تواجه اليمن أزمة اقتصادية عميقة وتحديات مالية ونقدية تعيق جهود الحكومة المعترف بها دوليا، وتحركاتها في إطار خطة الإصلاح الاقتصادي التي تقوم بتنفيذها حالياً لوقف تراجع سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية وكبح إرتفاع أسعار السلع الأساسية التي تأثرت بعدة عوامل بينها الحرب الأوكرانية.

ومن أبرز تلك التحديات انكماش الناتج المحلي الإجمالي، وتوقف جزء كبير من الأنشطة الاقتصادية، وتوقف البرامج الاستثمارية الحكومية، وكذا انحسار كبير في الاستثمارات الخاصة، بالإضافة إلى انسحاب أغلب المستثمرين الأجانب، وخروج رأس المال المحلي إلى الخارج بحثاً عن بيئة آمنة، وكذا تعليق العديد من برامج المنح والقروض الخارجية.

وتمثل سياسات وممارسات ميليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران أحد أبرز الأسباب التي أدت إلى تدهور الإقتصاد الوطني، بدءً باستنزاف إحتياطي النقد الأجنبي ثم إستحواذها على معظم موارد الدولة ورفضها صرف مرتبات موظفي القطاع العام وصولاً إلى إتخاذها سياسة الإنقسام النقدي الذي حول اليمن إلى منطقتين نقديتين واقتصادين، إلى جانب إصدارها التشريعات المالية التي تمكنها من السيطرة ووضع يدها على فوائد أموال المودعين في البنوك الواقعة بمناطق سيطرتها.

وقبيل الإنقلاب المسلح الذي قامت به ميليشيا الحوثي على السلطة الشرعية أواخر العام 2014، وإدخالها البلاد في حرب لازالت مستمرة منذ ثمان سنوات، كان الإقتصاد اليمني يعتمد على الصادرات النفطية والزراعة والسياحة وعائدات القطاع الصناعي وإيرادات الضرائب والجمارك وحركة الموانئ، وهي مقومات قضت الميليشيات الحوثية على بعضها

واستولت على البعض الآخر لتمويل أهدافها الطائفية وحربها على الشعب اليمني ودول الجوار. وكانت التوقعات الإقتصادية تشير إلى أن الناتج القومي لليمن سيرتفع من (6616) مليار ريال عام 2012م إلى (7136) مليار ريال في العام 2013م، بمعدل نمو 7.3%، في حين سيحقق العرض النقدي نمواً بمعدل يبلغ 12.6% في العام 2013م، مقارنة بمعدل 21.5% في العام 2012م، وستنخفض أسعار الفائدة 15% في عام 2013م، بالتزامن مع إستقرار أسعار صرف الريال مقابل الدولار عند 214.8 في العام 2013م مع إحتمال تأثره بأسعار السلع عالمياً وحجم الطلب على العملات الأجنبية.

لكن الوضع الإقتصادي تدهور منذ العام 2011 متأثراً بالإحتجاجات التي شهدتها البلاد، والتي أعقبها توقيع المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وإنعقد بموجبها مؤتمر للحوار الوطني شارك فيه ممثلون عن مختلف فئات وأطياف الشعب السياسية والإقتصادية والثقافية والإجتماعية والقبلية بهدف الخروج بمسودة تحدد شكل الدولة ودستورها وتطرح للإستفتاء الشعبي، قبل أن تنقلب الميليشيات الحوثية على هذه الجهود وتفرض سيطرتها على مؤسسات الدولة بقوة السلاح وتشعل حرباً لازالت مستمرة حتى الآن.

وتسببت الميليشيات الحوثية خلال عام واحد فقط من إنقلابها بإستنزاف إحتياطي البلاد من النقد الأجنبي الذي إنخفض إلى 1.3 مليار دولار في مارس 2016 بدلاً من 4.2 مليار دولار في مارس 2015م، إلى جانب قيام الميليشيات بسحب 300 مليار ريال يمني (1.2 مليار دولار) لتمويل عملياتها العسكرية، الأمر الذي دفع بالسلطة الشرعية إلى إتخاذ قرار في سبتمبر 2016 بنقل مقر البنك المركزي اليمني إلى العاصمة المؤقتة عدن.

بعد ذلك بدأت الحكومة الشرعية بدعم من المملكة العربية السعودية في تنفيذ سلسلة إجراءات لتحقيق تعافي ملموس في الإقتصاد الوطني، واستطاعت وفق تقرير صادر عن البنك الدولي تحقيق نمو بسيط خلال العامين 2018 و 2019م، مستفيدة من الوديعة المالية المقدمة من المملكة العربية السعودية والبالغة ملياري دولار لدعم الإقتصاد وإستقرار العملة المحلية، قبل أن يعود للإنكماش عامي 2020 و 2021، بسبب التداعيات الإقتصادية لجائحة كورونا والحرب الأوكرانية التي دفعت أسعار الغذاء العالمية إلى مستويات قياسية.

