ما سيعلنه الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله في الموعد المقرّر غدًا الجمعة قد يكون مختلفًا عمّا كان مقرّرًا ومرسومًا له، إذ أن الغزو الإسرائيلي البرّي لغزة بعد 23 يومًا من القصف المدمّر والهمجي فرض نفسه على ما سيقوله "سيد المقاومة" في إطلالته، التي ينتظرها العالم بأسره، من دون أن يعرف أحد حتى أقرب المقرّبين ما هو القرار الذي سيُتخذ، وهو الذي اعتاد أن يفاجئ الجميع مستندًا إلى آخر المعطيات، التي ستملي عليه اتخاذ القرار الحاسم.
وللذين يتساءلون عن سبب صمت نصرالله طوال هذه المدّة يُجيب الذين يعرفون جيدًّا كيف يتعامل "حزب الله" مع الوقائع بأن ما يحصل في الجنوب، وما تتعرضّ له المواقع الإسرائيلية على الحدود المتاخمة لجنوب لبنان منذ اليوم الأول لبدء الحرب على غزة، هو جواب بحدّ ذاته، وهو أكبر دليل على أن الصمت عن الكلام المباح قد يكون في كثير من الأحيان أقوى وأجدى من الكلام بحدّ ذاته. ولكن إطلالة "السيد" في هذا التاريخ بالذات لها مدلولات كثيرة، خصوصًا أن ما يمكن أن يقوله في هذا الظرف الدقيق والمصيري سيكون له الأثر الفعّال في مسار الحرب، وستكون له الكلمة الفصل في أمور كثيرة.
وفي الانتظار، يمكن القول إن هناك فرقًا شاسعًا بين التمنيات بوقف إطلاق النار في غزة المعذّبة والمقهورة وبين الواقع البعيد كل البعد عمّا يتمناه كل واحد منّا. وكذلك الأمر بالنسبة إلى ما يتمناه كل لبناني، من رأس الهرم حتى أسفله، الذين يرفضون جرّ لبنان إلى حرب هو في غنىً عنها وغير مستعد أو مؤهل لها. ولكن التمني شيء وما يمكن أن تؤدي إليه المناوشات الجارية في الجنوب، والتي تتصاعد وتيرتها يومًا بعد يوم، شيء آخر. انما هذا الواقع، الذي يُتخوف من تطوره إلى ما لا تُحمد عقباه، لن يثني أصحاب الارادات القوية عن السعي، في الخارج والداخل، عن العمل على عدم إدخال لبنان غصبًا عنه في حرب لن يبقى فيها من يخبّر، مع الأخذ في الاعتبار ما تكبّدت إسرائيل من خسائر بشرية في اليوم الأول لغزوها البرّي.
وعلى رغم أن المؤشرات التي يلمسها المسؤولون، وعلى رأسهم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، من خلاصة اتصالاتهم لا تزال تتأرجح بين التطمين وعكسه، فإن ثمة معلومات ديبلوماسية تؤكد أن من مصلحة الجميع أن يبقى لبنان في منأى عن الحرب الدائرة في غزة، لأن بقاءه مستقرًّا يعني أن له أدوارًا مستقبلية في إرساء السلام، الذي لا بدّ من أن يعمّ المنطقة بعد هذا المخاض العسير، وبعد الحرب الشعواء التي تُشّن ضد الفلسطينيين، إذ أنه لا بدّ من التوصل إلى تسوية في نهاية المطاف ومهما طال أمد هذه الحرب المدّمرة والطاحنة.
ولكن بين انتقال شرارة الحرب من غزة إلى كل لبنان وبين بقائه في منأى عنها خيط رفيع يجب التعاطي معه على وقع ما يمكن أن تقرّره إسرائيل، التي تقبض بكلتا يديها على قرار الحرب. ولذلك لم يستطع أحد من الساعين إلى استقرار لبنان، وحتى الولايات المتحدة الأميركية الحريصة على عدم تعريض لبنان لأي خضّة أمنية، ضمان عدم قيام إسرائيل بما يُجبر لبنان ("حزب الله") على تجرّع الكأس المرّة للدفاع عن نفسه.
