فى الوقت الذى تسعى فيه الدولة إلى لملمة أوضاعها الاقتصادية، وسد الثغرات التى فرضتها الظروف السياسية والاقتصادية والعسكرية، عالميا وإقليميا؛ جراء الحرب الروسية الأوكرانيا والاعتداء الإسرائيلى الغاشم على غزة، وعدم استقرار لبنان وليبيا واليمن وغيرها من المناطق العربية التى تمثل نقاط تماس خطيرة ومهمة مع مصر، نجد أفعالًا وأنماطًا غريبة من سلوك المصريين تجاه مواجهة الأزمة الاقتصادية.
فبينما يعرف القاصى والدانى أزمة الدولار وعدم توفره بشكل كاف، ونقص إمدادات الطاقة والغاز، نجد فئة من المواطنين إن لم يكن الغالبية من الشعب المصرى يتفنون فى صنع الأزمات، بتكالبهم غير المبرر على شراء السلع بحجة الخوف من التعويم ومن الارتفاع المتوقع للاسعار، فيساهمون بطريقة مباشرة فى زيادة الطلب على السلعة ومن ثم رفع سعرها.
حدث ذلك فى كثير من السلع الغذائية، والمحاصيل الاستراتيجية، والصناعات الاساسية مثل السكر والأرز وأخيرا الحديد والاسمنت وغيرها من مستلزمات مواد البناء.
هذا السعار الذى أصاب المصريين لابد أن يتوقف وإلا سنجد أنفسنا نخرج من أزمة فندخل فى الثانية، وكما يقولون «نخرج من حفرة نقع فى دحديرة» وكله من صنع أيدينا، فليس منطقيا على الاطلاق ان يقفز طن الاسمنت مثلا الى الضعف فى يوم وليلة، ففجأة ودون سابق انذار ارتفع من 2000 جنيه إلى 4000 جنيه، وعندما يسأل الناس لماذا هذا الارتفاع المفاجىء والجنونى، يقول التجار قانون التصالح على مخالفات البناء، الذى اوشك على الصدور فى ثوبه الجديد قبل إجراء الانتخابات الرئاسية.
وما علاقة هذه الزيادة الرهيبة التى تصل الى الضعف فى بعض الانواع بقانون التصالح؟ يأتى الرد بأن الناس فى الأرياف وخاصة فى محافظات البحيرة وكفرالشيخ والدقهلية، استغلوا غياب الرقابة وانشغال الجميع بحرب غزة، تماما مثلما حدث فى أعقاب ثورة 25 يناير، واسرعوا فى عمليات البناء ليلا، فسحبوا كل المخزون من التجار، وخلقوا طلبا فظيعا على الاسمنت ومشتقاته، مما اضطر التجار الكبار الجشعين الى اطلاق صبيانهم من الوكلاء والموزعين ورجالهم فى المحافظات الأخرى وخاصة القاهرة والاسكندرية لشراء الأسمنت باسعار مرتفعة من الموزعين الصغار، مما أحدث ارتباكا كبيرا فى سوق الأسمنت.
الخطورة هنا أن ارتفاع اى سلعة مؤثرة يؤدى بالضرورة الى ارتفاع سلع اخرى ترتبط بها، فما إن تحركت اسعار الأسمنت حتى تحركت معها أسعار الجبس والزلط والرمل، وعلى المواطن الدفع وإلا سيتوقف مشروعه، وعلى المقاول أيضا الاستمرار والا اتوقف حاله واتخرب بيته، إذا لم يلتزم فى تسليم المشروع. كما ينعكس ذلك سلبا على أسعار الشقق التى تجاوزت حدود المعقول.
والغريب أن كل هذا يحدث علنا وأمام أعين الأجهزة الرقابية وبعلم كبار المسئولين، دون أن نجد تدخلا رادعا من الدولة ولا من الغرف التجارية ولا من جهاز حماية المستهلك، ولا حتى من الاعلام الحكومى والخاص لتوعية المصريين بخطورة هذا التكالب على شراء أى سلعة.
يجب أن يعلم المصريون أن هذا السعار يضرهم ولا ينفعهم، ويفاقم من حدة ومشاكل الأزمة الاقتصادية التى تمر بها مصر ودول المنطقة الآن، كما يجب ان نكون جميعا على قدر المسئولية والمواجهة، فلا نسمح لتاجر جشع يستغلنا أو لرجل أعمال يطلق زبانيته لخنق السوق وتعطيشه لتحريك أسعار منتجاته.
إن الخوف من بكره لا يعنى أبدا يا مصريين أن نخنق أنفسنا، ثم نجلس جانب الحائط ونضع ايدينا على رؤوسنا ونلعن الحكومة والدنيا والحياة، فلا تساعدوا أعداء الوطن فى الداخل على ضرب اقتصادنا وزيادة أزماتنا، واعلموا أننا إذا لم نحافظ على اقتصادنا ونحميه من تجار الأزمات والحروب، سندفع الثمن غاليا ومضاعفا.
SAMYSABRY19 @GMAIL.COM
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الوقت الظروف السياسية
إقرأ أيضاً:
إفطارهم فى الجنة.. محمد جبر شهيد الواجب الذى لم يرحل
في قلب كرداسة، هناك شوارع لا تزال تحمل صدى ذكريات الشهيد محمد جبر، مأمور القسم الذي دفع حياته ثمناً لأداء واجبه، لم يكن مجرد ضابط شرطة، بل كان رجلاً من لحم ودم، حمل على كاهله أمانة الوطن وراحته، هكذا يصفه كل من عايشه، هكذا تتذكره أسرته، وكأن روحه لا تزال تُرفرف في كل زاوية من هذا المكان الذي شهد آخر لحظاته.