وفي العام 2022، شرعت قيادة البنك المركزي اليمني التي جرى تشكيلها بناءً على قرار تضمن هيكلتها أواخر العام 2021 بتنفيذ العديد من الإجراءات والإصلاحات المختلفة التي ساهمت في ثبات أسعار الصرف بالرغم من مستوياتها العالية التي تعكس حقيقة الوضع الإقتصادي والمالي للبلد حيث تراوحت ما بين 1150 و 1250 ريالا للدولار الواحد.

وهدف البنك المركزي من خلال تلك الإجراءات والإصلاحات إلى تحقيق إستقرار في المعدل العام للأسعار والحد من التضخم الذي سجل إرتفاعاً قدره 12.8 بالمائة بالمتوسط العام بين المحافظات المحررة وغير المحررة، في حين كان المركزي يستهدف تسجيل تضخم بين 15 – 20 بالمائة.

كما أظهر أحدث تقييم للبنك الدولي أن الإقتصاد اليمني حقق في العام 2022م نمواً حقيقياً بلغ 1.5 بالمائة، بعد ركود إستمر عامين.

،في حين أظهرت البيانات البنكية إرتفاع الإيرادات العامة للدولة حتى ديسمبر 2022 بمقدار 817.6 مليار ريال وذلك نتيجة إرتفاع أسعار المشتقات النفطية في السوق العالمية وبالتالي زيادة قيمة الصادرات النفطية إلى جانب تحريك سعر الدولار الجمركي من 500 ريال للدولار إلى 750 ريال.

وتشير تقارير إقتصادية محلية إلى أن إجراءات البنك المركزي اليمني نجحت في التأثير على حجم العرض النقدي الذي تراجع في نهاية ديسمبر 2022 بمقدار 24.4 مليار ريال ليبلغ 7253.5 مليار ريال وبنسبة زيادة 0.33 بالمائة عن العام 2021م الذي سجل خلاله إرتفاعاً بنسبة 7 بالمائة عن العام الذي قبله. وفيما يتعلق بميزان المدفوعات فقد سجلت تحويلات القوى العاملة في الخارج 4.3 و 4.5 مليار دولار في عامي 2021 و 2022م مقارنة بـ3.3 مليار دولار في العام 2014 -عام الإنقلاب على السلطة-، أما الصادرات النفطية فسجلت اليمن فيها فقدان 5 مليار دولار إيرادات عامة وتدفقات نقدية بالعملة الاجنبية كل عام، حيث تراجعت قيمة الصادرات بسبب الحرب من 6.4 مليار دولار في العام 2014 إلى 994 مليون دولار و 1.7 مليار دولار في عامي 2021 و 2022م.

وأسهمت المزادات الأسبوعية التي نظمها البنك المركزي اليمني إبتداءً من ديسمبر 2021م عبر منصة (Refinitiv) لبيع العملة الأجنبية للتجار والمستوردين عبر البنوك المحلية المعتمدة في تخفيف الطلب على لعملة الأجنبية في السوق السوداء وإستقرار أسعار الصرف عند مستويات محددة وبالتالي إستقرار أسعار السلع وتوفرها في السوق المحلية. لكن التصعيد العسكري للميليشيات الحوثية أواخر العام 2022م بإستهدافها الموانئ النفطية في حضرموت وشبوة، وحربها الإقتصادية على الواردات من المناطق المحررة، خلف ركوداً في صادرات النفط وإنخفاض العائدات الجمركية بسبب تراجع حركة الملاحية الدولية في ميناء عدن لصالح ميناء الحديدة، الأمر الذي تسبب في تدهور متسارع للأوضاع الإقتصادية وفرض مزيداً من التحديات على الحكومة الشرعية التي حاولت تجاوزها بتقليل أوجه الإنفاق، غير أن هذه التدابير لم تسهم في تعزيز النمو الاقتصادي بل فرضت تحديات أكبر على الحكومة بشأن إستمرار وتعزيز الخدمات العامة الأساسية. ومع حلول العام 2023، تصاعدت حدة الحرب الإقتصادية الحوثية على الحكومة الشرعية، مستفيدة من تخفيف القيود على ميناء الحديدة في إطار الجهود الدولية لإحلال السلام، الأمر الذي فاقم من الصعوبات المالية للحكومة التي باتت عاجزة عن الإيفاء بأبسط إلتزاماتها المتمثلة في دفع مرتبات موظفي القطاع العام، قبل أن تتدخل المملكة العربية السعودية وتقدم لها دعماً مالياً بـ 1.2 مليار دولار لتغطية عجز الموازنة ودفع مرتبات الموظفين.

