حروب مترو غزة| الجحيم ينتظر جيش الاحتلا.ل تحت الأرض.. أشباح كتائب القسا.م لا تنام
تاريخ النشر: 1st, November 2023 GMT
منذ اليوم الأول لعمليات طوفان الأقصى، وأعلنت القيادة الحاكمة بالكيان الإسرائيلي أن هدفها الذي تسعى إليه هو القضاء نهائيا على حماس، وأجمع كافة المتابعين، أنه لتحقيق هذا الهدف، فإنه يجب على إسرائيل أن تخوض معركة الوحل برمال غزة، وبالأخص معارك مترو غزة، وأنفاق على عمق يصل إلى 20 مترا تحت الأرض، وإن كانت الصواريخ والمدفعية والقصف الجوي يمه الأرض أمام التحرك البري، فإنها أسلحة لن تكون مجدية في حروب تحت الأرض، فكيف يتكون طبيعة تلك المعركة وأسلحتها؟.
ذلك هو السؤال الذي بحثت عنه صحيفة الاندبندنت البريطانية، وتكشف لها عند صياغة رؤية الخبراء، أن جنود الجيش الإسرائيلي ينتظرهم كوابيس مؤلمة داخل تلك المعركة، وأن أشباح كتائب القسام صاحبة السطوة الأكبر داخل تلك الأنفاق، ومن معها من عناصر الفصائل الفلسطينية المسلحة الأخرى، سوف يكونون أصحاب اليد العليا في تلك المعركة كونهم يخوضونها على أرضهم التي صنعوها بأنفسهم، حتى خلصت الصحيفة إلى أنه يمكن أن تطيح أنفاق "حماس" التي تتمدد تحت الأرض بالعملية البرية الإسرائيلية في غزة، وعدم تحقيق أهدافها.
تلك المرة الأهداف متغيرة
كان الهدف من التوغلات القصيرة للجيش الإسرائيلي في عامي 2014 و2009 هو القضاء على مخازن أسلحة سرية لـ "حماس"، وليس "تدمير" الحركة بأكملها، وهو ما صرح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأنه هو الهدف الوحيد هذه المرة، وسيكون هذا تدريباً على حرب المدن من الوزن الثقيل، وبطبيعة الحال، يعرف مقاتلو "حماس" عن طبيعة الميدان في غزة وشعابه أكثر بكثير من الغزاة الإسرائيليين. كما أن لديهم ترسانة من الأسلحة لا يعرف الجنود الإسرائيليون حجمها، بما في ذلك آلاف الطائرات المسيّرة.
وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن "حماس" ستعمل سراً من خلال شبكة معقدة من الأنفاق تحت الأرض تعرف باسم "مترو غزة"، وسوف يستخدمونها لتخزين الأسلحة ومراكز الاتصالات وإخفاء أكثر من 200 رهينة قاموا بأسرهم في الأراضي الإسرائيلية في 7 أكتوبر، وسيستخدمون الأنفاق أيضاً كمحطة انطلاق لكي ينصبوا كمائن للإيقاع بالجنود الإسرائيليين فيما يشق هؤلاء طريقهم بعناية وبطء عبر شوارع غزة.
آخر شهود العيان ... شبكة عنكبوتية
آخر من شاهد تلك الأنفاق من طرف الكيان الإسرائيلي كانت إحدى الأسيرات التي تم الإفراج عنهم، والتي وصفت ما رأته في رحلتها الحربية بقطاع غزة، والعمليات الإسرائيلية واسعة النطاق تهدف لرصد ما وصفته إحدى الأسيرات اللواتي أطلق سراحهن أخيراً بأنه "شبكة عنكبوتية" من الأنفاق، وكانت ولا تزال تمثل أولوية قصوى، وقد حرص هؤلاء الجنود وقادتهم في معرفة كل تفصيلة جمعتها أجهزتها الاستخباراتية، أو ما روته أسيرتهم، أو ما قاله جنود حماس المأسورين في سجون تل أبيب.
ولكن في هذه الأثناء، سيكون الجنود على الأرض عرضة لهجمات مفاجئة من مقاتلي "حماس " الطالعين من تحت الأرض، وقد بدأوا الآن في دخول بعض هذه الأنفاق على أمل أن يتمكنوا من الحؤول دون هجمات كهذه، ووفقا لما تحدث به الخبراء لصحيفة الـ "اندبندنت"، فإن هناك صعوبة التنقل في هذه الأنفاق والمشكلات التي لا تعد ولا تحصى التي تواجه إسرائيل [في سياق محاولتها نسف هذه الأنفاق].
