صحفي بريطاني: انتقاد عنف إسرائيل ضد المدنيين يهدد الحياة المهنية في الغرب
تاريخ النشر: 2nd, November 2023 GMT
نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للصحفي أوين جونز تساءل في بدايته عن المخالفة التي ارتكبها عالم الأحياء الحسابي مايكل آيزن، والتي أدت إلى إقالته من منصبه كمحرر في مجلة "eLife"، وهي مجلة علمية مرموقة متخصصة في علوم الطب الحيوي وعلوم الحياة.
وكان آيزن، اليهودي الأمريكي المنتمي لعائلة إسرائيلية، شارك منشورا من موقع "The Onion" الساخر، تحت عنوان "انتقاد سكان غزة المحتضرين لعدم استخدام الكلمات الأخيرة لإدانة حماس".
وقال جونز في المقال الذي ترجمته "عربي21"، إن هذه "الفكاهة السوداء" تحدثت عن حقيقة لا تقبل الجدل: لقد مات الفلسطينيون بسبب منطق الذنب الجماعي، كما أقره الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتزوغ، الذي أعلن أن الأمة بأكملها هي المسؤولة. وأشاد آيزن بـ"أونيون" لامتلاكها "شجاعة وبصيرة ووضوحا أخلاقيا أكبر من قادة كل مؤسسة أكاديمية" وأدان حماس أيضا. وبعد عشرة أيام تم فصله.
وأصدر مجلس إدارة "eLife" بيانا يشير فيه إلى أن "نهج آيزن في القيادة والتواصل ووسائل التواصل الاجتماعي كان في الأوقات المهمة ضارا بتماسك المجتمع الذي نحاول بناءه وبالتالي بمهمة "eLife". وفي ظل هذه الخلفية، ساهم حدوث المزيد من هذا السلوك في قرار مجلس الإدارة". وإذا كان هناك أي مرة أخرى، فإنهم لم يذكروا تفاصيل عن تلك المرات المزعومة السابقة.
وأضاف كاتب المقال أنه "منذ ردت إسرائيل على فظائع حماس بهجوم شرس أدى إلى مقتل أكثر من 8000 فلسطيني، كانت هناك محاولة لإسكات وترهيب ومضايقة المتعاطفين مع الفلسطينيين. ومن المحتم أن الفلسطينيين هم الذين يعانون وطأة الحملة الرامية إلى وصم حتى أبسط رفض للمذابح التي يتعرض لها شعبهم".
وتابع قائلا: "خذ على سبيل المثال عدنية شبلي، الكاتبة الفلسطينية الشهيرة الحائزة على جائزة LiBeraturpreis الألمانية لعام 2023 عن روايتها ’تفصيل ثانوي’، التي تحكي القصة الحقيقية لاغتصاب جندي إسرائيلي فتاة بدوية فلسطينية في عام 1949 وقتلها. وبعد بدء الفظائع الحالية، أجل المنظمون حفلها بسبب الحرب التي بدأتها حماس، والتي يعاني منها ملايين الأشخاص في إسرائيل وفلسطين".
وأشار جونز إلى استهداف شخصيات أدبية غير فلسطينية أخرى. أجرى فييت ثانه نغوين، ابن اللاجئين والمتعاطف مع النازحين الآخرين، محاضرة في مركز 92nd Street Y centre في نيويورك بعد أن وقع على رسالة مفتوحة تطالب "بوضع حد للعنف والدمار في فلسطين". يصف المركز نفسه على موقعه على الإنترنت بأنه "منظمة يهودية تفتخر"، وفي بيان لـ رويترز، قال المركز إنه يريد أن يستغرق بعض الوقت ليقرر أفضل السبل لاستخدام منصته "لدعم مجتمع 92NY بأكمله".
وتساءل الكاتب عن الحملة الأمريكية من أجل حقوق الفلسطينيين، التي تم إلغاء مؤتمرها الطويل في هيوستن بعد أن وصفت غرفة التجارة اليهودية الأرثوذكسية الحدث بأنه "مؤتمر لمؤيدي حماس"، وأشار فندق هيلتون إلى مخاوف أمنية كسبب للإلغاء.
وذكر أن المتحدثة الرئيسية، رشيدة طليب، أول عضوة منتخبة في الكونغرس من أصل فلسطيني على الإطلاق، تعرضت لحملة تشهير من قبل الجمهوريين، في محاولة لتوبيخها بتهمة "النشاط المعادي للسامية" و"التعاطف مع المنظمات الإرهابية" - وكلها هجمات لا أساس لها من الصحة.
وفي الوقت نفسه، ورد أن قناة MSNBC منعت ثلاثة من مذيعيها المسلمين من تقديم برامجهم، دون أي تفسير. ووصفت هيئة الإذاعة أي تغيير في البرامج بأنه "محض صدفة"، بحسب المقال.
