المشهد الإسرائيلي الداخلي: "الخراب" قادم سريعاً

يتوقّع أن تشهد "إسرائيل" بعد هذه الحرب، انقسامات كبرى، ستعمّقها نرجسية نتنياهو وتمسّكه بالسلطة.

لا شكّ، أن مستقبل نتنياهو السياسي، الذي قوّض المؤسسات السياسية والقضائية للمحافظة عليه، قد انتهى.

يكون السلاح الذي يوزّعه بن غفير على المستوطنين ودعوة نتنياهو لحمل السلاح وصفة حقيقية لحرب أهلية إسرائيلية ستبدأ حالما تهدأ المعارك على قطاع غزة.

يتهم الإسرائيليون نتنياهو بأنه مستفيد من الانقسام الفلسطيني، وأنه "أراد استخدام حماس" كذريعة لتقويض السلطة الفلسطينية وعدم الاعتراف بأي حقوق فلسطينية.

الجيش الإسرائيلي خسر حرب 1973، لكنه كان في جاهزية عالية ومستوى عالٍ، بينما الأحداث الحالية أكدت "فشل عسكري واستخباري وسياسي كبير" في "إسرائيل".

"الإخفاق عام 1973 كان إخفاقاً فرديّاً لبعض المسؤولين السياسيين والعسكريين، في حين أن الإخفاق في أكتوبر 2023 كان إخفاقاً مؤسساتيّاً أصاب المؤسسة العسكرية والسياسية برمّتها".

* * *

ما زال الإسرائيليون يحاولون الخروج من صدمة ما حصل في 7 تشرين الأول/أكتوبر، والاختراق الأمني الكبير الذي لم يكن أحد في "إسرائيل" أو في العالم يتوقّع حصوله، وحيث كانت جميع التحذيرات تتأتى من الأخطار الداخلية، حيث نبّه الرئيس الإسرائيلي من خطورة الانقسامات على بقاء "إسرائيل"، من دون أن يتخوّف أحد من الخطر القادم من غزة.

قبل عملية طوفان الأقصى، ولسنوات عديدة، استمرّ الإسرائيليون من قيادة عسكرية وسياسية، بتهديد كلّ من إيران ولبنان، واستمر نتنياهو يعرض صوراً في الأمم المتحدة والمحافل الدولية ويطلق تهديدات بقصف إيران وبتحرّك إسرائيلي منفرد، في حال لم تتحرّك الولايات المتحدة الأميركية للقضاء على برنامج إيران النووي، متناسين أن قدرة الفلسطينيين على تحمّل الظلم والجور، ستنتهي في يوم من الأيام.

سقوط وهم فائض القوة العسكرية

لفترة طويلة، استمر شعور الإسرائيليين على الصعيدين السياسي والعسكري بوهم فائض القوة العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية، حيث أن التقييمات العالمية أعطت "إسرائيل" تفوّقاً واضحاً على جيرانها، وعلى معظم دول العالم الثالث، إضافة إلى وهم قوة الردع وصورة "الجيش الذي لا يقهر" والتي استمرت راسخة في أذهان الإسرائيليين بالرغم من تجارب حرب لبنان وغزة المتعدّدة.

خلطت عملية "طوفان الأقصى" الأوراق في "إسرائيل"، وقارن بعض الإسرائيليين الإخفاق الإسرائيلي بـ "حرب أكتوبر" عام 1973، معتبرين أنها "خسارة" يمكن تخطّيها كما حصل في السابق، إلا أن الخبراء الإسرائيليين قلّلوا من واقعية هذه المقارنة معتبرين الإخفاق في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، أكبر بكثير من الهزيمة عام 1973.

ويذكر العديد من الخبراء العسكريين، أن الجيش الإسرائيلي خسر الحرب عام 1973، لكنه كان في جاهزية عالية ومستوى عالٍ، بينما الأحداث الحالية أكدت وجود "فشل عسكري واستخباري وسياسي كبير" في "إسرائيل".

ويشير الأستاذ في العلاقات الدولية، أوري بار يوسف والذي ألّف كتاباً عن حرب أكتوبر، في مقال له في هآرتس، إلى أن "الإخفاق عام 1973 كان إخفاقاً فرديّاً لبعض المسؤولين السياسيين والعسكريين، في حين أن الإخفاق في أكتوبر 2023 كان إخفاقاً مؤسساتيّاً أصاب المؤسسة العسكرية والسياسية برمّتها".

وفي حوار مع مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، إيال حولاتا، خلال ندوة في واشنطن، يقول حولاتا "لقد تمكّنوا من خداع مجموعتنا وتحليلاتنا واستنتاجاتنا وفهمنا الاستراتيجي" وأضاف: "لا أعتقد أنّ أيّ شخص كان منخرطاً في شؤون غزة لا ينبغي أن يسأل نفسه كيف وأين موقعه أيضاً من هذا الفشل الذريع".

