بقلم: إسماعيل الحلوتي

صادق كما هو معلوم مجلس الحكومة المنعقد يوم الخميس 19 أكتوبر 2023 على مشروع قانون المالية برسم سنة 2024 والنصوص المصاحبة له، في انتظار عرضه على البرلمان بغرفتيه للمصادقة عليه واعتماده. وغني عن البيان ما للقانون المالي السنوي من بالغ الأهمية بالنسبة للبلاد وفي حياة المواطنات والمواطنين، حيث يتطلب أن تحرص فيه الحكومة على تحديد الأعباء التي تتحملها الدولة، وتعطي في المقابل تصوراتها العامة عن حدود مواردها، مع مراعاة الظرفية الاقتصادية والاجتماعية وكذا أهداف ونتائج البرامج المحددة عند إعداده.

وهو ما يشكل بإيجاز تام مرآة تعكس صورة واضحة عن واقع اقتصاد البلاد والخطوط العريضة لسياساتها العمومية...

وبغض النظر عن السياق الدولي العام الذي تم فيه إعداد مشروع القانون المالي لعام 2024، في ظل تواصل الحرب الروسية/الأوكرانية، واستمرار عديد التوترات الجيوسياسية وما ينجم عنها من تقلبات في أسعار المحروقات وكافة المواد الأولية، بالإضافة إلى تداعيات زلزال الحوز المدمر، فإن ما يهم الجماهير الشعبية في المقام الأول، هو ما سيأتي به من اقتراحات عملية لتحسين ظروف العيش وحماية القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة، والحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية وخلق فرص الشغل للشباب المغاربة العاطلين في القرى والمدن.

فلا يمكن لأي كان أن ينكر أن مشروع قانون المالية لعام 2024 تضمن بعض التدابير الإيجابية، التي هي في الواقع من وحي التوجيهات الملكية السامية، ويتعلق الأمر هنا بإعادة إعمار مناطق الأطلس الكبير المتضررة بفعل تداعيات الزلزال العنيف، الزيادة المهمة في ميزانية قطاعي التعليم والصحة، الدعم المالي المباشر للأسر المنكوبة ولذات الدخل المحدود الراغبة في اقتناء مساكن خاصة وتعميم الحماية الاجتماعية، فضلا عن مواصلة تنفيذ المخطط الوطني للمياه من أجل تأمين مياه الشرب والري للسكان...

بيد أنه خلافا لما يدعيه بعض البرلمانيين من الأغلبية الذين يسيئون بوعي أو بغيره إلى صورة النائب أو المستشار البرلماني في بلادنا، خاصة عندما يحاولون طمس الحقائق في واضحة النهار، مثل ما صرح به أحدهم بمناسبة تقديم وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح مساء يوم الجمعة 20 أكتوبر 2023 الخطوط العريضة لمشروع قانون المالية لسنة 2024 أمام مجلسي البرلمان، حيث قال بدون حياء أن جميع المغاربة أصبحوا يتمتعون بنفس الحقوق، الحق في العيش الكريم، والحق في الصحة، والحق في السكن اللائق، والحق في العمل الضامن للكرامة، أو كما قال آخر بأن المشروع المالي يشكل لحظة تاريخية حاسمة وغير مسبوقة في طريق ترسيخ الدولة الاجتماعية وما إلى ذلك من التصريحات الهوجاء.

وعلى عكس ما ظلت الحكومة ترفعه من شعارات منذ ولادتها حول إرساء أسس الدولة الاجتماعية، وما استمرت تطلقه من وعود معسولة حول اعتزامها النهوض بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والرفع من أجور الموظفين والأجراء وغير ذلك من الالتزامات التي سرعان ما تبخرت في الهواء، فإن قانونها المالي جاء للأسف دون مستوى تطلعات الجماهير الشعبية ومخيبا لآمالها وأحلامها، إذ يكاد لا يختلف كثيرا عن قانونيها السابقين إن على مستوى البنية أو التركيبة أو التوقعات.

ذلك أنه بالإضافة إلى ما وجهت المعارضة البرلمانية من انتقادات للحكومة حول عدم واقعية فرضيات مشروع القانون المالي لسنة 2024 فيما يتعلق بمعدلات النمو وعجز الميزانية والتضخم وغيره، وافتقارها إلى الدقة، وأن مقتضياته ينقصها الكثير من الجرأة والعمق لتنزيل الإصلاحات الهيكلية الضرورية، يؤاخذها كذلك عدد من الخبراء والملاحظين على رفضها إقرار أي ضريبة على الثروة، واكتفائها باستخلاص حوالي 53 مليار درهم من الضريبة على الدخل، جلها من رواتب الموظفين والأجراء، وإسقاط مادة النفط من فرضياتها رغم تحكم سعر البرميل في منحنيات التضخم، وتجاهلها لتوصيات صندوق النقد الدولي، الذي سبق أن دعاها إلى ضرورة توسيع القاعدة الضريبية، وتحسين تصاعدية النظام الجبائي والبحث عن موارد ضريبية جديدة. كما أنها لم تعمل في مشروعها المالي المحبط على تحسين التدرج الضريبي وفرض ضريبة عاجلة استثنائية أو دائمة على الثروات الكبيرة والبيئية، وجعل النظام الضريبي رافعة أساسية للإنفاق العمومي الناجع الموجه نحو القطاعات الاجتماعية...

