كان وما زال وسيظل الإعلام الإقليمى هو المعبّر والممثل الأقرب إلى المواطن فى نطاق البث الإذاعى، وكلما غاص الإعلام فى المحلية كان معبراً جيداً عن حاجات واهتمامات المواطن. بدأ البث الإذاعى لإذاعة شمال سيناء فى العيد القومى للمحافظة فى 25 أبريل عام 1984، ومنذ ذلك الحين لم يتوقف البث يوماً واحداً.

مرّت الإذاعة بحالات توهج شديد ونسب استماع مرتفعة جداً، كما مرت بحالات انحسار وضعف وعزوف عن المتابعة.

وبين الحالتين، حالة التوهج وحالة الانحسار، مضى ما يقرب من 39 عاماً على الدور الإعلامى الذى تقوم به الإذاعة فى تغطية الأحداث وإجراء المقابلات ونقل الفعاليات والأحداث على الهواء إلى جميع مراكز ومدن المحافظة.

وغنى عن القول، بل يعتبر من نافلة القول أن نتحدث عن دور الإعلام فى تشكيل الوعى، بل وفى بعض الأحيان والمجتمعات والأوقات قيادة المجتمعات وتوجيه الرأى العام والتأثير فيه.

لقد قامت إذاعة شمال سيناء عبر هذا التاريخ الطويل بدورها هذا على أكمل وجه من خلال أجيال مرّت على الإذاعة عملوا كمذيعين ومقدمى برامج ومراسلين ومحرّرى أخبار.

أفنوا أعمارهم وهم يحاولون أن يقوموا برسالتهم على أكمل وجه، أجيال سلمت أجيالاً راية إذاعة شمال سيناء حتى وصلنا إلى الواقع الحالى.

ومن الأدوار التى قامت فيها الإذاعة بدورها المنوط بها فى أشد الأزمات وأحلك الظروف كان إبان ثورة 25 يناير 2011.

أتذكر أننى كنت مراسلاً للإذاعة المصرية والتليفزيون المصرى وقتها بجانب عملى كمذيع تنفيذ على الهواء. وسأكتفى هنا بحدثين كنت شاهد عيان عليهما توضيحاً للمخاطر التى مرت علينا كعاملين فى هذه المهنة.

الموقف الأول أثناء محاولة اقتحام قسم ثانى العريش فى أحداث يناير 2011 من قِبل بعض الجماعات الإرهابية فى العريش.

بمجرد سماعى ضرب النار وكنت قد تدرّبت جيداً من خلال تغطيتى للأحداث على التصرّف فى مثل هذه المواقف.

توجّهت إلى محيط القسم وكان يوم جمعة بعد صلاة العصر مباشرة.

اتصلت بأحد الأصدقاء الذى يسكن فى محيط القسم ونزلنا أنا وهو إلى جراج سيارته أسفل العمارة، وهى أقرب نقطة نستطيع أن نكشف منها ما يحدث دون أن يلاحظنا أحد.

وبعد ربع ساعة من مكوثنا فى مكاننا هذا كانت المفاجأة. جاءت سيارة تحمل مجموعة من الإرهابيين وتوقفت أمام الجراج مباشرة، وكنا قد أغلقنا نصف الباب حتى يتسنى لنا أن نتابع الأحداث.

وكتصرف بشرى طبيعى كنا فى جزء من الثانية أسفل السيارة داخل الجراج. كان صوت إطلاق النار كثيفاً جداً وصوته مرعباً.

أذكر أننى قمت وأنا تحت السيارة بإرسال 18 رسالة صوتية إلى معظم الإذاعات الإقليمية والشبكات الإذاعية واختتمتها برسالة عبر الفضائية المصرية الساعة 12 منتصف الليل.

وكانت المكافأة شهادة تقدير من رئيس الإذاعة المصرية وشرفت بأن حصلت على شهادات تقدير من كل رؤساء الإذاعة المصرية طوال مدة عملى المستمرة حتى الآن. الموقف الثانى وكان فى أول شهر رمضان بعد ثورة يناير 2011. وكنا للتو قد انتهينا من اجتماع مع مدير الإذاعة حينذاك الأستاذ محمد رستم.

حدث إطلاق نار كثيف ثم توقف فجأة واكتشفنا بعد دقائق أن أحد جنود الحراسات قد تم قنصه فى برج مراقبة الإذاعة وهو صائم ويقرأ القرآن نحتسبه عند الله من الشهداء.

هذا غيض من فيض مما تعرّضنا كقائمين على رسالة إعلامية تحت خط النار. عشرات القصص والروايات والأحداث لا يتسع المجال لسردها.

كانت إذاعة شمال سيناء موجودة فى هذه الفترة فى كل بيت، كان صوتها تستطيع أن تميّزه فى كل سيارة فى شوارع المحافظة.. لماذا؟ ببساطة لأننا كنا هناك.