محمد جبر، ذلك الرجل الذي رسم صورة للمثابرة، كان دائمًا ما يردد بين زملائه: "كلنا في خدمة الوطن، وإذا كان هناك من يتوقع أنني سأخاف، فهو لا يعرفني". كان شامخًا، رغم كل التحديات، يتحمل مسؤولياته بكل شجاعة وهدوء، لم يكن يهاب الصعاب، بل كان يقف دائمًا في الصف الأول ليحمي وطنه وأهله، تمامًا كما تعلم في كلية الشرطة، أن أسمى رسالة هي حماية المجتمع بكل ما يملك.
كان يومًا عاديًا، لم تتوقع أسرة الشهيد محمد جبر أنه سيكون آخر يوم في حياة ابنهم، لكن عندما جاء الصباح، جاء معه خبر الفاجعة، استشهد محمد جبر أثناء دفاعه عن مركز شرطة كرداسة، تلك المنطقة التي شهدت تطورات أمنية خطيرة. وعندما انتقل إلى جوار ربه، كانت الدموع في عيون الجميع، ولكن بقيت هناك ابتسامة حزينة على وجهه، ابتسامة تطمئنهم أنه كان قد أتم مهمته على أكمل وجه. "لم يكن يُخشى عليه، فقد كان البطل الذي يعرف كيف يحمي وطنه بروح عالية".
قالت أسرته في تصريحات سابقة لليوم السابع، بصوت يكاد يخبئه الحزن: "كان محمد هو الحلم الذي لم يكتمل، كان أبًا يُحيي الأمل في قلوب أولاده، وكان زوجًا يعكس أسمى معاني الوفاء. والآن، كلما نظرت إلى أبنائنا، أرى فيهما ملامحه وابتسامته التي لا تموت". لا تستطيع أن تمسك دموعها، لكن في قلبها تنبض مشاعر الفخر بما قدمه زوجها من تضحيات.
لا تكاد الذاكرة البصرية تخلو من صورة محمد جبر، التي تملأ غرفته في منزله ،صورة تعكس شجاعة وقوة رجل لا يعرف الخوف، فقد كانت الخدمة في شرطة كرداسة، في تلك الأيام العصيبة، رحلة محفوفة بالمخاطر. "هو في قلوبنا لا يموت"، هكذا يقول محبيه وهم يعانقون صوره، كانت الكلمات تتردد في حديثهم "محمد لم يكن مجرد اسم، بل كان عنوانًا للشجاعة والصدق، ومع كل فجر جديد، نقول له: أنت في القلب دائمًا".
وبينما يمر الوقت وتظل حكايات الأبطال تتوارث من جيل إلى جيل، يبقى الشهيد محمد جبر رمزًا للصمود والشجاعة. لم يكن مجرد ضابط شرطة، بل كان رمزًا للمسؤولية وحب الوطن. يبقى اسمه في قلب كل من يعرفه، وسيظل ضوءًا يضيء سماء كرداسة وكل مصر، يذكرنا بأن العطاء لا يُقاس بمدة، بل بنبل الهدف والشرف الذي خلفه.
في كل زقاق، وفي كل شارع، تحيا ذكرى محمد جبر، وتبقى قصته شاهدة على أن الشهداء لا يموتون، بل يتجددون في قلوبنا، ويتسابقون مع الزمن ليجعلونا نرفع رؤوسنا بكل فخر.
في قلب هذا الوطن الذي لا ينسى أبنائه، يظل شهداء الشرطة رمزًا للتضحية والفداء، ويختصرون في أرواحهم أسمى معاني البذل والإيثار، رغم غيابهم عن أحضان أسرهم في شهر رمضان، يبقى عطاؤهم حاضرًا في قلوب المصريين، فالوطن لا ينسى من بذل روحه في سبيل أمنه واستقراره.
هم الذين أفنوا حياتهم في حماية الشعب، وسطروا بدمائهم صفحات من الشجاعة والإصرار على مواجهة الإرهاب، هم الذين لم يترددوا لحظة في الوقوف أمام كل من يهدد وطنهم، وواجهوا الموت بابتسامة، مع العلم أن حياتهم ليست سوى جزء صغير من معركة أكبر ضد الظلام.
في رمضان، حين يلتف الجميع حول موائد الإفطار في دفء الأسرة، كان شهداء الشرطة يجلسون في مكان أسمى، مكان لا تدركه أعيننا، ولكنه مكان لا يعادل في قيمته كل الدنيا؛ فإفطارهم اليوم سيكون مع النبين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقًا.
مع غيابهم عن المائدة الرمضانية في بيوتهم، يظل الشعب المصري يذكرهم في صلواته ودعواته، تظل أسماؤهم محفورة في ذاكرة الوطن، وتظل أرواحهم تسكن بيننا، تعطينا الأمل والقوة لنستمر في مواجهة التحديات.
إن الشهداء هم الذين حفظوا لنا الأمان في عز الشدائد، وهم الذين سيظلون نجومًا مضيئة في سماء وطننا، فلهم منا الدعاء في كل لحظة، وأن يظل الوطن في حفظ الله وأمانه.
مشاركة