1370 نفقا على عمق يصل لـ20 مترا
أمضت "حماس" أكثر من 15 عاماً في بناء شبكة من الأنفاق تحت أراضي القطاع، تُعرف باسم "مترو غزة" منذ انتخابها للسلطة في القطاع في عام 2006، وتزعم وزارة الخارجية الإسرائيلية أنه ما لا يقل عن 1370 نفقاً شُيد منذ عام 2007، ويتراوح عمقها في الغالب بين 10 و20 متراً تحت الأرض كما يصل ارتفاعها إلى مترين، وهنا يقول كولين بي كلارك، مدير البحوث في "مجموعة صوفان"، وهي شركة استشارات استخباراتية، إن القتال في هذه الأنفاق هو أشبه بـ "سيناريو كابوسي" بالنسبة إلى إسرائيل.
ولفت كلارك إلى "أن الاستعداد للقتال في مثل هذه التضاريس أمر صعب للغاية وسيقتضي [جمع] معلومات استخباراتية واسعة النطاق حول خريطة شبكة الأنفاق، وهي معلومات لا يملكها الإسرائيليون"، وتابع "أن تطهير الأنفاق هو سيناريو كابوسي بالنسبة إلى الجنود الذين يقومون بذلك، وهي عملية بطيئة ومنهجية مثلها مثل حرب المدن التي تجري على الأرض".
طائرات بدون طيار أرضية .. أجهزة ستلجأ إليها إسرائيل
وزاد بي كلارك "من الممكن استخدام إسرائيل لعدد من الأسلحة المختلفة عن أسلحة المرحلة السابقة، ومنها طائرات من دون طيار أرضية متنقلة، وكذلك مركبات أرضية غير مأهولة، وغيرها من الميزات الاستخباراتية لرسم خرائط للأنفاق والتعرف [إلى أمكنة] الفخاخ المتفجرة قبل إرسال الجنود لتطهيرها".
وأضاف: "يمكن أيضاً استخدام بعض الذخائر التي يتم إطلاقها من الجو، ويُشار إليها باسم "خارقة للتحصينات"، غير أن هذا النوع من الذخائر يستخدم بشكل أساسي لاستهداف القيادات الرئيسة ونواة التحكم الرئيسة، كما أن كثافة التضاريس الحضرية في غزة قد تحدّ من الاعتماد عليها بسبب الأضرار الجانبية التي يتوقع أن تنجم عن ذلك".
تلك هي التهديدات المتزامنة المتوقعة
ووفقا لتقرير الصحيفة البريطانية، فإنه سيكون على الجنود الإسرائيليين أن يجتازوا سلسلة من الخطوط الدفاعية التي أقامتها "حماس"، وتشتمل هذه الدفاعات على الألغام ومواقع كمائن و[قواعد إطلاق] قذائف الهاون، طبقاً لمراجعة حديثة أجراها ناداف موراج، وهو مستشار أمني إسرائيلي سابق، وثمة شكوك تنتشر على نطاق واسع بأن المناطق ستكون أيضاً مفخخة، بما في ذلك الأبواب المحملة بالمتفجرات، كما سيتمركز القناصة في أماكن مموهة، لكي يطلقوا النار على الجنود وهم يشقون طريقهم في الشوارع.
"مسيّرات، مسيّرات، مسيّرات" ... وتواجه القوات الإسرائيلية في غزة أيضاً تهديداً من الطائرات من دون طيار، فإن المراقبة التي تقوم بها "حماس" عن طريق المسيّرات ستزيد من احتمالية تعرّض موقع الإسرائيليين للخطر، ومن الممكن أن يدخل الجنود [بالصدفة] في مناطق مزروعة بالألغام، أو يسيروا في منطقة تقع في مرمى القناصين، أو يجدوا أنفسهم فجأة وسط مجموعة من مقاتلي "حماس" الذين يسترشدون بتوجيهات تصلهم عبر البث المباشر من مشغلي الطائرات من دون طيار.
الخطر الجوي سيكون فعالا
وستكون الدبابات وناقلات الجنود المدرعة وكاسحات الألغام الإسرائيلية أيضاً في مرمى الذخائر التي ترميها مسيّرات رباعية المراوح، وقد أظهر مقطع فيديو من 7 أكتوبر أن الطائرات الرباعية المراوح قد استخدمت بشكل ناجح [من قبل حماس] في استهداف دبابة إسرائيلية، ولكن الأمر الأكثر أهمية من كل ما عداه هو أن القوات الإسرائيلية ستضطر إلى البحث بشكل مستمر للتحقق من عدم وجود مسيّرات انتحارية وهي رشيقة وخفيفة الحركة، ونظراً لصغر حجمها وسرعتها، من الصعب إسقاطها، وسيتم نشر هذه الطائرات من دون طيار ذات الاستخدام الواحد، والمحملة بالمتفجرات، لتوجيه ضربات للغزاة على غرار الهجمات الانتحارية.
