تقول الحكمة : (يجب أن ترى الأشياء على حقيقتها وليس كما ترغب أو تتوقع أو تتمنى.
وما ترفض مواجهته لن تغيره).
لقد ظللت معارضا للانقاذ ومن قبلها مايو من باب أن النظم الشمولية التي حاول العسكريون حكم البلاد من خلالها لن تقود إلى سودان موحد مستقر ومتطور ، وكنت من أوائل المنادين أثناء الحراك الثوري لاسقاط نظام الانقاذ ، أن تستمر الثورة الشعبية رغم التضحيات الكبيرة المبذولة إلى نهايتها دون الرضوخ إلى أي اغراءات اعتاد العسكريون تقديمها على مضض عندما يصبح الحراك الثوري قاب قوسين أو أدنى من هدفه حتى لا يخسروا دورهم ومقعدهم في الحكم بعد نجاح الثورة.
لقد بلغت بلادنا الآن اسوا ما كنا نفترضه على أيام الحراك الثوري الأولى ، لم يعد عندي على الاقل بعد ما بلغته البلاد ما يحملني على التمسك بقناعتي السابقة من ضرورة أن ينجز الانتقال بواسطة القوى المدنية أو السياسية ، حيث أبرزت الأحداث وكشفت بوضوح شديد بعد الخامس عشر من أبريل ٢٠٢٣ ، اكتناز الساحة بتدخلات واطماع اقليمية ودولية تصل إلى حد التآمر على وحدة البلاد واحتقان اجتماعي اسفر عن وجه طبقي وانحياز جهوي واثني مدمر يغذي الصراع المسلح ، ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي في زيادة اشعاله الامر الذي غدا معه التمسك بمثل هذا القناعة في ظل ما آل اليه حال الانهزامات الاجتماعية والسياسية والصراع المسلح طوباوية ويوتوبيا مدمرة لن يتحقق معها الاستقرار والأمن ، لذا نصحت نفسي بأن ساحة الصراع على السلطة اليوم لم تعد بيد القوى المدنية الحديثة والتقليدية ، حيث تحكمت عليها وتسيدها من هم اصابعهم على الزناد، على تعددهم واختلاف مظالمهم وتوجهاتهم الظاهرة والخفية وكما قيل ( من الأفضل مواجهة الخطر مرة واحدة بدلا من البقاء في محيطه لمرات ) ولكي لا نفقد ما تبقى لنا من الوطن ونوقف تمزق نسيجنا الاجتماعي ، حفزت نفسي واحفز غيري إلى الانحياز إلى جانب المؤسسة العسكرية الدستورية ودعمها إلى أن يتوقف ازيز المدافع ، من هنا أطالب القوى المدنية والسياسية والنشطاء أن يحدوا من تخذيلهم لقواتهم المسلحة و أن تجتمع إرادتنا نحو دعمها لإدارة هذه المرحلة النارية إلى أن ينقشع دخانها و نودع ظاهرة حمل السلاح خارج المؤسسات النظامية في الدولة إلى الأبد ، وهو دعم وتاييد مقيد محدود المدة تعود من بعدها القوات المسلحة إلى وظيفتها الدستورية بعيدا عن النشاط السياسي ، تلك هي مطالب الثورة من يومها الأول، فالندعم قواتنا المسلحة إلى أن يتحقق الاستقرار الأمني في البلاد ، ويعود النازحون ويعمر الديار وتدب الحياة في المدن المهجورة ، ومن بعد ذلك يعودون إلى ثكناتهم لكي يضع الشعب دستوره و يختار حكامه ويحكم نفسه بنفسة بالآليات الديموقراطية المعلومة ، دعونا نهزم مخططات تدمير الوطن ونوقف حراكنا المدني المتضارب مع توجه القوات المسلحة الساعي نحو تأمين البلاد وتخليصها من اي قوة حاملة للسلاح عنوة أو اتفاقا حتى لا يكتب التاريخ أننا الجيل الذي مسح اسم السودان وخارطته من الكرة الأرضية.
سؤال أخير لمن فلقونا بلا للحرب ..
لمن يوجهون هذا النداء ؟
لمليشيا الدعم السريع التي ما فتئت نيران مدافعهم تهاجم مقرات الجيش والمرافق العامة وبيوت الاهالي أم القوات المسلحة التي احتمت بمعسكراتها مدافعة ؟
الشجاعة ومنطق الحق يقولان لا لاعتداءات المليشيا فإن قتالهم بعد حلهم رسيما يندرج تحت جرائم إثارة الحرب ضد الدولة والحرابة والنهب المسلح وانتهاك حقوق الانسان.
