أتشاهدون صور مدينة ” الأشباح” الخرطوم؟
تلك العاصمة التي هجرها ملايين البشر خلال الأشهر الماضية.

هجروها وقد رأوا الجثث المتعفنة في الشوارع وقرب المنازل ولاحظوا أن النباتات ماتت والحيوانات قُتلت وما لم يخطر على بال أحد.!
إنها بقايا مدينة وذكرى كانت هنا.

تساءلت؛ ماذا إن توقفت الحرب الآن؟ سينتهي كابوسٌ ومصاب عظيم لتبدأ مرحلةٌ جديدة من الخوف والإحباط، لكنها حتماً ستكون أكثر رحمة وأخف وطأة من ذي قبل.


انتهاء الحرب لدى العسكريين، يعني توقف المعارك والاشتباكات، عدم استخدام الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، اختفاء أصوات الرصاص والمدافع، انحسار تحليق المسيرات والطائرات.
كما أنه يعني للصحفيين والمراسلين الابتعاد عن خطوط النار والدمار، والتقليل من مشاهد الدماء والآلام والأحزان.

نعم سيكون المشهد قاتماً مُظلماً وتكراره قد يكون مملاً، لذا قد يتحول رويداً رويدا إلى مشهدٍ أفضل إن قرر سكان الخرطوم العودة سريعاً إلى ديارهم.
يظن البعض أن الإجابة المباشرة.. نعم سنعود حتماً سنعود.

لذا تساءلت مع بعض الزملاء، إن قررت أسرة ما العودة للخرطوم، كيف ستنظف المنزل من بقايا الدانات والركام، لا جيران أو عمال للمساعدة.

من أين ستشتري أَسرِة وثلاجة وغاز، المنزل مسروق والأسواق والمحال منهوبة، كيف ستنام في المنزل وهي تعلم أن بعض المنازل القريبة إما يقطنها عناصر الدعم السريع أو عصابات إجرامية؟

إن قررت الأسرة العودة للخرطوم، هي تعلم أنه لا مدارس مفتوحة لأطفالها أو جامعات صالحة لأبنائها، بلا شك تدرك أيضاً أن لا مستشفيات أو مراكز صحية يمكن اللجوء إليها إن اشتد المرض.

من سيحمي الأطفال من بشاعة المناظر وقسوتها ومن روائح الخرطوم الكريهة؟ كيف سيشعر العائد أنه في مأمن وهو يعي أن لا شُرطة أو نيابة أو قضاء يعمل؟ لم تعد هناك شركات حماية، فكثير من البشر الذين يحمون بعضهم، قرروا الهجرة دون عودة.

سألت زملائي في القنوات الأخرى، أين ستكون مكاتبنا؟ لا أعلم.. ما أعرفه أنه يجب أن نكون قرب بعضنا.
نحتاج جميعاً أن نضع رؤى وأفكار.. أن نعمل بجد حتى نعود..
نحتاج أن نتحدث ونكتب.. نعم نكتب لنتجاوز ما حدث، فما حدث كان جلل..
وقد قال الإمام الشافعي:
ولا حزنٌ يدوم ولا سرورٌ … ولا بؤسٌ عليك ولا رخاءُ
إذا ما كنت ذا قلبٍ قنوعٍ … فأنت ومالك الدنيا سواءُ.