وقال فيديريكو بورساري، وهو خبير في حرب المسيّرات، لصحيفة "اندبندنت" إن هذا التهديد الجوي يشكّل ضغطاً كبيراً على الجنود، وأضاف "إذا كنت في خطر وتجازف بالتعرض [إلى الاستهداف] بالمسيّرات من الأعلى، فإن الضغط [الذي ترزح تحته] سيكون كبيراً للغاية"، وزاد "سيكون لها [المسيّرات] عواقب مهمة بالنسبة إلى أداء القوات الإسرائيلية."
دخول الأنفاق ليس نهاية المطاف.. تلك مخاطر المرحلة الثانية
وقال الخبراء إن [الغزاة] في المرحلة الثانية من الهجوم الإسرائيلي، التي تبدأ بمجرد السيطرة على مواقع "حماس" الرئيسة، سيحافظون على وجود لهم [سيرابطون] في القطاع، أقله بشكل موقت، وهذا ينطوي على مشكلات جديدة، قد كتب السير توم بيكيت، الفريق المتقاعد من الجيش البريطاني، في مقال لـ "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية" (IISS)، قائلاً إنه "بمجرد أن تتوقف [إسرائيل] عن الهجوم وتبدأ في الاحتلال، فإنها ستفقد زمام المبادرة جراء تحولها إلى قوات متمركزة في مواقع ثابتة".
فهذا يعني أنهم سيواجهون تهديداً متزايداً من المتمردين المختبئين بين المدنيين أو في الأنفاق التي لم تكتشف في المرحلة الأولى من الهجوم، جراء التزامها الهدوء إلى حد كبير [وهي مصدر خطر كامن]، وإلى أن يتم إنقاذ جميع الرهائن وتحييد "حماس"، سيكون من الصعب على القوات الإسرائيلية أن تغادر القطاع إلا إذا أرادت أن تخفق في تحقيق هدفها المعلن المتمثل في تجريد هذه الحركة من القدرة على "إحياء" نفسها [تجديد صفوفها] من جديد.
مهمة أخيرة حتى لا تدعي حماس النصر
وقال ديفيد ماكوفسكي، خبير العلاقات العربية- الإسرائيلية في معهد واشنطن، إن هذا "السقف العالي" الضروري لنجاح إسرائيل يعني أن هناك "سقفاً منخفضاً" أمام "حماس" لادعاء النصر، وفي حديثه مع الصحيفة البريطانية، أوضح أن بإمكانهم [مقاتلي حماس] "الظهور" في أعقاب الهجوم والترويج لنجاتهم على أنها نجاح.
وهذا يسلط الضوء على حاجة إسرائيل إلى القضاء بطريقة أو بأخرى على التهديد الذي تمثله "حماس" قضاءً مبرماً من دون البقاء لوقت طويل في موقف ضعيف داخل القطاع، ويشتمل ذلك على إنجاز المهمة شبه المستحيلة المتمثلة في تطهير الأنفاق.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: القوات الإسرائیلیة الإسرائیلیة فی هذه الأنفاق من دون طیار تحت الأرض المسی رات مترو غزة مسی رات فی غزة رات من
إقرأ أيضاً:
السودان (الجحيم الذي يسمي وطن)!!
عبدالله مكاوي
abdullahaliabdullah1424@gmail.com
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه الدولة السودانية التي ساهمت في صناعتها صدف الجغرافية واطماع الخارج وقدر غير قليل من سوء الحظ، اصبحت كالام التي تتبرأ من مولودها غير المرغوب او نتاج زواج الاكراه. ومن ثمَّ لم تقدم لشعوبها الطيبة المنكودة إلا بئس العيش ومشقة الحياة وتردي الاحوال يوما بعد يوم، رغم ما تزخر به من موارد مهولة (كحال مسعود في حفنة تمر للطيب صالح).
اما مصدر المأساة فقد تجسد في استيلاء كيانات مسلحة علي السلطة بالقوة العسكرية. وعلي تعدد شعاراتها ودعاواها ومبرراتها، إلا انها تتفق جميعا في خدمة مصالحها الحقيقية او المتوهمة (العقائدية)، اعتمادا علي آليات الاستبداد والارهاب والفساد. اي توظيف العنف لاحتكار الامتيازات وفرض وصاية قهرية علي بقية مكونات الشعب المقموعة والمحرومة من كافة حقوقها، وهذا ناهيك عن التحكم في مصير البلاد وخيارات العباد بطريقة اقل ما يقال انها تحكمية اعتباطية (مصدرها فرد معتوه مستبد).
