مفاوضات جدة… نافذة الرجاء السوداني
تاريخ النشر: 2nd, November 2023 GMT
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط
حين تطالع عيون القراء هذه الأحرف يفترض أن تكون مفاوضات جدة بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» قد بدأت أعمالها برعاية سعودية - أميركية، بعد انقطاع استمر أكثر من 4 أشهر. وكانت المفاوضات قد بدأت بعد أسبوعين من انفجار القتال في العاصمة الخرطوم في 15 أبريل (نيسان) الماضي، وعقدت عدداً من الجولات، وتم الاتفاق على وقف إطلاق النار والتوقيع على اتفاق هدنة أكثر من مرة، لكن لم يتم الالتزام بهذه الاتفاقات، وتبادل الطرفان الاتهامات بخرقها، مما دفع الوسطاء لإعلان تجميد المفاوضات في الأول من يونيو (حزيران) الماضي؛ «لعدم جدية الطرفين».
توقفت المفاوضات... ولم يتوقف القتال منذ ذلك الوقت، وامتد إلى عدد من الولايات، وتدهورت الأوضاع في العاصمة الخرطوم بمدنها الثلاث، وتمددت سيطرة قوات «الدعم السريع» على مناطق كبيرة، بخاصة في منطقة شرق النيل التي تشمل الخرطوم بحري وضواحيها. وفقدت القوات المسلحة مناطق استراتيجية منها مصنع اليرموك للصناعات العسكرية، وقيادة الاحتياطي المركزي، وحاصرت مناطق أخرى، بينما استطاعت القوات الموجودة في سلاح المهندسين ومنطقة كرري العسكرية، بما فيها قاعدة وادي سيدنا الجوية، الصمود أمام هجمات قوات «الدعم السريع».
على الصعيد الإنساني تدهورت الأوضاع أيضاً في العاصمة والولايات بسبب نزوح مئات الآلاف من العائلات إلى المدن الأخرى، واستمرت دورة قتل المدنيين بسبب القصف العشوائي والجوي من الطرفين. لكن كان الوجه الأبرز للمعاناة الإنسانية يتمثل في عمليات السلب والنهب والاستيلاء على منازل وسيارات وممتلكات المواطنين في المناطق التي تسيطر عليها قوات «الدعم السريع»، بفعل مباشر من هذه القوات، أو بتسهيل مهمة اللصوص الذين ينهبون المنازل، ولم تنجُ معظم مناطق العاصمة من هذه العمليات، كما وقع بعضها في مناطق سيطرة الجيش.
خلال هذه الفترة انقسم المجتمع السوداني بشكل لم يحدث من قبل، وباصطفافات جديدة غير التي كانت موجودة. كان هناك مؤيدون للحرب من البداية باعتبارها ستغير خريطة توازن القوى لمصلحتهم، وستضعف القوى المدنية غير المسلحة، ويتساوى في هذا الظن قيادات «الدعم السريع»، والمجموعات المسيسة المنتمية لنظام الإنقاذ داخل المؤسسة العسكرية. ويمكن القول إن هؤلاء لم يكونوا أغلبية، ثم تسببت ممارسات قوات «الدعم السريع» في تحول مواقف مجموعات أخرى من القوى الاجتماعية المدنية التي انحازت للقوات المسلحة وصارت تدعم استمرار الحرب حتى القضاء على قوات «الدعم السريع». وشهدت وسائل التواصل الاجتماعي حرباً أخرى بين المجموعات المختلفة، لم تكن حدتها أقل من حدة المعارك الميدانية. مؤيدو استمرار الحرب، يصنفون كل من يعارضون الحرب من البداية بأنهم خونة وداعمون لقوات «الدعم السريع»؛ لأنهم يستقوون بها في مواقفهم السياسية، ويخافون من انتصار الجيش عليها. وأنصار شعار «لا للحرب»، أو بعضهم على الأقل، من جانبهم، يصنفون كل مؤيد لاستمرار الحرب باعتباره مؤيداً لفلول النظام السابق وداعماً لمخططهم للقفز على السلطة عبر دبابات القوات المسلحة.
بالتأكيد كانت هناك أصوات هنا وهناك تحاول أن تدفع بعدد من الأسئلة والاحتمالات لعقلنة الحوار والنقاش الدائر، ومن ثم محاولة بناء المواقف على هذا الأساس العقلاني. فالموقف على الأرض كان من الوضوح لكل عاقل يريد أن يقرأ بعقله، لا بعواطفه، قوات «الدعم السريع» تتقدم وتحتل مواقع جديدة، وقوات الجيش تتمترس في قواعدها العسكرية من دون محاولة الخروج. ورأى كثيرون أن استمرار الحرب بهذه الطريقة وانتصار قوات «الدعم السريع» قد يعني وبشكل واضح لا لبس فيه انهيار الدولة السودانية وتمزقها، وأن وقف الحرب والاتجاه للتفاوض سيحافظان على ما تبقى من عظم الجيش السوداني ليتم البناء عليه بعد عملية إصلاح شاملة تضمن بناء جيش قومي مهني موحد.
وكان واضحاً كذلك أن قوات «الدعم السريع» قد منيت بخسائر فادحة، واستعانت بمقاتلين قبليين يعملون على أساس الغنائم التي ينهبونها، وليس على أساس أي جيش نظامي، وكان هذا ما شكل خطورة على القوات نفسها، لذلك صارت تكرر ترحيبها بالتفاوض.
من ناحية أخرى، فقد كانت قيادة الجيش المحاصرة داخل القيادة العامة خاضعة لابتزاز الإسلاميين وضغوطهم لاستمرار الحرب التي وظفوا لها كتائب منظمة تعمل على وسائل التواصل الاجتماعي، وتجرم أي دعوة للتفاوض.
خروج الفريق عبد الفتاح البرهان من حصار القيادة العامة، ومن ثم تبعه خروج الفريق شمس الدين الكباشي، والفرصة التي أتيحت للبرهان لمقابلة رؤساء وزعماء دول المنطقة، ومتابعة ردود الفعل المحلية والإقليمية والعالمية، وقراءة الواقع الميداني، ساعد في اتخاذ القرار الذي تأخر كثيراً باستئناف التفاوض، وربما احتاج الأمر لتهيئة الأجواء داخل القوات المسلحة، وإجراء حوار داخلي، يحترم مشاعر الجنود والضباط الذين ودعوا إخوة وزملاء استشهدوا في هذه الحرب، ويعمل في الوقت نفسه على المحافظة على أرواح ودماء أبناء الشعب السوداني من النظاميين والمدنيين.
هذا التفاوض يفتح نافذة للأمل بأن تتوقف الحرب بأسرع ما يمكن، وتنصرف جهود السودانيين لمداواة الجراح ومعالجة أسباب الحرب، والاتجاه لبناء بلد دمرته مطامع وأهواء بعض أبنائه، قبل إلقاء اللوم على القوى الخارجية، وهي مهمة عسيرة بالتأكيد، ولن تتحقق بخطوة واحدة، لكنها تبدأ بهذه الخطوة... لعل وعسى.
https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A3%D9%8A/4633046-%C2%AB%D9%85%D9%81%D8%A7%D9%88%D8%B6%D8%A7%D8%AA-%D8%AC%D8%AF%D8%A9%C2%BB-%D9%86%D8%A7%D9%81%D8%B0%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AC%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86%D9%8A
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
الجيش السوداني يستعيد سنجة.. البرهان يتعهد بتحرير المزيد (شاهد)
أعلن الجيش السوداني، السبت، استعادة السيطرة على مدينة سنجة، عاصمة ولاية سنار جنوب شرق البلاد، بعد مواجهات مع قوات الدعم السريع التي كانت قد سيطرت على المدينة وأجزاء كبيرة من الولاية منذ حزيران/ يونيو الماضي.
