تونس ـ الكويت ـ القاهرة ـ أسابيع قليلة شكلت وعي أطفال العرب بالقضية الفلسطينية التي كان أغلبهم لا يعلمون عنها شيئا سوى بعض الكلمات في الكتب الدراسية، إلا أن عملية طوفان الأقصى التي اندلعت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي جعلت القضية محط الاهتمام الأول لتلك الفئة العمرية.

فعندما رأى الأطفال أبناء جيلهم وجلدتهم في قطاع غزة بين شهيد ومصاب ونازح، طفت على ألسنتهم العديد من التساؤلات من مثل لماذا يقتلونهم؟ لماذا لا ننصرهم؟ وكيف نقدم لهم العون؟

كما أن صمود المقاومة وشعب غزة أمام آلة الحرب الإسرائيلية جعل الأطفال العرب يشاركون لأول مرة في حملات المقاطعة، ويرسمون العلم الفلسطيني وصورا لأبي عبيدة المتحدث باسم كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) باعتباره أحد رموز الصمود بالنسبة لهم، كما يرددون الأغاني الوطنية الفلسطينية، إذ لا يكاد يخلو بيت عربي من ترديد الأغنية الوطنية الفلسطينية الأشهر "دمي فلسطيني".

أحداث غزة أصبحت الشغل الشاغل للطفلة التونسية تسنيم (الجزيرة)

تسنيم طفلة تونسية لا تتعدى السادسة من عمرها وتدرس بالصف الأول، ورغم صغر سنها، فإنها أصبحت من أشد المناصرين للحق الفلسطيني في مدرستها، الذي عرفت تفاصيل صغيرة فقط عنه من معلماتها وأمها، لكن مشاهد الأطفال والجرائم التي تشاهدها عبر هاتف والدها المحمول وعلى شاشات التلفزيون جعلتها تهتم بالقضية أكثر وتسأل أمها عن أسباب ما يحدث.

وتقول أم الطفلة تسنيم "أصبحت أخبار غزة شغل تسنيم الشاغل في البيت، وأصبحت ترسم علم فلسطين في كل مكان وعلى وجوه إخوتها، حتى إنها تروي لهم قصصا من نسج خيالها تمثل فلسطين فيها الخير وإسرائيل الشر وتختمها بانتصار الخير".

وعند سؤالها عما يحدث حاليا، تقول تسنيم بتأثر شديد "بلادنا فلسطين مسلمة وإسرائيل تريد أخذها منا، لذلك هي تقتل الأطفال في غزة".

خدمة القضية

وعن تأثير الحرب على الأطفال، يقول المحلل السياسي مراد علالة للجزيرة نت إن ما يتعرض له الشعب الفلسطيني اليوم يؤثر بشكل سلبي على نفسية الصغار في فلسطين والعالم العربي، ويستدرك أنه يغرس فيهم في الوقت ذاته كثيرا من القيم والمبادئ الإيجابية، ويكشف الحقائق أمامهم التي تصب في خدمة مستقبل القضية الفلسطينية.

ويضيف علالة "يجب تأطير الناشئة اليوم في فلسطين والعالم العربي، فهم صمام أمان القضية وهم مؤتمنون على الحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني، فجيل الحجارة هو الذي يمسك اليوم بالمبادرة، وجيل طوفان الأقصى هو من سيواصل تحقيق أهداف الثورة الفلسطينية حتى إقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف".

وفي الكويت وعلى بعد آلاف الأميال من تسنيم، عادت الطفلة مليكة محمود ابنة السنوات السبع من مدرستها باكية، وحين سألها والدها كان الجواب أن زميلات لها نهرنها حين رأين في يدها كيسا من "الشيبس" (رقائق البطاطا) المدرجة ضمن قائمة المقاطعة.

يقول والد مليكة إن طفلته أخبرته وهي تبكي بمدى حبها لفلسطين، وإنها أكدت لزميلاتها ذلك، مضيفة أنها اشترت المنتج في الصباح دون أن تدرك لصغر سنها أنه من بين المنتجات المطلوب مقاطعتها.

الواقعة، كما يراها الوالد، مبشرة وتعكس كيف يشكل العدوان المستمر على غزة وعي الأطفال في عمر ابنته وهم الذين ربما يسمع بعضهم اسم فلسطين أو القدس للمرة الأولى.

تأكيد التضامن

ومنذ بدء العدوان على غزة، تنظم مدارس الكويت فعاليات لدعم القضية الفلسطينية شملت وقفات احتجاجية داخل المدارس وكذلك تنظيم مهرجانات خطابية لدعم صمود أهالي غزة وتأكيد التضامن معهم والتعريف بالقضية الفلسطينية.

وشهدت الوقفات التي احتضنتها ساحة الإرادة في العاصمة الكويت مشاركة لافتة من الأطفال الذين حرصوا على التعبير عن تضامنهم مع أقرانهم من ضحايا العدوان على غزة.

