لجريدة عمان:
2025-02-02@20:03:21 GMT

كيف تنقذ الصين العالَـم ــ ونفسها؟

تاريخ النشر: 1st, November 2023 GMT

جيرنوت فاجنر -

كونور والش -

كان نموذج النمو الاقتصادي الذي انتهجته الصين قصة نجاح مدوية. فبفضل تركيزها على تشجيع الصادرات، والاستثمار في رأس المال، واللحاق بركب التكنولوجيا، نجحت في انتشال نحو 800 مليون شخص من براثن الفقر على مدار السنوات الأربعين الأخيرة. وفي وقت أقرب إلى الزمن الحاضر، اجترحت المعجزات في نشر الطاقة النظيفة في الداخل، فضلا عن دفع تكاليف مصادر الطاقة المتجددة والبطاريات إلى الانخفاض على مستوى العالَـم.

في عام 2023 وحده، ستكون الصين أنشأت أكثر من 150 جيجاوات من القدرة الشمسية ــ ما يقرب من نصف إجمالي إنتاج العالم من الطاقة الشمسية في هذا العام.

لكن آفاق الصين ليست وردية بقدر ما قد توحي هذه الأرقام. فقد بدأ محرك النمو هناك يتعثر، حيث قَـدَّرَت أحدث توقعات صندوق النقد الدولي مكاسب الناتج المحلي الإجمالي هذا العام عند مستوى 5% فقط، وهذا بعيد كل البعد عن الزيادات التي تجاوزت 10% والتي لا تزال حاضرة في الذاكرة الحديثة. الأسوأ من ذلك أن معدل النمو ربما يستمر في الهبوط نحو المستوى السائد في الاقتصادات المتقدمة، وهذا من شأنه أن يدفع كثيرين إلى التساؤل حول ما إذا كانت الصين لتتمكن على الإطلاق من اللحاق بمستوى الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة ــ حتى برغم أن تعداد سكانها أكبر بنحو أربعة أضعاف. كما تستمر انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في النمو، حيث تمثل الصين الآن نحو ثلث إجمالي الانبعاثات على مستوى العالَـم. وحتى في ظل الدَفعة الهائلة نحو مصادر الطاقة المتجددة، ارتفع استهلاك الكهرباء في الصين بسرعة شديدة حتى أن الأمر بات يتطلب استراتيجية «النطاق الكامل» والتي تتضمن كميات ضخمة من الطاقة المولدة بإحراق الفحم (بصرف النظر عن اقتصادياتها غير المواتية على نحو متزايد). تشترك مشكلات النمو والانبعاثات في الصين في مصدر واحد: الاستثمار غير المنتج. فبرغم أن الصين لا تزال دولة متوسطة الدخل تتمتع بوفرة من المشاريع المرتفعة العائد، كان الاستثمار في العقد الماضي متركزا في قطاع العقارات. الواقع أن الاستثمارات في الإسكان، التي مثلت نحو 25% من الناتج المحلي الإجمالي في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، تجاوزت بدرجة كبيرة احتياجات الطبقة المتوسطة الحضرية في الصين. فقد تسبب تشجيع الحكومات المحلية لشركات التطوير العقاري، مقترنا بالتمويل الرخيص من البنوك المملوكة للدولة، في تغذية فقاعة عقارية امتصت الموارد التي كانت لتستخدم بشكل أفضل في قطاعات اقتصادية أخرى. ويبدو أن الفقاعة بدأت الآن تنكمش، لتتدنى مع انكماشها ثقة المستهلك، وينشأ خطر الدخول في دوامة تقليص الديون الكلاسيكية، أشبه بتلك التي واجهها الغرب بعد انفجار فقاعة الرهن العقاري الثانوي في عام 2008. والعلاج بسيط: تقاسم فوائد النمو على نطاق أوسع. يمثل الاستهلاك الصيني 40% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا بين أدنى المعدلات على مستوى العالَـم، وأقل كثيرا من نظيره في الولايات المتحدة. فبسبب ضعف شبكة الأمان الاجتماعي في الصين، تضطر الأسر الصينية إلى ادخار مقادير ضخمة من دخلها، والتي يجري توجيهها مباشرة إلى الاستثمار المحلي عبر نظام مالي موجه من قِـبَـل الدولة. من ناحية أخرى، تعمل أسعار الفائدة المصرفية المنخفضة بشكل مصطنع، وارتفاع استهلاك القطاع العام، وغير ذلك من الاختيارات السياسية على تثبيط الاستهلاك الأسري على نحو متعمد ودفع الاستثمار إلى الارتفاع. الواقع أن إزالة تشوهات الاقتصاد الكلي هذه من شأنه أن يعود بالفائدة ليس فقط على الأسر الصينية، بل وأيضا كوكب الأرض. كان الاستثمار الصيني سببا في تكبيد العمل المناخي تكاليف باهظة. إذ تستخدم الصين نصف إنتاج العالَـم من الصلب والفحم، و60% من الأسمنت. كل هذه الشقق والطرق والجسور تتطلب كميات هائلة من الطاقة والمواد الكثيفة الكربون.