المشهد السياسي والمجتمعي: الانقسام العمودي

في مقال لشعبة التخطيط الاستراتيجي في هيئة الأركان، اللواء يعقوب بنغو، نشرته مجلة "الجيش" في كانون الثاني/يناير عام 2023، حذّر بنغو من مخاطر انهيار التماسك المجتمعي على الأمن القومي وعلى صورة "إسرائيل" في عيون أعدائها.

ويذكر بنغو "أن من بين العناصر الهامة التي ساعدت "إسرائيل" على تنفيذ استراتيجيتها في العقود الأولى من وجودها، هو تماسك المجتمع ومناعته واستعداده لتحمّل العبء المطلوب لصالح الردّ الأمني، بما في ذلك الاستعداد للخدمة في الجيش وارتفاع تكاليف الأمن، والاستعداد لمنح المنظومة الأمنية وزناً كبيراً في عملية صناعة القرارات في قضايا الأمن القومي"، معتبراً أن التحدّي الذي تُواجهه "إسرائيل" يكمن في "كيفية المحافظة على هذا الاتّجاه بمرور الوقت".

تاريخياً، ومَن يدرس المجتمع الإسرائيلي خلال الحروب المتعددة التي خاضتها "إسرائيل" ضد العرب، يجد أن التلاحم والتكاتف يكون على أشدّه في "إسرائيل" خلال تلك الأزمات، وأن الإسرائيليين، دائماً، كانوا يؤجّلون المطالبات بالاستقالة والمحاسبة لما بعد الحرب.

اليوم، تبدو "إسرائيل" مختلفة كلياً، حيث تخرج المظاهرات المطالبة باستقالة نتنياهو وحكومته، وبتحمّل المسؤولية، وتشكّك في كفاءة مجلس الحرب الوزاري، وتطالب بإعادة المختطفين والأسرى من غزة. كما تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي مشاعر الغضب الإسرائيلية من الإخفاق الحكومي، ويتهمون أطرفاً في الداخل الإسرائيلي بالتواطؤ.

وكان البعض نشر صورة ابن نتنياهو على شواطئ ميامي، متسائلين لماذا لا يتم استدعاؤه كما تم استدعاء الشباب من الاحتياط من جميع أنحاء العالم للمشاركة في الحرب.

ويتهم الإسرائيليون نتنياهو بأنه كان مستفيداً من الانقسام الفلسطيني، وأنه "أراد استخدام حماس" كذريعة لتقويض حكم السلطة الفلسطينية، وعدم الاعتراف بأي حقوق للفلسطينيين في دولة، ولتوسيع المستوطنات، وقطع التواصل بين الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وفي محاولة للهروب إلى الأمام، حاول نتنياهو التنصّل من المسؤولية وإلقاء اللوم على القادة الأمنيين، حيث كتب تغريدة بهذا الشأن، ثم تراجع فمحاها واعتذر، بعد موجة الغضب والانتقادات التي طالته.

لا شكّ، أن مستقبل نتنياهو السياسي، الذي قوّض المؤسسات السياسية والقضائية للمحافظة عليه، قد انتهى. لكن، وبالنظر إلى تاريخ نتنياهو في محاولة الإفلات من المساءلة، مهما كانت الأثمان والنتائج على المؤسسات الإسرائيلية، من المتوقّع أن تشهد "إسرائيل" بعد هذه الحرب، انقسامات كبرى، ستعمّقها نرجسية نتنياهو وتمسّكه بالسلطة، وقد يكون السلاح الذي يوزّعه بن غفير على المستوطنين، ودعوة نتنياهو للإسرائيليين لحمل السلاح، وصفة حقيقية لحرب أهلية إسرائيلية ستبدأ حالما تهدأ المعارك على قطاع غزة.

*د. ليلى نقولا أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

المصدر | الميادين نت

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: غزة فلسطين الخراب المشهد الإسرائيلي طوفان الأقصى نتنياهو الحكومة الإسرائيلية عام 1973

إقرأ أيضاً:

الخطأ الذي كلف نصر الله حياته.. تقرير يكشف كيف اخترقت إسرائيل حزب الله وعلاقة سوريا

 

كشفت وسائل إعلام غربية عن الأسلوب الذي تمكنت من خلاله إسرائيل من اختراق “حزب الله” استخباراتيًا، وربطت ذلك بدور الحزب في الحرب السورية حيث دعم الحزب النظام السوري في النزاع.

في تقرير نشرته صحيفة “فايننشال تايمز“، ذكرت أن زعيم “حزب الله”، حسن نصر الله، نجا من ثلاث محاولات اغتيال خلال حرب لبنان عام 2006، ولكنه لم يستطع الإفلات من الضربة التي استهدفت مقر الحزب في الضاحية الجنوبية لبيروت الأسبوع الماضي، والتي أسفرت عن مقتل عدد من القادة، أبرزهم قائد منطقة الجنوب علي كركي. وطرحت الصحيفة تساؤلات حول الفارق بين هذه الحرب وسابقتها.

 

أشارت الصحيفة إلى آراء مسؤولين سابقين وحاليين أكدوا أن الفارق الرئيسي يكمن في التطور الكبير الذي شهدته الاستخبارات الإسرائيلية، التي ظهرت بشكل واضح في عملية اغتيال قائد أركان “حزب الله”، فؤاد شكر، في يوليو الماضي.

 

ووفقاً لتلك المصادر، يُعتبر هذا التطور جزءاً من جهود أوسع للاستخبارات الإسرائيلية في أعقاب حرب لبنان الثانية عام 2006. فقد تمكنت “الوحدة 8200” وجهاز الاستخبارات العسكرية من جمع كميات هائلة من المعلومات حول “حزب الله”، وهو ما كان غائباً عن إسرائيل بعد انسحابها من جنوب لبنان في عام 2000، الذي اعتبر حينها نصراً للحزب.

 

وتقول الضابطة الإسرائيلية أيسن إن “الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية اضطرت لتعويض هذا النقص بتوسيع نطاق تصورها لـ”حزب الله” ليشمل طموحاته السياسية وعلاقاته المتنامية مع إيران ونظام الأسد في سوريا، بالإضافة إلى دوره العسكري” . وأشارت إلى أن “إسرائيل بدأت تتعامل مع حزب الله كجيش إرهابي متكامل، بدلاً من التعامل معه كمنظمة عدائية صغيرة”.

 

ووفقًا لـ”فايننشال تايمز”، فإن التدخل العسكري لـ”حزب الله” في سوريا لدعم النظام السوري منذ 2012 منح إسرائيل فرصة لتوسيع عملياتها الاستخباراتية، إذ تمكنت من تتبع نشاطات الحزب ومعرفة المسؤولين عن عملياته، ومن يتم ترقيته ومن يتورط في الفساد.

 

ورغم اكتساب مقاتلي الحزب خبرة قتالية خلال الصراع في سوريا، فإن هذا التوسع الكبير في صفوفه أدى إلى فتح ثغرات أمام الاختراقات الإسرائيلية. فبحسب المحللة راندا سليم من معهد الشرق الأوسط في واشنطن، “كانت الأزمة السورية بداية توسع حزب الله، لكنها أضعفت آليات الرقابة الداخلية، مما أتاح فرصًا للتسلل”.

 

من جانب آخر، أضافت الصحيفة أن الحرب السورية التي بدأت عام 2011 أوجدت كماً هائلاً من المعلومات المتاحة للعامة، والتي استفادت منها الاستخبارات الإسرائيلية. وكان من بين تلك المعلومات “ملصقات الشهداء” لمقاتلي “حزب الله” الذين قتلوا في سوريا، والتي تضمنت تفاصيل دقيقة عنهم، مثل مكان مقتلهم ودوائرهم الاجتماعية، ما سهّل عملية التعرف على هيكلية الحزب.

 

وختمت الصحيفة بتصريح لمسؤول لبناني سابق في بيروت، الذي قال إن انخراط “حزب الله” في سوريا واحتكاكه بأجهزة استخبارات دولية كان له ثمن، حيث اضطر الحزب للتواصل مع تلك الأجهزة بطريقة لم تكن لتحدث لولا مشاركته في الحرب السورية.

 

مقالات مشابهة

  • نتنياهو: غيّرنا مسار الحرب وميزانها ومن حقنا الرد على إيران
  • إعلام الاحتلال الإسرائيلي: «نتنياهو» يجري مشاورات أمنية بشأن الرد على إيران
  • باسيل : اللبنانييون لا يريدون الحرب ويؤكد أن المشكلة ليست لدى إيران ولبنان بل عند نتنياهو
  • الخطأ الذي كلف نصر الله حياته.. تقرير يكشف كيف اخترقت إسرائيل حزب الله وعلاقة سوريا
  • ما الذي يدفع مثقفين تقدميين لدعم جيش الحركة الإسلامية ..!!؟؟ محاولات للفهم ..
  • حجم المياه الذي وصل لبحيرة ناصر من حصة السودان حتى اليوم ومنذ بداية الحرب في إبريل 2023 يزيد عن (25 مليار متر مكعب)
  • من هو النصف الآخر للسنوار الذي أعلنت إسرائيل مقتله؟
  • البنك الأهلي يعلن التعاقد مع سيد عبد الله نيمار قادمًا من الزمالك
  • أستاذ العلوم السياسية: نتنياهو يصر على إشعال فتيل الحرب في الشرق الأوسط
  • من هو جعفر قصير الذي اغتالته إسرائيل؟.. صهر حسن نصر الله