من وعد بلفور إلى العدوان على غزة.. متى تعترف بريطانيا بالمسؤولية؟
تاريخ النشر: 2nd, November 2023 GMT
لندن- تحل ذكرى وعد بلفور هذه السنة في ظروف استثنائية تعيشها القضية الفلسطينية وفي ظل نضال الشعب الفلسطيني لاستعادة أرضه.
وتعيش بريطانيا، صاحبة هذا الوعد الصادر يوم 2 نوفمبر/تشرين الثاني 1917، أيضا وضعا استثنائيا بين رأي عام مساند للقضية عبّر عنه من خلال مسيرات متضامنة مع الفلسطينيين كانت الأكبر في العالم، وبين قرار سياسي يقدم الدعم المطلق لإسرائيل ويرفض إلى حد الآن حتى الدعوة إلى وقف إطلاق النار.
ويعد الوعد الذي قدمه وزير خارجية المملكة المتحدة آرثر بلفور والمعروف في الأدبيات السياسية والتاريخية بوعد "من لا يملك لمن لا يستحق"، نقطة الانطلاقة الرئيسية للقضية الفلسطينية والذي نتج عنه فيما بعد الاحتلال الإسرائيلي.
وتعرف القضية الفلسطينية لحظات مصيرية تصبح معها مسؤولية لندن التاريخية حول وعد بلفور، أكبر وأكثر أهمية لتسليط الضوء عليها وعلى خلفيات هذا الوعد.
الجزيرة نت تحدثت مع 3 خبراء بريطانيين عن السبب الذي دفع حكومة المملكة المتحدة إلى تقديم هذا الوعد وتبعاته التاريخية.
مسؤولية تاريخية
يربط الأكاديمي البريطاني كريس دويل بين وعد بلفور وبين الأحداث التي يعرفها قطاع غزة، قائلا إن الأوضاع الحالية لا يمكن فصلها عن الوعد من الناحية التاريخية.
ويؤيد مدير مركز الأبحاث "المجلس العربي البريطاني" في لندن -في حديثه مع الجزيرة نت- تحميل بريطانيا "المسؤولية التاريخية لما يحدث في فلسطين بسبب فشلها المستمر في إيجاد حل عادل لهذه القضية.
ورغم أن كريس دويل ألقى باللوم على المجتمع الدولي في عدم حل هذه المشكلة، أكد أن لندن تتحمل المسؤولية الأولى لأنها كانت لها القدرة على حل المشكلة منذ عقود طويلة قبل أن تتعقد أكثر وتصبح ملفا أميركيا في المقام الأول.
أما عن سبب تقديم وزير الخارجية البريطاني آنذاك آرثر بلفور لهذا الوعد، فأوضح دويل أن بلفور لم يكن لديه رغبة في أن يأتي اليهود من شرق أوروبا إلى بريطانيا، وكان وجود اليهود في البلاد معضلة كبيرة ولهذا اعتبر أن هذا الوعد هو الحل.
وأكد الأكاديمي البريطاني أن بلفور كان شخصا معاديا للسامية يعتبر أن عدد اليهود في بريطانيا يجب ألا يرتفع، ويرى أن لهم نفوذا متناميا في أميركا وأنهم قد ينجحون في بسط نفوذهم في بلاده أيضا، وتقديم هذا الوعد وإرسالهم إلى مكان خارج أوروبا هي فكرة معادية للسامية تماما، حسب قراءته.
إستراتيجية استعمارية
وعبر دويل عن أسفه كون لندن، التي لها دور تاريخي وسياسي في القضية الفلسطينية، باتت عاجزة الآن حتى عن الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار ورفع الحصار وإطلاق سراح المحتجزين وإدخال المساعدات الإنسانية.
من جهتها تنطلق عفاف الجابري مسؤولة برنامج الدراسات العليا للاجئين في جامعة شرق لندن من فكرة أساسية مفادها أن وعد بلفور لوحده لم يكن له أي شرعية، لكن عصبة الأمم ومطالب جزء من الحركة الصهيونية التي كانت حينها منقسمة، هي من منحته الشرعية.
وتؤكد المتحدثة ذاتها أن الحركة الصهيونية كان جزء منها يقول إن اليهود لا يجب أن يكونوا في دولة واحدة وهناك من كان يتحدث عن السودان أو إثيوبيا أو أوغندا، فلماذا تم اختيار فلسطين؟
سؤال تجيب عنه الجابري بشقين، "الأول وهو لأسباب تتعلق بالسردية الدينية لجزء من الحركة الصهيونية والثاني هو معاداة السامية، ذلك أن بريطانيا وغيرها من الدول الأوروبية كانت تريد إخراج اليهود من أوروبا".