من الواضح أن تباطؤ معدل الاستثمار في رأس المال المادي من شأنه أن يحد من بعض هذه الأضرار الضخمة التي تلحق بالمناخ. فضلا عن ذلك، مع ارتفاع الدخول، سوف يحول المستهلكون الصينيون إنفاقهم بشكل متناسب إلى الخدمات. تميل الأسر في مختلف أنحاء العالَـم، مع تزايد ثرواتها، إلى زيادة الإنفاق على الرعاية الصحية، والتعليم، والضيافة، والإقلال من الإنفاق على المنتجات الكثيفة الاستخدام للكربون. وسوف يعمل قانون التنمية الحديدي هذا على زيادة تباطؤ نمو الانبعاثات الغازية الضارة التي تطلقها الصين، مما يسمح لها بدفع المنحنى إلى الانخفاض عبر جهود إزالة الكربون المتضافرة.

لقد أحرزت الصين فوزا كبيرا بالفعل في مجال إزالة الكربون بفضل توجهها الحثيث نحو المركبات الكهربائية. الواقع أن استيعاب الصين للمركبات الكهربائية لا يُضاهى في أي من الاقتصادات الكبرى الأخرى. بحلول شهر أغسطس من هذا العام، كانت المركبات الكهربائية والهجينة تمثل ما يقرب من 40% من سوق السيارات الصينية، ارتفاعا من الصفر تقريبا قبل الجائحة. والآن، تتوقع شركة النفط الحكومية في الصين أن يبلغ الطلب على النفط في الصين ذروته هذا العام، ويرجع هذا بدرجة كبيرة إلى المركبات الكهربائية. وعلى المستوى العالمي، تتوقع هيئة الطاقة الدولية أن يبلغ الطلب على النفط ذروته بحلول عام 2028. صحيح أن الدفع نحو الاعتماد على المركبات الكهربائية لا يأتي دون مقايضات، حيث يفرض مزيدا من الضغوط التي تدفع الطلب على الكهرباء إلى الارتفاع. لكن المركبات الكهربائية من الممكن أن تلعب دورا حاسما في المساعدة على تثبيت استقرار شبكات الكهرباء التي تعمل على نحو متزايد بمصادر الطاقة المتجددة. ولأن أغلب السيارات تظل متوقفة نحو 23 ساعة يوميا، فمن الممكن أن تعمل المركبات الكهربائية كاحتياطي من البطاريات ــ شريطة تنفيذ الاستثمارات اللازمة في «الشبكة الذكية». مع ذلك، سيكون لزاما على الصين أن تعمل على إبطاء نمو الطلب الإجمالي على الكهرباء من أجل التخلص التدريجي من الفحم وخفض الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون. لقد شهد العالم الغني انهيارا في إنتاج الطاقة بإحراق الفحم، حيث اقترنت مصادر الطاقة المتجددة ذات التكلفة الهامشية صِـفر مع الطلب الراكد على الكهرباء لتبدأ في إرغام الخيارات الأقل نظافة على الخروج من الشبكة. ولا يزال حجم العمل المطلوب ضخما في الغرب أيضا، ولكن في غياب أي إشارة إلى تباطؤ الانخفاض السريع في تكلفة المصادر المتجددة والبطاريات، أصبح أحد الشروط المسبقة لبدء الصين في إرغام الفحم على الخروج من الشبكة قائما برسوخ. أما الشرط الثاني فهو أن تركز الصين على الابتعاد عن النمو القائم على الاستثمار وأن تتجه إلى تشجيع تطوير وتنمية الخدمات المحلية. سوف تكون النتيجة الانفصال الكامل بين النمو الاقتصادي ونمو الطلب على الطاقة، وبالتالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ولكن من منظور المناخ، من غير الممكن أن يأتي الفصل الاقتصادي التالي في الصين قريبا بالقدر الكافي.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الناتج المحلی الإجمالی المرکبات الکهربائیة الطاقة المتجددة هذا العام الطلب على العال ـم فی الصین

إقرأ أيضاً:

الإعصار والحب رواية للكاتبة إلهام عبد العال.. تجربة فريدة في الأدب العربي الحديث

رواية “الإعصار والحب” للكاتبة الصحفية إلهام عبد العال تمثل تجربة فريدة في الأدب العربي الحديث، حيث تخطت الكاتبة إلهام عبد العال الحدود التقليدية للروايات المترجمة وابتكرت أسلوبًا جديدًا يدمج بين الكتابة الإبداعية بلغة الأم ووصف العالم الأجنبي من الداخل. 

