لماذا الحاجـة لمجلس شورى يضطلـع بمسـؤوليتـه الـوطـنيـة؟
تاريخ النشر: 1st, November 2023 GMT
انتهت انتخابات الفترة العاشرة لمجلس الشورى، وتم انتخاب الأعضاء الجدد بالمجلس لهذه الدورة، وظهر التصويت الذي تم تطبيقه للمرة الثانية، بعد انتخابات المجلس البلدي من خلال انسيابية متميزة وفق إجراءات التصويت عبر التطبيق إلكتروني، وهذه تستخدم لأول مرة في الدول العربية، على مستوى المجالس النيابية والمجالس البلدية في دول مجلس التعاون، وقد حققت هذه الوسيلة الحديثة، نجاحا باهرا مع الانتخابات البلدية في ديسمبر 2022 عندما طبُقت للمرة الأولى كما أشرنا.
وسيبدأ مجلس الشورى بأعضائه المنتخبين نشاطه الفعلي بداية العام المقبل 2024 لمدة أربع سنوات. ومع انعقاد مجلس الوزراء الأخير الذي ترأسه صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- أكد جلالته على: «أهمية قيام المواطنين كافة بالمشاركة الجادة في الانتخابات، والحرص على اختيار الكفاءات التي يعوّل عليها للاستفادة من خبراتها، حيث إن قوة مجلس الشورى وفاعليته مرتبطة بمن سيتم اختيارهم وترشيحهم من قبل الناخبين، مشيرا جلالته -أعزّه الله- إلى أن المرحلة المقبلة من العمل الوطني تتطلب تضافر الجهود والعمل بطرق مبتكرة وحديثة، للحفاظ على المكتسبات والإنجازات والإسهام في التخطيط الاستراتيجي والارتقاء بمسيرة التنمية».
ولا شك أن هذا التوجيه السامي بأهمية اختيار الكفاءات الوطنية العمانية التي يتم انتخابها في المجلس الجديد، الذين تم انتخابهم مهمة وضرورية، وأن يتم الاستفادة من قدراتهم في الأداء عند مناقشات المشاريع التي تقدم من الحكومة، وتقديم الأفكار والمقترحات الإيجابية من خلال ما يقدم من بيانات من قبل أصحاب المعالي الوزراء، إلى جانب طرح الآراء فيما يتم تقديمها أو يتم عرضها من الحكومة للمجلس، أو ما تضعه اللجان المتخصصة بالمجلس من رؤى تطرحها إلى الجهات الحكومية من خلال عرضها على المجلس. كما أن مقدرة المجلس في الدور المنوط به مرتبط -كما قال جلالته- بمن سيتم اختيارهم وترشيحهم من قبل الناخبين، وهذا ما يعزز دور المجلس من خلال الآراء والاقتراحات التي تطرح، مع ما يطرح في مجلس الدولة عندما يناقشون القوانين المعروضة عليهم.
ولا شك أن التجربة الشوروية العمانية، تتقدم في مسيرتها بتدرج، مع زيادة الصلاحيات التي تسهم في فاعلية المجلس ودوره في الأداء منذ أكثر من عقدين، ويعود هذا إلى بعد رئيسي في الفلسفة السياسية للقيادة الحكيمة، والمتمثل في نهج السير في نطاق النهوض والتطور المدروس والمخطط وفق الخطط الماضية، ووفق أيضا الخطة الإستراتيجية العمانية 2040، التي تهدف إلى تقدم عُمان ونهضتها المتجددة، كما حددها جلالة السلطان هيثم -حفظه الله- في خطابه في 23 فبراير 2020 بأهمية الحضور الفاعل لأبناء الوطن في أنشطة الدولة في مختلف القطاعات المختلفة، ومنها دور مجلس عُمان بغرفتيه، فقال جلالته ما نصه في هذا الخطاب: «إن شراكة المواطنين في صناعة حاضر البلاد ومستقبلها دعامة أساسية من دعامات العمل الوطني، ونحرص على أن تتمتع فيه المرأة بحقوقها التي كفلها القانون، وأن تعمل مع الرجل جنباً إلى جنب، في مختلف المجالات خدمة لوطنها ومجتمعها، مؤكدين على رعايتنا الدائمة لهذه الثوابت الوطنية، التي لا مُحيد عنها ولا تساهل بشأنها».
