الحرة:
2025-04-25@09:49:33 GMT

جروح خفية.. تبعات الحروب على صحة الأطفال النفسية

تاريخ النشر: 2nd, November 2023 GMT

جروح خفية.. تبعات الحروب على صحة الأطفال النفسية

استيقظ أطفال غزة في السابع من أكتوبر على أصوات القذائف والصواريخ. لم يعوا بداية لماذا كان هذا الصباح مختلفا ومرعبا، ومن خطف سكينة المكان، لم يدركوا أن الأمر سيطول وأنه سيفرض عليهم مواجهة الموت والفقدان والحرمان من جديد.

فجأة انقلبت حياة أطفال غزة رأساً على عقب، انتُزعوا من مقاعدهم الدراسية. الأقلام التي كانوا يستخدمونها لكتابة مستقبلهم أصبحت لكتابة أسمائهم على أجسادهم كي يتم التعرف عليهم فيما لو أصيبوا بالقصف.

غالبيتهم نزحوا مع أهاليهم من بيوتهم، تاركين ألعابهم وذكرياتهم الجميلة، ليجدوا أنفسهم إما في مدارس أو مستشفيات أو في بيوت أقاربهم أو في خيام، يبحثون عن أمان غير متوفّر في أي مكان داخل القطاع، وفق ما يرويه سكان غزة.

حرم أطفال غزة من النوم الذي بات مرادفاً بالنسبة لهم للموت، فقد باتوا يخشون إطباق أعينهم كي لا يغافلهم صاروخ فيطبق عليهم السقف محوّلا سكنهم إلى قبر، ويلحقوا بـ 3650 طفل فارقوا إلى حد الآن الحياة، في حين لا يزل حوالي الألف في عداد المفقودين.

مشاهد الأطفال الذين يتم إنقاذهم من تحت الأنقاض والرعب في عيونهم داخل المستشفيات وهم ينتظرون العلاج، كفيلة بأن تعكس مدى الهلع الذي يعيشونه، منهم من التهمت النيران جسده ومنهم من فقد أحد أطرافه أو خسر فرداً أو أكثر أو حتى كل عائلته، ليجد نفسه وحيداً وسط هذا النزاع الدموي.

تكلفة بعيدة المدى

منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس، "أصبحت غزة مقبرة لآلاف الأطفال. إنها جحيم حي للجميع"، بحسب ما وصف المتحدث باسم اليونيسف، جيمس إلدر، قائلاً: "إن أسوأ مخاوفنا بأن تصل أعداد الأطفال الذين قُتلوا إلى العشرات، ثم المئات، وفي نهاية المطاف الآلاف، قد تحققت في أسبوعين فقط. الأرقام مروعة".

ولفت إلدر خلال مؤتمر صحفي إلى الصدمة النفسية، التي يعاني منها أطفال غزة، بالقول: "عندما يتوقف القتال، فإن التكلفة على الأطفال ومجتمعاتهم ستتحملها الأجيال القادمة. قبل هذا التصعيد الأخير، تم تحديد أكثر من 800 ألف طفل في غزة، أي ثلاثة أرباع إجمالي عدد الأطفال في القطاع، على أنهم بحاجة إلى الدعم الصحي النفسي والدعم النفسي الاجتماعي. وذلك قبل هذا الكابوس الأخير".

وأشار إلى ما تعانيه ابنة موظفة في اليونيسف، تبلغ من العمر 4 سنوات، حيث تظهر عليها "أعراض شديدة من التوتر والخوف، وهي الآن تؤذي نفسها، مثل نزع شعرها وخدش فخذيها حتى تنزف. ومع ذلك، ليس لدى والدتها الرفاهية للتفكير في الصحة النفسية لأطفالها".

اليونيسف أشارت إلى أن كل طفل في قطاع غزة تقريباً "تعرض لأحداث وصدمات مؤلمة للغاية" في الحرب الأخيرة

هي ليست الحرب الأولى التي يشهدها أطفال غزة، وقبيل تصاعد العنف عام 2021، كان ثلث الأطفال بحسب اليونيسف "بحاجة بالفعل إلى الدعم في مجال الصدمة المتصلة بالنزاع. وبدون شك، فقد ازدادت كثيراً حاجة الأطفال إلى خدمات الصحة العقلية والدعم النفسي-الاجتماعي".

وسبق أن خلص تقرير صدر عام 2022 عن منظمة "أنقذوا الطفولة" إلى أن الرفاهية النفسية والاجتماعية للأطفال في غزة كانت عند "مستويات منخفضة بشكل مثير للقلق" بعد 11 يوما من القتال، في عام 2021، مما جعل نصف أطفال غزة بحاجة إلى الدعم.