ولأن المسؤولين لم يلمسوا ما يمكن الركون إليه باعتبار أن لا أحد يعرف ما هي مخططات إسرائيل، وإلى ماذا تسعى، وما الذي تحضّره للبنان، وهي التي أخلت كل المستوطنات القريبة من الحدود مع لبنان من سكّانها، وهي خطوة لم يسبق لها أن قامت بها في حرب تموز. وهذه الخطوة تعني في اللغة العسكرية أن ما يقوم به العدو من تحضيرات على الأرض لا يشي بأن الأمور متجهة إلى التهدئة، وأن تل أبيب قررت أن تدير أذنها الطرشاء لنبض الشارع الشعبي المتضامن مع القضية الفلسطينية، وللدعوات التي تحذّرها من توجيه أي ضربة للبنان، مع أن إسرائيل تأخذ في الاعتبار كلفة أي مغامرة انطلاقًا من جنوب لبنان.
المصدر: لبنان 24
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: ما یمکن
إقرأ أيضاً:
هل تقلل الأسواق المالية من خطورة الحرب التجارية التي أشعلها ترامب؟
تشير تقارير اقتصادية حديثة إلى أن الأسواق المالية قد تقلل من خطورة الحرب التجارية التي أشعلها الرئيس الأميركي دونالد ترامب وسط حالة من التفاؤل الحذر في أسواق وول ستريت.
ورغم أن المكسيك وكندا حصلتا على تأجيل لمدة شهر قبل فرض تعريفات بنسبة 25%، فإن هذه الهدنة قد تزيد من حالة التراخي وعدم الاستعداد لاحتمال اندلاع حرب تجارية شاملة، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال.
تفاؤل الأسواق وثقة مبالغ فيهاوعلى الرغم من المخاوف المتزايدة من حرب تجارية عالمية، فإن الأسواق المالية لم تشهد تقلبات حادة بعد إعلان ترامب عن تعريفاته الجديدة. فقد سجل مؤشر ستاندرد آند بورز 500 أمس الاثنين انخفاضا بنسبة 0.8%، في حين تراجع مؤشر الأسهم الأوروبية ستوكس 600 بنسبة 0.9%، لكن التأثير ظل محدودًا.
وتشير البيانات إلى أن أسهم الشركات المتأثرة مباشرة بالتعريفات، مثل فورد وجنرال موتورز -التي تصنّع سياراتها في المكسيك قبل بيعها في الولايات المتحدة-، لم تنخفض بشكل كبير، في حين استعاد الدولار الكندي والبيزو المكسيكي بعضا مما خسراه بعد الإعلان عن التأجيل.
ويقول التقرير إن المستثمرين في وول ستريت يرون في تهديدات ترامب مجرد تكتيكات تفاوضية لانتزاع تنازلات بشأن قضايا مثل الهجرة غير النظامية وتهريب المخدرات، حيث أكد أحد المحللين أن "الأسواق لم تستوعب بعد التداعيات الحقيقية لهذه التعريفات".
لم تشهد الأسواق المالية تقلبات حادة بعد إعلان ترامب عن تعريفاته الجديدة (الفرنسية) سياسات ترامب تزداد تطرفاويرى خبراء الاقتصاد أن سياسات ترامب التجارية الحالية أكثر تطرفا بكثير من تلك التي فرضها خلال ولايته الأولى، حيث كان التركيز آنذاك على ممارسات التجارة غير العادلة والأمن القومي، مع فرض تعريفات على الصين وبعض القطاعات مثل الصلب والألمنيوم بجرعات تدريجية سمحت للشركات بالتكيف.
إعلانأما الآن، إذا رفضت الدول المستهدفة تقديم تنازلات، فقد تصل معدلات التعريفات الجمركية الأميركية إلى أعلى مستوياتها منذ ثلاثينيات القرن الماضي، مما قد يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وزيادة التضخم، فضلًا عن تعطيل سلاسل التوريد العالمية التي أثبتت جائحة كورونا هشاشتها بالفعل.