فخلال الـ50 عاما الماضية، تحاشت التجربة العمانية الثرية في تجربة الشورى، مخاطر حرق المراحل والتغير السريع في قرارات دون تأن، أو السير وفق منهج التغيير المفاجئ أو التغيير بالصدمات، كما يطلق عليه البعض، ولا يرجع ذلك فحسب لفهم عميق لمخاطر التحولات المتعجلة على مجتمع ذي نسيج اجتماعي متماسك، من القيم والهوية الحضارية كالمجتمع العماني فحسب، ولكن أيضا لأهمية أن يكون التطور تعبيرا عن تفاعل حقيقي لمعطيات الواقع، وليس قفزا عليه أو تجاهلا لحقائقه.. بعبارة أخرى كما نرى، أن التطور التدريجي والطبيعي هو ضمانة صادقة، لأن تعكس الانتقالات السياسية والتشريعية والاقتصادية لحاجات حقيقية ونموا فعليا لقطاعاته وقدراته وتعبيرا ماديا واعيا عن نمو إمكانيات أبنائه في المساهمة والمشاركة في كل مجالات التنمية من خلال الخبرات والكفاءات في كل القطاعات العامة والخاصة.
وقد أشرت في كتابة سابقة على أهمية الكفاءات العمانية الذين يمثلون ناخبيهم في المجالس التشريعية والخدمية، سواء بمجلس الشورى، أو بالمجالس البلدية، وبعد صدور المراسيم السلطانية العام المنصرم، التي أعادت تشكيلها على أسس وصلاحيات جديدة ومنها المجلس البلدي، وهو أن مجلس الشورى في عالم اليوم عالم مفتوح، ولم تعد قضايا المجتمعات منغلقة على نفسها، لا يعرف عنها شيئا، فالقرية الآن أصبحت عالما وليس العكس، وما يهمنا أصبح يهم غيرنا في عالم المصالح السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية بالنسبة لدول مجلس التعاون، وما نطالب به له وقع عند الآخرين.. التجربة الشوروية العمانية كانت عند انطلاقتها الأولى حديث الصحافة ومحطات التلفزة العربية والعالمية، ومناقشة كتّاب ومحللين وأحاديث مع باحثين لاستقراء التجربة العمانية، باعتبارها خطوة متقدمة على طريق الديمقراطية والاختيار الحر النزيه من خلال التصويت.. إذن التجربة خرجت من نطاقها المحلي الضيق إلى النطاق العربي والعالمي من أقصاه إلى أقصاه.
لكن الذي يهمنا هو داخلنا، قضايا الوطن العماني، كيف ننهض به، وأن يكون هم العضو الأول والأخير الوطن ومتطلباته في كافة مناحي ما يتم عرضه بالمجلس بعيدا عن الحاجات الخاصة والمصلحة الذاتية الضيقة. صحيح أن الجانب الخدمي تختص به المجالس البلدية، ويبقى للمجلس الجانب التشريعي، أو ما يعرض من الحكومة من مشاريع، وكذلك بيانات أصحاب المعالي الوزراء، ومناقشتها من خلال الأعضاء كما هو معتاد في صلاحيات الأعضاء، لذلك فإننا نود من المجلس الجديد بأعضائه الجدد، أن يرتفع بقضايا الوطن وهمومه إلى مستويات رفيعة طرحا وتناولا وبحثا في كل مجالات التنمية المختلفة، وأولها كيف ننهض بالإنسان العماني، وأهمية تحقيق الأهداف والطموحات كما قال جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -أعزّه الله- في خطابه الأول في فبراير العام المنصرم: «الانتقال بعُمان إلى مستوى طموحاتكم وآمالكم في شتى المجالات، سيكون عنوان المرحلة القادمة بإذن الله، واضعين نصب أعينِنَا المصلحة العليا للوطن، مسخرين له كافة أسباب الدعم والتمكين»، وهذه الطموحات والأهداف الجوهرية هي مطلب المواطن العماني من مجلس الشورى في دورته المقبلة، فمجلس الشورى شريك للحكومة، وهذه الشراكة عليها مسؤولية كبيرة، ولا يجوز التخلي عنها لهذا الشريك، وحده يصيغ ما يريده، من دون مشاركة الشريك الآخر (مجلس الشورى)، إنها مسؤولية جسيمة كما قال جلالة السلطان قابوس -رحمه الله- في أحد خطبه موجها للأعضاء الجدد بالمجلس: «أنتم أول من يتحملها، وأمانة عظيمة أنتم في مقدمة من يُسأل عنها.. فلا بد من تقديرها حق قدرها وأدائها على الوجه الأكمل».
