بو حبيب: هل يوجد لدى الغرب حل سياسي بعد انتهاء العدوان على غزة لاننا لم نتبلغه؟
تاريخ النشر: 2nd, November 2023 GMT
سأل وزير الخارجية والغتربين عبدالله بوحبيب بعد لقاءاته الثنائية مع سفراء كل من هنغاريا، وتشيكيا، والنمسا، والباراغواي، وهي ضمن الدول التي صوتت حكوماتها ضد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يطالب بهدنة إنسانية في غزة وإدخال المساعدات: هل يوجد لدى الغرب حل سياسي بعد انتهاء العدوان على غزة لاننا لم نتبلغه؟ لا نعلم ما هو تصور الغرب بعد انتهاء الحرب.
وأسف بوحبيب لإنقسام أوروبا والعالم حول التصويت ضد هذا القرار، أو لنأي بعض الدول بنفسها وامتناعها عن التصويت، وقال: نحث الدول الغربية واصدقاء اسرائيل الضغط عليها لوقف تهديداتها اللفظية بتدمير لبنان وإعتداءاتها العسكرية على الجنوب اللبناني.
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
كيف سينظر الغرب إلى الإبادة في غزة؟
علي بن حمدان الرئيسي **
في روايته الأولى الديستوبيَّة "الحرب الأمريكية" (2017)، يصف الصحفي والروائي عُمر العقاد مذبحةً تقع في مخيم للاجئين بدقة مرعبة وهادئة. ويلاحظ من خلال عيون امرأة تدعى سارات: "كانت الجثث تشكل بركًا رطبة في الأرض المتربة. كانت هناك حرارة فيهم. شعرت سارات بحرارة على جلدها، رطبة وحقيقية مثل البخار المتصاعد من قدر يغلي. كانت تعرف ما هو. كانت حرارة الحياة المُنطفئة. حرارة شيء يغادر".
ولكن المفاجأة هنا أن المخيم يقع على الحدود بين ولايتي ميسيسيبي وألاباما في الولايات المتحدة الأمريكية. إنه عام 2081؛ حيث تنزلق الولايات المتحدة إلى حرب أهلية. ويزور العقاد -الذي وُلِدَ في مصر ونشأ في قطر وانتقل إلى كندا في سن المراهقة ويعيش الآن في ولاية أوريجون الأمريكية- الولايات المتحدة المتخيلة التي يعيش فيها الناس العاديون في جزء من العالم الذي نشأت فيه عائلته.
إن موقع المذبحة في الرواية يسمى "معسكر الصبر". وهو اسم يُردد صدى مخيم صبرا للاجئين في لبنان، وهو مسرح لقتل جماعي للمدنيين، معظمهم من الفلسطينيين، على يد ميليشيا مدعومة من إسرائيل في عام 1982. ولكن عند إعادة قراءة الفصل الآن، فمن المستحيل ألا نفكر أيضًا في المذابح التي ارتكبتها إسرائيل في غزة.
في كتابه الجديد "ذات يوم، سوف يكون الجميع ضد هذا إلى الأبد"، والذي يتناول ردود الفعل الأمريكية والأوروبية إزاء الدمار الذي حل بغزة، يحاول العقاد، بطريقة مختلفة للغاية، أن يفعل الشيء نفسه: إرغام القراء الأمريكيين على التفكير في الضحايا الفلسطينيين ليس باعتبارهم "هم"؛ بل باعتبارهم "نحن". وإذا كان العقاد يُحاوِل في روايته سد الفجوة المعرفية بين أمريكا والشرق الأوسط، فإنه في "في يوم من الأيام" يثور على اتساع هذه الفجوة، بنفس الطريقة التي يتم بها، على الأقل في الخطاب الرسمي، إبقاء المعاناة الهائلة التي يعيشها المدنيون في غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 تحت السيطرة، وحصرها في الظلام الخارجي للأشياء التي تحدث لأشخاص ليسوا بشرًا تمامًا.
في إحدى لحظات "الحرب الأمريكية"، ترى سارات أن "الرغبة في الأمان ربما كانت في حد ذاتها مجرد نوع آخر من العنف؛ عنف الجبن والصمت والخضوع. فما الأمان في كل الأحوال إلا صوت قنبلة تسقط على منزل شخص آخر؟". وهذه فكرة تتكرر في "يوم من الأيام" عندما يسترجع العقاد ذكرياته الأولى عن الحرب، والتي تتلخص في مشاهدته لقناة "سي إن إن"، بينما كانت القنابل الأمريكية تسقط على بغداد أثناء حرب الخليج الأولى في عام 1990: "لقد كان الأمر أشبه بما حدث لبعض الأماكن، ولبعض الناس: لقد تحولوا إلى كرات من الضوء الأبيض الباهت. ما كان يهم هو أننا لم نكن نحن ضحايا هذه الحرب".
