سودانايل:
2024-12-26@05:07:16 GMT

دارفور وكردفان…ومصير السودان؟

تاريخ النشر: 2nd, November 2023 GMT

دارفور وكردفان كانتا وما تزالا الرافد الحيوي للحراك الوطني السوداني منذ اندلاع الثورة الوطنية الأولى، فاذا ما عطس الاقليمان أصيبت الخرطوم بالزكام وربما الكورونا، فالمراقب لحركة الفعل السياسي والعسكري في الإقليمين المثيرين للجدل، يلحظ قوة الدفع العظمى التي يتمتع بها هذان الجزءان الممتدان من جغرافيا وديموغرافيا السودان، فعند حدوث التحولات الكبرى نرى هذين الجزئين ماثلين في الأحداث الكبرى المحددة لاتجاهات بوصلة الوطن الأم، ويأتي دورهما التاريخي في كونهما يعتبران المخزون الأول للمورد البشري والاقتصادي بالنسبة للدولة، فكان لهذين العاملين التأثير الفاعل في حسم المعارك التي تدور بين المتنافسين على السلطة المركزية، سواء كانت المنافسة الشريفة (الديمقراطية)، أو غير ذلك ( القاعدة العسكرية)، وللأسف تعاملت النخبة والصفوة الحاكمة بعد الاستقلال مع هذا المحزون البشري والمادي باستغلالية وانتهازية مشهودة، فلم يصحو ضمير النخبة لتعير بالاً للجوانب التنموية الريفية، وجعلت الاقليمين مجرد حدائق وزرائب خلفية تؤمن الغذاء ومردودات التجارة، لحفنة من الأفندية امتصوا طاقات شباب الريف لسنوات تجاوزت الستين، وحصروا المنفعة الاقتصادية في مركز البلاد ما أدى إلى الهجرات الجماعية للعاصمة وعواصم أقاليم أواسط السودان، ولم يدر بخلد المترفين أن التنمية المتوازنة هي أساس الاستقرار السياسي والاجتماعي.


ما أضر باستقرار المجتمعات السودانية هو استمراء النخب السياسية لممارسة سياسة فرق تسد الاستعمارية، فجعلوا من الصراع السياسي مدخلاً للحروب الأهلية، حيث أدى التضييق السياسي والديني بسكان جنوب السودان للاكتواء بنار الحرب منذ ما قبل الاستقلال منتصف القرن الفائت، وحتى مدخل الألفية الثالثة، الحرب التي استنزفت الموردين البشري والاقتصادي، وفي نهاية المطاف أجبرت الجنوب الحبيب على الذهاب لحال سبيله، فلم تتعظ الصفوة من خطيئة فصل الوطن، وتمادت في إحداث الفوضى الدستورية والعشوائية الإدارية، فتمددت رقعة الحرب الى اقاليم دارفور وكردفان والنيل الأزرق، ومثلما فعل جهاز الدولة المتحكم عليه بأقلية لا تتجاوز أصابع اليدين والقدمين، لم يتورع دهاقنة الحكم المركزي الباطش من الاستمرار في شن الغارات الجوية، على القرى والسكان الريفيين بهذه الأقاليم، إلى أن جاء القرار الجمعي للشعوب السودانية في ديسمبر الشهير، فانحنت الصفوة لعبور عواصف وأعاصير التسونامي الديسمبري، ثم اجهزت على جنين الثورة الوليد بعد حين، لكن إرادة الريفيين لا تقهر، فما فتئوا أن انقضّوا على الصفوة منتصف ابريل من العام الحالي، حينما أخذ التجبر والتكبر مأخذاً من النخبة، فقررت إبادة الريفيين إبادة لا إنسانية عنيفة وبشعة، بالتآمر مع بعض الدوائر الإقليمية لحرق القوة العسكرية للريفيين التي أعانت ذات النخبة في يوم ما على الثبات على الكرسي.
من سوء حظ الصفوة القليلة العدد أنها لم تقرأ تاريخ الإقليمين، الذين ينحدر منهما الريفيون المدججون بالسلاح تحت راية حماية الوطن، ولم تستفد الصفوة من دروس الثورة الأولى التي انطلقت من جبل قدير، فوقعت في شر أعمالها، وانقلب السحر عليها، وحدث ما حدث، لم يستطع غرور المنظرين الكبار للمعتدين المختطفين لقرار المؤسسة العسكرية، أن يكبح جماح المنحدرين من أصلاب أبطال الثورة الأولى، فأعاد التاريخ معارك شيكان والجزيرة أبا وفتح الخرطوم، مع اختلاف طفيف بين أعداء اليوم وأغراب الأمس، فاليوم يقاتل الوطنيون الأحرار عملاء المستعمر الأول الذي قضى على الثورة والدولة الأولى، وكذلك اليوم يتحصن العملاء بقلاع الجهوية والكراهية الصارخة، في سبيل دحر من أطلقوا عليهم العابرين للحدود الغربية، إمعاناً من الصفوة في حفر وتعميق المزيد من الجراح بين شعوب الوطن الإفريقي الواحد، لم يتخلص الصفويون من عقدة المستعمر، فتماهوا مع سلوكه وتبنوا لؤمه وخبثه، فكرّسوا للفصام المجتمعي ومازالوا، بين المكونات السكانية التي جمعتها الممالك القديمة والسلطنات العريقة المتجاورة والمتعاونة في السراء والضراء، وكما قاد اقليما دارفور وكردفان ثورة التحرير الأولى، ها هما الآن يقدمان الأنموذج السابق فداءً لضحايا جيش دويلة الصفوة الذي أسسه المستعمر، وبشريات النصر قد رفعت راياتها في مدن كردفان ودارفور، إيذاناً بانطلاقة ثورة التحرير الثانية، ومن جبل قدير أيضاً.