لينا يعقوب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

هل نحتاج الكتاب اليوم؟

عندما دُعيتُ إلى معرض مسقط للكتاب لتأثيث فعالية على هامش المعرض حول شعر الرَّاحل زاهر الغافري، وقبلها كنتُ في معرض تونس للكتاب، تداعت في ذهني أسئلة تخصُّ منزلة الكتاب والشَّغف به، هل ما زلنا نحتاج الكتاب، وتلك العبارات التي مُلِئْنا بها في صغرنا، واعتمدناها تواقيع في كتبنا، من نوع "رحيق الكتب"، و"خير جليس في الزمان كتاب" "وخير جليس في الأنام كتاب"، وتراكُمٌ من الشعارات سادت زمن العقّاد والرافعي والزيّات وانتشرت في أجيال لاحقة آمنت بما آمنت به من وَفْرَةِ الأصنام التي تداعت عبر الزّمان. تذكّرت مقولات الكتاب والحثّ على القراءة والعمل على امتلاك الكتاب ورقيّا (فلم تكن لدينا بدائل، سوى الامتلاك ليسير الحال، والاستعارة لعسير الحال)، والشَّغف والفرح الذي كان يعترينا عندما نظفر بكتاب، فوجدتُ عملا هائلاً على إعادة مكانة الكتاب، واستعادة أثره، ولكن هنالك أمرين على غاية من الأهميّة في ظنّي، الأمر الأوّل لاحظته في بعض الشباب الذين يهتمّون بالكُتَّاب عمومًا، ويتتبَّعونهم ويعملون على طرح الأسئلة عليهم، ولقد لاحظت اليوم في عينيّ طفلٍ أسئلةً عن التّاريخ وعن عنوان المحاضرة التي سأل فيها الولد الصّغير الدكتور أحمد الرحبي عن عنوان المحاضرة "أوَّل إطلالة أوروبيّة على عُمان" فأبان له الدكتور أحمد الرحبي أنّ الرَحّالة الروسي أفاناسي نيكيتين هو أوّل رحّلة تحدّث عن عُمان وأظهر له أنّ الأستاذ ديمتري ستريشنيف صاحب المحاضرة، هو من المهتمّين بهذا الموضوع ومن متتبِّعيه علميّا، وبدأ من ذلك حديث عن التاريخ ومنزلته وقيمته، ولعلَّ أهمّ ما في هذا الأمر غير شغف الولد وقدرتَه وحبَّه المعرفيّ، أنَّ أباه هو الذي تعهَّده وشجّعه على سؤال مدير الجلسة، وأنّه هو الذي طلب برفق السّؤال، ثمَّ ترك ابنه وانصرف، وهذا ملمحٌ رأيته يتعاود مع كلّ مبدعٍ أمرُّ معه أو ألتقيه، ترى الأطفال والشبابَ يقفون مع هذا وذاك. قيمة المعرض ليست في إحياء الكتب وتعهُّد القراءة فحسب، بل أيْضًا في تدريب الناشئة على التواصل مع كتّابهم، في مناسبات حفلات التوقيع، أو في المحاضرات، أو في أروقة المعرض. الأمرُ الثاني الذي يُحسَب لمعْرض مسْقَط هو توفير أرضيَّة لتلاقي المبدعين والنُقَّاد والكُتّاب على اختلاف أعمارهم وشرائحهم وأرضيّاتهم وأهوائهم وأمزجتهم، فتجد المستشرق والمستغرب والعربيّ والمستعرب، وتوفَّرت جلسات كانت على هامشها حوارات بنَّاءة ونُظِّمت فعاليّات ونقاشات أثارت الرّاكد وحرَّكت السّاكن، وإن كان يُطلَب أكثر من ذلك، فإنّي أعتقد أنّ الأرضيّة قد تهيَّأت لفعل الأحسن، من مآثِر هذه اللِّقاءات أن التقيت بالمترجمة والمحقّقة الألمانيّة المستعربة كلاوديا أوت، التي أبهرتني بوفرة أسئلتها وبعمق رغبتها في معرفة كلّ ما هو عربيّ، وكانت