الا هل بلغت اللهم فشهد.
medali51@hotmail.com
//////////////////////
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحراک الثوری
إقرأ أيضاً:
الطواف العربي في رحاب التغيير : البحث عن دور
الطواف العربي في رحاب التغيير : البحث عن دور
بقلم : د. #لبيب_قمحاوي
التاريخ : 16/03/2025
lkamhawi@cessco.com.jo
يطوف #العرب الآن طوافاً هائماً حائراً بين ما يجري لهم في #فلسطين وما يجري للعالم حولهم من #تغييرات ، في مسعىً عربياً يائساً وبائساً للقفز على مركبة الأحداث ومحاولة التأثير فيها وعليها لما فيه مصلحتهم ، وفي أسوأ الحالات بما يمَكِّنْهم من محاولة صدّ الآثار السلبية لما يجري على #مستقبل العرب والفلسطينيين ،حتى ولو كان ذلك بأسلوب إستجدائي .
إن قوة وخطورة ما يجري من أحداث وتغييرات قد تكون في واقعها وآثارها أكبر من قدرة العرب بوضعهم الحالي على الاحتمال والفلسطينيين على القبول . العالم الجديد أصبح الآن عالم الأقوياء بالمفهوم الحديث للقوة ، والتغييرات القادمة هي بالتالي من انتاجهم ولمصلحتهم مما يعني أن القوي سوف يزداد قوة والضعيف سوف يزداد ضعفاً. إن هذا الوضع سوف يقلب العالم الحالي إلى عالم للأقوياء ليس بالمنظور التقليدي والمتعارف عليه من خلال امتلاك ترسانة من الأسلحة النووية غير القابلة عملياً للإستعمـال ، ولكن بمنظور جديد يستند إلى إمتلاك التكنولوجيا المتطورة والسيطرة على الموارد الطبيعية ووسائل الانتاج ، علماً أن المفهوم الحديث للقوة ومعناها وأهدافها سوف يرتكز تماماً على المصالح الفردية للدول القادرة والشركات الكبرى المالكة للتكنولوجيا المتقدمة ، دون أي إعتبار للبعد الإنساني وترابط مصالح المجتمع البشري كما هو متعارف عليها في النظام الدولي السائد حتى الآن .
لم يعد نهج الاستجداء والاستعطاف والتدثر بالضعف صالحاً ضمن مفاهيم النظام الدولي الجديد (قيد التشكيل) كخيار مفتوح أمام دول مثل الدول العربية في تعاملها مع الآخرين . أما إذا تحوَّل ذلك الخيار إلى واقع فإن ذلك من شأنه أن يعيد صياغة العلاقة بين الطرفين الأقوى والأضعف إلى ما يشبه العلاقة بين السيد والعبد أو الحاكم والمحكوم والتي تسمح للكيان الأقوى أن يمتص ثروات الكيان الأضعف وأن يُخْضِعَه لإرادته ولمصالحه . أساس العلاقات في النظام الدولي الجديد يستند بشكل واضح وأساسي إلى إلتقاء المصالح أو تعارضها سواء جزئياً أو كلياً، وأدواته لن تكون عسكرية بقدر ما ستكون تكنولوجية واقتصادية .
البحث عن دور يعني أن الدولة أو الدول المعنية هي في أضعف حالاتها عندما يأتي البحث عن دور كإستجابة أو كرد فعل لتحديات مفروضة من الخارج وليست نابعة من داخل الدولة المستهدفة أو إنطلاقاً من مصالحها . إن قوة الدور الذي يمكن لأي دولة أن تلعبه يتوقف على مصدر أو مصادر التحدي وأهمها ما ينبع من داخل الدولة المعنية نفسها مستنداً إلى مصالحها وأولوياتها . وهذا الأمر هو ما يحدد فيما إذا كانت الدولة المعنية بمجابهة التحدي لاعباً سياسياً أصيلاً أو لاعباً ثانوياً أو متطفلاً يلهث وراء رَكْبِ الآخرين . وفي هذا السياق ، فإن إرتباط أولويات الدولة مثلاً بأولويات الحاكم ورغباته يعكس في الواقع ضعف أو غياب المؤسسات الفاعلة وحكم القانون عن مسار الدولة المعنية ويجعل من أولوياتها أمراً مشكوكاً به وبعيداً في معظم الأحيان عن رغبات الشعب ومصالحه .