إسماعيل عبدالله
2نوفمبر2023
ismeel1@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: دارفور وکردفان

إقرأ أيضاً:

السودان: ثورات تبحث عن علم سياسي (2-2)

عبد الله علي إبراهيم

ملخص
أفضل مَن شخّص التغيير واصطراع القوى حوله بعد ثوراتنا الثلاث هو منصور خالد في كتابات له بعد ثورة أكتوبر عام 1964 نشرها في كتابه "حوار مع الصفوة" (1979). فالصراع عنده قائم بين بما قد نصطلح عليه بـ"القوى الكسبية" و"القوى الإرثية". فالقوى الكسبية هي التي اشتهرت بالأفندية وهي طبقة طارئة على المجتمع السوداني أسسها الاستعمار الإنجليزي لأغراضه وتقلدت منزلتها كسباً. وهذا بخلاف الطبقة الإرثية التي قال منصور إنها تليدة وعليها ركائز المجتمع "الوصائي" (الأبوي) في العشائر والطرق الصوفية في الريف بخاصة، وتعلي النسب على الكسب. وقلنا أن الطبقة الكسبية في مأزق: فالديمقراطية هي بيئتها المثالية ولكن الديمقراطية الليبرالية (صوت لكل مواطن مستحق) تحول دونها والتمثيل الفعلي في البرلمان لأن الواحد من الطبقة الإرثية له صوته وأصوات شيعته كلها كما تجري العبارة.