لقد ارتفع سقف طموح أبناء سيناء منذ عادت إلى السيادة المصرية فى إنشاء قناة تليفزيونية تعبّر عنها، تنقل كل ما يدور فى المحافظة وتعرض كل أشكال الفنون السيناوية، ويرى فيها المواطن السيناوى نفسه على الشاشة مثله كمثل كل المحافظات التى أنشئت بها قنوات تليفزيونية محلية.

وحتى الآن لم يعرف أحد جواباً مقنعاً عن سر عدم إنشاء محطة تليفزيون فى شمال سيناء. أما الآن، وفى ظل تغيير وسائل الإعلام وإهمال الإعلام الإقليمى والمحلى وتهميش دوره حتى تحولت الرسالة إلى وظيفة لقلة المتابعين لتغيير الوسيلة والمضمون.

ولكن هل هذا مبرر للاستسلام؟ لا والله وسأقدم فى السطور القادمة تصوراً لتطوير إذاعة شمال سيناء لتعود بقوة لدورها الذى أنشئت من أجله.

أرى أن تتحول الإذاعة إلى إذاعة عبر الإنترنت تبث إرسالها من خلال موقع يقدّم الأخبار والبرامج والمحتوى الترفيهى والتراث الشعبى.. إلخ، بحيث يستطيع أى مواطن سيناوى أو مصرى فى العالم أن يتابع إرسالها، وهذا تكلفته ليست عالية، ولكنه يحتاج إلى سرعة نت معقولة وأجهزة متطورة تخدم هذا الهدف.

اقتراح آخر وقد سبقتنا إليه إذاعات غزة والأردن، وفى مصر نجوم FM، وهو إذاعة المذيع الواحد، فهو الذى يدير الحوار ويشغّل الأغانى ويستقبل الاتصالات التفاعلية.. إلخ.

السؤال هو هل هناك إرادة سياسية لتطوير الإعلام الإقليمى، ومنها إذاعة شمال سيناء؟

إذا كانت الإجابة بنعم، فهناك عشرات الأفكار من العاملين فى هذه الإذاعات ومن خارجها، ونحن لسنا بدعة، ولن نخترع العجلة، فهناك تجارب كثيرة، فلنختر الأقرب إلينا والمناسب مع طبيعتنا ولنبدأ، فالكوادر والعامل البشرى لديه خبرات متراكمة كبيرة جداً تستطيع أن تنجح فى القيام بدورها على الوجه الأكمل.

والدليل زملاؤنا وزميلاتنا الذين عملوا فى الإعلام الخاص.

أما إذا كانت الإجابة لا، أى ليست هناك نية، وقد تم قراءة فاتحة الإعلام الإقليمى، فأبلغونا أو على أقل تقدير أصلحوا حمامات الإذاعة حتى نستطيع استخدامها فى ما تبقى من سنوات خدمتنا فيها، وحتى لا تحرجونا مع ضيوفنا فى الاستوديوهات.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: شمال سيناء الإعلام الإقليمي

إقرأ أيضاً:

غاري لينكر يقود حملة لإعادة فيلم وثائقي عن غزة بعد سحبه.. ما القصة؟

طالبت أكثر من 500 شخصية، بينهم إعلاميين ونجوم السينما والتلفزيون، أبرزهم مقدم البرامج الرياضية المُستقيل من شبكة "بي بي سي"،  غاري لينكر، والممثلة الإثيوبية، روث نيغا، والممثلة البريطانية، جولييت ستيفنسون، وكذا مريم مارغوليس، بإعادة الفيلم الوثائقي عن الأطفال والشباب في غزة، واصفين إياه بـ"قطعة أساسية في الصحافة".

وأوضح نجوم السينما والتلفزيون، الأربعاء، عبر رسالة، إلى المديرين التنفيذيين لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، أنّ الفيلم الذي تمّ حذفه، تمكّن من: "تقديم زاوية مميّزة عن التجارب الحيّة للفلسطينيين"، مشيرين إلى أن الانتقادات التي مسّته تستند لـ"الافتراضات العنصرية".

راشيل شابي: من المؤسف أن هيئة الإذاعة البريطانية سحبت فيلمها الوثائقي "غزة: كيف تنجو من منطقة حرب"، وهو سرد نادر للوحشية التي ترتكبها إسرائيل في حربها وتأثيراتها على أطفال غزة، ساعة واحدة فقط تم فيها إضفاء الطابع الإنساني على الفلسطينيين. pic.twitter.com/rpCyzX6Djc — مجلة ميم.. مِرآتنا (@Meemmag) February 24, 2025
"يزعم الانتقاد الذي طال الوثائقي أن الفلسطينيين الذين يشغلون أدوارا إدارية متواطئون في العنف، وهو نعت عُنصري يحرم الأفراد من إنسانيتهم والحق في مشاركة تجاربهم الحية" وفقا للرسالة نفسها المطالبة بإعادة الفيلم الوثائقي عن غزة.

وبحسب الرسالة فإنّ: "الانتقادات الموجّهة إلى عبد الله، الراوي البالغ من العمر 14 عاما، قد تجاهلت مبادئ الحماية الأساسية؛ كما أن تسليح الجمعيات لتشويه شهادة الطفل هو أمر غير أخلاقي وخطير على حد سواء".