والحال كذلك منذ قيام الدولة (بالجبرية) تم التحكم فيها وادارتها بذات (الجبرية)، اي عبر منطق مصالح القوة وقوة المصالح. هذا ما جعلها ممتنعة عن رعاية المصلحة العامة، لعدم قدرة العامة علي امتلاك دولتهم. وعليه اصبح المواطن الاعزل مطرود من رحمة الدولة (خدماتها)، وهذا عندما لا تتسلط عليه بنيران اسلحتها ومعتقلاتها واذلالها وجباياتها.
من يصدق ان هنالك شعب وجد ليكتوي بنير هذه العلاقة الجائرة (الاسترقاق والسخرة للحكام الطغاة)، بل ويُجبر علي تجرع مرها صامتا، واحيانا متهللا مستبشرا تحت تاثير شعارات الزيف والضلال (هي لله للوطن للاخوة للانسانية للعدالة للحرية..الخ). وذلك علي امتداد تاريخ الدولة منذ بزوغها بشكلها الراهن في الثلث الاول من القرن التاسع عشر. ولو كان هنالك استثناء فهو للاجانب الذين حكموها (اتراك وانجليز) لوعيهم بدور السلطة ووظيفة الدولة. اي بغض النظر عن مآربهم إلا ان ما يحكمهم العقلانية والمعرفة بالكيفية التي بها يحكمون ويضعون مخططاتهم وينفذون مشاريعهم ويحققون اغراضهم. اما سمة الحكومات المسمي وطنية وفرضت نفسها عسكريا، فغير ذهولها عن الواقع وكذلك العصر واحواله واحتياجاته، إلا انها تمتلك قدر غير يسير من الجهل والغرور المفضيان للعنجهية الفارغة والانشغال بشعارات هلامية، وكذلك لامبالاة واستهتار وعناد وبلادة، تمخض عنها نوعية من السلطات المتسلطة علي رقاب الوطن والمواطنين. لم يجنِ كلاهما منها غير القسوة والمحنة والفشل والدمار.
فمنذ استيلاء المهديين الكذبة علي الحكم عبر القوة المسلحة وطوفان من الدماء، لم يتورعوا عن الولوغ في دماء الشعب وإذلاله وتجويعه وافقاره، وبكيفية طغيان كاركاتوري اثارة سخرية العالم حينها، ومن نوعية اهتمامات حكامهم وطموحاتهم (وياء لسوء حظ الملكة فكتوريا التي اضاعت فرصة الزيجة الطاهرة، وتاليا ضاع علي الانجليز وراثة التشرذم والحروب الاهلية والمعارك العدمية واحتمال استعادة الامبراطوية لامجادها بالسيطرة علي العالم بسيف الخليفة ود وتورشين او محايته وتعاويذه!!).
من يصدق ان شرذمة من الدجالين (المهدي وودتورشين والترابي) يرومون حكم العالم من خرابتهم المسمي دول! وبنموذجهم السلطوي الموغل في التخلف والعنف! وشعبهم يكدح ليل نهار من اجل لقمة العيش من غير طائل! والسؤال والحال كذلك ما هي العلاقة بين هذه الانظمة العقائدية الحربية الرجعية والطموحات الجنونية والمفارقة، للسيطرة علي العالم؟ اما عندما تتحول هذه الهذيانات الي برامج عمل، فعندها تدفع الشعوب ودولها الثمن غاليا! وعن هذا فأسال شعبنا الجائع البائس ووطنا الفاشل الطارد، بعد ان تحولنا لاعجاز نخل خاوية في بلاد كالعصف المأكول. وطالما وُجدنا في دولة علي هذه الدرجة من الهملة، وفي عُهدة سلطات علي هذه الدرجة من الاستهانة بشعبها، لماذا لا ياتي مغامر مجرم جاهل مثل حميدتي ليجرب حظه (اين انتي ايتها الزلابية حتي تهوني علينا بعد ان غطس حجرنا العسكر والكيزان والجنجويد)؟!
وهكذا استمر الحال، وبدل ان يتحول الاستقلال الي نعمة تفيض خير علي الامة، تحول علي يد العسكر الي نقمة غطت بمحنتها كامل ارجاء الوطن. وحتي عندما تاتي ثورة بوعود تغيير الاحوال بعد تضحيات جسام، يجهضها العسكر بانقلاب غادر اكثر بؤسا وتدميرا! ويشجعهم علي ذلك اهدار الطبقة السياسية للفرصة تلو الفرصة، وهي منشغلة بصراعات السلطة عوض الانكباب علي بناء الدولة ومصالحتها مع شعبها الممكون حرقة واسي. وهذه الدائرة الشريرة لم تفعل اكثر من احتجازنا في مرحلة الطفولة السياسية، بل وحالة شلل الاطفال التي لا شفاء منها إلا باعجوبة. وهو ما يحتاج لتسليم هذه البلاد للامم المتحدة لتديرها لمدة مائة عام او ثلاثة اجيال مع التعليم والتدريب والتكرار الممل ثم التكرار الممل، لترسيخ ثقافة اصول الحكم الناضج وكيفية تداول السلطة وادارة الدولة، وهذا اذا ما كنا محظوظين وتبقت لنا دولة بعد هذه الحر ب الوحشية، او وافقت الامم المتحدة علي تحمل عبء يحاكي تحويل النيل عكس مجراه.
