هل تملك الروبوتات حاسة الشم؟
تاريخ النشر: 1st, November 2023 GMT
مؤيد الزعبي
من المُلاحظ أن هناك تجاهلًا كبيرًا لمحاكاة حاسة الشم في الروبوتات وأنظمة الذكاء الاصطناعي، فحتى الآن لا يوجد روبوت يستطيع أن يُميِّز نوع عطرك ويقول لك عطرك جميل! أو تجد روبوت يمزج لك عطورًا مختلفة لينتج لنا عطورًا وروائحَ جديدة وجميلة؛ فالجهود تنصب بشكل كامل على محاكاة حاسة النظر أو اللمس.
صحيح أننا نحتاج لتطبيقات تحاكي العين واليدين والأصابع بشكل أكبر لنطور روبوت يقوم بعمليات شبيهة بالعمليات البشرية في الحركة والتنقل ورفع الأشياء وتوصيل الطلبات وتقديم الطعام، لكن ماذا لو قلت لك إننا أيضًا بحاجة لتطبيقات روبوتية تحاكي حاسة الشم؛ وماذا لو قلت لك أن هذه التطبيقات قد تحمي البشر من أخطار كثيرة بداية من التعرض لحوادث وصولًا لأوبئة أو كوارث تلوث كبيرة؛ ربما لم تتخيل كل هذا من قبل؛ في هذا الطرح سنتناول كل هذا عزيزي القارئ وبالمناسبة عطرك جميل حتى لو الروبوتات لم تقل لك هذا.
عندما عدت لأبحث عن طبيعة الروائح والعملية الحسية التي تنقل لنا الروائح عبر انوفنا وجدت أننا كبشر حاولنا تقليد وتوثيق وتسجيل السمح والصورة منذ فجر التاريخ ولكن لم نخوض التجربة لنصف الروائح أو نخزنا أو نتداول الأحاسيس حولها، وهذا ما أجده سببًا مقنعًا لعدم خوضنا أيضًا في مسألة تعليم الروبوتات الروائح والقدرة على استنتاج المزيد من المعلومات من هذه الروائح، وصحيح أنا هناك أجهزة تستطيع الكشف عن تسرب الغاز والتي تساعدنا في تقليل الكثير من المخاطر، ولكن ماذا عن الروائح الأخرى التي أيضًا يمكنها أن تقدم لنا معلومات ودلائل تساعدنا بشكل أو بأخر في حياتنا أو في أعمالنا.
هل سمعت عزيزي القارئ عن أنف اصطناعية؟ ربما سمعت عن عين اصطناعية ذراع أو يد أو أصابع اصطناعية، لكنْ أنف اصطناعية غير واردة كثيرة في أحاديثنا ومناقشاتنا وحتى أننا لا نجدها حلًا لمن يعانون من مشاكل في الشم، وأجد أن مثل هذه الاختراعات ستكون مفيدة إن وجدت للعديد من الأشخاص حول العالم ممن يعانون من أمراض افقدتهم حاسة الشم.
يوافقي الرأي، أليكس ويلتشكو الرئيس التنفيذي لشركة أوسمو إيه آي (OsmoAI) الناشئة للذكاء الاصطناعي، وتُعتبر أوسمو واحدة من الشركات التي تهتم بشكل دقيق برقمنة الروائح وشعارها يكمن في منح أجهزة الكمبيوتر حاسة الشم "Giving computers a sense of smell"، ويعمل الباحثون في أوسمو على رسم خريطة للشم حيث أننا كبشر عن طريق خلايا الشم الموجودة في أنوفنا نستنشق هواء ممزوج ببعض العناصر الكيميائية التي نحللها ونستنج منها طبيعة الرائحة، ولك أن تتخيل عزيزي القارئ أن أنفك يحتوي على حوالي 400 مُستقبِل شمِّي تقوم بترجمة ما يقدر بنحو 40 مليار جزيء رائحة في العالم، ولك أن تتخيل أيضًا أن الكثير من الروائح لا يستطيع حتى عقلك ترجمتها ومعرفة طبيعتها، وهذه العملية المعقدة ليس من السهل نقلها والتعبير عنها سواء نحن بشر يصعب علينا ذلك وأيضًا الحواسيب تشاطرنا نفس المشكلة والتعقيد، ولهذا تعمل أوسمو على حل هذه المعضلة وإيجاد أنظمة قادرة على فهم الروائح وتصنيفها ومحاكاتها في المستقبل.