وخلال الحرب الدائرة حالياً، أشارت اليونيسف إلى أن كل طفل في قطاع غزة تقريباً "تعرض لأحداث وصدمات مؤلمة للغاية، اتسمت بالدمار واسع النطاق، والهجمات المتواصلة، والنزوح، والنقص الحاد في الضروريات الأساسية مثل الغذاء والماء والدواء".

جروح خفية

لن يخرج طفل سالماً من هذه الحرب، فمن لم يصب جسدياً حتى الآن، لن يسلم من الإصابة بصدمة نفسية من أصوات القذائف والصواريخ ومشاهد الموت والدمار وفقدان الأهل والأحباب، وعوارض الصدمة قد تظهر بصورة مباشرة أو على المدى الطويل، بحسب ما تقوله الاخصائية النفسية، الدكتورة ريما بجاني.

وتضيف لموقع "الحرة" "تؤثر الصدمة على المستويات الذهنية والنفسية للطفل، وكيفية نمو شخصيته وثقته بنفسه وبالوضع وبالمحيطين به. وفيما يتعلق بالعوارض المباشرة فهي تختلف من طفل إلى آخر، بحسب شخصيته ومدى تفاعل عائلته معه ودرجة مأساوية الوضع".

ومن العوارض المباشرة كذلك تقول بجاني: "القلق بأقصى الحدود وعدم القدرة على النوم والتبول غير الإرادي، وكذلك الهلع من الأصوات المباشرة وغير المباشرة التي تمتّ بصلة إلى أصوات القذائف والصواريخ، والتعلّق الإضافي بالأهل، ورؤية الكوابيس خلال النوم".

وتشير بجاني إلى أن بعض الأطفال لا يتفاعلون مع الوضع آنياً، لكن تظهر عليهم عوارض الصدمة النفسية على المدى البعيد، وتوضح: "بعد انتهاء الحرب وتداعياتها، تبقى رواسبها في أعماقهم، لذلك خضوعهم للعلاج النفسي أمر ضروري كي لا يكملوا بنمط القلق الذي يعيشونه والذي قد يرتفع منسوبه وصولاً إلى انفجاره فجأة، فقد يعيش الطفل حياة طبيعية لكن أبسط الأمور تذكره بالحرب فيعود إلى حالة القلق الكبيرة وعوارضها من نوبات ذعر واكتئاب".

عوارض الصدمة قد تظهر بصورة مباشرة أو على المدى الطويل، بحسب خبراء

وتضيف "لا شك أن الأطفال الذين فقدوا أحد والديهم أو كليهما سيعانون من فقدان السند إضافة إلى فقدان الاستقرار المتمثل بالنزوح من مكان إلى آخر، كما سيعانون من زعزعة شخصيتهم النفسية وفقدان الثقة بالمحيط، في وقت يفقدون فيه كل مقومات الحياة الطبيعية، أي أنهم يكبرون في وضع غير صحي تماماً، وفي المستقبل قد ينمّي بعضهم قدرات للدفاع عن النفس، لكن منهم من ستنمو النزعة العدائية لديهم".

كذلك تعتبر مديرة جمعية "مفتاح الحياة"، الأخصائية النفسية والاجتماعية، لانا قصقص، أنه "عندما يتعرض الطفل لأي نوع من الصدمات تتشكل لديه ذاكرة صدمية، وعند مواجهة أي مثير مشابه فيما بعد سيسترجع شعوره السابق والأفكار التي راودته حينها وكذلك تصرفاته، بمعنى إذا شعر بالخوف خلال الحرب أو تجمّد شعوره أو كانت لديه ردود فعل عصبية سيعيش نفس اللحظات لدى سماع مثيرات تذكّره بالحرب".

وتشير قصقص، في حديث لموقع "الحرة" إلى أن فقدان الأطفال لأهاليهم يشعرهم بالمظلومية والحرمان الكبير غير الطبيعي والمتوقع، "ويترك آثاره عند كبرهم مشاكل نفسية واضطرابات ما بعد الصدمة المزمنة، وربما قلقا من الانفصال".

ندوب عميقة

يمكن أن تستمر عوارض الصدمة النفسية، بحسب بجاني، "إذا لم يخضع الطفل للعلاج، فترافقه في حياته وكأن الحرب لم تنته"، مشيرة إلى أنه "ليس لدى الأطفال القدرة على فصل تفاعلهم العاطفي مع ما يدور حولهم، فيما الأهل يعيشون حالة من الخوف تحول دون تمكّنهم من مساعدة صغارهم على تنمية قدراتهم للمواجهة".

