أظهر مقطع فيديو نُشر في وقت سابق انقطاع التيار الكهربائي عن المستشفى الإندونيسي في شمال غزة انقطاعا كاملا بعد نفاد الوقود وتعطل المولدات، كما أظهر اعتماد الأطقم الطبية على إضاءة الهواتف المحمولة خلال تقديم الرعاية الصحية للمرضى والجرحى، يحدث ذلك في الوقت الذي تصر فيه دولة الاحتلال على منع رفض دخول الوقود إلى غزة، بدعوى أن حماس تستخدمه لتلبية احتياجاتها العملياتية، حسب مزاعمها.

ورغم وصول كميات محدودة من الإمدادات الطبية إلى القطاع خلال معبر رفح في الأيام الأخيرة، فإن الاحتلال يمنع توزيعها في شمال غزة حيث توجد أغلب مستشفيات القطاع، وعلاوة على ذلك، أصدر الاحتلال بيانا يطلب فيه إخلاء أكثر من 20 مستشفى في وسط وشمال غزة، فيما أكدت منظمة الصحة العالمية عبر حسابها الرسمي على منصة "إكس" (تويتر سابقا) أن إخلاء تلك المستشفيات يُعَدُّ أمرا مستحيلا دون تعريض حياة المرضى للخطر (1)، وأن مستشفيات وزارة الصحة الأربعة في الجنوب تجاوزت طاقتها الاستيعابية.

 

في غضون ذلك، أشار الدكتور "مدحت عباس"، مدير عام وزارة الصحة في غزة، إلى تأثر غرف العمليات والطوارئ ووحدات العناية المركزة جراء غياب الوقود والمستلزمات الطبية، وأضاف "عباس": "نظرا للضغط الهائل صارت العديد من العمليات الجراحية تُجرى في أروقة المستشفى بدون تخدير وباستخدام الخلّ عوضا عن المطهرات الطبية" (2).

 

نقص المطهرات الطبية تواجه أغلب مستشفيات قطاع غزة انقطاعا كاملا بالخدمات بعد نفاد الوقود وتعطل المولدات وشح الأدوات والعلاجات الطبية اللازمة. (الصورة: غيتي)

وتتباين وجهة النظر الطبية حول استخدام الخلّ في العمليات الجراحية، إذ لا تعدّه وكالة حماية البيئة (EPA) مطهرا. ورغم احتواء الخل على نسبة من حمض الأسيتيك (5% تقريبا)، فإن فعاليته تجاه البكتيريا والفيروسات محدودة، وتتركز تجاه الجراثيم التي تسبب الأمراض الشائعة المنقولة عبر الغذاء، مثل السالمونيلا والليستيريا والإشريكية القولونية (3).

 

وفيما أظهرت دراسة أجراها باحثون من جامعة ميدلسكس في لندن (4) فعالية الخل أمام فطر الكانديدا والمكورات العنقودية الذهبية (Staphylococcus Aureus)، فيما لا توجد دراسات تؤكد فعاليته تجاه الأنواع الأخرى من بكتيريا المكورات العنقودية، مثل المكورات العنقودية الجلدية (Staphylococcus Epidermidis)، والمكورات العنقودية المقاومة للميثيسيلين (MRSA)، كما لا توجد دلائل قوية بشأن فعاليته أمام بكتيريا الزائفة الزنجارية (Pseudomonas aeruginosa)، والمعروف أن تلك الأنواع على وجه التحديد مسؤولة عن أغلب حالات عدوى الجروح والحروق وإنتان الدم (Septicemia)، الذي يُعَدُّ أحد الأسباب الرئيسية للوفاة حول العالم.

 

والإنتان هو استجابة غير متوازنة من الجسم أمام العدوى، مما يؤدي إلى حدوث تغييرات تتلف أعضاء الجسم، الأمر الذي يقود إلى حدوث "صدمة إنتانية" (Septic Shock). وبحسب تقرير منظمة الصحة العالمية، قتل الإنتان 11 مليون شخص عام 2017، الرقم الذي يُمثِّل نحو 20% من وفيات ذلك العام (6). وتؤكد المنظمة أن المتعافين من المرض ليسوا بعيدين عن الخطر، إذ إن نصف المصابين فقط سوف يتعافى تماما، فيما يموت البقية في غضون عام واحد أو يعانون من إعاقات طويلة الأمد. ويوضح التقرير أن 85% من حالات الإنتان والوفيات المرتبطة به تحدث في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.

