصبحت مادة واسعة التداول بين جمهور منصات التواصل الاجتماعي.

تلك الواقعة تعود إلى لحظة صادقة انفجرت من وجدان مواطن سوداني بسيط، عايش بمرارة فظائع هذه الحرب، وذاق، كما غيره من السودانيين، مرارة الانتهاكات التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع بحق المدنيين والبنى التحتية، في تعدٍّ لا يُمكن وصفه إلا بأنه ممنهج وبعيد عن كل قواعد القانون الدولي والإنساني.

زيارة البرهان للدندر، ولقاؤه بحماد عبد الله، وإن أثارت الكثير من التفاعل، يجب أن تُقرأ في سياقها الإنساني أكثر من كونها موقفًا سياسيًا. فالمنطقة، كغيرها من بقاع السودان، لم تكن بمعزل عن تداعيات الحرب، ومواطنوها، الذين عانوا من التهجير والانتهاكات، ربما وجدوا في ذلك اللقاء رسالة تضامن، أو اعترافًا ضمنيًا بما عاشوه من أهوال.. وكان من الطبيعي أن تكون القيادة قريبة من شعبها في هذه اللحظات الفارقة.

لكن تبقى هناك حساسية رمزية لا يمكن إغفالها، إذ إن اللقاء، دون ضبط لسياقه الإعلامي أو توضيح لمقاصده، منح صدىً متجددًا لخطاب شعبي عُرف بفجاجة مفرداته، التي حاول البعض اتخاذها تجريمًا للموقف. وهنا يبرز التحدي الحقيقي: كيف نوازن بين التعبير الشعبي المشروع، والارتقاء بخطاب الدولة، دون أن نُسقط من حسابنا الجراح التي ما زالت تنزف؟

وفي هذا السياق، تبرز دلالة الآية الكريمة من سورة النساء، حيث يقول تعالى: ﴿لَا يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوٓءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَۚ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا﴾ (الآية: 148).
وهي آية عظيمة تُرشد إلى أن الجهر بالسوء – وإن كان مكروهًا – فقد يُباح للمظلوم، دون أن يتجاوز. فالظلم لا يُعطي الإنسان تفويضًا مفتوحًا في القول، بل مساحة من التعبير المشروط بالعدل وضبط اللسان، لأن الله سميع لما يُقال، عليم بما تُخفي الصدور.. وإن صبر فهو خير له.

لذلك ليس من العدل تحميل رئيس مجلس السيادة وزر كل انفعال شعبي، خصوصًا في ظل الفظائع المتكررة التي ارتكبتها المليشيا بحق الوطن والمواطن، لكن من حقنا، في المقابل، أن نتساءل عن ملامح الخطاب العام الذي يُبنى في هذه المرحلة المفصلية. فالحرب ليست فقط معركة على الأرض، بل معركة في المعنى واللغة والمستقبل.

السودان اليوم لا يحتاج إلى بطولات لفظية، بل إلى خطاب رصين يُواسي المنكوبين، ويؤسس لمشروع وطني جامع. أما الذين صنعتهم الصدف الإعلامية، فمكانهم ربما في ذاكرة الطُرفة والمزاح العفوي ، لا على منابر القرار أو رمزية المشهد الوطني.

دمتم بخير وعافية..

إبراهيم شقلاوي
الوان

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • إبراهيم شقلاوي يكتب: قَدَر البرهان وعفوية حماد عبد الله
  • رزق راغب ضيف الله ناعيا شقيقه: عمل الخير ومعاملة المواطنين برفق تشهد له
  • مجلس النواب يعلن خلو مقعد النائب سعداوي راغب ضيف الله
  • مجلس النواب يعلن خلو مقعد النائب الراحل سعداوي راغب ضيف الله
  • شكراً أخانا عثمان نور (إبن المسلمية المخلص) علي هذه الكلمات الطيبات في حق الراحل والد الجميع الخليفة فضل المولي عبد الرحمن قرشي
  • القاهرة الإخبارية: مسيرة تتبع قوات الدعم السريع تستهدف مصفاة الجيلي
  • مسيرات تقصف مصفاة الجيلي لتكرير البترول بالخرطوم وتصاعد ألسنة اللهب والدخان
  • نوبة صَحَيَانْ، لكافة أهل السودان
  • أمسية وفاء باتحاد كُتّاب مصر تحيي سيرة شاعر ومفكر السودان الكبير الراحل محمد المكي إبراهيم
  • مدير تعليم الجزيرة يقف على سير امتحان أعمال الورش العملي بمدني