وأردف جونز في مقاله: "هنا في بريطانيا، قيل لنا منذ فترة طويلة أن الطلاب "المتيقظين" [woke وهو مصطلح يستخدم للناشطين الحقوقيين مثل الذين شاركوا في أنشطة حياة السود مهمة] يشكلون تهديدا للحرية الأكاديمية. لكن لم تكن هناك إدانات عالية لجامعة ليفربول هوب بعد أن أجلت محاضرة للمؤرخ الإسرائيلي البريطاني آفي شلايم، الذي تحدى عمله الرواية التاريخية الرسمية لإسرائيل. وكان دفاع الجامعة هو أن القرار تم اتخاذه مع الأخذ بعين الاعتبار مصلحة وسلامة الطلاب والموظفين".
ودافعت الوزيرة في مجلس الوزراء البريطاني ميشيل دونيلان عن مشروع قانون التعليم العالي (حرية التعبير) العام الماضي بزعم أن "الحرية الأكاديمية في هذه المؤسسات يتم تقويضها بطريقة تعرض ديمقراطيتنا بأكملها للخطر"، و"نجد الأكاديميين يمارسون الرقابة الذاتية على أنفسهم بدافع الخوف"، بحسب ما أورده المقال.
ومع ذلك، فإنه في نهاية الأسبوع الماضي، في رسالة إلى هيئة البحث والابتكار في المملكة المتحدة، أعربت عن "اشمئزازها وغضبها" من تعيين اثنين من الأكاديميين في مجموعتها الاستشارية المعنية بالمساواة والتنوع والشمول، وأحدهما - على حد تعبيرها - "يدين العنف من كلا الجانبين لكنه يشير إلى 'الإبادة الجماعية والفصل العنصري'" اللذين تمارسهما إسرائيل.
ونوه المقال إلى إدانة إسرائيل بسبب الفصل العنصري من قبل منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية بتسيلم، في حين حذر خبراء الأمم المتحدة من "خطر الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني".
وأضاف أن هذه مواقف مشروعة تماما للتعبير عنها من قبل الأكاديميين، لكن مناصرة دونيلان لحرية التعبير تتلاشى عندما تتسبب الآراء حول القمع الإسرائيلي العنيف للفلسطينيين بإزعاجها.
في هذه الأثناء، قام حزب العمال بإيقاف آندي ماكدونالد عن العمل بسبب كلمته خلال المظاهرة المناهضة للحرب يوم السبت في لندن، وأقتبس مباشرة: "لن نرتاح حتى نحصل على العدالة، وحتى يتمكن جميع الناس، الإسرائيليون والفلسطينيون، بين النهر والبحر من العيش في حرية سلمية".
وعلق الكاتب بالقول: لكي نكون واضحين، كان ماكدونالد يعبر ببلاغة عن دعمه الحماسي لحل الدولتين: ولكن في حزب العمال الذي ينتمي إليه ستارمر، فإنه يعتبر هذا المطلب الإنساني بالتعايش السلمي مشينا أخلاقيا، على عكس دعم الصواريخ التي تنهمر على المدنيين، بما في ذلك الأطفال. كما أنه تمت إقالة النائب المحافظ بول بريستو من دوره كمساعد حكومي لمطالبته بوقف إطلاق النار. في بريطانيا الحديثة، أولئك الذين يعارضون الإبادة الجماعية هم الذين يعتبرون خارج نطاق القانون.
وشدد الكاتب على أن قضية فلسطين تفضح نفاق ما تسمى بثقافة الإلغاء. لقد طُلب منا منذ فترة طويلة أن نعتقد أن هناك إسكاتا جماعيا للشخصيات العامة بسبب قولها أشياء تحقر وتهين الفئات المهمشة - من الأشخاص المتحولين جنسيا إلى اللاجئين. وعلى عكس المتعاطفين مع الفلسطينيين، فقد رددوا شعارات مشتركة على نطاق واسع بين النخب السياسية والإعلامية. ولكن أولئك الذين يتحدون النظام الاقتصادي أو السياسة الخارجية الغربية ــ أو كليهما ــ كانوا يواجهون دائما إسكاتا حقيقيا، بحسب جونز.
واختتم الكاتب مقاله بالقول إن مجرد معارضة العنف ضد المدنيين هو تعريض الحياة المهنية والسمعة للخطر. ولهذا الترهيب عواقب مميتة؛ فهو يقوض الضغط الشعبي على حلفاء إسرائيل الغربيين لوقف المذبحة وإنهاء الاحتلال والاستعمار والفصل العنصري الذي يغذي هذا الكابوس. والرد بطبيعة الحال لا يكمن في الخوف، بل في رفع الصوت أعلى من أي وقت مضى.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة غزة الفلسطينيون بريطانيا الغربية بريطانيا فلسطين غزة الاحتلال الإسرائيلي الغرب صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
نيويورك تايمز: الأميركيون غارقون في شبكة نظرية المؤامرة
نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالا أكد كاتبه أن الأميركيين عالقون في شبكة واسعة من التفكير التآمري، وأن الولايات المتحدة باتت مهووسة بنظرية المؤامرة في التعامل مع الواقع السياسي.