وبصورة عامة يبدو اننا ضحايا سيطرة الايدولوجيات العقائدية وسرديات المظلومية ووعي الثورة علي السياسيين والنشطاء والثوار، بدل ان يسيطروا هم عليها، ويحولوها لادوات نفعية تخدم قضايا المواطن والوطن. وهذا بدوره يبدو انه افرز ثقافة الخلاص التي تستسهل الحلول وتستهين بالتحديات وتستغرقها الآمال العراض وارتفاع سقف التوقعات. وهي تجهل ان العمل المثابر وفق قوانين الواقع، ومراعاة مرحلة التطور التاريخية وواقعية الاهداف وانجازها بتمهل ودون مصادمة للعقبات، فيه المنجاة علي المدي البعيد. وهذا بالطبع دون التذكير بالاستفادة من التجارب وتغيير التكتيكات والاستراتيجيات بما يناسب كل مرحلة. اي ليس ليس هنالك وسيلة او اسلوب واحد لحل كافة المشاكل وفي كل الاوقات ولكافة المجتمعات سواء كان الثورة او غيرها. اي لا قداسة لوسيلة مهما كان نبلها ونبل دعاتها. وتجاربنا دون غيرنا لهي كافية ووافية، إلا اذا فضلنا الانتحار، وللاسف هو نفسه لن يغير من الامر شيئا. وهذا حتي لا تتحول وسائل العلاج لواحدة من اسباب الشقاء والخراب والموت التي لا تنقص شعبنا التعيس.
والحال ان واحدة من آثار ثقافة الخلاص التي اوردتنا المهالك هي حرف الصراع عن وجهته الحقيقية نحو حقيقة مشتهاة (الاستفراد بالسلطة). والمقصود تحكم العسكر بالسلطة طوال مراحل تطور الدولة، هو انعكاس لعكسرة السلطة تاريخيا وليس دمقرطتها، اي طالما هنالك سلطة في الدولة فهي معسكرة حتما. اي وعي السلطة هو وعي القوة والتحكم والسيطرة، اكثر منه وعي المشاركة والمسؤولية والمبالاة تجاه المحكومين. ولذلك مهما حاولت الثورات الانفلات من هذا القانون الحاكم تم ردها بعنف لحقيقته. ومؤكد هذه السيطرة تولَّدت عنها مصالح وتصورات متضخمة عن رؤية المؤسسة العسكرية لدورها في الدولة (نزعة الوصاية). اي تحولت الدولة الي جهاز ملحق بالجيش، لتصبح دولة الجيش عوض عن جيش الدولة.
وهذه المعضلة ظلت الثورات علي الدوام تتغاضي عنها، وتتوهم بمجرد ازاحة قائد الجيش واركان النظام الداعم لسلطته، ان الامر انتهي والديمقراطية نهضت علي سوقها لتسر الناظرين! لتفاجأ صبيحة الانقلاب ان الامر اكثر تعقيد، وان حركة السلطة رجعت لمركز ثقلها (الجيش). والمفارقة رغم اعتراف الثورات ضمنيا بقدرات ودور الجيش في السلطة باللجوء اليه لانتزاعها من قائده ونظامه، إلا انها تأنف عن اشراكه في السلطة حتي لا يتلوث مظهر الديمقراطية الطاهر، وهي تتجاهل قدرته علي استلام السلطة بكاملها انَّ اراد! بمعني الجيش نفسه لم يتشبع بقيم الديمقراطية، بل هو آخر من يتشبع بها طالما تمس جوهر مصالحه الخاصة. وهذه المعضلة، يحتاج حلها لفتح حوار معمق مع الجيش والوصول معه لتفاهمات، تحافظ علي استقرار الدولة من جهة وتسمح ببناء النموذج الديمقراطي المتدرج من جهة، وهذا ما فشلت فيه الطبقة السياسية ولم يساعدها فيه الجيش.
