كشف تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC مؤخرًا عن وثائق بريطانية سرية تظهر المخططات الإسرائيلية منذ عام 1971 لتهجير آلاف الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مدينة العريش شمال سيناء، في محاولة من إسرائيل لتغيير التركيبة السكانية للقطاع وفرض واقع جديد على الأرض.

الوثائق فضحت مخططات إسرائيل التي أرادت بها تنفيذ ذلك عبر هدم منازل الفلسطينيين وارتكاب جرائم إبادة جماعية، وقتل الأطفال وحصارهم لترحيلهم قسرًا إلى شمال سيناء، في انتهاك صارخ لاتفاقيات حقوق الإنسان، إلا أن مصر تصدت بحزم لهذه المخططات وأعلنت موقفها الرافض لانتهاك سيادتها وتصفية القضية الفلسطينية.

وفي حين أن مصر نجحت في إحباط هذه المؤامرة آنذاك، إلا أن الوثائق تكشف النوايا الحقيقية للاحتلال الرامية لتفريغ فلسطين من أهلها، وتسلط الضوء على أهمية التصدي الحازم لمثل هذه المحاولات مستقبلاً.

علَّق الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي العام، والخبير في النزاعات الدولية، في تصريح خاص لـ«الأسبوع» على الوثائق البريطانية التي كشفتها الإذاعة البريطانية BBC، والتي تظهر المخططات الإسرائيلية منذ عام 1971 لتهجير آلاف الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مدينة العريش المصرية شمال سيناء.

النوايا الحقيقية للاحتلال الإسرائيلي

وقال مهران: "تكشف هذه الوثائق بجلاء النوايا الحقيقية للاحتلال الإسرائيلي منذ البداية لتفريغ قطاع غزة من سكانه الأصليين الفلسطينيين، وفرض واقع جديد على الأرض بما يخدم مصالحه"، مضيفا: "لقد حاولت إسرائيل تنفيذ خططها تلك بالقوة من خلال هدم منازل الفلسطينيين وارتكاب كل جرائم الحرب لتنفيذ هدفها في ترحيلهم قسرا إلى سيناء وفقا لمخطط اسرائيل الكبري من النيل والفرات، في انتهاك صارخ لاتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر النقل القسري للسكان من الأراضي المحتلة".

وأوضح أن مخطط تهجير أهالي غزة ينتهك بوضوح المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة، التي تنص على "تحريم جميع أعمال النقل الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو إلى أراضي أية دولة أخرى محتلة أو غير محتلة".

وأكد مهران، أن عمليات التهجير القسري تنتهك المادة 147 من اتفاقية جنيف المشاى إليها، والتي تعتبر "نقل أي جزء من سكان الأراضي المحتلة" جريمة حرب تستوجب الملاحقة القانونية، مشدداً مهران على أن محاولات تغيير التركيبة السكانية في الأراضي المحتلة تمثل "جريمة إبادة جماعية" وفقا لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948.

مصر ترفض بشدة الخطط الإسرائيلية

ولفت إلي أن القيادة المصرية آنذاك رفضت بشدة الخطط الإسرائيلية وتصدت لها بالتنسيق مع الجامعة العربية والأمم المتحدة، ما أسهم في إحباط تنفيذها، مشيداً بموقف مصر الثابت والمستمر الرافض لتلك المخططات، والتصدي الحازم من قبل القيادة المصرية آنذاك لإجهاض المحاولات الإسرائيلية، مشدداً علي أن مصر أفشلت بحكمة وحنكة سياسية تلك المؤامرة الإسرائيلية، ورفضت بشدة السماح لقوات الاحتلال بتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وكشفت ذلك للمجتمع الدولي اجمع.

وأشار الدكتور مهران إلى أن مصر تصدت مجددا بحزم للمخطط الإسرائيلي بتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، بعد حصار غزة الاخير، مستندة في ذلك إلى أحكام القانون الدولي واتفاقيات جنيف، موضحا انها رفضت بشدة السماح لإسرائيل بتنفيذ عمليات التهجير عبر الحدود إلى سيناء، مؤكدة على سيادة مصر الكاملة على أراضيها، كما أبلغت مصر الأمم المتحدة ومجلس الأمن بالمخطط الإسرائيلي، مطالبة بالتدخل لوقفه باعتباره يشكل انتهاكاً صارخاً لاتفاقية جنيف الرابعة.

ودعا أستاذ القانون المجتمع الدولي إلى ضرورة الاطلاع على تلك الوثائق والوقوف بحزم ضد محاولات تزوير التاريخ وطمس الحقائق، مؤكداً على أحقية القضية الفلسطينية، مشددا على أهمية مواصلة الكفاح بكل السبل حتى نيل الحقوق المشروعة في العودة وإقامة الدولة المستقلة على تراب فلسطين بعاصمتها القدس الشرقية".

