قراءة تحليلية لرواية "خريف زنجبار"
تاريخ النشر: 2nd, November 2023 GMT
أنور الخنجري
يفاجئنا الزميل عبدالله المجيني بأول إصداراته الأدبية من خلال هذه الرواية التي تحمل في طياتها رؤية مليئة بالكثير من الثراء والتضمين ومستوى عال من الدلالات العميقة وبأسلوب نلتمس من خلاله أحداث الواقع الدامي في زنجبار بعد ثورة عام 1964.
عنوان الرواية يلقي بظلاله على خلفية الأحداث التي وقعت هناك وهي بحد ذاتها خريف تساقطت فيه أوراق نشوة الربيع العماني في زنجبار.
كما وظّف الكاتب في الرواية خلفيته العلمية والعملية وما لديه من إلمام بعلوم القيادة والتخطيط وما يكتنزه من معرفة بجوانب الأحداث المؤثرة في المنطقة؛ مما ساعده على سرد تفاعلات الأحداث في بنية نصية أراد لها أن تكون مليئة بالإصرار والعزيمة والصراع والمغامرة والحلم والفرح الذي يكتف أبطال الرواية، ويبقيهم متراصين متكاتفين من أجل غد مشرق في الأفق، والذي تحقق لهم في نهاية الأمر بوصولهم إلى الوطن الأم فرحين مستبشرين. كما يسبر الكاتب غور الشخصيات المتعددة التي يتناولها وهي تعيش حالات العذاب الذي يمزق النسيج الاجتماعي للإنسان المحكوم عليه بالموت والسجن والإهانة والترهيب. فهو حين يتحدث عن مقتل الشيخ ناصر بن عيسى الإسماعيلي ورمي جثته بعد تقطيعها في غياهب الجب الذي تحول بعد ذلك إلى مرقده الأخير، فإنه يرمز إلى مدى بشاعة الموقف وفظاعة الممارسات اليومية من قبل أوباش النظام والمتعاونين معهم من بني جلدتهم.
لقد دقت هذه الأحداث في حياة المؤلف عبدالله المجيني إسفينا عميقا مؤثرا جدا على حسه ووجدانه الوطني. فتراه في مواضع كثيرة يعود بالقارئ إلى الوطن الأم، وإلى قريته في ودام الساحل، أو إلى مدن ومناطق أخرى في عمان وربطها بأحداث الرواية بلغة بليغة سلسة ومشوقة. فالوطن بالنسبة له هو الوطن، أي كان موقعه الجغرافي والغربة هي وطن، وإن كان هذا الوطن هو (زنجبار. الوطن هو التاريخ والجذور العميقة التي تمتد في كل مكان وزمان وعبر كل أنواع البشر. وفي عرضه للأحداث يغوص الكاتب في قاع المفردات العمانية، ويتحفنا بالكثير من المأثورات الشعبية والمصطلحات العمانية القحة مصحوبة بهوامش واضحة الشرح للقارئ غير العماني وللأجيال العمانية الحديثة حفاظا على الفهم، وعلى بقاء هذه الموروثات في وجدان القارئ أيًّا كانت خلفيته.