وما زاد الطين بلة ليس افتقار الجيش للمشروعية والمهارة للتعاطي مع السلطة والدولة وما يستتبع ذلك من خلط الحابل بالنابل فحسب، وانما خضوع الجيش نفسه لقائد انقلابي لا يصدف انه من اقل الضباط انضباطا وكفاءةً واكثرهم نزقا وتهورا. ومن ثمَّ ارتهان مصير البلاد وشعبها لهوي شخص موتور لا يطول به المكوث في السلطة حتي ينتابه جنون الارتياب وتغشاه غاشية جنون العظمة، ليدفع بالبلاد واهلها الي اهوال لا قبل لهما بها. بل كل ما توغل في مصيبة يعالجها بمصيبة اكبر منها حتي يتم هلاكه بعد ان اهلك ما لا يمكن حصره من الانفس البريئة، وخرب ما لا يمكن اصلاحه إلا اذا ما توافر صبر ايوب وعمر نوح واموال قارون كما يقولون.
وفي الجانب الآخر، تستطيب كثير من القوي السياسية التحالف مع العسكر لجني المكاسب الآنية، ولو كان ثمنها تبجيل ومدح العسكر والخضوع لارادتهم وتمرير جهلهم ومباركة غطرستهم. ورغما عن ذلك عاجلا او آجلا ينتهي شهر العسل بينهما، اما بطرد القوي السياسية المتحالفة او تدجينها بصورة مذلة لتصبح تحت طوع وبنان العسكر المالك لكل شئ، أي ترتضي ان تصبح مجرد ديكور لتزيين عرش الجنرال العظيم. اما من يدفع ثمن تسلط العسكر وعجز الطبقة السياسية او العاب النار الصبيانية هذه، فهو المواطن المغلوب علي امره، والذي يحرم من ابسط حقوقه في الطعام والعلاج والتعليم وهذا اذا ما كان محظوظا، اما اذا لازمه سوء الحظ وهو الامر المعتاد، فسيكون اما وقود او ضحية لحرب عبثية، كتب لها الا تتوقف في هذه البلاد الملعونة.
المهم صراع السلطة كان محسوما دوما لصالح العسكر، الذين حولوا امتياز السلاح لامتياز شامل يحتكر الدولة ويستعبد اهلها، وهو ما قاد كما سلف لحالة من عدم الاستقرار السياسي والحروب الاهلية المتطاولة، والتي نجم عنها مغادرة الجنوب مغاضبا، ليعقبه اشتعال دارفور، بعد الاندفاع لمعالجة قضاياها عسكريا، ويؤدي سوء التعامل معها الي اشتعال كامل البلاد في آخر المطاف، ولكن هذه المرة من خلال حرب مدمرة طاولت كل البلاد ولم تبقِ ولم تذر شيئا باقٍ علي شئ، وكأنها من شدة وحشيتها وتدميرها خلاصة كل الحروب التي شهدتها البلاد علي طول تاريخها الحديث (وهوما يذكر باختلاف الاطفال علي اللعبة، فتدفع الثمن الكرة المسكينة).
المهم، بعد ان فهم الترابي بذكاءه الاجرامي اصول اللعبة، حدث تحول في طبيعة السلطة. أي نوع من التحالف الوثيق الصلة بين الجبهة الاسلاموية والجيش عبر آصرة المصالح والمصاهرة والايديولوجيا. وهذا التحالف الشيطاني تولد عنه نموذج من السلطة الارهابية المتغولة علي كل فضاء الدولة، وبما في ذلك الانشطة الاجتماعية البعيدة كل البعد عن السياسة ككرة القدم والفنون والجمعيات الاهلية، وذلك عبر فرية اسلمة الحياة، والمقصود التحكم في سكنات وحركات كل البشر علي الارض السودانية. وهذا التغلغل الشامل في كل مفاصل الحياة ليس المقصود منه خدمة المؤمنين، بقدر ما يقصد منه الاحتراز من تصديهم او تمردهم علي النظام. أي شئ من المرواحة بين التدجين والزجر، وهو ما دعا دكتور حيدر لوصفها بالحيونة. ولكن ما حدث فعليا ليس قمع الاحتياجات الحضارية لو جاز التعبير (النمو الروحي والانساني وترقية الحس الجمالي..الخ) ولكن للاسف الحرمان من اهم ضروريات الحياة. أي حالة ما قبل الحيونة نفسها، من خلال القتال الضاري علي الفتات، والتعايش مع بيئة فساد تأنفها الحيوانات نفسها. ليقدم الاسلامويون اسوأ نموذج للحكم مر علي تاريخ السودان الحديث، خاصة علي مستوي القهر والاذلال والحرمان، ولتتحقق نبوءة الشهيد محمود في اذاقتهم للشعب الامرين دون ان يطرف لهم جفن، بل بصفاقة وجلافة تحير الحليم.
