لبنان ٢٤:
2024-06-30@00:38:24 GMT

إعلام الكرسيّ الهزَّاز مخاطر اللعب بالسلطة

تاريخ النشر: 2nd, November 2023 GMT

إعلام الكرسيّ الهزَّاز مخاطر اللعب بالسلطة

كتب وزير الشباب والرياضة الدكتور جورج كلاّس: لكل سلطة كرسيّ يتوافق وكيانيتها الدستورية .
أما السلطة الإعلامية، فكراسيها متنوعة وذات توصيفات تحوّلية، تتماشى مع تبديل البوصلة السياسية ظَرفيّاً وغبّ الطلب واستجابة المواقف.

وسؤال المرحلة في أعاصير الأزمات السياسية وإفرازاتها الأمنية والمجتمعية الكثيرة التي تضرب استقرارنا النسبي هو: هل للإعلام اللبناني، بطبيعتَيْه الرسمي والخاص، عقيدة تربّى عليها ويؤمن بها ويحملها ويدافع عنها؟ والى أي مدى يمكن لهذا الإعلام أن يواكب بمسؤولية الظروف الضاغطة في أزمنة الحروب والنزاعات ويتخذ موقفاً حراً وواضحاً من القضايا الساخنة، ويُسهِمَ بتقديم الأفكار وصياغة هندسات الرأي وصناعة مشاريع الحلول الممكنة للخروج من المآزق واتّقاء النوازل؟
ويستتبع هذا السؤال المحوري تساؤلٌ حاد عما اذا كان الإعلاميون اللبنانيون، في خلال ممارستهم لمهامهم، يجلسون في غرف التحرير على مقاعد وثيرة تحرضهم على التنظير واطلاق الاحكام عن بُعد، وكأنهم محللون نفسيون وخبراء إنتقاديون وأوصياء حصريون على المعرفة، رغم تغرّبهم عن الواقع وبُعدهم عن الميدان؟ أم أنهم يرتاحون على كرسيّ هَزّاز؟ أم يقبعون في الخنادق ويسهرون على الجبهات ويتأهبون لتغطية معارك المواجهات وحروبها باعتبارهم رسل الحقيقة وصنَّاع رأي وشركاء فاعلين في الميدان، لا ضيوف شرف ولا أبناء الصدفة؟

إنها إضمامةُ اسئلة جادة مأخوذة من طقوسيات مَراتِبِ معمودية النار التي يمر بها الإعلاميون في اختباريات الميدان واحترافيات الإعلام الساخن، التي تضغط كلها على المشتغلين بالمهنة وتجعل منهم في لحظات الذروة نجوماً بالنسبة الى بعض المشاهدين، أو أبطالاً عند فئة من المحللين، أو تصنّفهم ضحايا حرب بين المتقاتلين .




ثلاثُ وضعياتٍ لأنماطِ وأشكال وفاعلية كرسي السلطة الإعلامية هي الثابت والمتحرك والهزّاز. ولكل وضعية من وضعيات هذه الكراسي خصوصياتها وتقنياتها واستهدافاتها المركزة .
ويتحدد دور الكرسي الثابت، كمنصة لها حضورها وديمومتها وذات أصول مؤسساتية، ومن حيث انها منبر إخباري تعريفي له طابع الاستمرارية، بأن ثبات الكرسي ناتج من رسوخية خطها وينبع من كيانية المؤسسة الإعلامية ورصانة شاغل الكرسي وعلميته ومسؤوليته عن حماية المستعلِم وتعليم الحقيقة والسعي الى صحة المعلومة ودقتها، فضلاً عن ميزة الإلتزام المهني وصراحة الانتماء الى سياسة الوسيلة وتوجهاتها. وهذا ما يفسر تصنيف الثبات ويزيد من نوعيته ويؤكد مرجعية المعلومة وموقع الاعلامي .
أما مقاربة وضعية وقدرة الاعلامي المُقعَد تجوّزاً على
{الكرسي المتحرِّك} من ملاحقة المعلومة والتحقق من دقائقها، فتكون مقيَّدة بحالات التعوُّق التي تشلّ قدرته وتفقده تحقيق السبق الذي يريد الوصول اليه وتحول دون تسجيل براءة اختراع به، مع الإقرار بنسبية إنجازاته الميدانية التي تعوزها حرية الحركة والذهاب بعيدا الى المدى الذي يريد. ويتظهر هذا النمط في أشكال الاعلام المقيّد الذي تعوزه الجرأة وتنقصه حرية المبادرة ويفتقد مسؤولية القيادة. وأشبه ما يكون ذلك في انواع الاعلام الموجّه والممسوك وأشكال الاعلام الرسمي والعام، خصوصا عندما تمسك المؤسسة بهامش الحرية المعطى وتحدد المعيار المسموح للاعلامي العمل في نطاقه، مع تركيز على توافر حرية التفكير وأسبقيتها على حرية التعبير.