واختتم مهران: "نحن نثمن هذا الموقف التاريخي لمصر، ونحيي صمود شعبنا الفلسطيني صاحب الحق الأصيل في أرضه، ونؤكد أن حقوقنا غير قابلة للتصرف مهما طال الزمن، وسنواصل بكل السبل المشروعة حتى تحقيق حلم العودة والاستقلال الوطني".

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: قوات الاحتلال قطاع غزة اسرائيل الاحتلال الاسرائيلي حركة حماس الكيان الصهيوني المقاومة الفلسطينية قصف غزة العدوان الاسرائيلي تهجير الفلسطينيين مخطط اسرائيل مجزرة جباليا الأراضی المحتلة إلى سیناء أن مصر

إقرأ أيضاً:

مبادرة إيقاد مقابل بعثة جنيف: هل من خيط مشترك

 

مبادرة إيقاد مقابل بعثة جنيف: هل من خيط مشترك

فؤاد عثمان عبدالرحمن

 

في ظل الازمة المتفاقمة التي يواجهها السودان التي بلغت الحلقوم منذ اندلاع الحرب في 15 ابريل العام الماضي، يعاني بلدنا من وضع انساني كارثي غير مسبوق، يتحمل المدنيون فيه العبء الاكبر من الانتهاكات الجسيمة، وتواجه البلاد ازمة تشكل تحديا كبيرا للامن الاقليمي والدولي.

ذلك يثير تساؤلات فاحصة حول سعي المجتمع الاقليمي والدولي لمساندة السودان في تجاوز هذه المحنة، وحول كبح جماح الانتهاكات التي يمارسها الطرفان المتحاربان وحلفاؤهما المسلحون.

برزت عدة مبادرات هدفت لانهاء النزاع وحماية المدنيين، وفي مقدمة تلك المبادرات مبادرة ايقاد وتوصيات بعثة تقصي الحقائق والتي شكلت بواسطة مجلس حقوق الانسان بجنيف. مما يطرح تساؤلا جوهريا: هل هناك خيط مشترك يربط بين هاتين المبادرتين؟ وما دور السودانيين في تحديد مسار الحل؟.

المبادرة الاقليمية: إيقاد ورؤية الاستقرار

طرحت ايقاد مبادرة اسمتها (مقاربة مختلفة) في يوليو 2023، التي تهدف لانهاء الأعمال العدائية.

تضمن هذا الطرح حينها خيار نشر قوات الاحتياط الشرق افريقية (إيساف) التي اسست عام 2004، من خلال هذه الخيار، كانت ايقاد تأمل في توفير الحماية اللازمة للمدنيين وفتح ممرات انسانية امنة لتسهيل الوصول للمتضررين من الحرب.

إيساف تأسست العام 2004 بقرار من الاتحاد الافريقي عبر مجلس الأمن والسلم التابع له بهدف تعزيز الأمن والاستقرار في منطقة شرق أفريقيا وفقا لما ذكر في تفويضها عند التأسيس، وتتألف من عناصر عسكرية وشرطية ومدنية، وتضم عشرة دول هي:

السودان، كينيا، اوغندا، رواندا، جيبوتي، اثيوبيا، سيشل، الصومال، جزر القمر، وبورندي. وتضم جنوب السودان بصفة مراقب.

وكان التدخل الابرز لها في دولتي الصومال 2011، وجنوب السودان 2014.

ونشر تلك القوات يتطلب الحصول على موافقة الحكومة المستضيفة، ويعتبر ذلك ضروريا لضمان دعم العملية وتحقيق الاهداف، وتستمد تفويضها من الاتحاد الافريقي أو بالتنسيق مع مؤسسات الامم المتحدة.

استندت خطوات الحل حينها عبر المبادرة على 6 محاور شملت:

1/ وقف دائم لاطلاق النار وتحويل الخرطوم لعاصمة منزوعة السلاح.

2/ إخراج قوات طرفي القتال لمراكز تجميع تبعد 50 كيلومترا عن الخرطوم.

3/ نشر قوات افريقية لحراسة المؤسسات الاستراتيجية في العاصمة.

4/ معالجة الاوضاع الانسانية السيئة الناجمة عن الحرب.

5/ إشراك قوات الشرطة والامن في عملية تامين المرافق العامة.

6/ البدء في عملية سياسية لتسوية الازمة بشكل نهائي.

قوبلت المبادرة برفض قاطع من الجيش عبر مساعد قائده العام ياسر العطا الذي اتهم كينيا الرئيسة حينها للجنة الرباعية بعدم الحياد وستقابل كقوات معتدية حال دخولها.

في حين رحبت القوى المدنية المشاركة باجتماع اديس ابابا بالمبادرة بوصفها فرصة لايجاد حل للازمة.

ذلك ابرز الانقسامات العميقة في الساحة السودانية.