تسأل بدقّة وتسمع بإنصات ورقّة، لا تتباهى زهْوًا بعلمٍ لها، ولا تبثّ ممكن معرفتها بثَّ مسْتعْرِضٍ، وإنّما تنساب باحثة عن إكمال الصّورة المشهديّة التي تكوِّنها عن الأدب العربيّ، الذي بدأته دارسةً، وانتهت معه مترجمةً، ناقلةً لقسم من أدبنا إلى اللّغة الألمانيّة. هذا الاحتفاء بالعلم والعلماء له تقديرٌ عميقٌ وأثرٌ في الأنفس، وصانعٌ لأجيالٍ تُقَدِّرُ المعرفة، والعلم، وتُجلُّ فعل القراءة، ونحن أمَّةٌ دينُها يدعو إلى القراءة، إلى الاطّلاع، إلى البيان وكشفَ الغمّة. لابدّ أن يُقدِّر أهل الفعل والحزم والعزم والحلّ والعقد أنّ هذه النماذج الأدبيّة والعلميّة تصنع اقتداءً واحتذاءً أفضل بكثير من الفراغ وشطحات الأهواء. لقاءُ أديبٍ أو عالمٍ أو فنّانٍ أو رسّام أو كاتبِ تجربته، هو شعورٌ بامتلاء الذات وبعضٌ من التوازن الذي تحتاج إليه الناشئة والشباب، ويحتاجه الكبار أيضًا لتعميق التواصل ولتقريب الأفكار، يحتاج الكاتب أن يرى ناشره، أن يُعاتبه، أن يذكر له المحاسن والأضداد، والعكس صحيح. يحتاج الصحفيّ والإذاعي أن يجد أرضيَّة ثقافيّة علميّة يُمكن أن ينتعش بها وفيها، يحتاج الأديب والكاتب عامَّة أن يُلاقي وجْهًا من قُرّائه، وأن يُدرك أثره في هذه الذّوات، كلّ هذا يكون في محفلٍ يحتفي بالكتاب مهما كان نوعه، فالبقاء للكتاب، ومزيدًا من الألق والتألُّق لكلّ من أثّثه وساهم في نجاحه. بقي أمرٌ بسيطٌ حتّى لا أغرق في الإطراء، وهو تركيمُ الفعاليّات وتزامنها في الوقت ذاته أحيانًا، وهو أمرٌ أثَّر بنسبة على أعداد الحاضرين، فكانت بعض الندوات شبه فراغ تقريبًا، ولذلك لابدّ من العمل على التفكير في كيفيّة نجاح هذه الفعاليّات على أهمّيتها وضرورة المحافظة عليها، يعني مثلاً، لمَ لا تكون حفلات التوقيع لبعض الكتّاب المتحقّقين مصحوبة بحوارٍ حقيقيّ، ينتهي إلى التوقيع، لمَ لا تُدَارُ نقاشاتٌ عميقة حول بعض الكتب التي ترشِّحها لجان قراءة. من حقّنا أن نزهو بعرْض الكتاب وتعمّقه لندفع ما اتُّهمنا به من أميّة قرائيّة ظالمة!

مقالات مشابهة

  • "المعتقلون الأشباح" في روسيا: التحقيقات التي كلفت فيكتوريا روشينا حياتها
  • السودان.. عودة النازحين تصطدم بالغلاء ونقص الخدمات وانعدام الأمن
  • بعد إنهاء الإجازة المفتوحة.. عقبات في طريق عودة العمال إلى الخرطوم
  • هل نحتاج الكتاب اليوم؟
  • البرهان وثورة اللساتك .. !! .
  • شركة الخدمات المصرفية الإلكترونية”EBS” تكذب بنك الخرطوم
  • عالم : سيطرة الذكاء الاصطناعي على البشرية قد يصل لواحد من كل 5
  • “الشيشة وبيع الأطعمة والشاي في الميادين والطرق العامة”.. لجنة أمن بحري تنفذ قرار منع الظواهر السالبة وتقنين الوجود الأجنبي
  • الشاعر الفلسطيني سعيد يعقوب.. ناشط لا يهدأ في الشعر المقاوم
  • مضوي: “حققنا فوزا معنويا أمام نهضة بركان وحسرتنا كبيرة على لقاء الذهاب”