إن الإبتعاد عن نهج المجابهة في التعامل مع الخصوم الأقوياء واستبداله بنهج المقاربة وذلك بالإقتراب من أولويات أولئك الخصوم ما أمكن ومحاولة خلق علاقة عمل أو روابط إيجابية تحظى بقبول وتقدير الخصم القوي هي مؤشر على نمط العلاقات التي ستسود في النظام الدولي الجديد . وهذا سوف يفرض على الطرف الأضعف إعادة تشكيل سلم الأولويات الخاصة به أو تطويعها بما قد يجعل من نهج التنازل المسار الوحيد الممكن ومثالاً على ذلك الحالة العربية والتي تتميز بإستمرار وضع الضعف العربي السائد والتي لم يتم العمل الجدي على تلافيها .
المطلوب الآن من العرب إعادة تعريف أهدافهم وتقرير فيما اذا كانوا يريدون أن يبقوا على هامش الأحداث أو أن يكونوا جزأً من صناعتها . وهذا الأمر يتطلب تَمَلُك الرغبة والقدرة على إعادة تنظيم البيت العربي وتقوية مؤسسات العمل العربي المشترك وجعلها أكثر فعالية وقدرة على الإنجاز وبما يسمح لمجموعة الدول العربية أن تدافع عن مصالحها كوحدة واحدة سواء أمنياً أو اقتصادياً أو سياسياً . وعلى أية حال ، فإن مثل ذلك التحول يتطلب توفر الإرادة والشجاعة على التغيير من خلال إعادة بناء هيكلية الدولة الوطنية العربية والانتقال بها من كونها دولة الحاكم المطاع لتصبح دولة القانون والتعددية السياسية التي تنصاع لحكم القانون وتقبل بتداول السلطة سلمياً ، بالإضافة إلى تطوير وإعادة بناء سُلَّم الأولويات العربية التي تراعي الحالة الوطنية والحالة القومية معاً وذلك على النمط الفدرالي الأوروبي الذي يراعي كلا المصلحتين ويوفق بينهما في حال وجود أي تعارض يتطلب التوفيق . لا خلاص للعرب دون إعادة بناء أنفسهم ودُوَلِهِمْ وأولوياتهم ومؤسساتهم ومنظومة القيم التي تهدي سلوكياتهم والإبتعاد الجديّ والمُخْلِص عن نهج الاقصاء أو الانفراد الأناني في عالم لا يحترم الكيانات الصغيرة والضعيفة .
إن هذا الوضع العربي البائس فيما لو قُدَّرَ له أن يستمر سوف يؤدي إلى إخضاع العرب لإرادة إسرائيل وإلى تَحَوُّل العالم العربي إلى مجموعة من الدول أو الدويلات التي تدور في الفلك الإسرائيلي وتخدم مصالحه . إن إعادة بناء القدرات العربية تصبح بذلك أمراً مصيرياً وحاكماً لمستقبل العرب ومصالحهم وليس خياراً يمكن تجاهله أو وضعه في أدنى سلم الأولويات لكل دولة عربية .
إسرائيل عقب الحرب على إقليم غزة الفلسطيني وما تم تزويدها به من أسلحة وتكنولوجيا رقمية متقدمة قد أصبحت على أرض الواقع وبدعم أمريكي غير مسبوق ، جزأً من العالم الجديد القوي المتحكم بمجريات وأهداف التغييرات القادمة خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط . وعلى الرغم من أن هذه الحالة قد تكون مؤقتة بحكم اعتمادها على الدعم الأمريكي وعلى تدفق المساعدات والسلاح والتعاون التكنولوجي من أمريكا، إلا أن واقع الضعف والتشتت العربي قد يجعل من التفوق الإسرائيلي حتى ولو كان مؤقتاً، أمراً خطيراً على المصالح العربية . الحل لن يكون في التنافس مع إسرائيل على التبعية لأمريكا ، ولكن في خلق واقع عربي متماسك وجديد وقادر على فرض إحترامه واحترام مصالحه على الآخرين ، بما في ذلك أمريكا .
وعلى أية حال ، فإن قضية فلسطين سوف تبقى قضية ضميرية تتعارض في واقعها المرير مع القانون الدولي والإنساني في اطارهما العام ، وقضية شعب محتل ووطن محتل في جوهرها ، مما يجعلها بعيدة كل البعد عن قضايا العالم التقليدية سواء السياسية أوالإقتصادية أوالتكنولوجية أو البيئية أو شح الموارد الطبيعية ، وهي قضايا متأرجحة في واقعها وتسمح بالمساومة والتنازل والأخذ والعطاء في عالم المصالح الجديدة المتغيرة .