أمّا النمط الأكثر شيوعاً وخطورة، في زمن الازمات وملاحقة ارتداداتها والذي يزيد الإكثار من تشظيّاتها، فهو إعلام
[الكرسي الهزَّاز] الذي يستقله ضيوفٌ من ذوي التخصص الضعيف والمعرفة الناقصة والثقافة الهشَّة، أو يحتله محللون إستراتيجيون وخبراء الصُدْفَة، المدفوعة اجورهم سلفاً والذين يتقنون مهارة التحدث بما يعرفون بعضه وبما لا يعرفون منه شيئا، فيستحيلُ مَنْ يسمعهم لأول مرة، قبل اكتشاف ضعفهم، ضحية لجهلهم وادعائيتهم وتكراريتهم المحورية، بحيث انهم يجلسون على كرسي هزّاز نمطي الحركة، فيهزّون الى الامام ويهزون الى الخلف، ويبقون مطرحهم ينظِّرون ويتحدثون ويجترّون ويدّعون ويتشاوفون من دون ان يقدموا أي معلومة او يتقدموا خطوة أو يعطوا موقفاً فيه منسوب من صوابية الرأي والقدرة التحليلية الواقعية. تلك هي وضعية الهز، الذي يتحرك ويبقى مكانه، ويقول ولا يقول .


وتتركز أبرز التساؤلات التي ترافق حالات اللااستقرار السياسي حول وظيفة وموقف الاعلام الرسمي والخاص ودورهما في تمكين الموقف الوطني العام من حماية القضية وصناعة الرأي الداعم للحالة الاجتماعية والأمنية التي تترافق مع الظروف النزاعية المؤثرة على البلد. وينسل من ذلك تضافر مفاهيم تشكل مداخل ضرورية لمقاربة أي وضع وتحليله وفق قواعد الموضوعية الملتزمة بالسعي الى تقصّي الحقائق وإعلانها بأسلوب إقناعي بعيد عن انفعالية اللحظة والإسقاطات الساخنة والتنبؤات القاتلة. وهذه من ابرز خصوصيات الإعلام الحرّ، بأن يكوِّن رأيا عاما واعيا لمسؤولياته، من حيث هو شريك في التوعية المجتمعية والتشجيع على أخذ المبادرات الجريئة والحكيمة وحمايتها من اخطار الإدعائية والارتجالية وعدم التخطيط .
إن الوقاية من اخطار إعلام الكرسي الهزّاز هي مسؤولية مشتركة بين المؤسسات الاعلامية والنقابات القانونية الناظمة لعمل المهنة، والاعلاميين الواجب ان يتحصنوا بعلمية تخصصية عميقة وثقافة احترافية واسعة، تمكّنهم من تفكيك الخبر وتحليل جزئياته على وقْع الحدث وترقّب تداعياته بعيدا عن ادعائية التوقع واخطار التنبؤ القاتلة للحقيقة وللصدقية .

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

تنفيسة| حرية التعبير عن الرأي.. حق مكفول أم ذنب غير مغفور؟!

يُصادفني أثناء تجوالي في شوارع المحروسة، وأيضًا أثناء استخدامي وسائل النقل العامة، كثير من المواطنين المستاؤون النافرون من الحالة التي تمر بها مصر الحبيبة. فما من مكان إلا ويقع على مسامعك قول البعض وهم يتجاذبون أطراف الحديث، غاضبون من حاضرهم وخائفون من مستقبلهم الذي هو جزء من مستقبل أولادهم. إلا أن الملفت في الأمر هو ما سمعته اليوم وجعلني أفكر فيه مرارًا وتكرارًا، ما لفظ به أحد القائلين في الشارع قائلًا: «هو في حد يقدر يتكلم ويقول رأيه.. دول يقدروا ينفو أي حد يقدر يقول كلمة بصراحة ويدخلوا السجن بلا رجعه».

ذكرني هذا القول بمقال كتبته في العام الماضي، تحت عنوان «حرية التعبير عن الرأي.. حق مكفول أم ذنب غير مغفور؟!»، وأدعوكم لقرأته لعله يكون بمثابة تنفيسة بسيطة وسط هذه الموجة من الغيان، وعدم الاطمئنان التي يمر بها الشارع المصري، وإلى نص المقال:

«أرفع رأسك فوق أنت مصري». كانت هذه العبارة من اول العبارات التي نادى بها جموع الشعب المصري، في ثورته الخالدة، ثورة الخامس والعشرون من يناير لسنة 2012م. ولا يخفي على صغيرنا قبل كبيرنا إنه ا تُردد في بعض الغنوات، ويتغنى بها الكثير. ولكن السؤال الآن، لماذا لا يرفع شعبنا الحبيب صوته بمطالبه المشروعة؟ لمصلحة من يريد تكميم أفواه هذا الشعب؟ هل هذه هي الديمقراطية التي ينشدها الدستور، وتتحاكى بها القيادة السياسية أمام العالم في المحافل الدولية؟

لا أخفى عليك عزيزي القارئ أن هذه التساؤلات خاطبتني اثناء تجوالي في الشارع وسط الناس، لقد سمعت الكثير والكثير من المعانة التي يعانيها هذا الشعب من غلاء الأسعار، وكبد المعيشة، وضيق الكسب التي يعاني منه الصغير قبل الكبير. 