وفي قراءة متواضعة لفضاءات عمل الكاتب نلحظ طابع المأساة المليئة بالحركة في بقعة أفريقية محددة يراها كثير من العمانيين جزءا من كيانهم المسلوب. هي فضاءات واقع ذلك الزمان بمفرداته بشخصياته بحوادثه، يطلقها الكاتب بشكل متناسق وجميل مع تسليط الضوء على نحو أساسي على ثقافة عمانية متجذرة في فسيفساء زنجبار متعددة الأجناس والعرقيات. فالمشهد في زنجبار في تلك الفترة لم يكن مختلفا عن ما شهدته المنطقية الأفريقية والعربية من تغيرات عديدة على ضوء أفول الاستعمار وبروز تيارات وأنظمة ثورية جديدة كل يراها ويفندها من زاويته الخاصة. ومن متابعتي لقراءة الرواية أجد بأن الموهبة الأدبية واضحة لدى الكاتب، فهو يعبر عن تجربة إبداعية لظروف قاسية عاشها أبطال الرواية في زمن قاسٍ حكمت فيه الغوغائية حياة الناس، وألقت بظلالها على أفكاره، فتراه يقدم الشخصيات، وهي تعاني إرهاصات اجتماعية وفكرية ونفسية كما هي في واقع السجن والاحتجاز والتحقيق والتهديد والقتل والتنكيل والهروب وغيرها من مفردات المعاناة الإنسانية. معلومات غزيرة وثقها الكاتب وأجمل ما فيها أنه عبر عنها بموضوعية مبدع تتشابك أحاسيسه مع أحاسيس الناس. هي معلومات واقعية استقاها من رواة عايشوا تلك الفترة بتفاصيلها- أو نقلوها عن ذويهم- ويعتبرها الكاتب لحظات مهمة قد تفلت من الزمن إن لم يتم توثيقها وتدوينها في صيغة رواية سردية مبنية على السيرة الذاتية التي هي بدورها نهجا أدبيا مهما لم نعتد عليه في قراءة الرواية. لذلك فهي أحداث مهمة بالنسبة له حريص الحرص كله على أن لا تنفرط منه خلال تحليقه عبر نافذة شخصية الروائي الذي انطلق بعمله هذا معتمدا على الراوي في سرد الوقائع وفقا للبناء الدرامي لسلسة الأحداث بمناخاتها وتقلباتها وانفعالاتها وحركة الشخصيات فيها وردود أفعالها، إلا أن ذلك لم يبعد الكاتب بالطبع من توظيف مخيلته في إضافة أو إقصاء ما لا يتناسب مع سياق النص المروي.
وهكذا نلاحظ أن الكاتب استخدم أسلوبا مزدوجا في الكتابة مبنيا على صيغة سرديات الراوي الذي وظفها الروائي بطريقة سلسة وعذبة عبر خط درامي متصاعد للأحداث نتج عنها عمل درامي يحتوي على الإثارة والإمتاع والتثقيف ضد الممارسات غير الإنسانية.
نرى أن الكاتب يتمتع بخاصية مميزة في الكتابة المروية، ويضع لمساته الفنية واضحة في عمله هذا وكأنه يراهن على مقدرته الولوج إلى عالم الرواية المروية من خلال تقديم سرد وسيرة ذاتية في الآن ذاته.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: من خلال
إقرأ أيضاً:
مكتبة الإسكندرية تنعى الكاتب محمد جبريل
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
نعت مكتبة الإسكندرية ببالغ الحزن والأسى الكاتب الكبير محمد جبريل والذي توفى الأربعاء ٢٩ يناير ٢٠٢٥، عن عمر ناهز 87 عامًا.
وتقدَّم الأستاذ الدكتور أحمد زايد مدير مكتبة الإسكندرية، نيابة عن إدارة المكتبة وجميع العاملين بها بخالص العزاء لأسرة ومحبي الفقيد الراحل، راجين الله تعالى أن يلهمهم الصبر والسلوان.
جدير بالذكر أن محمد جبريل صحفي وروائي وقاص مصري ولد بالإسكندرية عام ١٩٣٨، بدأ حياته الصحفية محررًا بجريدة الجمهورية، ثم انتقل لجريدة المساء التي أشرف على قسمها الثقافي لسنوات. شغل أيضا منصب مدير تحرير مجلة الإصلاح الاجتماعي الشهرية، كما رأس تحرير جريدة الوطن العمانية لسنوات.
شغف جبريل بالأدب، وأصدر أولى أعماله عام ١٩٧٠، وهي مجموعته القصصية: "تلك اللحظة" ثم توالت الأعمال القصصية والروائية، وأبرزها: رباعية بحري، صيد العصاري، حارة اليهود، إمام آخر الزمان، الصهبة، الشاطئ الآخر، اعترافات سيد القرية، وغيرها من الأعمال المميزة.
حاز جبريل على عدد كبير من الجوائز في مقدمتها: وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، كما نال جائزة الدولة التشجيعية عن كتابه: مصر في قصص كتابها المعاصرين عام ١٩٧٥، وجائزة الدولة التقديرية في الآداب عام ٢٠٢٠.