ومن الناحية القانونية، تعتبر الأكاديمية أن بريطانيا لم يكن لديها حينها أي حق كدولة استعمارية في تقديم هذا الوعد، لكن هناك إستراتيجيات استعمارية تهدف إلى ضمان حصول اشتباكات دائمة في المنطقة وغياب الاستقرار حتى تضمن القوى الاستعمارية مصالحها فيها.
وتشدد الجابري على المسؤولية التاريخية والقانونية للندن والأمم المتحدة لأن الأخيرة منحت حقا لدولة استعمارية في تحديد مصير الشعب الأصلي، حيث كان الفلسطينيون آنذاك يشكلون 90 % من سكان فلسطين ومع ذلك لم يتم أخذ رأيهم في الموضوع.
ويصف الحقوقي البريطاني رئيس حملة التضامن مع فلسطين في بريطانيا ابن جمال، وعد بلفور بأنه كان لحظة مهمة وحاسمة في تأسيس إسرائيل، وبريطانيا تتحمل المسؤولية التاريخية لأنها أعطت الشرعية لهذه الفكرة دون الاكتراث بالسكان الأصليين وتقديم وعد بمنح الأرض لأشخاص آخرين.
ويؤكد بن جمال -للجزيرة نت- أن لندن كانت أول من أشرف على تنظيم هجرة اليهود وأعطت الضوء الأخضر لهذه الهجرة، "ومع ذلك فأنا أقول إنه ربما لو لم تقم بريطانيا بتقديم هذا الوعد لكانت دولة أخرى ستقوم بالأمر".
أما عن أهداف بريطانيا من تقديم هذا الوعد فكانت لها خلفيات استعمارية مرتبطة بالإمبراطورية البريطانية وكانت ترى في الحركة الصهيونية حليفا محتملا في المنطقة، إضافة إلى تحقيق هدف معادي للسامية بنقل اليهود خارج بريطانيا، يضيف بن جمال.
ويؤكد الأكاديمي البريطاني أن الوثائق التاريخية تظهر أن الوعد هو بمثابة صفقة بين بلفور الذي كان معاديا للسامية وبين الحركة الصهيونية، فالأول لا يريد يهودا في بريطانيا والثانية تريد استغلال الأمر للحصول على دولة وهكذا صدر هذا الوعد.
ومنذ ذلك الوعد، "فشلت لندن في تحمل مسؤوليتها التاريخية في جعل إسرائيل تخضع للقانون الدولي، بل إن بريطانيا تقوم بحمايتها من أي مساءلة قانونية وهو ما أدى لوصولنا إلى هذا الوضع الذي نعيشه الآن"، يقول ابن جمال الذي أكد أن خطاب السياسيين البريطانيين يكشف جهلا تاما بخطورة هذه القضية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الحرکة الصهیونیة وعد بلفور
إقرأ أيضاً:
فلسطين الشهيدة.. أقدم كتاب مصوَّر لبعض فظائع اليهود والإنجليز في حق الفلسطينيين
النسف، الحرق، التخريب، النهب، تدمير المدن والقرى، التشويه، التعذيب، قتل النساء والأطفال والشيوخ، هدم المنازل والمساجد وتخريبها، هذه بعض من الجرائم الفظيعة التي ارتبكها الإنجليز ومعهم العصابات اليهودية الذين جلبتهم الحكومة الانجليزية من أصقاع الأرض لتمنحهم حق التصرف والتملك في أرض فلسطين التي هي في الأصل لا تملكها وبدون وجه حق، وإنما بدافع استعماري واستيطاني وتحت مظلة مؤامرة دولية.
لقد رافق التوثيق لهذه الجرائم منذ عشرينيات القرن الماضي، حيث صدر كتاب “فلسطين الشهيدة” وهو عبارة عن سجل مصور لبعض فضائع الإنكليز واليهود من الجرائم التي ارتكبوها ضد الشعب الفلسطيني الأعزل خلال الفترة (1921 – 1938م).
وكعادة الشعب الفلسطيني العربي الحر المناضل فقد أبى كل السياسات الإنجليزية في سلب وطنه وإعطائه لليهود، وجاهد واستبسل وثبت على أراضيه واحتمل التضحيات الجسام التي لم يحتملها أي شعب على هذه المعمورة وعلى مدى التاريخ، ولا يزال يجاهد ويتحمل كافة الأعباء، ويقدم من الفداء أعزه وأعظمه.
لقد تتابعت الثورات في فلسطين منذ الاحتلال الإنجليزي لها عقب الحرب العالمية الأولى، فالكتاب يسلط الضوء على هذه الثورات خلال العشرين العام الأولى من بداية الاحتلال الإنجليزي وما رافقته من مقاومة ومقارعة لهذا الاحتلال وحجم التضحيات التي قدمها الفلسطينيون.