 

كان لقطاع غزة مرارا نصيبه من هذه المشكلة الخطيرة. وتوضح دراسة وصفية أجراها العاملون في مستشفى النصر في قطاع غزة خلال أكتوبر/تشرين الأول 2006 أن تفشي الإنتان كان بارزا بين الأطفال حديثي الولادة بنسبة تصل إلى 50%، فيما أن الفئة العمرية الأكثر عُرضة للخطر هي الأطفال الأقل من 8 أيام مع معدل وفيات بلغ 20% (7). جدير بالذكر أن تلك الدراسة تزامنت في أجزاء منها مع عدوان الاحتلال على القطاع خلال ما سمّاه "عملية غيوم الخريف"، التي جاءت ردا على أسر الجندي "جلعاد شاليط"، وقد استغرقت تلك العملية أقل من 10 أيام، ولم تؤدِّ إلى نقص المستلزمات الطبية بالشكل الذي نشهده حاليا منذ بدء "طوفان الأقصى".

 

في سياق مشابه، تُظهِر دراسة منشورة في مجلة "PLOS medicine" أن ثلث الوفيات في العراق ما بين عامي 2003-2011 في أثناء الحرب والاحتلال الأميركي كانت ناجمة عن تعطل النظام الصحي، الأمر الذي أدى إلى وفاة نصف مليون شخص.

 

معاناة 50 ألف امرأة في غزة نقلا عن شهادات من موظفي مستشفى الشفاء في غزة، فإن عمليات الولادة القيصرية الطارئة صارت تتم دون تخدير نتيجة نقص الإمدادات الطبية والوقود، الأمر الذي يؤدي غالبا إلى وفاة الأم في أعقاب الولادة. (الصورة: الجزيرة)

ويرى الدكتور "بول شبيغل"، مدير مركز الصحة الإنسانية في مدرسة بلومبيرغ للصحة العامة، أن النظام الصحي في غزة يواجه العديد من التحديات دائما، ورغم هذا فإن العاملين في مجال الرعاية الصحية في غزة صامدون ومخلصون بصورة لا تُصدَّق. ويضيف "شبيغل" أن الحصار الدائم وتكرار العدوان على القطاع على مدار سنوات أثَّر سلبا، إذ لا تزال هناك فجوات في الموارد البشرية، لا سيما في تخصص مثل الأورام، حيث يحتاج الفلسطينيون إلى الخروج من غزة لتلقي العلاج، كما أن متوسط العمر المتوقع صار أقل، فيما ارتفعت معدلات وفيات الرضع مقارنة بالدول الأخرى في المنطقة، وتفاقمت مشكلات سوء التغذية الحادة والمزمنة بين الأطفال، وازداد انتشار الأمراض المزمنة، خاصة مرض السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والأوعية الدموية، بالإضافة إلى ارتفاع مشكلات الصحة النفسية بين الأطفال والبالغين على حدٍّ سواء (8).

 

من جانبه، صرح صندوق الأمم المتحدة للسكان، نقلا عن شهادات من موظفي مستشفى الشفاء في غزة، أن عمليات الولادة القيصرية الطارئة صارت تتم دون تخدير نتيجة نقص الإمدادات الطبية والوقود، الأمر الذي يؤدي غالبا إلى وفاة الأم في أعقاب الولادة (9). ووفق تقديرات منظمة الصحة العالمية، توجد حاليا في غزة نحو 50 ألف امرأة حامل يكافحن من أجل الحصول على الخدمات الصحية الأساسية (10). ويقول "ريك برينان"، مدير البرنامج الإقليمي للطوارئ في منظمة الصحة، إن نحو 200 امرأة تلد يوميا في غزة فيما يواجهن صعوبة في العثور على مكان آمن للولادة، ومن المتوقع أن يعاني أكثر من نصفهن من مضاعفات ومخاطر عدم الحصول على الرعاية التي يحتجن إليها (11).

 

وتتعدد مخاطر غياب الرعاية الصحية خلال فترة الحمل، إذ يمكن أن تؤدي إلى إصابة الأم بأمراض مثل ارتفاع ضغط الدم وتسمم الحمل وسكري الحمل (Gestational diabetes). ورغم أن الأخير لا يُظهِر أي أعراض في الغالب، سوى الشعور بالعطش والتعرق والتبول بشكل متكرر، مثلما أن السيطرة عليه ممكنة في حال توفر رعاية صحية ملائمة، وعادة ما يختفي بعد وقت قصير من الولادة، لكن الجهل بالإصابة أو غياب العلاج يؤدي إلى مضاعفات خطيرة، مثل زيادة وزن الطفل عند الولادة أكثر من المعدل الطبيعي، الأمر الذي قد يعرضه للوفاة أو الانحشار داخل قناة الولادة (تعسر الولادة) ويستدعي إجراء جراحة قيصرية، كما يزيد من احتمالية إصابة الطفل مستقبلا بمرض السكري (12).