في حين فسر البعض الأمر حينها على انه انعكاس لارادة اقليمية تتصدى لتحديات مشتركة.

بعثة جنيف: إستجابة حقوقية شاملة

أتت بعثة جنيف لتقصي الحقائق كما دبج عند تأسيسها كاستجابة للازمة الإنسانية والحقوقية الطاحنة والمتعاظمة وباهظة الكلفة بالسودان.

وجاء قرار تشكلها بواسطة مجلس حقوق الانسان بجنيف في أكتوبر 2023. وتمحورت مهامها حول التحقيق في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان وتوثيق الجرائم المرتكبة خلال النزاع.

حددت ولاية البعثة لفترة أولية مدتها عام، وقدمت تقريرها خلال اجتماع الدورة 57 سبتمبر 2024، وتضمن التقرير توصيات عديدة، وعدت الابرز دعوة البعثة لنشر قوات مستقلة لتوفير الحماية للمدنيين، مما فسره الحقوقيون بانه إنعكاس لالتزام المجتمع الدولي بمبدأ المساءلة.

هذه المبادرة لا تهدف فقط الي توثيق الانتهاكات بل تمثل دعوة للتعاون بين الاطراف الفاعلة ، بما في ذلك إيقاد والاتحاد الافريقي وفقا لماطلب منها _ أي اللجنة _ في بداية اعلان تشكيلها، وذلك بعقد حوارات تفاعلية معززة ، تشمل جملة أمور وجهات من ضمنها المؤسستين الاقليميتين.

وتسعى تلك التوصيات لتعزيز آلية حماية المدنيين، وتقديم الدعم للجهود الإنسانية.

إن الربط بين هذه التوصيات ومبادرة إيقاد يظهر إمكانية تحقيق نقطة تلاق بين الجهود الاقليمية والدولية، مما يتطلب حوارا شاملا ومفتوحا بين جميع الاطراف المعنية وهو ما ذكر سابقا بإجراء الحوارات التفاعلية المعززة.

إذا استطاعت الاطراف المعنية بما في ذلك القوى المدنية واطراف القتال الوصول لتوافق سياسي، فإن هذا قد يفتح الباب لتكامل بين خيارات إيقاد العسكرية وتوصيات بعثة جنيف. تلك الديناميات تشير إلى امكانية تشكيل قوة هجينة تجمع بين العناصر الاقليمية والدولية وهو ماقد يعزز فرص حماية المدنيين ويشكل خطوة نحو تحقيق الأمن المستدام، ولكن يبقى السؤال الجوهري، هل ستقبل حكومة الأمر الواقع ببورتسودان بذلك؟

قرائن الاحوال ومواقف الجيش المتعنتة تجاه أي بادرة تفاوض لاتقول ذلك مالم يتقدم عسكريا وفقا لمناصريه ومستشاريه ومحلليه، ولكن يظل الأمل معقودا، وهنا تكمن الارادة الحقيقية في إيدي السودانيين الذين يجب أن يكونوا هم القوة المحركة لايقاف الحرب واستدامة السلام، ومحاصرة داعمي استمرار الحرب واقناعهم بان الحلول المستدامة تتطلب إلتزاما حقيقيا من جميع الاطراف وينبغي أن تكون هناك ارادة حقيقية لتجاوز المصالح الضيقة والعمل من أجل المصلحة العامة.

ختاما تتطلب الازمة السودانية تنسيقا فعالا بين المبادرات الاقليمية والدولية ، ولكن يبقي الحل الاهم بايدي السودانيين لاغيرهم.

 

الوسومبعثة تقصي الحقائق حرب السودان مبادرة ايقاد

مقالات مشابهة

  • باحث في الشأن الإيراني لـ «الأسبوع»: من المستبعد أن تشن إيران هجوما أكبر على إسرائيل
  • أستاذ علوم سياسية: عزيمة مصر أفشلت مخطط نتنياهو في إزاحة سكان غزة إلى سيناء.. فيديو
  • حزب الله ينفي الادعاءات الإسرائيلية بدخول لبنان
  • إعلام أمريكي: إيران تحاول نقل آلاف المسلحين إلى هذه المناطق
  • خبير قانون دولي: حماية البعثات الدبلوماسية تستند لقواعد القانون الدولي
  • بعضها كان متقدماً..إسرائيل تؤكد إحباط خطط إيران لاغتيال شخصيات في إسرائيل
  • ياسين: لا يمكن لبلد أن يتعامل مع تهجير ربع سكانه مهما كان مستقراً
  • مركز حقوقي يدين الهجمات الإسرائيلية على الحديدة ويدعو إلى فتح تحقيق دولي مستقل
  • مبادرة إيقاد مقابل بعثة جنيف: هل من خيط مشترك
  • هل تحاول إسرائيل جر أمريكا إلى حرب ضد إيران؟