كندا ترد بقوة وسط إجماع سياسي نادرعلى الرغم من أزمتها السياسية الداخلية، فإن كندا استجابت للتهديدات الأميركية بتوحيد صفوفها، حيث أظهر التقرير أن هناك إجماعًا سياسيا غير مسبوق بين حكومة جاستن ترودو من يسار الوسط، ومعارضيه من اليمين المحافظ.
وقرر رئيس وزراء أونتاريو دوغ فورد، الذي كان يُنظر إليه سابقًا على أنه مقرب من ترامب، اتخاذ إجراءات انتقامية، مثل إزالة المشروبات الكحولية المصنعة في الولايات المتحدة من الأسواق المحلية، وإلغاء عقد الإنترنت العالي السرعة مع شركة "ستارلينك" التابعة لإيلون ماسك.
تداعيات على الأسواق العالميةوفقًا للتقرير، فإن المنتجين الأميركيين قد يواجهون تداعيات طويلة الأمد نتيجة هذه السياسة الحمائية، حيث قد يتحول المستهلكون في الدول المتضررة إلى بدائل محلية أو أوروبية.
ويضيف التقرير أن بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي واجهت تحديات مماثلة، إذ أدى عدم اليقين بشأن المفاوضات التجارية الطويلة إلى تراجع الاستثمارات في قطاع الأعمال، وهو ما قد يتكرر مع الولايات المتحدة في حال تصاعد الحرب التجارية.
هل هناك فوائد اقتصادية محتملة؟يرى بعض الاقتصاديين أن التعريفات الجمركية قد تعود بفوائد على المدى الطويل إذا تم تطبيقها بشكل انتقائي لدعم الإنتاج المحلي، كما حدث في بعض الدول الآسيوية في القرن العشرين.
فعلى سبيل المثال، يمكن للولايات المتحدة فرض تعريفات لحماية صناعة السيارات الكهربائية كما فعلت الصين سابقًا، مما قد يعزز قدرتها التنافسية عالميًا. لكن في الوقت نفسه، يُحذر الخبراء من أن السياسات الحمائية الشاملة غالبًا ما تؤدي إلى نتائج عكسية كما حدث في أميركا اللاتينية في الخمسينيات والستينيات.
إعلان من "أميركا أولا" إلى "التعريفات أولا"؟تشير الصحيفة إلى أن سياسات ترامب التجارية تفتقر إلى رؤية اقتصادية واضحة، إذ إن فرض تعريفات واسعة النطاق دون أهداف محددة قد يؤدي إلى ركود صناعي بدلًا من تحفيز الاقتصاد.
ويضيف التقرير أن المستثمرين في الأسواق المالية قد يساهمون دون قصد في تصعيد الأزمة، إذ إن تجاهلهم للتداعيات المحتملة قد يشجع الإدارة الأميركية على اتخاذ خطوات أكثر تشددًا، مما يزيد من مخاطر حدوث أزمة تجارية عالمية.
فرض ترامب تعريفات واسعة النطاق دون أهداف محددة قد يؤدي إلى ركود صناعي، وفقما يرى مراقبون (الأوروبية)
ومع تصاعد الحمائية الاقتصادية الأميركية، يتزايد القلق من أن الأسواق المالية تقلل من خطورة الوضع وسط تفاؤل مفرط بأن التعريفات مجرد أداة تفاوضية.
لكن الواقع يشير إلى أن الحرب التجارية قد تتحول إلى أزمة حقيقية إذا لم تتمكن الدول المتضررة من إيجاد بدائل، مما قد يؤدي إلى موجة من عدم الاستقرار الاقتصادي العالمي.
ويبقى السؤال الأهم: هل تستطيع الأسواق التكيف مع عالم تقوده سياسة "التعريفات أولا"؟