في الرواية، يُزعج العقاد قراءه بإسقاط حاضر أمريكا في صورة مرعبة لما قد يبدو عليه وطنهم المألوف بعد عقود عديدة. وهنا، يسعى إلى إرباكنا بالقيام بالعكس، مطالبًا إيانا بالنظر إلى الحاضر من منظور مستقبل مُتخيَّل: "ذات يوم، سوف يُعتبر من غير المقبول، في الدوائر الليبرالية المهذبة في الغرب، عدم الاعتراف بجميع الأبرياء الذين قُتلوا في تلك الأحداث المؤلمة التي وقعت منذ زمن بعيد... ذات يوم، سوف تقبل العملة الاجتماعية الليبرالية كعملة قانونية معاناة أولئك الذين قضي عليهم في السابق بصمت".
ولكن العقاد نفسه يكافح ضد الصمت، ليس الصمت الناجم عن اللامبالاة أو الجبن؛ بل الصمت شبه الكامل الذي فرضته عدم قدرة اللغة في مواجهة الإبادة الجماعية. لقد ذكّرتني رواية "ذات يوم" بقول صمويل بيكيت عن "غياب القدرة على التعبير... جنبًا إلى جنب مع الحاجة للتعبير".
ومهما كان رأي المرء في حُججه، فإن الكتاب يتمتع بالحيوية اليائسة التي يتمتع بها كاتب يحاول انتزاع إجابة مناسبة من مجرد كلمات على سؤاله: "ما الذي بقي لي أن أقوله سوى المزيد من الموتى، المزيد من الموتى؟". إن هذا السؤال موجود في الهاوية بين العبء العاطفي الزائد الناتج عن متابعة التقارير الحية اليومية عن الفظائع، من ناحية، والمحاسبة المستقبلية التي لم تصل بعد من ناحية أخرى. ويكتب العقاد: "ربما يكون هذا هو الوقت الذي لا وزن له حقًا، بعد أن تفقد الصفحة الأولى اهتمامها، ولكن قبل أن تصل كتب التاريخ".
ولكي يعطي العقاد وزنًا للكلمات فيما يصفه بسخرية أنيقة نموذجية بأنه "فترة الانتظار الإلزامية" قبل أن يتسنى للمرء أن يتحدث عما لا يمكن التحدث عنه، فقد ابتكر شكلًا يمكن أن نطلق عليه "المجادلة"، وهو مزيج من الجدل والمذكرات. ورغم أنه ربما لا يكون مزيجًا تمامًا؛ فإن الشخصي والسياسي لا ينسجمان دائمًا. إن ذكرياته -عن الأسرة، والنزوح، وكونه مُسلمًا غريبًا مُشتَبَهًا به في أمريكا الشمالية، وسنوات عمله كصحفي مع صحيفة "ذا جلوب آند ميل" يُغطي، من بين أمور أخرى، الحروب في أفغانستان والعراق- تُستَحضر بشكل رائع، وتتميز بالبرودة المكررة للخبرة التي تم صقلها عبر الزمن والتأمل.
والجانب الجدلي في الكتاب، والذي تم كتابته في خضم العنف المروع، أكثر إرباكًا، وهو أمر مفهوم؛ فالجدال يسعى إلى الإقناع، ولكن العقاد يكتب في إحدى النقاط أنه "لم تعد هناك حجج يمكن تقديمها". إن "التزامه بالتعبير" داخل عالم النشر الأمريكي السائد يتعارض مع استنتاجه أنه لا يوجد شيء يمكن إنقاذه من الليبرالية الغربية.
لا يرى أن القتل في غزة خيانة للمبادئ الديمقراطية؛ بل يعتبره دليلًا على أن هذه المبادئ كانت أكاذيب منذ البداية: "لقد كانت هذه هي الحال دائمًا". ويقترح أنه لا يوجد شيء يمكن فعله سوى "المقاومة السلبية"، والابتعاد عما يسميه باستمرار ولكن بشكل غامض "الإمبراطورية". ولكن كتاب "ذات يوم" هو أكثر من ذلك بكثير؛ ففي أفضل حالاته، هو بمثابة سبر للأعماق المُظلمة لوعي جماعي تشكله الحاجة إلى التهرب من الأدلة اليومية على الكارثة السياسية والبيئية. وعندما قرأته وأنا أشاهد لوس أنجلوس تحترق، وأشاهدُ لقطات الطائرات بدون طيار التي تبدو فيها المدينة وكأنها مدينة تعرضت لقصف جوي، أذهلتني رؤية العقاد القائلة إنه "عندما تأتي حرائق الغابات الأكبر -كما حدث بالفعل- فإن الصناعات التي ساعدت في إحداث هذا الكارثة بتجاهلها القاسي، سوف تعتمد على تسامحنا المتزايد مع الكارثة". وكتابه يمثل صرخة حزينة ولكنها بليغة ضد تسامحنا مع كوارث الآخرين.
** ترجمة لمراجعة رواية عمر العقاد "ذات يوم، سوف يكون الجميع ضد هذا إلى الأبد" بقلم فنتان أوتيل، والمنشورة في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بتاريخ 25 فبراير 2025
رابط مختصر