جاءت الطبقة الكسبية بمأزقها مع الديمقراطية إلى ساحة ثورتي 1964 وأبريل 1985، وكان التغيير الجذري الذي طلبته هو إصلاح عميق في البرلمانية يأذن لها بتمثيل مرموق فيها يمكّنها من وضع بصمتها على التشريع صوب الحداثة. فسعت في ذلك الإصلاح إلى "التحايل"، إذا شئت، على مبدأ "صوت واحد للمواطن" الذي يربح منه الإرثيون بينما يكاد يلغي وجود الكسبيين في البرلمان. وكان لب اقتراح طبقة الكسب هو افتراع كليات مهنية وقطاعية انتخابية لها فيها نفوذ مؤكد تكسر به حدة غزارة جمهور الطبقة الإرثية.
فتبنت الطبقة الكسبية، ناظرة لمأزقها السياسي المشاهد، ثلاثة إصلاحات تؤمن بها لنفسها تمثيلاً معتبراً في البرلمان يعوضها قلة نفرها الاقتراعية.
الإصلاح الأول
طالبت هذه القوى مرتين بعد ثورتي 1964 و1985، تطويل المرحلة الانتقالية قبل إجراء الانتخابات للجمعية التأسيسية المنتظرة، فواضح أنهم كانوا يريدون شراء الوقت وهم في "عسى ولعل" أن دروس الثورة والتغيير تنسرب لوعي الجمهور، فيميل ناحيتها ويرجح كفتها في تلك الانتخابات، وكانت الأحزاب التقليدية تريد الفترة الانتقالية "قصيرة وعسل" في عبارة إنجليزية ماتعة. فطمعت الطبقة الكسبية بعد انتفاضة 1985 أن تطول الفترة الانتقالية لخمس سنوات، وكانت حجتهم للتطويل أن البلد بحاجة إليه لإزالة "آثار مايو"، أي حكم نميري الذي جاء بانقلاب في مايو (أيار) عام 1969، ووضع القواعد لسودان ليبرالي موحد. ثم اكتفوا بسنتين للمهمة الانتقالية في مفاوضات صاخبة مع الطبقة الإرثية والمجلس العسكري الانتقالي الذي فرض ولايته على البلاد بعد نجاح الثورة بعزم التدرج بها للحكم الديمقراطي. وقد أرادها المجلس أيضاً قصيرة وعابرة، ثم عادت القوى الحديثة من الغنيمة بعام واحد للفترة المقصودة لإصرار المجلس والقوى التقليدية على تقصير الفترة الانتقالية. وفي ثورة 2018 نجحت هذه القوى بجعل الفترة الانتقالية ثلاث سنوات قابلة للتمديد.

الإصلاح الثاني
وكانت حيلة الطبقة الكسبية الثانية أن يقوموا بإصلاح يؤمن لهم تقلد زمام الفترة الانتقالية وما بعدها، فبعد ثورة أكتوبر نادوا بأن تصبح جبهة الهيئات التي قادت الثورة كياناً دائماً ليؤمن مسار الثورة، ورفضت القوى الإرثية تلك الدعوة ووجهت منسوبيها للتحريض على سحب نقاباتهم من عضويتها. وعام 1985 اقترحوا حكومة ثلاثية التكوين قوامها مجلس وزراء تنتخب النقابات 60 في المئة من عضويته، ويأتي 40 في المئة منه من الأحزاب الإرثية مع حرمان الإخوان المسلمين (الجبهة الإسلامية القومية) من التمثيل فيه جزاء وفاقاً لتعاونهم مع نظام الرئيس نميري حتى قبيل خلعه بقليل، ومجلس منتخب من النقابات بمثابة مجلس تشريعي، إضافة إلى مجلس سيادة، ورفضت القوى الإرثية الخطة بالكلية.

الإصلاح الثالث
وجاءت مشاريع إصلاح النظام الانتخابي للقوى الكسبية متوافقة مع خطتها لاكتساب الغلبة في البرلمان المنتظر غلبةً لا تستحقها بأعدادها القليلة بين السكان، فبعد ثورة أكتوبر 1964 استلهموا تجربة الناصرية فطالبوا بأن تقوم الانتخابات، إلى جانب الأسس الجغرافية، في دوائر مخصصة لمهن الناخبين وقطاعاتهم، وعليه ستكون للعمال والمزارعين والمثقفين دوائر مخصصة. وأذاع الحزب الشيوعي في ديسمبر 1985 مشروعاً لإصلاح الانتخابات جعل للقوى الحديثة 110 مقاعد في برلمان منتظر من 360 مقعداً، وجعل للعمال 35 مقعداً وللمثقفين المهنيين 15 مقعداً. واقترح التحالف النقابي الوطني الذي قاد الانتفاضة في 1985 برلماناً من 225 مقعداً جعل للعمال منها 19 مقعداً. ووقف "الحزب الاتحادي الديمقراطي"، المشكّل من القوى الإرثية، بقوة ضد أي مشروع لتمثيل القوى الحديثة. ولم تقوَ لجنة الانتخابات على بتّ الخلاف الذي نشأ حول المسألة. واجتمعت مع المجلس العسكري الذي رفض فكرة تمثيل هذه القوى بترتيب غير الانتخاب بصوت لكل مواطن.