الرواية ليست مجرد سرد لأحداث درامية في ولاية فلوريدا الأمريكية، بل هي رحلة عميقة إلى قلب التفاعلات الإنسانية والثقافات المتنوعة، حيث تواجه الشخصيات تحديات تفوق قدرتها على التوقع أو التحكم، ممزوجة بمخاطر الطبيعة وتقلباتها.

رؤية جديدة على الساحة الأدبية

تميزت الكاتبة بكتابة الرواية باللغتين العربية والإنجليزية في كتاب واحد، وهو ما يجعلها متاحة لجمهور واسع من القراء حول العالم. هذا الأسلوب لا يهدف فقط إلى جذب القارئ الغربي إلى أدب الشرق الأوسط، بل يعزز من عمق تجربة القارئ العربي الذي قد يعيش لحظات الرواية كأنه يراها بعينيه، متجاوزًا حاجز الترجمة الذي قد يضيع أحيانًا التفاصيل الدقيقة أو الروح الأصلية للعمل.

حبكة مترابطة ومركّبة

تتداخل في الرواية عناصر متعددة، تجمع بين الخرافة والعلم، وبين الحب والخوف، وبين قوى الطبيعة وإرادة الإنسان. الأحداث تدور في سياق مأساوي تُظهر كيف يمكن للكوارث الطبيعية، كالإعصار المدمر، أن تجمع أشخاصًا من خلفيات وثقافات مختلفة في مواجهة مصير مشترك. من خلال عائلة أمريكية تتقاطع حياتها مع أسر من مصر والصين ودول أخرى، تقدم الرواية صورة معاصرة للعالم كقرية صغيرة تجمعها الإنسانية رغم اختلافاتها.

رسائل إنسانية وثقافية عميقة

الرواية تتجاوز كونها مجرد قصة عن الحب أو الكوارث، فهي تقدم تأملات حول تأثير الماضي على الحاضر والمستقبل، وتسبر أغوار العلاقات الإنسانية التي تتبلور في أوقات الأزمات. كما تطرح أسئلة عميقة حول دور الإنسان في التلاعب بالمناخ والآثار المدمرة التي يمكن أن يخلفها. وتظهر كيف يمكن للأمل والإيمان بالحب أن يصبحا قوة دافعة لإعادة البناء المادي والمعنوي بعد الهدم.

رواية ملهمة بلغة عالمية

"الإعصار والحب" ليست فقط رواية عن الولايات المتحدة، بل هي حكاية عالمية تسلط الضوء على القواسم المشتركة بين البشر، وتقدم دعوة للتفاهم والتعاون في مواجهة تحديات هذا العصر. بفضل كتابتها المزدوجة، تضع الكاتبة إلهام عبد العال الأدب العربي في سياق عالمي معاصر، لتؤكد أن القصص الإنسانية تتجاوز الحدود اللغوية والجغرافية.

باختصار، "الإعصار والحب" ليست مجرد رواية، بل هي دعوة للعيش في عالم أكثر تواصلاً وإنسانية، حيث يربطنا الحب والأمل رغم كل العواصف التي قد تهدد حياتنا.

مقالات مشابهة

  • عبد العال يوافق على إصدار قانون سوق رأس المال
  • دائرة الطاقة في أبوظبي: الابتكار ركيزة أساسية لتحقيق النمو المستدام
  • الصين تحفر في أعماق الأرض لتعزيز أمنها في مجال الطاقة.. ما الجديد؟
  • الصين والمكسيك وكندا تندد بالرسوم الجمركية التي فرضها ترامب
  • عاجل.. الصين تعتزم رفع دعوى قضائية على الولايات المتحدة أمام منظمة التجارة العالمية
  • دراسة دولية...ألمانيا تواجه أزمة سياسية واقتصادية متفاقمة.. وهذه أسبابها؟
  • دراسة دولية: ألمانيا في أزمة متفاقمة بسبب الاعتماد على نجاحات الماضي
  • إيهاب عبد العال: حصاد مثمر ونتائج مهمة لمشاركة مصر في «فيتور 2025»
  • الإعصار والحب رواية للكاتبة إلهام عبد العال.. تجربة فريدة في الأدب العربي الحديث
  • خلال الـ24 ساعة الماضية.. خطوات متسارعة لتحسين أداء الشبكة الكهربائية وجهود متواصلة للصيانة والتطوير