والأفظع من ذلك أن الحكومة مازالت مستمرة في نهج سياسة الهجوم على الطبقات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة، وقد كشفت عن بشاعة وجهها حين أبت إلا أن تواصل خدمة الرأسمال الريعي، باعتمادها الزيادة في الضريبة على القيمة المضافة عبر مراحل، مستهدفة بذلك مواد الماء والكهرباء والسكر ووسائل النقل والسيارات الاقتصادية، والتحضير لحذف الدعم وتحرير أسعار الزيت والدقيق والغاز عوض تحرير أسعار المحروقات، دون أدنى مراعاة لجيوب المواطنين التي أنهكتها معضلة الغلاء وارتفاع أسعار المواد الأساسية والواسعة الاستهلاك وتكاليف الحياة الصعبة.

إن أساس بناء دولة اجتماعية بجميع مقوماتها، لا يستقيم بترديد الشعارات الفارغة وإطلاق الوعود الكاذبة، ولا بتحديد دعم مالي يتراوح ما بين 500 و1000 درهم للأسر في وضعية فقر أو هشاشة، وإنما بالعمل الجاد والمسؤول على ترسيخ قواعد الديمقراطية الحقة، التوزيع العادل للثروة، تسقيف أسعار المواد الأساسية وإقرار نظام ضريبي عادل مع سن ضريبة على الثروة، الإكثار من المشاريع الاجتماعية للحد من معدلات الفقر والفوارق الاجتماعية والمجالية، وخلق فرص شغل حقيقية ومناسبة للعاطلين وخاصة خريجي الجامعات والمعاهد والمدارس العليا، ومكافحة الفساد بمختلف أشكاله، وإسناد المسؤوليات لمستحقيها من النزهاء وذوي الكفاءات العالية.

 

المصدر: أخبارنا

كلمات دلالية: قانون المالیة

إقرأ أيضاً:

تشميع وتحرير محاضر لـ 61 محلا مخالفا لأنشطته التجارية في الوادي الجديد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

شنت محافظة الوادي الجديد حملة موسعة لرصد التعديات على الأراضي ومخالفات البناء  والتي  أسفرت عن تحرير  61 محضرًا متنوعا بين غلق وتغيير نشاط للوحدات والمحلات التجارية المخالفة ، كما تم غلق عدد من المحلات لحين تقنين أوضاعها .

من جانبه شدد اللواء محمد الزملوط محافظ الوادي الجديد  في بيان له،  اليوم الجمعة، على المواطنين بسرعة التوجه للمراكز التكنولوجية بالوحدات المحلية للتصالح وتقنين الأوضاع، والاستفادة من مزايا و تيسيرات القانون، قبل غلق باب التقدم 4 نوفمبر القادم، وكذلك التقدم لتراخيص المحلات التجارية طبقًا لقانون تراخيص المحال العامة رقم 154 لسنة 2019.

 

وأكد الزملوط ان وزارة التنمية المحلية، بالتنسيق مع المحافظات، تواصل تطبيق قانون المحال العامة رقم 154 لسنة 2019، الذي يحذر من إجراء أي تعديل في المحل أو المطعم أو الورشة والمقهى المرخص به، أو في نشاطه وكل نشاط ينطبق عليه قانون المحال، دون موافقة من المركز المختص، إذ يعاقب كل من خالف ذلك بغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه، ولا تتجاوز 50 ألف جنيه.

 

مقالات مشابهة

  • تشميع وتحرير محاضر لـ 61 محلا مخالفا لأنشطته التجارية في الوادي الجديد
  • عضو بـ«النواب»: ننتظر تقدم الحكومة بمشروع قانون يحل أزمة الإيجار القديم
  • وزير المالية يترأس وفد المملكة في الاجتماع الـ 122 للجنة التعاون المالي والاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي
  • وزير المالية يوقّع مذكرة تفاهم للتعاون في المجال المالي مع نظيره القطري
  • الحليمي: المغاربة إستحسنوا إستمارة الإحصاء التي قلصت من طول مدة الأسئلة
  • وزيرة المالية تشارك في اللقاء المشترك بين لجنة التعاون المالي والاقتصادي ولجنة محافظي مؤسسات البنوك المركزية بدول مجلس التعاون ومدير صندوق النقد الدولي
  • الحليمي لـRue20: إحصاء المغاربة كلف 150 مليار ضمنها اللوحات الإلكترونية التي كلفت 14 مليار
  • الحكومة تمدد صرف المساعدات المالية للأسر المتضررة من الزلزال بـ2500 درهم شهريًا لمدة 5 أشهر
  • مسرحية أم حقيقة .. كيف تفاعل المغاربة مع الهجوم الإيراني ضد إسرائيل؟
  • هبوط قيمة الين بعد تبدد آمال رفع بنك اليابان الفائدة