وفي السياق نفسه، قال المخرج الأسترالي الحائز على جائزة "بافتا"، جاستن كورزيل: "في قلب هذا الفيلم يروي الأطفال النّاجين من الحرب، حكاياتهم؛ وكصانعي أفلام وثائقية لدينا واجب مقدس لحمايتهم"، مردفا: "أدّت حملة تشويه سمعة هذا الفيلم إلى تجريدهم من إنسانيتهم وخاطرت بشكل مخز بتعريض حياتهم وسلامتهم للخطر".

وكشفت صحيفة "الغارديان" البريطانية، أنّه من بين الموقعين على الرسالة، أيضا: الممثل البريطاني المصري والناشط السياسي، خالد عبد الله، والروائي البريطاني، ماكس بورتر، والمخرج والمنتج البريطاني، كين لوتش، والمصور الفوتوغرافي والمخرج السينمائي، ميسان هاريمان، والممثل الكوميدي الكندي الأمريكي، جين بريستر..، مبرزة أنّ: "10 من موظفي هيئة الإذاعة البريطانية الحاليين قد وقّعوا أيضا" دون الكشف عن هويتهم.

انتقد #طيب_علي، مدير المركز الدولي للعدالة للفلسطينيين، قرار هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) بسحب فيلمها الوثائقي "غزة: كيف تنجو من منطقة حرب" وذلك بعد ضغوط من الجهات الداعمة للاحتـ،ـلال .
"عندما يتعلق الأمر بفلسطين، لا يوجد شيء اسمه حرية التعبير
هذا ليس مجرد تحيّز إعلامي.. إنه… pic.twitter.com/0K9SjubrXL — Arab-London عرب لندن (@arablondon4) February 24, 2025
"خطوة جبانة" 
سحبت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" فيلمها الوثائقي المتعلٍّق بالأطفال في قطاع غزة من موقع "iPlayer"، بمرّر تعرّضها لضغوط متسارعة، لكون الطفل الذي ظهر في الفيلم هو ابن مسؤول فلسطيني في حكومة غزة. وذلك في خطوة وصفها الكثير من المتابعين بـ"الجبانة".

وبحسب عدّة تقارير إعلامية، متفرٍّقة، فإن حذف الفيلم الحامل لاسم: "غزة: كيف تنجو من منطقة حرب"، أتى بسبب أن الراوي في الفيلم الوثائقي والبالغ من العمر 13 عاماً هو عبد الله اليازوري، وهو ابن وكيل وزارة الزراعة في حكومة غزة التي تديرها حركة حماس.

وقبل الحذف، قالت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي": "يتضمن برنامج غزة: كيف تنجو من منطقة حرب قصصًا مهمة نعتقد أنه يجب سردها، وهي قصص عن تجارب الأطفال في غزة".

وتابعت الهيئة: "لقد أثيرت أسئلة متواصلة حول البرنامج، وفي ضوء هذه الأسئلة، نجري المزيد من التحقق مع شركة الإنتاج، ولن يكون البرنامج متاحًا على iPlayer أثناء ذلك"، وهو ما خلّف انتقادا متزايدا، ومطالب بإرجاعه.


إلى ذلك، قال المخرج والصحفي الذي أنتج العديد من الأفلام الوثائقية عن غزة لصالح "قناة الجزيرة" أثناء عدوان الاحتلال على القطاع، ريتشارد ساندرز، الخميس، إنّ: "الخلاف كان اختبارا هائلا لهيئة الإذاعة البريطانية".

وانتقد ساندرز خطوة "بي بي سي" ووصفها بأنها "قرار جبان"، مردفا: "من المريع أن تفشل في دعم هذا الفيلم".

مقالات مشابهة

  • قصور الثقافة تختتم ملتقى الرسوم المتحركة الأول بشمال سيناء.. صور
  • إذاعة دمشق تسعى لاستعادة دورها في تجربة تنطلق من الماضي العريق إلى المستقبل
  • طارق فهمي: الإعلام الإسرائيلي غير منضبط والدولة المصرية تقطع عليه سبل الهجوم
  • وثائقي عن غزة يثير أزمة في "بي بي سي"
  • صباح الخير يا مصر يستعرض جولة محافظ شمال سيناء لمستشفى الشيخ زويد
  • تعاون سوداني بريطاني لاستعادة الآثار السودانية المنهوبة وتسجيل التراث الحي بالسودان
  • غاري لينكر يقود حملة لإعادة فيلم وثائقي عن غزة بعد سحبه.. ما القصة؟
  • وزير الثقافة والإعلام والسفير الإيراني يتفقدان التلفزيون القومي ويتفقان على تفعيل اتفاقيات التعاون الاعلامي
  • إذاعة دمشق تسعى لاستعادة دورها في تجربة تنطلق من الماضي العريق إلى المستقبل.
  • محافظ شمال سيناء يفتتح 4 محطات تحلية مياه بالشيخ زويد