ونشرت وحدات الجيش التي دخلت إلى سنجة مقاطع فيديو تظهر تواجدها داخل المدينة، معلنة تحريرها، ومتعهدة بمواصلة العمليات لتحرير باقي المناطق الواقعة تحت سيطرة الدعم السريع في ولايات سنار، الجزيرة، الخرطوم، ودارفور.
ووصل رئيس مجلس السيادة السوداني والقائد العام للقوات المسلحة، عبد الفتاح البرهان، السبت، إلى مدينة سنجة بعد إعلان تحريرها من سيطرة الدعم السريع.
وأكد البرهان خلال زيارته أن المدينة عادت إلى حضن الوطن، متفقدا سير العمليات العسكرية في محور ولاية سنار، حيث يواصل الجيش عملياته لاستعادة السيطرة على المناطق المتبقية تحت سيطرة قوات الدعم السريع.
في حزيران/ يونيو الماضي، تمكنت قوات الدعم السريع من السيطرة على مدينة سنجة بعد مواجهات عنيفة مع الجيش السوداني في ولاية سنار.
وتوسعت قوات الدعم السريع شرقًا في الولاية، حيث سيطرت على مدن مثل السوكي، والدندر، وكركوج، وأم بنين، إلى جانب عدد كبير من القرى الواقعة على الضفة الشرقية لنهر النيل الأزرق.
وتسبب سقوط سنجة وقتها في نزوح أكثر من 55 ألف مواطن من المدينة والقرى المجاورة، مما زاد من حدة الأزمة الإنسانية في المنطقة.
واتهمت منظمات حقوقية قوات الدعم السريع بمواصلة انتهاكاتها ضد المدنيين في ولاية الجزيرة وسط السودان، مما أدى إلى نزوح آلاف الأسر.
وأعلنت منظمة الهجرة الدولية، الجمعة الماضية، نزوح نحو ستة آلاف أسرة من بلدة التكينة شمالي ولاية الجزيرة، بسبب هجمات نفذتها قوات الدعم السريع.
وشهدت الولاية تجدد الاشتباكات بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني في 20 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، عقب انشقاق القيادي في قوات الدعم السريع، أبو عاقلة كيكل، وإعلانه الانضمام إلى صفوف الجيش السوداني.
وتأتي هذه التطورات في ظل تفاقم الأوضاع الإنسانية والأمنية في ولاية الجزيرة، مع تصاعد العنف المستمر في عدة مناطق بالسودان.
نزوح آلاف الأسر من التكينة
وأعلنت منظمة الهجرة الدولية، في بيان لها٬ أن نحو 6 الاف أسرة نزحت من بلدة التكينة والقرى المحيطة بها في ولاية الجزيرة 20 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، بسبب هجمات نفذتها قوات الدعم السريع.
وأوضح البيان أن الأسر النازحة لجأت إلى مواقع مختلفة، شملت مدينة الحصاحيصا في ولاية الجزيرة، ومناطق شرق النيل في الخرطوم، وولاية نهر النيل شمال البلاد، بحثًا عن مأوى.
وتأتي هذه الموجة الجديدة من النزوح في ظل تدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية بالسودان، نتيجة استمرار العنف والاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع.
25 ألف قتيل و10 ملايين نازح ولاجئ
منذ منتصف نيسان/ أبريل 2023، يخوض الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) حربًا دامية أسفرت عن مقتل نحو 25 ألف شخص وتشريد حوالي 10 ملايين نازح ولاجئ.
وامتد القتال إلى 13 ولاية من أصل 18 في السودان، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية. وتزايدت الدعوات الأممية والدولية لتحرك عاجل لتجنب كارثة إنسانية تهدد الملايين، في ظل نقص حاد في الغذاء والاحتياجات الأساسية بسبب استمرار العنف.
وتواجه البلاد خطر المجاعة والموت على نطاق واسع، مع استمرار المعاناة الإنسانية في ظل غياب حلول سياسية تنهي النزاع.