وبحسب أستاذ علم النفس في جامعة الكويت خضر البارون، فإن العدوان على غزة له أثر شديد السوء على أطفال القطاع ممن يواجهون الموت يوميا، فضلا عن فقد كثير منهم آباءهم أو إخوانهم وتدمير مدارسهم وأماكن اللعب الخاصة بهم وغيرها من آثار العدوان.

ويضيف البارون للجزيرة نت أن تلك الأحداث ستخلق أطفالا عرضة لكثير من الأمراض النفسية جراء هذا العدوان البغيض، وسيحثون بلا شك على سبل الانتقام من العدو، فضلا عن شعور بالغضب تجاه من خذلهم.

تعاطف شديد

وعلى مستوى الأطفال من أبناء الدول العربية، يرى البارون أن هؤلاء ربما سمع كثير منهم عن القضية الفلسطينية لأول مرة من خلال الأحداث الجارية، مما يخلق لدى كثير منهم حالة من التعاطف الشديد مع أقرانهم ممن يتعرضون للعدوان والقتل.

وبحسب البارون، فإن وعي هؤلاء يتشكل الآن عبر متابعتهم لما يجري، ومن المهم أن يولي الآباء اهتماما كبيرا بشرح ما يحدث ونقل معاناة الأشقاء في فلسطين إليهم بشكل مبسط يناسب المرحلة العمرية وكذلك تنمية الحس القائم على المشاركة لديهم من خلال دعم الأشقاء في فلسطين ولو بجزء من مصروفهم اليومي لتبقى القضية حية في وجدانهم.

وفي القاهرة، يرغب الطفل يوسف في الحصول على مسدس للدفاع عن أطفال غزة بعدما شاهد سقوط آلاف الأطفال شهداء جراء القصف الإسرائيلي المتواصل، ومنذ اندلاع الحرب يقوم يوسف برسم علم فلسطين إلى جوار علم مصر تعبيرا عن تضامنه الفطري مع القضية.

وعندما أدرك ماهر والد يوسف أن أثر الأحداث على ابنه يحتاج مسارا لتفريغ شحنة الطفل وغضبه، عرض رسومات طفله عن فلسطين على حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي، مبينا له تفاعلات الأصدقاء عليها، ففرح وشعر بأنه غير عاجز وها هو قد فعل شيئا.

وقفات لأطفال الكويت لدعم الشعب الفلسطيني في غزة (وكاله الأنباء الكويتية) رمز الصمود

أما مريم ذات السنوات الثماني فتحتفظ على هاتف والدها بصورة لأبي عبيدة المتحدث باسم كتاب القسام لتقبلها بين الحين والآخر باعتباره رمزا للصمود الفلسطيني.

يقول سالم حسين، والد مريم، إنه حين سأل ابنته هل ترى أن أبا عبيدة مخيف لأنه ملثم، أجابته بأنها تحبه "لأنه بطل طيب وصالح ولأنه يدافع عن الفلسطينيين، كما أنه يتكلم اللغة العربية مثلنا".

بدوره، أكد المحلل السياسي المصري عمار علي حسن أن المشهد برمته يعيد تشكيل وعي الأطفال بالقضية الفلسطينية، بعد أن كان مخططا لها أن تتوارى وينساها الجميع.

وقال حسن، في حديث للجزيرة نت، إن أطفال مصر يتساءلون إزاء تلك المشاهد الدامية أسئلة بريئة ومنطقية حول الحق والعدل وكل القيم التي يتعلمونها وتتحطم أمام ما يرون.

بدا الباحث المتخصص في الاجتماع السياسي واثقا من أن هذه المشاهد المؤلمة ترسخ في وعي ووجدان الأطفال التعاطف مع مأساة ذوويهم في فلسطين، والنقاش حولها، مما سيسهم في ولادة جيل مرتبط بالقضية حالما بيوم تحرير فلسطين.

وخلص حسن إلى أن صمود رجال ونساء وأطفال فلسطين طبع في أذهان وقلوب الأطفال صور البطولة، وصار الصامدون في غزة يشكلون مثلا أعلى للأطفال.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: بالقضیة الفلسطینیة القضیة الفلسطینیة فی فلسطین على غزة فی غزة

إقرأ أيضاً:

طوفان الأقصى يجرف أركان الاحتلال العسكرية.. تعرف على المستقيلين

تسبب سلسلة الإخفاقات للاحتلال في العدوان على غزة، على الرغم من الإبادة الجماعية المرتكبة، في هزة لجيش الاحتلال، وصلت إلى حد إعلان رئيس الأركان هرتسي هاليفي، تقديم استقالته وإعلان فشله في الدفاع والهجوم كما قال.

ومنذ عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين أول/أكتوبر 2023، أطاحت العملية برؤوس كبيرة في جيش الاحتلال، وقياداته، بسبب الفشل الاستراتيجي الكبير وغير المسبوق، الذي تعرض له الاحتلال، والضربة العسكرية والاستخبارية القاسية التي وجهتها كتائب القسام لجيش الاحتلال والشاباك.