والاجابة عن هذه التساؤلات قد لا تنال اعجاب البعض، ولكن قد يكون الامر على العكس من ذلك، ومن يدرينا فقد تكون هذه التساؤلات سببًا في لحظة بصيرة وضمير ويعمل المسؤول، بضمير حي ويقظ داخل عمله ومؤسسته. ونعود للتساؤل الأول، لماذا لا يرفع شعبنا الحبيب صوته بمطالبه؟ الإجابة عن هذا التساؤل تصيبنا بالاندهاش، من قال ان الشعب لا يرفع صوته. الشعب يريد أن يقول ما بداخله وما يشعر به، ولكن هناك من يريد اسكات وإخماد هذا الصوت، أعلم علم اليقين، أن الشعب المصري إذا قال كلمته بعد كل هذه المعاناة، لن يستطيع أحد كان من كان أن يخمد صوته، فقد تستطيع إخماد الحريق العظيم، ولكن في هذه الحالة قد يطول الوضع، فلكل مقام مقال يا سادة.

وهذا ما يقودنا إلى التساؤل الثاني، لمصلحة من يريد تكميم أفواه هذا الشعب؟ نعم صحيح، كيف تندد القيادة السياسية بالتعبير السلمي عن الرأي، وهم بنفس الوقت ينبهون بشدة بعدم التظاهر، ويتخذون كافة اشكال الضبط القانوني حيال من سيقف في ميدان عام ليقول رأيه.

هذا بالضبط ما يجعلنا نعود للتساؤل الثالث، هل هذه هي الديمقراطية التي ينشدها الدستور، وتتحاكى بها القيادة السياسية؟ في تقديري أن الشعب المصري لن يقوى على قول كلمة إلا إذا وافقته في هذا القيادة السياسية، أو بعبارة أخرى، الشعب المصري لن يقول إلا نعم للقيادة السياسية في جميع قراراتها، سواء كانت هذه القرارات في مصلحتنا أم ضد مصلحتنا. وقد يسأل ساءل بمليء فمه قائلًا: وهل تعرف انت أو أي مواطن مصلحة الشعب أكثر من القيادة السياسية؟

يؤسفني أن أجيب، نعم، الحكومة المصرية كانت ولازالت تتخذ قراراتها، بمعزل عن الشارع وعن الرأي العام. الحكومة المصرية ستحتاج الحكومة المصرية ليس إلى قرارات مكتبية، بل إلى النظر إلى الشارع المصري نظرة بعين الضمير الإنساني، وستجد أن المواطن المصري يحتاج إلى ضابط حقيقي للأسواق. 

والسؤال الآن، هل هذا ما يحتاجه المواطن المصري؟ نعم، ما نريده جميعًا كمصريين، ضبط حقيقي للأسواق، نريد ألا تستخف بنا القيادة السياسية بالمبادرات التي تُفعل دون داعي، وغير آدمية، بل وغير صالحة من الألف للياء للاستهلاك الآدمي. ويا للأسف فقد وصل الأمر، إلى تكميم الافواه وحرمانه من أبسط معاني الإنسانية والحرية في ابدأ رأيه. باختصار شديد الشعب المصري لن يستطيع أن يمارس حقه المشروع في التظاهر السلمي وأؤكد السلمي إلى ابد الدهر، بفضل بث الخوف والرعب في نفس الكبير قبل الصغير من قبل المسيؤون بقدرتنا الإنسانية قبل المادية.

مقالات مشابهة

  • «جسور» ينظم فعالية بجنيف حول دور الإعلام في دعم قضايا اللاجئين
  • فعالية لـ «جسور» بجنيف حول دور الإعلام في دعم قضايا اللاجئين
  • تنفيسة| حرية التعبير عن الرأي.. حق مكفول أم ذنب غير مغفور؟!
  • إذا أردت أن تعرف مدى حرية مجتمع ..فانظر ماذا يحدث في مسرحه
  • المشيئة الكتابية
  • إعلام فلسطيني: آليات الاحتلال تقتحم قرية قصرة بمدينة نابلس
  • تدشين توزيع 250 كرسي متحرك للمعاقين حركياً بالحديدة
  • وسائل إعلام فلسطينية: استشهاد شاب بمسيرة إسرائيلية فى حى الزيتون
  • حقائق ويكيليكس تتلاشى أمام أحلام اللعب مع الكبار
  • إعلام إسرائيلي: قيادة المنطقة الشمالية تجري استعداداتها لعملية عسكرية محتملة