يسلط الكتاب الضوء على ما تيسر الوصول إليه في تلك الظروف الحرجة من الصور التي تنطق ببعض ما قدمت “فلسطين الشهيدة” في جهادها الطويل من تضحية وفداء وما لقيت من عذاب وبلاء، والتي تسجل بعض ما يرتكب الانجليز فيها من فظائع وآثام، أقلها التقتيل والتمثيل، وأهونها النسف والتدمير.
ما إن ظن الانجليز أنهم قد سيطروا على فلسطين وبدأوا بتنفيذ مخططاتهم حتى بدأ الفلسطينيون بانتفاضاتهم وثورتهم ضد المحتل، فكانت أول الثورات قد وقعت في القدس في الرابع من ابريل 1920م، ومن ثم تلتها الثورة الثانية في مدينة يافا وما جاورها في 1 مايو 1921م، وامتدت حتى مدينة طول كرم، وكانت موجهة ضد اليهود، وقد ارتكب اليهود خلالها الكثير من الفضائع فاعتدوا على النساء والأطفال، واستعملوا ماء الفضة يحرقون به الوجوه ويشوهونها، وقضوا على الجرحى من الرجال.
ثورة البراق
لم يتوقف الفلسطينيون عن المقاومة بل استمروا في مواجهة القوات الإنجليزية والعصابات اليهودية الصهيونية، وكذلك في المظاهرات والاضرابات في الكثير من المدن الفلسطينية في القدس وحيف وغزة وبيسان ونابلس، حتى انطلقت ثورة عامة تم تسميتها بـ”ثورة البراق” شملت فلسطين كلها في 23 أغسطس عام 1929م، وحدثت أهم وقائعها في القدس والخليل وصفد ويافا وحيفا وغزة، ونشأت عندما اعتدى اليهود على المسجد الأقصى والبراق الشريف، فكانت الضحايا بالمئات، وعلى إثرها قام الانجليز بإعدام القافلة الأولى من الشهداء وهم فؤاد حجازي، عطا الزير، محمد جمجوم.
ثورة المظاهرات
وفي العام 1933م شعر الفلسطينيون بأن الخطر اليهودي قد استفحل، بسبب تضخم الهجرة اليهودية والاستيلاء على مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية، فقرر الشعب العربي الفلسطيني إقامة مظاهرات عامة دورية، كل أسبوع في مدينة احتجاجاً على ذلك، فكانت المظاهرة الأولى في القدس 13أكتوبر 1933م، والمظاهرة الثانية في يافا 27أكتوبر 1933م، وحصلت صدامات دامية بين المتظاهرين وبين الانجليز، ووصل عدد الشهداء الفلسطينيين إلى 27 رجلاً وتعدى عدد الجرحى المائة.
الثورة الكبرى
استمر الفلسطينيون في المقاومة والمظاهرات حتى بدأت الثورة الكبرى في 19 ابريل 1936م، حيث بدأت بالإضراب العام الدائم الذي استحال إلى ثورة طاحنة واستمرت حتى تأليف هذا الكتاب، وقد ارتكب الجيش الإنجليزي للقضاء على هذه الثورة أقسى الفضائع وأشدها هولاً وإغراقاً في الهمجية.
ومن الجرائم التي ارتكبها الجيش الإنجليزي هو هدم المنازل والبيوت العامرة نسفاً بالديناميت، وكذا أحراق الكثير منها، فبلغ به الأمر أن قام بقصف أحياء وبأكملها وقرى بأكملها فكانت الخسائر فظيعة كثيرة.
ومن الفظائع التي ارتكبها الانجليز أيضاً عمليات التفتيش التي كانت ترافقها ترويع الأهالي وإيذائهم ويصل بهم الأمر إلى قنص العديد من الأفراد، وأثناء عمليات التفتيش يتم اتلاف الكثير من الأدوات والأثاث ونهب ما تصل إليه أيديهم من الأشياء الثمينة كالمجوهرات وغيرها.
لقد شاركت العصابات الصهيونية اليهودية الانجليز في تلك الفظائع، فقد وضعواً ألغاماً وألقوا القنابل على أماكن تجمع المواطنين الفلسطينيين كالأسواق وغيرها في حيفا والقدس ويافا استشهد فيها الرجال والنساء والأطفال.
يكشف لنا الكتاب من خلال الصور مدى الفضائع التي ارتكبها الجيش الإنجليزي وبمساعدة العصابات الصهيونية اليهودية ضد المواطنين الفلسطينيين أصحاب الأرض، والتي أصبحت سياساتهم بعد خروج الانجليز وسيطرة هذه العصابات على المدن الفلسطينية والقيام بتهجير أهلها، لكن مقاومة الفلسطينيين لا تزال مستمرة حتى يأتي وعد الحق جل في علاه في عودة الأراضي المقدسة وفلسطين كلها إلى أهلها، “وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون”.