 

خطر آخر يهدد النساء الحوامل في غزة، إذ إن نقص الغذاء والإمدادات الطبية، وعلى وجه الخصوص حمض الفوليك (فيتامين B9)، الذي يُعَدُّ أحد المكملات الغذائية الضرورية للأم خلال فترة الحمل، يؤدي إلى إصابة الأجنة بعيوب خلقية في الدماغ والعمود الفقري وزيادة مخاطر الإجهاض وتدني القدرة المعرفية للطفل. وعادة ما تُنصح النساء اللواتي يخططن للحمل بتناول جرعة يومية من الفوليك لا تقل عن 400 ميكروجرام (13).

 

جديري الماء والكوليرا على رأس قائمة الأوبئة اضطر الأطباء إلى إعادة استخدام القفازات والمعدات الجراحية، وقد بدأت الأمراض المعدية مثل جدري الماء في الانتشار، وهي مسألة وقت فحسب قبل أن نشاهد الكوليرا والتيفود. (الصورة: الأناضول)

وتتواصل الأزمات الصحية في القطاع، إذ اضطر مستشفى الصداقة التركي إلى العمل جزئيا بعد انقطاع الكهرباء قبل أن يتوقف عن العمل نهائيا، والمستشفى هو الوحيد الذي يتلقى حالات الأورام في غزة، الأمر الذي يهدد حياة 2000 مريض سرطان في القطاع، كذلك نحو 120 طفلا مبتسرا وألف مريض في حاجة إلى غسيل كلوي منتظم، ناهيك بمشاكل نقص الأنسولين وأدوية القلب الضرورية (14).

 

ويقول "عمر عبد المنان"، وهو طبيب أعصاب وعضو في مجموعة الدعم الغربية، إن الأطباء يعيدون استخدام القفازات والمعدات الجراحية، وقد بدأت الأمراض المعدية مثل جدري الماء في الانتشار، وهي مسألة وقت فحسب قبل أن نشاهد الكوليرا والتيفود (15). وجدري الماء مرض فيروسي يصاحبه طفح جلدي، وتتمثل أعراضه في الحمى وفقدان الشهية والإرهاق، لكن مضاعفات المرض في حال عدم توافر الرعاية اللازمة تقود إلى أمراض أكثر حِدَّة، مثل التهاب الرئة وتورم الدماغ والصدمة السمية (16)، فيما أن إعادة استخدام الأدوات الجراحية تؤدي إلى زيادة مخاطر عدوى الأمراض المنقولة عبر الدم مثل فيروسي التهاب الكبد الوبائي "بي" و"سي"، وقد بذلت وزارة الصحة الفلسطينية جهودا كبيرة للحد من المرضين خلال العقود السابقة. ويذكر تقرير صادر عن وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية في عام 2020 أن عدد حالات الإصابة بالفيروسين في الأراضي الفلسطينية بلغ 380 للنوع "بي"، و76 حالة للنوع "سي" (17).

 

ويبدو التخوف الأكبر من انتشار وباء الكوليرا بين سكان غزة، إذ يتزامن تدهور المنظومة الصحية مع انهيار خدمات المياه والصرف الصحي. وتذكر منظمة الصحة الكوليرا بوصفها بكتيريا تسبب الإسهال الحاد وجفافا يفقد الجسم خلاله 10% أو أكثر من وزنه، وتنتشر سريعا عبر المياه الملوثة ويمكن أن تؤدي إلى الوفاة في غضون ساعات من ظهور الأعراض إذا لم تعالج بشكل مناسب.

———————————————————————

المصادر: الأمم المتحدة 30 أكتوبر/تشرين أول 2023. The Guardian 23 Oct. 2023 Healthline, Aug. 2020 National library of medicine, Jan. 2018 Plos journal 2015 WHO July 2023. Incidence of Septicemia among Infants at El-Nassr Hospital Gaza Governorate – 2007 John Hopkins, Bloomberg school of public health, 20 Oct. 2023 الأمم المتحدة 30 أكتوبر/تشرين أول 2023 Euronews, Oct. 2023 الأمم المتحدة 30 أكتوبر/ تشرين أول 2023. Mayo clinic, gestational diabetes المصدر السابق المصدر رقم 10 The Gurdian 24 Oct. 2023. CDC (Centers for diseases control and prevention) الأمراض المعدية 2020، وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

وكيل صحة بني سويف تشارك بتدريب الفرق الطبية حول إدارة المخاطر والأزمات

شاركت الدكتورة سماح جاد، وكيل وزارة الصحة بمحافظة بني سويف، في فعاليات البرنامج التدريبي للفرق الطبية بالمحافظة، الذي يركز على إدارة المخاطر والأزمات والتعامل مع الكوارث الطبيعية.