من جانبها، تقول قصقص: "هذا النوع من الصدمات يحفر عميقاً في الذاكرة، والشفاء منها يتطلب علاجاً من ضمنه تقنيات الاسترخاء".

يذكر أن 70 في المئة ممن قتلوا في قطاع غزة خلال الأسابيع الثلاثة الأولى للحرب، هم من الأطفال والنساء، بحسب ما ذكرته منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا".

واعتبرت المديرة الإقليمية لليونيسف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أديل خضر، أن "قتل وتشويه واختطاف الأطفال، والهجمات على المستشفيات والمدارس، ومنع وصول المساعدات الإنسانية، تشكل انتهاكات جسيمة لحقوق الأطفال".

وقالت خضر: "بدون وصول المساعدات الإنسانية، يمكن أن تكون الوفيات الناجمة عن الهجمات مجرد غيض من فيض. سوف يرتفع عدد الوفيات بشكل كبير إذا بدأت الحاضنات في الفشل، وإذا أظلمت المستشفيات، وإذا استمر الأطفال في شرب مياه غير آمنة ولم يتمكنوا من الحصول على الدواء عندما يمرضون".

70 في المئة ممن قتلوا في قطاع غزة خلال الأسابيع الثلاثة الأولى للحرب، هم من الأطفال والنساء، وفق "الأونروا"

ويخضع القطاع، منذ عام 2007، لحصار بري وبحري مشدد من قبل إسرائيل، يُمنع بموجبه المدنيون، إلى جانب السلع مثل الغذاء والدواء، من التحرك بسهولة عبر الحدود، مما ساهم في ارتفاع مستويات الفقر وتعرض السكان لظروف اقتصادية قاسية.

وكان المتحدث باسم اليونيسف، إلدر، أشار إلى أن التهديدات التي يتعرض لها الأطفال تتجاوز القنابل وقذائف الهاون، قائلاً إن "وفيات الرضع بسبب الجفاف تشكل تهديداً متزايداً في غزة، حيث يقدر إنتاج المياه بخمسة بالمئة من الكم المطلوب، وذلك بسبب تعطل أو تضرر محطات تحلية المياه أو افتقارها إلى الوقود".

وكرر إلدر الدعوة "بالنيابة عن 1.1 مليون طفل في غزة ممن يعيشون في هذا الكابوس"، للوقف الفوري لإطلاق النار لأغراض إنسانية وفتح جميع نقاط الوصول لدخول المساعدات الإنسانية بشكل مستدام.

وتسلّل مئات من مسلحي حركة حماس، المصنفة إرهابية، إلى إسرائيل من غزة في هجوم أسفر عن مقتل أكثر من 1400 شخص في إسرائيل، معظمهم من المدنيين، بحسب السلطات الإسرائيلية.

وردت إسرائيل على الهجوم بقصف مكثف على غزة تسبب بمقتل أكثر من 8796 فلسطيني، معظمهم من المدنيين، بحسب آخر إحصائيات وزارة الصحة في القطاع التابعة لحماس. 

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: فی قطاع غزة أطفال غزة طفل فی فی غزة إلى أن

إقرأ أيضاً:

حركة نسائية اسرائيلية جديدة تناهض الحرب على غزة (شاهد)

أطلق نساء اسرائيليات حملة للمطالبة بوقف الحرب على قطاع غزة، حيث بدأت النساء عبر مجموعة "واتساب" صغيرة قبل أن تتحول الى مبادرة تطالب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بوقف حرب الابادة. 

وتحولت مجموعة الـ"واتساب" إلى حركة احتجاجية نسائية في تل أبيب، حاملةً صور ضحايا الغارات الإسرائيلية من الأطفال الفلسطينيين، ومتحدية الرواية الرسمية. 

وبحسب تقرير مفصل عن هذه الحركة نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، فقد تشكلت نواة هذه الحركة من نساء إسرائيليات يعملن في مجالات المحاماة، والنشاط المجتمعي، وعلم النفس، وبدأن في التواصل عبر الإنترنت بعد معاودة إسرائيل قصف قطاع غزة عقب انتهاء الهدنة المؤقتة، ومع توالي صور الضحايا، وخصوصًا الأطفال، قرّرن أن يبدأن احتجاجًا أسبوعيًا صامتًا في قلب مدينة تل أبيب.

"الثمن الإنساني مغيّب".. لحظة انطلاق
ومع استئناف الحرب في شهر أذار / مارس، بدا أن الساحة الإسرائيلية تمضي في طريق تجاهل الخسائر البشرية في غزة، حيث تشير التقديرات إلى سقوط أكثر من 51 ألف شهيد فلسطيني، بينهم آلاف الأطفال، في ظل صمت شبه تام داخل إسرائيل عن هذا الثمن الإنساني، وفي هذا المناخ، بدأت النساء يشعرن أن الوقت قد حان لرفع الصوت.

وقالت المحامية أميت شيلو، عمرها 30 عاما، التي كانت من أوائل المشاركات، للصحيفة: "في الماضي، كان الحديث عن قمع الفلسطينيين يعتبر شيئًا غريبًا أو حتى خيانة لإسرائيل، لكن مع هذه الصور، بدأ الناس يشعرون للحظة أن هناك بشرًا على الجانب الآخر".

وأضافت أن المجموعة بدأت بنحو 10 نساء، ثم تزايد العدد ليصل إلى 50، ثم إلى 100، وفي أحد الاحتجاجات وصل إلى نحو 200 سيدة.

صور الضحايا.. شموع الحداد.. ومقاومة الصمت
واقترحت الناشطة ألما بيك، 36 عامًا، والتي كانت تنشر صور الضحايا عبر حسابها على "إنستغرام"، في أحد اللقاءات الأولى، أن يتم طباعة الصور واستخدامها في المظاهرات، وتعاونت مع آدي أرجوف، أخصائية نفسية متقاعدة، تدير موقعًا يوثق الضحايا الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية.

وتم جمع صور وأسماء الضحايا، وطبعها على أوراق كبيرة، كما تم شراء "شموع شيفا"، وهي شموع تُستخدم في طقوس الحداد اليهودية، ليحملها المحتجون في كل وقفة.

من بين الصور التي أثرت في المشاركين، صورة الطفلة نايا كريم أبو دف، ذات الخمس سنوات، التي كانت تملك رموشًا طويلة وعيونًا بنية، واستشهدت في غارة يوم 19 أذار / مارس.

كما ظهرت صورة الفتى عمر الجمصي (15 عامًا)، الذي استُشهد في غزة وعُثر في جيبه على وصية كتب فيها أنه مديون لفتى آخر بشيكل واحد، وصورة أخرى للطفلة مسك محمد ظاهر (12 عامًا) وهي ترفع علامة السلام مع شقيقتها، وقد استُشهدت في غارة على دير البلح في 19 مارس.

الاحتجاج في قلب تل أبيب
وتتزامن احتجاجات الحركة النسائية مع مظاهرات ضخمة تطالب بإعادة الأسرى الإسرائيليين من غزة، لكن ما يلفت النظر هو مجموعة الـ200 سيدة اللواتي يقفن بهدوء على أطراف الساحة، لا يهتفن، بل يحملن الصور والشموع، بينما البعض من المارة يبطئ خطواته وينظر بدهشة.

وقالت إحدى المشاركات إن هدفهن هو توسيع دائرة التعاطف الإنساني داخل إسرائيل، مع الأطفال الفلسطينيين، وتابعت: "أردنا أن يرى الناس وجوه الأطفال الذين يموتون. أن يعرفوا أن هؤلاء ليسوا مجرد أرقام".

ورغم أن النساء لا يرفعن شعارات سياسية صريحة، فإن نشاطهن يتحدى الخط السائد في الشارع الإسرائيلي، وقد تلقّت بعض المشاركات تهديدات عبر البريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي، كما وصفهن بعض المنتقدين بـ"الخونة" أو "المتعاطفات مع العدو".

ومع ذلك، فإن عدد المنضمات إلى مجموعة "واتساب" التنظيمية للحركة في تزايد مستمر، والاحتجاجات باتت أكثر انتظامًا، ما يشير إلى أن هناك شرخًا بدأ يتسلل إلى الرواية الإسرائيلية الأحادية، وأن الصور قادرة، أحيانًا، على تجاوز كل الأسوار.

مقالات مشابهة

  • استشاري علاقات أسرية: العائلة بداية غرس حب الوطن في الأطفال
  • السودان والإمارات.. هل تغير “دولة ممزقة” تاريخ الحروب؟
  • أطفال السودان.. البراءة بين الجوع والمرض والعنف والنزوح
  • الحرب النفسية وتداعياتها
  • فضيحة نفق رفح تذكّر بحروب اندلعت من خلال أكاذيب.. تعرف عليها
  • تبعات زلزال إسطنبول.. تعطيل دوام المدارس والجامعات الحكومية والوقفية
  • التشكيك: سلاح خفي في الحرب النفسية التي تشنها المليشيات
  • حركة نسائية إسرائيلية جديدة تناهض الحرب على غزة (شاهد)
  • حركة نسائية اسرائيلية جديدة تناهض الحرب على غزة (شاهد)
  • ولاية ترامب الثانية.. 100 يوم من الصدمة