وفي المقال الذي كتبه الصحفي الأميركي ديفيد والاس ويلز، فإن الهوس والارتياب السياسي السائد في البلاد يشي بحالة ضارة من انعدام الثقة على مستوى القاعدة الشعبية، ناهيك عن العلل الهيكلية التي أصابت بيئة المعلومات الجديدة.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2طائرات فوق إيران ورسالة إلى خامنئي… ماذا يريد ترامب؟list 2 of 2إدارة ترامب تنفي مشاركة معلومات سرية بـ"سيغنال" وتتهم ذي أتلنتيك بالكذبend of listوتساءل "هل نظرية المؤامرة نابعة من ثقافة المجتمع، أم موروثة من التاريخ؟ وهل هي مسألة متعلقة بتدفق المعلومات، أم أنها سقط متاع وجد طريقه إلينا؟".
اغتيال كينيديومن الأمثلة التي أوردها الكاتب للاستدلال على ما ذهب إليه، ما عُرف في الإعلام بملفات الرئيس الأميركي السابق جون كينيدي، التي أفرجت عنها إدارة الأرشيف الوطني الأميركية الأسبوع الماضي.
ورغم أن الرئيس دونالد ترامب كان قد وعد بالإفراج عن 80 ألف صفحة من السجلات المتعلقة باغتيال الرئيس كينيدي في 1963، إلا أن ما نُشر منها لم يتجاوز 64 ألف صفحة.
ووصف والاس ويلز في مقاله الصفحات التي رُفعت عنها السرية في قضية كينيدي بأنها عديمة القيمة.
وأوضح أن المؤرخ آرثر شليزنغر كتب مذكرة في عام 1961 يحذر فيها الرئيس كينيدي من أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أي) قد بلغت درجة من التطور والنفوذ بحيث أصبحت لاعبا دبلوماسيا في العديد من أرجاء العالم يفوق وزارة الخارجية أهمية.
إعلانووفقا لمقال نيويورك تايمز، فلربما كانت تلك المذكرة تثير فيما مضى الكثير من علامات الدهشة، وهي تتضمن اعترافا لا لبس فيه آنذاك بأن الإمبراطورية الأميركية الصاعدة كانت موبوءة بالسرية والدسائس بالطول والعرض.
عصر ذهبيوأكد كاتب المقال أن الأميركيين يعيشون الآن في العصر الذهبي لنظرية المؤامرة التي شاعت في البلاد منذ اغتيال كينيدي قبل أكثر من 60 سنة، وليس أدل على ذلك من شيوع منظمات مثل حركة "كيو أنون"، وصيغ نمطية من قبيل "الدولة العميقة" و "روسيا غيت".
وفي الوقت نفسه، يبدو أن الكشف عن الأعمال السرية للسلطة لم يعد يُحدث صدمة دائمة كما كان يحدث في السابق، وربما يرجع ذلك -برأي ولاس ويلز- إلى أن الواقع في السنوات الأخيرة اتخذ منحى صريحا من الارتياب والهوس بالمؤامرة.
وضرب الكاتب مثلا على ذلك بتفشي فيروس كوفيد-19، الذي قلب الحياة اليومية لملايير البشر في جميع أنحاء العالم، والذي قيل إن علماء صينيين اختلقوه في مختبر قبل أن يتسرب إلى الخارج.
ومع مرور الوقت، أصبحت نظرية التسرب المختبري لأصول الجائحة أقرب إلى الإجماع ليس فقط في الولايات المتحدة، بل حتى وكالة المخابرات الألمانية، على سبيل المثال، تعتقد الآن أن الفيروس ربما خرج من المختبر، وهو رأي يتماشى إلى حد كبير مع ما استنتجته الاستخبارات الأميركية.
على أن القصة الأكبر -كما ورد في المقال- تتمثل في ما يقوم به الملياردير إيلون ماسك، الذي عُين في الحكومة الأميركية الحالية ولم يُنتخب.
فقد أمضى أغنى رجل في العالم الشهرين الأولين من ولاية ترامب الرئاسية الثانية في محاولة إعادة تحجيم وإعادة برمجة آليات عمل البيروقراطية الفدرالية بأكملها، معتمدا على فريق من العملاء الخفيين الذين يعملون في سرية ويخفون هوياتهم، لدرجة أن ماسك يتهم كل من يتعرف عليهم بالتحرش الجنائي.
إعلانوفي حين أن المقولة التقليدية تضع نظرية المؤامرة على الهامش السياسي، تشير بعض الأبحاث الحديثة إلى أن المكان المناسب لها هو بين أصحاب المعتقدات الاقتصادية اليسارية والأيديولوجيات الثقافية اليمينية.
ويفسر الكاتب ما يجري بأن الناس تخلوا عن القراءة والكتابة، التي أرست إحدى سمات التفكير النقدي، وحل محلها اليوم ما يشبه الثقافة الشفهية، على حد تعبير المقال.