والاسوأ من ذلك، هو حرصهم المرضي علي بقاء النظام باي ثمن! وكأن الغاية من السلطة هي الحكم والتحكم، أي خليط من اشباع لذة السيطرة ونزعة الانتقام، مما يثبت انحدار مرجعيتهم التربوية والقيمية وتواضع منابتهم الاجتماعية. وطبيعي مع افلاس النظام علي كافة المستويات تزداد هواجس بقائه، وبدل مراجعة الاخطاء ومعالجة جذور الاخفاق. يدفعهم الهاجس الامني والتركيبة الحربية والانكار للحقائق، لزيادة الانفاق علي حماية النظام. ولكن مع حدوث تصدعات في تماسك بنية النظام الصلبة (اجهزة الحماية). تعرضت البلاد لاكبر محنة تهدد امنها القومي، خاصة بعد ان حدث نوع من التنافس المكتوم، ما بين حرص البشيرعلي البقاء في منصبه، وتطلع مدير جهاز الامن لوراثة عرشه. وليصب كل ذلك في مصلحة متربص آخر من خارج صندوق الاسلامويين هذه المرة (قائد الجنجويد). الذي تم احضاره ورعايته وتقويته (اعلافه وتسمينه) ليخدم قادة الاجنحة المتصارعة، وعلي راسها البشير الذي يود البقاء في منصبه. وعندما اندلعت الثورة اتت الفرصة للخلاص من البشير، وليلعب توازن القوي لصالح حميدتي بعد تآمره مع البرهان علي التخلص ليس من البشير فحسب، ولكن من قوش وكبار ضباط الجيش الكيزان. اما نتيجة التآمر والتآمر المضاد، خاصة بعد دخول الايادي الخارجية علي الخط، فهي فقدان السيطرة والدخول في هذه المعمعة الكارثية.
وما يهم منذ صعود نجم جهاز الامن، ثم اعقب ذلك صعود نجم مليشيا الجنجويد علي حساب ادوار وامكانات الجيش، دخلت اللعبة المنطقة الحرام او منطقة الخطر. لانه لاول مرة يجد الجيش من ينازعه سطوته بقوة السلاح. اما الطامة الكبري لهذا التحول الوجودي هذه المرة وليس السلطوي فحسب، ان الكارثة تستهدف بقاء الدولة ذاتها، قبل ان تستسهل قتل المواطن واقتلاعه من جذوره وتجريده من كافة ممتلكاته.
وبما ان الصراع في اصله يتغيَّا المحافظة علي السلطة التاريخية وامتيازاتها المحتكرة للجيش ومن يتحالف معه سياسيا، والتي تحاول مليشيا الجنجويد ازاحة الجيش والحلول محله، ولكن هذه المرة برافعة خارجية بما يشبه الاحتلال، وبسلوكيات همجية ارتدت بنا لحروب القرون الوسطي! إلا ان الحرب تجاهلت ببرود غريب ما يتعرض له المواطنون من انتهاكات فظيعة وما تتعرض له البنية التحتية من دمار رهيب وكأن اطراف الحرب مصرون علي تحويل البلاد الي خرابة غير قابلة للحياة.
وهذا السلوك المستهين بحياة المواطنين ومصير البلاد، لا يمكن فصم عراه عن الفصل الحاسم بين السلطة المتألهة والمواطن المخلوق من الروث! أي المواطن مخلوق ليكون تحت رحمة وفي خدمة السلطة. وهكذا سلطة مطلقة لها الحق والقدرة علي فعل كل شئ وباي كيفية، تعبر قبل كل شئ عن مزاج وهوي وشذوذ وانحراف ومصالح من يتحكم بها، أي مجرد عسكري نفر، وهذا بالضبط مصدر التاله! ولكن ان تكون آلهتنا من صنف ود التعايشي والنميري والبشير والبرهان وحميدتي، أي اجتماع الجهل والغرور مع اللامبالة والاستهتار والقسوة والبرود، فطبيعي ان يُحكم علينا بالشقاء والعذاب السرمدي وعلي دولتنا بالخراب المستعجل.