 

ويُنظم البرنامج من قبل وزارة الصحة والسكان، قطاع الطب العلاجي، الإدارة المركزية للرعاية الحرجة والعاجلة، بالتعاون مع الإدارة العامة للطب العلاجي وإدارة التدريب بمديرية الشئون الصحية ببني سويف، وذلك في قاعة التدريب بديوان عام المديرية.

 

وحضر الفعاليات أيضًا الدكتور أشرف الأتربي، مدير عام إدارة التعبئة الصحية، والدكتور إبراهيم الشيمي، مدير فرق الانتشار السريع، والدكتور محمد الجبالي، مدير إدارة الطب العلاجي، والدكتورة دعاء صلاح، مدير إدارة المستشفيات، وياسمين صبحي، منسق عام الدورة التدريبية، بالإضافة إلى الدكتور محمد عبد القادر، مدير إدارة التدريب، وعدد من 20 متدربًا من الأطباء والصيادلة والتمريض والإداريين والفنيين العاملين بالمنشآت الصحية بالمحافظة.

 

ويُعد البرنامج التدريبي تحت رعاية الدكتور خالد عبد الغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة والسكان، والدكتور محمد هاني، محافظ بني سويف، وتوجيهات والدكتور أحمد سعفان، مساعد وزير الصحة لشئون المستشفيات، والدكتور بيتر وجيه، رئيس قطاع الطب العلاجي، وتحت إشراف الدكتور محمد عادل الصدفي، رئيس الإدارة المركزية للرعاية الحرجة والعاجلة.

 

وفي كلمتها، أكدت الدكتورة سماح جاد، على أهمية التدريب العملي في تعزيز قدرات الفرق الطبية على التعامل مع الأزمات والكوارث المحتملة. وأشارت إلى أن هذه التدريبات تهدف إلى رفع الوعي لدى العاملين في المنشآت الصحية الحكومية والتأكد من جاهزية كافة الفرق المعنية للتعامل مع الأزمات. 

 

وأضافت وكيل وزارة الصحة بمحافظة بني سويف، أن البرنامج يتضمن توضيحًا نظريًا وتطبيقًا عمليًا بهدف تحسين كفاءة العاملين في القطاع الصحي وتفعيل الإجراءات اللازمة للحفاظ على الأرواح وسلامة المواطنين أثناء الأزمات.

 

وأشارت، إلى أن البرنامج التدريبي سيستمر لمدة أسبوعين، ويتضمن 4 دورات تدريبية لعدد 80 متدربًا من العاملين في القطاع الصحي بالمحافظة، ويستهدف البرنامج تعزيز مهارات الفرق الطبية في كيفية التعامل مع الأزمات والكوارث والمخاطر، مع التركيز على تقليل تأثير هذه المخاطر من خلال الإجراءات الوقائية واستخدام أساليب إدارية مبتكرة وسريعة.

 

يُذكر أن أولى الدورات التدريبية تتضمن موضوعات متعلقة بتقييم المخاطر وإدارتها، والتعريف بأنواع الأزمات والكوارث، وأثرها على العمليات في المنشآت الصحية.

مقالات مشابهة

  • لقاء في وزارة الصحة ينهي الخلاف حول الأجور الطبية والصندوق التعاوني
  • حقنة الموت الصامتة.. كل ما تريد معرفته عن أضرار دواء نزلات البرد
  • برلماني: تصريح مزاولة المهنة يكون للكوادر الطبية فقط
  • وكيل صحة الإسماعيلية تتفقد القافلة الطبية المجانية بقرية المنايف
  • عاد من الموت.. فريق طبي بمستشفى الزقازيق ينجح في إنقاذ حياة سائق
  • يعود من الموت بعد توقف عضلة القلب.. قسطرة قلبية تنقذ حياه سائق بالشرقية
  • خلال استقبال نظيره القطري.. وزير الخارجية الأردني يؤكد ضرورة إنهاء الكارثة الإنسانية في غزة ولبنان  
  • ضمن حياة كريمة.. محافظ كفر الشيخ يتابع فعاليات القوافل الطبية المجانية بقلين
  • تقديم الخدمة الطبية لـ2441 مريضا في قافلة علاجية بقرية المشاعلة بأبو كبير
  • وكيل صحة بني سويف تشارك بتدريب الفرق الطبية حول إدارة المخاطر والأزمات