وهذه المشاركة الإيجابية هي مسؤولية تتطلب الكثير من هؤلاء الأعضاء أن يتناولوها في مناقشاتهم في الدورة المقبلة، والأهم في هذه القضايا الأمور التي تشغل بال المواطن، ويسهم المجلس في تناولها بجدية.. والبعض يتحدث عن الصلاحيات بمجلس الشورى، وأرى أن هناك صلاحيات وأدوات مهمة في نظام المجلس، إذا ما أراد الأعضاء استخدامها، ومن هذه الصلاحيات: البيان العاجل ـ طلب الإحاطة ـ السؤال البرلماني ـ إبداء الرغبة ـ لجنة تقصي الحقائق ـ طلب المناقشة ـ الاستجواب ـ مناقشة البيانات الوزارية.. وهذه الأدوات التي بين يدي عضو مجلس الشورى، تعطيه المجال لطرح ما يهم الوطن وتطلعات المواطنين، ولذلك نأمل من عضو مجلس الشورى الجديد، أن يكون مقدرا وواعيا لمسؤولياته الوطنية عند انتخابه، وهذا ما نتمناه من عضو المجلس المقبل.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: مجلس الشورى من خلال
إقرأ أيضاً:
ما تداعيات حزمة المراسيم التي اتخذها الرئاسي الليبي.. وما مصير البرلمان والأعلى؟
أثارت المراسيم التي أصدرها رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي بشكل مفاجيء على مدار يومين بعض التساؤلات وردود الفعل عن تأثيرها وتداعياتها خاصة على وجود مجلسي النواب والدولة في المشهد مستقبلا.
وأصدر المنفي 3 مراسيم رسمية تحت اسم "إنقاذ الوطن"، شملت إلغاء قوانين أصدرها مجلس النواب في طبرق وأخرى تخص المصالحة الوطنية وثالثة تخص ملف مفوضية الاستفتاء الشعبي.
"إلغاء ومصالحة واستفتاء"
ونص المرسوم الأول على إيقاف العمل بكافة آثار القانون رقم 5 لسنة 2023 الصادر عن مجلس نواب طبرق بشأن إنشاء محكمة دستورية عليا، نظراً لعدم دستورية القانون بموجب حكم الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا، ويعتبر أي إجراء أو قرار صادر استناداً إلى القانون المذكور لاغياً وغير منتج لأي أثر قانوني.
كما نص المرسوم رقم 2 على انتخاب المؤتمر العام للمصالحة الوطنية بأن يكون لكل بلدية عضو يتم انتخابه ضمن قائمة المنتخبين في جميع البلديات، ويختص عضو المصالحة بالمجلس البلدي بالإشراف على برامج المصالحة التي تنفذها المفوضية".
والمرسوم الثالث نص على تشكيل مجلس إدارة للمفوضية برئاسة، عثمان القاجيجي، وعضوية 11 آخرين، وإعطاء رئيس مفوضية الانتخابات، عماد السائح مهلة 30 يوماً للامتثال لواجباته القانونية وتنفيذ الاستفتاء على مشروع الدستور المنجز من الهيئة التأسيسية".