وما يهم، وبعد ان التف اغلب الشعب حول الجيش بعد ان استباحته المليشيا بفظائعها وارتزاقها. كان المأمول ان يرد الجيش التحية بأفضل منها. باجراء مراجعة جذرية لتاريخه ومسيرته وعلي راسها علاقته بشعبه. اقلاه من باب المصلحة المشتركة في التخلص من المليشيا الهمجية. ولكن ان تمارس القوات المتحالفة معه ذات فظائع المليشيا الهمجية، وبذات الطريقة الاستعراضية المقززة. فكيف يكون المخرج والي اين المفر بالنسبة للمواطن الاعزل الذي وقع ضحية تقصير الجيش عن حمايته؟ والاهم ما قيمة القوانين والاعراف والشرائع السماوية التي يتبجحون بها؟! وصحيح ان المليشيا الهمجية ومنذ ظهورها في الساحة بعد اعدادها لاداء الادوار القذرة، استدخلت ثقافة جديدة لم تعهدها الحروب الاهلية السابقة (السلب والنهب والتخريب الممنهج، والاغتصاب والسبي واحتلال البيوت والقتل الاستعراضي والتمثيل بالضحايا ودفنهم احياء)، مهدت الارضية لردات فعل من ذات النوعية. إلا ان الاشكال يكمن في ان جرائم المليشيا جزء من تكوينها وتركيبة المنتمين اليها كمنبتي الجذور (لا تقيدهم قوانين او اعراف مجتمعية). ولكن ما بال اقوام يفترض ان لهم مكتسبات اجتماعية بل ويزايدون علي الآخرين بالمكتسبات الدينية والوطنية لم تعصمهم من الذهاب الي هذا المنحدر المرعب؟ أهي رواسب الوحشية الكامنة في النفوس من بقايا عصر الهمجية؟ ام ان الغضب من فظائع الجنجويد يعمي البصر والبصيرة ويحولهم الي ثيران في مستودع الخزف، لا يميزون بين مجرم وبرئ، او الفارق بين احترام القانون والشرائع والهمبتة؟ اما ما يبدو مثبت من هذه الوقائع، ان هذه واحدة من كوارث الحرب التي لا تجري تغييرات مدمرة علي احوال البلاد، ولكن قبل ذلك علي نفوس العباد. لتنتج كائنات مشوهة هي نفسها تستغرب تصرفاتها، وكأنها تلبستها روح شيطانية؟ لكل ذلك دون ذهاب الطبقة الحربية من المشهد، سنظل في سعة من العذاب وطريق مفروش الي الجحيم.
وبعد الفظائع التي أُرتكبت بعد دخول الجيش مدني، والتي ردت عليها المليشيا العدمية باستهداف البنية التحتية من سدود ومحطات كهرباء، يبدو ان الحرب دخلت منعطف خطير، يرفع من حجم الخسائر ويزيد المعاناة التي يكابدها المدنيون الي ما لا يمكن احتماله او تخيله. أي بدل ان يتعظ المتحاربون والمخربون من تجربة الحرب المدمرة في الفترة الماضية، ازداد جنون الحرب وتفاقمت كلفتها الي المدي الذي ينذر بتحول البلاد لاكبر منطقة كوارث يشهدها العالم.
وعموما لا يبدو ان هنالك عذاب يكابده هذه الشعب الشقي، يفوق عذاب غموض اهداف هذه الحرب القذرة! والدليل لماذا سُلمت ولاية الجزيرة ولاي اهداف؟ وهل الثمن المدفوع يبرر هذه الاهداف؟ وذلك قبل الحديث عن كلفة تحريرها؟! وما قيل في ولاية الجزيرة هو عينة من ممارسات غير مفهومة رافقت هذه الحرب، لدرجة يمكن ان توصف بانها حرب الكمائن من كثرتها، وجلها لصالح المليشيا! وهذا التساؤل يمتد للفترة لما قبل الحرب، أي منذ اليوم الذي سمح فيه للمليشيا ببناء قدرات موازية للجيش، واحتلال المناطق الحيوية في العاصمة، وتكوين صلات خارجية مستقلة، وكل ذلك برعاية قادة الجيش وصمت المؤسسة العسكرية؟!!
واخيرا
وطالما الجيش وصي علي البلاد منذ تاسيسها، فهو مسؤول مسؤولية كاملة عما اصابها من خراب وما تعرض له المواطنون من عذاب، حتي وصلنا مرحلة هذه الحرب المهلكة، التي تستهدف وجود الدولة وتجريد المواطنين من كافة حقوقهم او لكي تصبح مجرد منجم للامارات او حديقة خلفية لمصر، اما البقية فهي اشياء غير ضرورية.
ودون اعتراف الجيش بالمسؤولية وتحرره من عبء الوصاية المصطنع، وغير المؤهل له اصلا، وتسليم البلاد لاهلها، وعلي راسها الاستجابة لرؤية الطبقة السياسية والمجتمع المدني والادارات الاهلية وكل الشرائح المجتمعية، سواء في امر هذه الحرب او ما يترتب عليها في المرحلة القادمة. فسنظل في نفس المسار السابق أي مسار الحروب والدمار الشامل، وتحميل المواطنين عبء كل هذه الكوارث. اما الكيفية فهي محكومة بصدق النوايا وقوة الارادة ومراعاة المصلحة العامة، وكل ذلك يبدأ كما سلف بذهاب هذه الطبقة العسكرية وقادة الطبقة السياسية غير ماسوف عليهم. ودمتم في رعاية الله.