الثورات والتغيير
إذا كان التغيير الجذري شرط بعض نخبتنا لتسمية الحراك الذي أسقط نظاماً قديماً ثورة، فواضح من عرضنا أن الثورات السودانية لم تخلُ من رؤية للتغيير، أو همة لتنزيله كسياسات للدولة بعد سقوط النظام. فلا يجوز نزع صفة الثورة من ثورات السودان إذا بدا لهؤلاء الكتّاب أنه لم يتغير شيء بعد سقوط النظام، والأحرى بهم تحري الأسباب التي أدت إلى "إجهاض" ذلك التغيير لا قبوله ضمن طبائع الأشياء. فقد كان الصراع حول مشروع التغيير الانتخابي الذي طرحته القوى الكسبية صدامياً، لا كما وصفه الأكاديمي عبدالوهاب الأفندي الذي قال إن حصيلة ثورة أكتوبر، مهما قلنا عنها، تطور طبيعي "في إطار تفاهمات وتنافس نخبة صغيرة تتشارك في الرؤى والمصالح، جرت في جو حميمي أقرب إلى الاسترخاء منه إلى الانفجار". فيكفي أن القوى الإرثية التي كرهت مشروع القوى الكسبية الانتخابية وغيرها، روعت الخرطوم بتحشيد جماهيرها من الريف في شوارعها في الـ18 من فبراير (شباط) عام 1965 لتُسقط حكومة ثورة أكتوبر الأولى التي غلبت فيها القوى الكسبية على الإرثية. فاستقال سر الختم الخليفة، رئيس الوزراء، ولم يمضِ في الحكم سوى أربعة أشهر، حرصاً، في قوله، "على مصلحة البلاد وسلامتها وعلى تجنيب أبنائها الشقاق والخلاف الحاد".
اشتراط وقوع التغيير بالثورة ضربة لازب وإلا انتفت عنها صفة الثورة، وجه آخر من وجوه قلة حيلة علم السياسة عندنا في دراسة الصراع في الفكر والممارسة على بينة من صدام الإرادات والمصالح والرؤى. فالثورة التي قصرت دون التغيير في رأي هذا العلم ليست من الثورة في شيء. وهذا الحكم عقوبة وليس تحليلاً ترحل بالمسألة لضبط المصطلح لا لدراسة معينة في ديناميكية إجهاض الثورة.

محمد هاشم عوض كتابه البلوتوكرسي شخص فيه باكراً أزمة الطبقة الكسبية مع الديمقراطية الليبرالية

ibrahima@missouri.edu

   

مقالات مشابهة

  • تقدم الجيش السوداني في دارفور هل يغير معادلات الحرب في السودان؟ ؟
  • أطباء بلا حدود: خطر المجاعة والموت يهدد الجميع بجنوب دارفور
  • ما بعد الأحزاب.. مستقبل السياسة في السودان
  • ???? إلى الحمقى الذين يطالبون بفصل دارفور
  • مرصد عالمي: المجاعة تتفشى في السودان
  • من أهداف حرب السودان … قتل ثورته
  • البرهان يدعو الأمم المتحدة إلى اتخاذ إجراءات لتنفيذ القرارات الخاصة بوقف إدخال السلاح لدارفور
  • البرهان يدعو الأمم المتحدة لاتخاذ إجراءات لوقف إدخال السلاح إلى دارفور
  • السودان..« قوات الدعم السريع» تسيطر على قاعدة عسكرية في دارفور
  • السودان: ثورات تبحث عن علم سياسي (2-2)