"رفض البرلمان وحماد"
وفي أول رد فعل على هذه المراسيم.. رفض كل من مجلس نواب طبرق والحكومة التابعة له هذه المراسيم، واصفين الخطوة بأنها تمثل تجاوزا لاختصاصات الرئاسي واعتداء على صلاحيات السلطة التشريعية المنتخبة، وأن إصدار القوانين اختصاص أصيل للسلطة التشريعية ولا يحق لأي جهة كانت أن تلغي أو تعدل القوانين الصادرة عن مجلس النواب، في حين رأت أن قرارات الرئاسي تستهدف تقويض جهود توحيد المؤسسات السيادية"، وفق بيانين منفصلين.
كما طالبت البعثة الأممية لدى ليبيا بعدم إصدار قرارات أحادية الجانب يمكنها إرباك المشهد سياسيا وعسكريا، مطالبة الجميع بالدفع فقط نحو إجراء انتخابات وحكومة موحدة تحقق الاستقرار في يلبيا.
"مصدر قلق وخوف"
من جهتها قالت عضو مجلس النواب الليبي، ربيعة بوراص إن "مشاعر الخوف من اقتراب توحيد الجهود في إنهاء الأجسام الحالية التي من ضمنها المجلس الرئاسي تعد أحد أسباب اندفاع الرئاسي نحو خلط الأوراق وإصدار قرارات ومراسيم تعمق الأزمة".
وأكدت في تصريحات لـ"عربي21" أن "هذه الخطوة ستزيد من حجم الفجوة وتصعب طريق توحيد مؤسسات الدولة والذهاب إلى الانتخابات، ويبدو أن الأيام القادمة أصبحت مصدر قلق وخوف للكثير من الأجسام لذلك الكل يرمي بأحجاره في الطريق"، حسب تعبيرها.
"ما الموقف القانوني؟"
ورأى المتحدث السابق باسم المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، السنوسي إسماعيل الشريف أن "المراسيم هي اعتداء على صلاحيات مجلس النواب وهي منعدمة الأثر القانوني وليس لها قيمة سياسية باعتبار أن أي قرار من الرئاسي يحتاج إلى اجماع الرئيس والنائبين وهذا لم يحصل".
وأشار في تصريحه لـ"عربي21" إلى أن "ما صدر من مراسيم ما هي إلا قرارت فردية لرئيس المجلس الرئاسي وحتى على فرض أن هناك إجماع داخل المجلس فهي قرارات منفردة ليس عليها توافق بين أطراف الاتفاق السياسي الليبي الذي يمثل مرجعية المرحلة الانتقالية"، وفق رأيه.
وتابع: "لكن مراسيم المنفي قد تعقد المشهد المأزوم أساسا وتزيد من فجوة الانقسام السياسي وتثبت صحة نظرية "مونتغمري" التي مفادها أن المعسكر الذي تسوده البطالة يكثر فيه الشغب لذلك على المنفي أن يجد طريقة لشغل نفسه وفريقه فيما يفيد العملية السياسية الليبية لا ما يزيد من تأزيمها"، كما صرح.
"غياب التوافق الداخلي"
المحلل السياسي الليبي، وسام عبدالكبير رأى من جانبه أن "هذه الحزمة من المراسيم والقرارات من المجلس الرئاسي تم الإعداد لها منذ أشهر مضت ولكن تأخرت بسبب غياب التوافق حولها في المجلس، وتم الإعلان عنها بالرغم من عدم حصولها على التوافق الداخلي المطلوب ومعارضة عضو المجلس، عبدالله اللافي لها بسبب الوضع الصحي للمنفي".
وقال إن "هذه الخطوات لن يكون لها أي أثر في المشهد السياسي، كون المجلس الرئاسي هش وضعيف وليس لديه أنياب، كما أن مثل هذه القرارات والتي تعكس استمرار الصدام والمناكفات بين رئيس المجلس الرئاسي ورئيس المجلس النواب تحتاج إلى دعم من الأجسام والمؤسسات الرئيسية مثل رئيس حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الأعلى للدولة وهذا غير متاح"، وفق تقديره.
وأضاف: "كما أن مراسيم الرئاسي لا تنسجم مع مصالح الأطراف الإقليمية والدولية المتداخلة في الشأن الليبي وبالتالي لن يكتب لها النجاح"، كما صرح لـ"عربي21".