ونستعرض في التقرير التالي أبرز قيادات جيش الاحتلال التي أطاحت بها عملية طوفان الأقصى:

هرتسي هاليفي:

رئيس أركان جيش الاحتلال، ضابط سابق في وحدة سييرت ميتكال، نخبة رئاسة الأركان السرية، رافقه الإخفاق والفشل في محطات عديدة بحياته، كان أبرزها محاولة تحرير الجندي ناحشون فاكسمان من يد كتائب القسام، في تسعينيات القرن الماضي، والتي قتل فيها الجندي وقائد مجموعة الاحتلال المقتحمة لمكان احتجازه وكان بينهم هاليفي ذاته.

اللواء يارون فينكلمان:

قائد المنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال، والقائد العسكري المسؤول فعليا عن الجبهة مع قطاع غزة، وأبرز المتهمين بالفشل والإخفاق خاصة وأن ما يعرف بفرقة غزة التي تخدم تحت يده، تعرضت لضربة مدمرة في عملية طوفان الأقصى وقتل الكثير من ضباطها فضلا عن أسرهم.

اللواء تامير ياداي:

قائد القوات البرية السابق في جيش الاحتلال، تقدم باستقالته قبل أشهر، في خضم العدوان البري على القطاع، متذرعا بأسباب خاصة، فيما كشفت المواقع العبرية عن خلافات كبيرة بينه وبين هاليفي.

اللواء يوسي سارييل:

قائد الوحدة 8200 الاستخبارية، المسؤولة عن تحليل البيانات الاستخبارية وشن الهجمات السيبرانية وصياغة الخطط، وأعلن استقالته معترفا بحجم الإخفاق الذي قامت به وحدته في عدم اكتشاف خطط كتائب القسام للهجوم.

قائد المنطقة الجنوبية في جهاز الشاباك:

ضابط كبير رتبته واسمه غير معلنين، ويرمز له بالحرف، استقال من منصبه الحساس، باعتباره المسؤول عن قطاع غزة استخباريا، وقال إن الفشل سيرافقه طيلة حياته، بسبب ما جرى في عملية طوفان الأقصى.

اللواء آفي روزنفيلد:

قائد فرقة غزة، المسؤولة عسكريا، عن تطويق القطاع، والمسؤول المباشر عن الفشل والإخفاق في صد عملية طوفان الأقصى، والتي دمرت كامل فرقته واحتلت كافة مواقعها في الساعات الأولى من الهجوم.

اللواء أهارون هاليفا:

رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، استقال من منصبه، معترفا بفشل شعبته الحساسة، في تحليل البيانات الاستخبارية، والمعطيات الخاصة بقطاع غزة، بعد نجاح المقاومة في تضليل استخبارات الاحتلال.

العميد عميت ساعر:

رئيس قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية، استقال من منصبه معترفا بالفشل أمام ما جرى في عملية طوفان الأقصى.

استقالات متوقعة:


رونين بار:

رئيس جهاز الشاباك، والمسؤول الأول عن مراقبة كافة التفاصيل في قطاع غزة، تعرض جهازه لضربة استخبارية، وعمى في المعلومات داخل القطاع بسبب تخلص المقاومة من الكثير من العملاء، فضلا عن عمليات التضليل الاستخباري التي وقع فيها جهازه، وكشف مقربون منه تفكيره منذ أشهر بالاستقالة اعترافا بالفشل.

تومير بار:

قائد سلاح جو الاحتلال، وأحد أبرز من وجهت لهم اتهامات داخلية، بالإخفاق والفشل في عملية طوفان الأقصى، بسبب طول مدة الاستجابة لتحريك الطائرات إلى المناطق المحيطة بغزة، والفشل في صد الهجوم.

ديفيد سالامي:

قائد سلاح بحرية الاحتلال، أحد المتهمين بالإخفاق في عملية طوفان الأقصى، بسبب نجاح القوة البحرية في كتائب القسام، في اختراق قاعدة زيكيم البحرية المجاورة لقطاع غزة، وتنفيذ عملية إنزال داخلها وقتل عدد من الجنود والمستوطنين.

مقالات مشابهة

  • معركة طوفان الأقصى.. معجزة غزة وأهلها
  • ما أبرز الإنجازات والمكتسبات التي حققها طوفان الأقصى للقضية الفلسطينية؟
  • رسائل طوفان الأقصى تتجاوز الزمان والمكان
  • طوفان الأقصى يجرف أركان الاحتلال العسكرية.. تعرف على المستقيلين
  • المتصهينون العرب وانتصار المقاومة الفلسطينية
  • رئيس الأركان الإسرائيلي يعترف بفشله في مواجهة "طوفان الأقصى" ويعلن استقالته
  • طوفان الأقصى.. تتويج لمسيرة الكفاح الفلسطيني
  • عبد الله حسن: لا بد أن يظهر العرب القضية الفلسطينية كمحور القضايا
  • تأملات في أبرز محطات معركة “طوفان الأقصى”.. من ساعة الصفر حتى إعلان الانتصار
  • الدبيبة يشيد بدور قطر في القضية الفلسطينية