من النشرة الاقتصادية لوكالة الانباء اليمنية (سبأ) ضمن الملف الاقتصادي لاتحاد وكالات الانباء العربية (فانا)

المصدر: مأرب برس

كلمات دلالية: البنک المرکزی الیمنی الحکومة الشرعیة ملیار دولار فی ملیار ریال فی العام

إقرأ أيضاً:

تقرير: هشاشة ليبيا تُغذي أزمة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر

ليبيا – تقرير: أزمة الهجرة غير الشرعية ترتبط بالصراعات في إفريقيا وضعف الاستقرار الليبي

تناول تقرير تحليلي نشره موقع “مودرن ديبلوماسي” الإخباري الدولي تنامي أزمة الهجرة غير الشرعية وارتباطها بمأساة القارة الإفريقية المنسية والصراعات المستمرة في دول جنوب الصحراء الكبرى.

الهجرة من دول الصراع

أكد التقرير أن غالبية المهاجرين غير الشرعيين يأتون من دول تعاني من الصراعات وانعدام الأمن، مثل جنوب السودان، النيجر، تشاد، الصومال، السودان، إثيوبيا، إريتريا، إفريقيا الوسطى، والكونغو الديمقراطية. هؤلاء يسلكون طريقهم عبر ليبيا إلى أوروبا، حيث تُعد البلاد بوابة عبور رئيسية.

وأشار التقرير إلى أن الهجرة لا تقتصر على إفريقيا فقط، بل تشمل مهاجرين من دول مثل اليمن، العراق، سوريا، وفلسطين الذين يعبرون الطريق الشرقي وصولاً إلى الأراضي الليبية أملاً في حياة أكثر أمانًا واستقرارًا في أوروبا.

ليبيا: بوابة الهجرة وأزمة الاستقرار

أوضح التقرير أن قرب ليبيا من دول مثل مصر، النيجر، وتشاد يجعلها نقطة جذب للهجرة غير الشرعية. وأشار إلى أن معالجة الوضع المتأزم في ليبيا، واستعادة الاستقرار فيها، يعد أمرًا جوهريًا لمواجهة أزمة الهجرة غير الشرعية التي تغذيها هشاشة البلاد وانقساماتها الداخلية.

دعوة لدور إفريقي أكبر

دعا التقرير الاتحاد الإفريقي وحكومات القارة إلى لعب دور فعال في إيجاد حل دائم للصراع الليبي، بدلًا من الاكتفاء بدور المتفرج، مؤكدًا أن استقرار ليبيا يصب في مصلحة القارة بأكملها.

الاتجار بالبشر: ترتيب عالمي مقلق

بيّن التقرير أن ليبيا تحتل مراتب متقدمة عالميًا في مؤشر الجريمة المنظمة، حيث سجلت 8.5 من 10 نقاط في الاتجار بالبشر، متجاوزة دولًا مثل أفغانستان وإريتريا واليمن. ويعكس هذا الوضع ضعف التمكين المؤسسي في ليبيا لمواجهة الجريمة المنظمة ومعالجة أزمة الهجرة غير الشرعية.

ترجمة المرصد – خاص

مقالات مشابهة

  • الإعفاءات العسكرية للحريديم.. أزمة اقتصادية تكلف إسرائيل 8 مليارات دولار سنويا
  • 10.3 مليار ريال مساهمة المؤسسات الخاصة النشطة في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية
  • وزير مالية الدبيبة يشعل أزمة “الاتحاد العربي للمقاولات” مجددًا.. وعناصر مسلحة تقتحم مقر الشركة
  • باستثمارات 64 مليار دولار.. اقتصادية قناة السويس توقع 12 اتفاقية لإنتاج 18 مليون طن هيدروجين أخضر
  • حملة الإنفاق الشعبية (حي على خير اليمن) تتسلم من الهيئة النسائية قافلةً مالية وعينية تجاوزت 50 مليون ريال
  • الصحة العالمية: اليمن يواجه أسوأ أزمة كوليرا عالمية
  • تقرير: هشاشة ليبيا تُغذي أزمة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر
  • كركي: 57 مليار ليرة سلفات مالية للمستشفيات خلال شهر كانون الأوّل
  • الحكومة الشرعية في اليمن تعلن عن أول تواصل واتصال مع الإدارة الجديدة في سوريا
  • اليانصيب الإسباني يعلن جوائز بأكثر من 2.8 مليار دولار