قد يقول قائل ولماذا نُتعب أنفسنا في محاكاة الشم هذه وما الفائدة؟ الإجابة قد تكون صادمة عزيزي القارئ، فهناك مخاطر كثيرة يمكننا تجنبها لو كشفنا عن هذه الروائح قبل أن تصل لأنوفنا مثل تسرب الغازات السامة، وهناك قنابل ومتفجرات تسبب التلوث وتؤدي لموت الآلاف، ولو كان لدينا مُستشعِرات قادرة على قراءة هذا التلوث قبل أن يصل للإنسان فسنحمي حياة الكثيرين، وفي المجالات الحربية لنا في هذا الأمر استخدامات وتطبيقات كثيرة فبخلاف اكتشاف التلوث يمكننا الكشف عن استخدام أسلحة ممنوعة أو محرمة دوليًا ومحاسبة مرتكبي هذه الجرائم، ويمكننا الكشف عن وجود قنابل أو أسلحة في أماكن تواجد العصابات والإرهابيين، ودعك من الحروب فيمكننا أيضًا الكشف عن الطعام الملوث أو المواد المسرطنة قبل أن تدخل أجسامنا حتى وهذه أمر مهم يستحق أن نعمل عليه ونطوره.
هناك تطبيقات كثيرة يمكننا الاستفادة منها لو استطعنا تطوير روبوتات أو أنظمة تستطيع قراءة الروائح واستنتاج مسبباتها، فحينها سنحسن من جودة الهواء وجودة الطعام ومذاق الأكل، وأيضًا سنستفيد منها في إيجاد تركيبات عطرية جديدة وجميلة من خلال دراسة ما يمكن أن يختلط معًا من الروائح والكمبيوترات ستقوم بملايين العمليات الكيميائية لتجد لك عطرك المميز الذي يميزك عن غيرك، وستجد لك عطور أجمل من عطور غوتشي وبربري وهوجو، هذه وحدها ستفتح الباب لملايين الدولارات التي تستحق أيضًا أن نتعمق في تجهيز هكذا أنظمة قادرة على الشم وتحليل الروائح.
أيضًا من التطبيقات المهمة دخول هذه الأنظمة في علوم الطب، فهناك أمراض أو عوارض صحية يمكن الكشف عنها عن طريق الروائح؛ فمثلًا إذا كانت رائحة أنفاس شخص ما مثل البرسيم المقطوف حديثًا فقد يكون ذلك علامة على فشل الكبد، وأيضًا رائحة العرق المصحوبة برائحة الريش المتساقط حديثًا يمكن أن يشير إلى حالة الحصبة الألمانية، والأمثلة كثيرة وعديدة وهذا ما كشفته لنا أنوفنا التي أحيانًا لا تستطيع وصف الروائح بدقة كبيرة فما هو قولك لو وجدنا نظام قادر على ربط الروائح بالأمراض بدقة أكبر فحينها ستكون الروائح إحدى أساليب الكشف عن الأمراض أو ربما تبتكر لنا الروبوتات طرق علاج جديدة عن طريق الروائح نفسها.
عزيزي القارئ للأسف الكلام كبير وعميق في هذا الطرح ولكن المساحة ضيقة ولكن فكر بينك وبين نفسك كمية الأشياء التي يمكن أو نوجدها لو استحدثنا نظامًا أو روبوتًا قادرا على تمييز الروائح وفهمها وتشكيلها صدقني حينها سنكتشف علومًا لم نكتشفها بعد.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: حاسة الشم الکشف عن
إقرأ أيضاً: