ذي إيكونوميست : مصر تخشى تداعيات الحرب في غزة عليها
تاريخ النشر: 1st, November 2023 GMT
نشرت مجلة ذي إيكونوميست البريطانية تقريراً حول خشية مصر على استقرارها نتيجة استمرار وتصاعد الحرب في قطاع غزة.
وقالت في تقريرها الذي ترجمته "عربي21" إنه "يراقب الجنود المصريون الحرب في غزة من على الحدود، حيث يتقدم الجيش الإسرائيلي داخل القطاع الساحلي من الشمال والشرق، بينما تواصل الطائرات الحربية والمدفعية الإسرائيلية قصفه.
وجاء فيه أنه "لم تلق الدعوات المصرية لإسرائيل لفتح معبر رفح والسماح بدخول المساعدات الإنسانية آذانًا صاغية حيث صرّح الصليب الأحمر المصري بأن 84 شاحنة فقط محملة بالأدوية والأغذية دخلت غزة منذ بدء القتال. وفي الوقت نفسه، عزّزت مصر المنطقة الحدوديّة بالدبابات والقوات بهدف إبعاد الفلسطينيين".
وتنقل المجلة عن أحمد أبو الغيط، وزير الخارجية المصري السابق والأمين العام لجامعة الدول العربية، في إشارة إلى النزوح الفلسطيني الذي رافق النكبة الفلسطينية سنة 1948: “لن يعاني الفلسطينيون والعرب من نكبة ثانية”.
ومع تصاعد القتال، تواجه مصر - بحسب المجلة - ثلاثة مخاوف رئيسية أولها كيفية إدارة الضغوط المتزايدة لاستيعاب الفلسطينيين. قد يؤدي تدفق اللاجئين من غزة إلى إشعال الصراع في مصر من جديد مع البدو في سيناء وإحياء جماعة الإخوان المسلمين، الإسلاميين السياسيين الذين ظلوا لفترة طويلة أكبر تهديد داخلي لعبد الفتاح السيسي، المشير المصري الذي أصبح رئيسا للنظام.. ويمكن لمخاوف عدم الاستقرار أن تلحق الضرر بالاقتصاد الذي يشهد تحديّات هائلة. هذا بالإضافة إلى شعور المصريين بأن رئيسهم يحوّل بلادهم من دولة ذات ثقل إقليمي إلى مجرد دولة تتخذ موقف المتفرج على ما يحدث لجارتها.
وتضيف المجلة "منذ انسحاب "إسرائيل " من قطاع غزة في سنة 2005، كافحت مصر لرفض جهود جارتها لتحميلها المسؤولية عن القطاع، كما كان الحال في الفترة ما بين 1948 و1967. وعندما فرضت إسرائيل حصارا بعد مغادرة غزة في سنة 2005، حذت مصر حذوها. وعندما حطم الفلسطينيون السياج الحدودي المعدني العالي في سنة 2008 وتدفقوا إلى سيناء، تصدت مصر لهم وسعت إلى تحصين حدودها. ولكن الضغوط الإنسانية الحالية على الحدود تشكل أعظم اختبار لإصرارها على منع معضلة إسرائيل مع غزة من الامتداد إلى مصر.
وترى المجلة أن مصر واجهت تحديًا جديدًا في ظل الحرب في غزة، حيث تشهد اضطرابات في سيناء، المنطقة التي تقع على الحدود مع القطاع. يعيش البدو في مصر بشكل رئيسي في سيناء، وقد تم تهميشهم منذ فترة طويلة من قبل الحكومة المصرية. وقد شنّوا تمردًا استمر عشر سنوات ضد الحكومة المركزية، وارتبطوا لفترة وجيزة بجهاديين من تنظيم الدولة، وقتلوا مئات الجنود، ويزعم المسؤولون المصريّون أنهم تمكّنوا أخيرًا من قمع ثورتهم، لكن البدو بدأوا الاحتجاج مرة أخرى. ويطالبون بتحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية في سيناء، وحماية حقوقهم الثقافية.
مع نفور مصر من الانخراط في المعركة، فإن مكانتها في المنطقة تبدو ضعيفة، فيما تعد قطر الآن الراعي الرئيسي لحماس وغزة ويتهم البعض السيسي بالتحضير لتنفيذ نسخة جديدة من “صفقة القرن”، وهي خطة للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين طرحتها إدارة ترامب تضمنت، حسب بعض المصادر، إعادة توطين بعض الفلسطينيين في سيناء. واليوم، هناك شائعات بأن عملية إعادة التوطين هذه قد تتم مقابل مبلغ كبير من الإعفاء من الديون التي تشتد الحاجة إليها (يتم تداول أرقام تتراوح بين 20 إلى 30 مليار دولار).
يقول رجال الرئيس إن الصفقة فاشلة. وحسب محمد رشاد، الجاسوس المصري السابق: “إنه خط أحمر لا يمكن شراؤه بالمال”. ويصر السيسي على أنه سيقاوم “تصفية القضية الفلسطينية”. لكن البدو يصرون على أن الحقائق الميدانية تكشف واقعا مغايرا. ويقولون إن السيسي حوّل أراضيهم إلى منطقة عسكرية مغلقة، وقام بتطهير حوالي 50 ألف بدوي من منطقة تمتد على بعد 13 كيلومترًا جنوب الحدود، وطوقها بجدران إسمنتية ونقاط تفتيش عسكرية. لقد بنى مدينة بأكملها – رفح الجديدة – لاستيعاب تدفق الفلسطينيين، كما يقول النشطاء البدو، لكنه منع المصريين والبدو من العيش هناك. يقول أحد الناشطين المحليين: “تقوم الحكومة باعتقال أي شخص يحاول العودة لكن للبدو الحق في العودة أيضًا”.
وتضيف المجلّة أن "هناك أيضا أعداء السيسي القدامى، أي الإسلاميين الذين أطاح السيسي برئيسهم المنتخب قبل عقد من الزمان وسجن عشرات الآلاف من أعضائهم، وطارد الكثيرين في الخارج. لكن مصداقية حماس، وهي فرع من جماعة الإخوان المسلمين، ارتفعت في أجزاء من الشرق الأوسط منذ اخترقت دفاعات إسرائيل واجتاحت مدنها. وإذا تدفق فلسطينيو غزة إلى مصر، فإن ما يقلق السيسي هو أن العديد من أعضاء حماس بينهم سوف ينشرون أيديولوجيتهم".
"سبق أن حذر السيسي بالفعل من أن مخيمات اللاجئين الجديدة في سيناء يمكن أن تكون بمثابة قاعدة لهجمات جهادية على إسرائيل. يتوقع المحللون في القاهرة أن تكسب الحركات الجهادية والإسلامية التي تعرضت للقمع منذ فترة طويلة في مصر زخما جديدا، مما سيعيد تنشيط مفاهيم “المقاومة” ضد الظالمين، بمن فيهم السيسي. وحسب أحمد عبوده، المستشار في شؤون مصر في تشاتام هاوس، وهي خلية تفكير تتخذ من لندن مقرا لها: “يمكن لجماعة الإخوان المسلمين أن تستعيد شرعيتها”.
تقترب الحرب في غزة من القاهرة، حيث تتصاعد الاحتجاجات ضد القصف الإسرائيلي للقطاع. كانت الاحتجاجات في المدن العربية أصغر من تلك التي حدثت في الغرب، لكن المصريين بدأوا في القلق من عواقب الاضطرابات واسعة النطاق ، وقد عززت القوات الأمنية تواجدها في الشوارع، لكن ذلك لم يمنع بعض المصريين من التظاهر ضد الحرب. وبعد عقد من الهدوء، أعادت القضية الفلسطينية بعض المصريين إلى شوارع القاهرة، ويخشى المسؤولون المصريون، كما هو الحال في الضفة الغربية والأردن، من أن تتحول احتجاجات الفلسطينيين ضد النظام.
وتروي المجلة انه بعد صلاة الجمعة في مصر يوم 20 تشرين الأول/أكتوبر، تحولت هتافات “فلسطين حرة” إلى صرخات من أجل “رغيف الخبز”. وتجاوز المتظاهرون أعدادًا كبيرة من رجال الشرطة لدخول ميدان التحرير، الذي يعد قلب الثورة المصرية في سنة 2011 واعتُقل العشرات، لكنها مسألة وقت فقط قبل أن تتشكل المزيد من الاحتجاجات.
تضر الاضطرابات الإقليمية أيضًا بالاقتصاد المصري المحاصر. وقد حذر صندوق النقد الدولي من أن الحرب قد تثير قلق المستثمرين الأجانب وخفّض مرة أخرى توقعات النمو في البلاد. كانت السياحة مزدهرة، لكن الحركة الجويّة إلى مصر خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر انخفضت بمقدار الربع مقارنة بالسنة الماضية. وفي السوق السوداء، يواصل الجنيه المصري انحداره مقابل الدولار.
لا يزال البعض يعتقد أن مصر يمكن أن تلعب دورًا حاسمًا في المعركة الحالية.
في الوقت الحالي، يحاول السيسي تهدئة شعبه. ويقول البعض إنه بدأ بالفعل حملته الانتخابية، قبل الانتخابات – التي سيتم تزويرها بالتأكيد – والمزمع عقدها في كانون الأول/ ديسمبر. وفي خطاباته المثيرة أمام قواته المسلحة، وصف الفلسطينيين بأنهم “القضية الأكثر أهمية في منطقتنا”، وحذر من أن الحرب قد تعرض السلام القائم بين مصر وإسرائيل للخطر. لكن إذا اكتفى السيسي بمشاهدة غزو غزة، فإن الحرب قد تؤثر على مكانته كرجل قوي.
يحاول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن يفرض نفسه كقائد قوي، حيث يقارن نفسه بأنور السادات، الزعيم المصري الذي قاد مصر إلى نصر عسكري ضد إسرائيل في حرب أكتوبر 1973. وبمناسبة الذكرى الخمسين للحرب، نظم السيسي عروضا عسكرية في الصحراء.
لكن السيسي أظهر أيضًا أنه لا يريد المخاطرة بعلاقات مصر مع إسرائيل. فقد أوقف إطلاق النار عندما أصيب جنود مصريون في غارة إسرائيلية قرب معبر رفح، ورفض إرسال المساعدات الإنسانية إلى غزة، مفضلًا قبول القيود المشددة التي تفرضها إسرائيل على المعبر. ويبدو أن المسؤولين المصريين لا يرغبون في اتخاذ أي إجراءات من شأنها أن تعرض معاهدة السلام التي وقعتها مصر مع إسرائيل منذ 44 سنة للخطر وما تضمنه من مساعدات عسكرية أمريكية.
ومع نفور مصر من الانخراط في المعركة، فإن مكانتها في المنطقة تبدو ضعيفة. وتعتبر قطر الآن الراعي الرئيسي لحماس وغزة. قادت الإمارة الخليجية الصغيرة المفاوضات بشأن إطلاق سراح الرهائن.
عرّضت الإمارات العربية المتحدة دور مصر للخطر باعتبارها المحاور الرئيسي للعالم العربي مع إسرائيل. وفي الوقت نفسه، فقدت مصر الكثير من ثقلها الدبلوماسي السابق. ولم تسفر قمة “السلام” التي نظمتها في 21 تشرين الأول/ أكتوبر عن أي نتائج تُذكر، بعد رفض المراقبين الغربيين دعوات وقف إطلاق النار.
وتختم المجلة : مصر أمام تحدٍ كبير في ظل الحرب على غزة رغم سيطرة الجيش الإسرائيلي على شمال غزة، الذي أصبح خاليا إلى حد كبير من السكان، يعتقد بعض المحللين أن مصر يمكن أن تلعب دورًا حاسمًا في إنهاء الحرب. ويشير دبلوماسيون غربيون إلى أن الدول العربية، بما في ذلك مصر، قد تتولى المسؤولية عن الأزمة الإنسانية في غزة على المدى المتوسط. ويناقشون أيضًا إمكانية قيام دول الخليج بتمويل مجموعة من وكالات الأمم المتحدة وقوات حفظ السلام بقيادة مصر لملء الفراغ الذي خلفه انهيار حكم حماس، ومع ذلك، يبدو أن مصر ليست مستعدة للتدخل في الحرب، حيث تواجه العديد من المشاكل المحلية
تحب البلاد أن تطلق على نفسها اسم “أم الدنيا”، لكن كما يقول أحد المعلقين السياسيين العرب في القاهرة، “لم تعد مصر كما كانت في السابق”.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية مصر غزة الاستقرار مصر غزة استقرار سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
كيف تبدو خريطة إسرائيل لـاليوم التالي في غزة؟
تعمل الإستراتيجية الإسرائيلية تجاه قطاع غزة ضمن ثلاثة أَسقُفٍ أو مستويات: أعلى، ووسط، وأدنى بحسب إمكانية التحقيق. وفي كل الأحوال، فإن المشترك، على ما يبدو، في الأسقف الثلاثة، أي الحد الأدنى المستهدف، هو أن تكون غزة بلا سلاح، وبلا حماس!!
أما السقف الأعلى فهو مرتبط بمشاريع احتلال قطاع غزة، وتهجير سكانه، وضمه أو ضمّ أجزاء منه، وإعادة تفعيل برامج الاستيطان، وحكمه بشكل مباشر أو غير مباشر.
وهو ما يعني ضمنًا القضاء على حماس، ونزع أسلحتها وأسلحة المقاومة. وثمة الكثير من الحديث حول هذا السقف في أوساط اليمين المتطرف والصهيونية الدينية، وهو مدعوم بغطاء أميركي حيث كرر ترامب الدعوة لتهجير سكان القطاع.
أما السقف الوسط، فيتضمن الإبقاء على نقاط سيطرة في القطاع، والتحكم الظاهر أو غير الظاهر في المعابر، واستباحة أجواء القطاع وإمكانية عمل اقتحامات وضربات محددة، كما يحدث في الضفة الغربية، وحكم غزة بوجود قوات عربية ودولية أو سلطة رام الله، ولكن بمعايير إسرائيلية. مع سحب فكرة التهجير والضم والاستيطان، وتسهيل دخول الاحتياجات الأساسية للقطاع، وبعض من مستلزمات إعادة الإعمار، وبوجود برنامج حثيث لنزع أسلحة المقاومة، وتحييد حماس عن المشهد السياسي ومشهد إدارة القطاع.
إعلانسيسعى الطرف الإسرائيلي لتحقيق ما يمكن تحقيقه في السقفين؛ الأعلى والوسط، وفق ما يوفره الواقع الميداني والمعطيات على الأرض، غير أنه سيستخدم هذين السقفين كأدوات تفاوضية ضاغطة، إذا ما استمرت المقاومة في أدائها، سعيًا للوصول إلى الحد المستهدف، مع إيجاد بيئات ضاغطة دولية وعربية وحتى فلسطينية داخلية (وتحديدًا من سلطة رام الله ومؤيديها)، وربما محاولة المراهنة على اصطناع دائرة احتجاج ضد المقاومة في القطاع نفسه والسعي لتوسيعها؛ بحيث تتضافر حملات سياسية وإعلامية عربية ودولية لإظهار حماس وكأنها هي الطرف المتعنِّت والمُعطِّل للاتفاق، والمتسبِّب بمعاناة القطاع.
كما سيتمُّ تقديم وقف الحرب والانسحاب الإسرائيلي من القطاع، ووقف مشروع التهجير، والفك الجزئي للحصار والسماح لإدارة فلسطينية (بمواصفات سلطة رام الله) باعتبارها "تنازلات" إسرائيلية كبيرة، وبالتالي محاولة "تبليع السكِّين" لحماس، وربط إنهاء الحرب والانسحاب الكامل من القطاع بموافقة حماس والمقاومة على نزع أسلحتها، والخروج من المشهد السياسي والمؤسسي الفلسطيني.
تكمن خطورة هكذا إستراتيجية في السعي لتحقيق الهدف الأساس من الحرب، مع محاولة إظهاره في الوقت نفسه كمطلب عربي ودولي، وإظهاره وكأنه "إنجاز" وطني وقومي للدول العربية المطبّعة الرافضة للتهجير، التي تتقاطع في الوقت نفسه، مع الإسرائيليين والأميركان، في العداء لخط المقاومة ولتيار "الإسلام السياسي". كما تُظهر سلطة رام الله وكأنها بديلٌ يُنهي معاناة الفلسطينيين.
أبرز عناصر الإستراتيجية الإسرائيليةمن خلال القراءة الموضوعية والتحليلية لما صدر عن الجانب الإسرائيلي من تصريحات ومواقف، ومن خلال استقراء سلوك نتنياهو وحكومته وجيشه على الأرض، يمكن استخلاص النقاط التالية، كأبرز عناصر الإستراتيجية الإسرائيلية في التعامل مع قطاع غزة ومستقبله:
إعلان محاولة استعادة الصورة التي فقدها الاحتلال الإسرائيلي، نتيجة الضربة القاسية التي تعرضت لها نظرية الأمن الإسرائيلي في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وفقدان قوة الردع، وتزعزُع ثقة التجمع الاستيطاني الصهيوني بها. محاولة إعادة تسويق الدور الوظيفي للاحتلال، كقلعة متقدمة وعصا غليظة للنفوذ الغربي في المنطقة؛ وكقوة جديرة بالثقة والاعتماد عليها لدى دول التطبيع العربي، خصوصًا في إدارة صراعها مع منافسيها في البيئة الإقليميّة. محاولة إحداث أقسى حالة "كي وعي" لدى الحاضنة الشعبية في قطاع غزة ولدى المقاومة، عبر استخدام القوة الساحقة الباطشة والمجازر البشعة للمدنيين، والتدمير الشامل للبيوت والبنى التحتية والمؤسسات الرسمية والمدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس والمزروعات وآبار المياه.. وغيرها؛ بعيدًا عن أي معايير قانونية أو أخلاقية أو سياسية، لمحاولة ترسيخ "عقدة" عدم تكرار هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول. استغلال بيئة الحرب لفرض تصورات "اليوم التالي" لحكم القطاع، وفق المعايير والضوابط الإسرائيلية. السعي للاستفادة من بيئة الحرب، لتمرير وتسريع مشاريع التهويد والتهجير في الضفة الغربية وقطاع غزة. السعي لتوسيع النظرية الأمنية الإسرائيلية، لتشمل في إطارها الرادع الفعَّال المحيط الإستراتيجي للكيان الصهيوني، لضمان استقرار الكيان وديمومته، حتى بعد إغلاق الملف الفلسطيني، حيث سبق أن كرر نتنياهو هذه الرؤية أكثر من مرة. رفع السقف التفاوضي مع المقاومة إلى مديات عالية جدًا، وإن لم يكن من الممكن تحقيقها، بهدف استخدامها كأدوات ضغط، وتوظيفها في العملية التفاوضية. محاولة تخفيف تأثير قضية الأسرى الصهاينة على الأثمان المدفوعة للمقاومة قدر الإمكان، سواء بمحاولة تحريرهم، أم بإطالة أمد التفاوض عليهم، أم بالتركيز على المنجزات المحتملة من استمرار الحرب، ولو تسبب ذلك بخسارة المزيد من الأسرى. الاستفادة من النفوذ والغطاء الأميركي قدر الإمكان، في البيئة الدولية ومجلس الأمن، وفي البيئة العربية، وفي الدور كوسيط، وفي مجالات الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي والإعلامي. الاستفادة قدر الإمكان من الضعف والخذلان العربي، وتقاطع عدد من الدول العربية مع التوجهات ضد المقاومة وضد "الإسلام السياسي"، وكذلك الاستفادة من عدم فاعلية البيئة الدولية ومؤسساتها وفشلها، لتمرير الأجندة الإسرائيلية. إطالة أمد الحرب ما أمكن، سعيًا لتحقيق أكبر منجز ممكن ضد المقاومة، وكذلك للإبقاء على تماسك الائتلاف المتطرف الحاكم لكيان الاحتلال، وتمرير أجنداته الداخلية، والتّهرب من السقوط وإمكانية المحاسبة. تعمد إخفاء الخسائر الحقيقية للجيش الإسرائيلي، واصطناع أكاذيب عن منجزاته، ومحاولة التعمية عن حالات التهرب الواسعة من الخدمة لدى قوات الاحتياط، والأزمات المرتبطة بالتجنيد وغيرها؛ سعيًا للإبقاء على بيئة داخلية داعمة للحرب. تعمُّد نقض العهود والاتفاقات مع المقاومة، واستخدام ذلك في الابتزاز العسكري والسياسي والاقتصادي، والاستفادة من حالة الإنهاك والمعاناة في القطاع؛ لتشديد الحصار لتحقيق مكاسب إستراتيجية وتفاوضية، خصوصًا على حساب المقاومة. إعلان نزح سلاح المقاومةكثر الحديث في الأيام الماضية عن ربط ترتيبات "اليوم التالي" في القطاع بنزع أسلحة حماس وإخراجها من المشهد السياسي، وتحدث عن ذلك قادة أوروبيون مثل الرئيس الفرنسي ماكرون بالرغم من إظهار حماسته لحل الدولتين والاعتراف بالدولة الفلسطينية.
كما حاول بعض المحسوبين على سلطة رام الله استغلال حالة المعاناة الهائلة للحاضنة الشعبية في القطاع، ومحاولة تنفيس الغضب باتجاه حماس وقوى المقاومة وتحميلها المسؤولية، بدلًا من الاستمرار في تحميل الاحتلال مسؤولية عدوانه وجرائمه.
التصعيد الإسرائيلي بخرق الهدنة، وإحكام الحصار على القطاع، ومنع دخول أي من الاحتياجات الضرورية، تبعها عدوان دموي ومجازر وحشية كان معظم ضحاياها من النساء والأطفال، وأعاد احتلال أجزاء من القطاع، مع إعادة تهجير أعداد كبيرة من أبناء القطاع المنهكين أصلًا والمستنزفين في دمائهم وأموالهم ومساكنهم، ليرفع وتيرة الضغط إلى مديات لا تكاد يحتملها إنسان؛ مع إعادة الحديث عن أجنداته بسقوفها العليا.
غير أن المقاومة عادت لتفاجئ العدو بتفعيل أدائها العسكري المؤثر، ولتقوم بحملة سياسية موازية تؤكد صلابتها في الثوابت، كما تؤكد مرونتها القصوى في ملفات تبادل الأسرى وغيرها، بما يحقن دماء الشعب الفلسطيني، وينهي الحرب، ويضمن الانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع.
سلاح المقاومة خط أحمرأمام هذه الإستراتيجية "الصفرية" لنتنياهو وحكومته المتطرفة، لا تبدو ثمة بوادر حقيقية لإنهاء الحرب والانسحاب الكامل من القطاع وفك الحصار (على الأقل إعادة الوضع على ما كان عليه قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول)، وفتح المجال لإعادة الإعمار، إلا إذا صمدت المقاومة وواصلت استنزاف الجيش والاقتصاد والأمن الإسرائيلي، والدفع لإيجاد بيئات داخلية إسرائيلية أكثر قوة وضغطًا، ورفع الأثمان التي يدفعها الاحتلال إلى مديات لا يستطيع احتمالها.
إعلانوقد قطعت المقاومة شوطًا كبيرًا في ذلك، مع تزايد المأزق الإسرائيلي، خصوصًا بعد استئناف المقاومة عملياتها النوعية، واعتراف رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير بأن الحرب في غزة قد تأخذ شهورًا أو سنوات.
كما أن طبيعة ترامب النَّزقة والمتقلبة والمستعجلة للإنجاز لا توفر لنتنياهو وقتًا مفتوحًا لاستمرار الحرب، يترافق معها حاجة ترامب لتحقيق اختراقات في ملفات التطبيع في المنطقة، وفي الملف النووي مع إيران. كما يترافق ذلك مع بيئة عربية قلقة تحمل بذور التغيير والانفجار، وبيئة دولية تآكل فيها الدعم للكيان إلى حده الأقصى، حتى في محيط حلفائه الأوروبيين.
وليس ثمة ترف خيارات أمام المقاومة في خوض هذه المعركة "الصفرية" التي تستهدف اجتثاث الشعب الفلسطيني وقضيته، وبالتالي تظل المراهنة على المقاومة وسلاحها شرطًا أساسيًا وخطًا أحمر في مواجهة الاحتلال وإفشال مشاريعه.
والتجربة التاريخية طوال أكثر من مائة عام تشهد أن الشعب الفلسطيني تمكن من إفشال عشرات المشاريع التي تستهدفه، وقادر أيضًا، بعون الله، على إسقاط هذه الإستراتيجية وعلى إفشال هذا العدوان.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline