الأمر باختصار أننا كعرب، نعيش واقعا مأزوما، بدا على أوضح ما يكون فى الحرب على غزة، وبقدر نصرة الغرب لإسرائيل التى ليست من بنى جلدته، بقدر خذلان العرب للفلسطينيين الذين هم أشقاؤنا.
ولكن لأن طوفان الأقصى تضمن جانبا من العمليات التى تتجاوز الطبيعى من الأمور باشتمالها على أعمال ضد مدنيين -وهذه حقيقة لا مفر منها- فقد صعد بعض العرب لغة الإدانة لحد وصف تلك الأعمال بأنها وحشية، قد يبدو لك الأمر كمواطن عربى غريبا ولكن لو راجعت المعاهدات الموقعة بين الطرف العربى الذى يدين وبين اسرائيل لالتمست له العذر؛ لأن تلك الاتفاقيات تلزم بمساندة كل طرف للآخر فى حالة وقوع اعتداء على الثانى.
بعيدا عن الأوهام وعن المبالغات فربما كان توصيف المفكر الكبير الدكتور مصطفى الفقى للموقف العربى أدق ما يكون. صحيح أن دبلوماسية الفقى تسىء فى كثير من الأحيان الى حقيقة مواقفه، حيث ينتقى كلماته بكل دقة لكن الرجل فى حوار مع «بى بى سى» منذ أيام راح يعرب عن قناعته بأن العرب يتخذون مواقف مختلفة تجاه تطورات الحرب على غزة، وأنه ليس هناك موقف عربى واحد تجاه الصراع وإنما على حد وصفه هناك ألوان مختلفة من المواقف، فهناك الأحمر القانى، والأحمر الفاتح، والأحمر الخفيف، بل لم يتوانَ الفقى عن الإشارة الى أن كل طرف عربى يرفع شعار الثوابت ويشارك بحد أدنى فى محاولة لغسل اليدين مما يجرى دون أن يكون هناك تصميم حقيقى للضغط على إسرائيل حتى فى قضية التطبيع.
اذا لم تقتنع لك أن تصدق أو لا تصدق، أن دولة عربية اختفى من صحيفتها الرسمية الرئيسية أى مقالات رأى عن الحرب على غزة. تخيل! موضوعات الدنيا كلها مسموح بها بدءا من تغير المناخ الى الحرب فى أوكرانيا الى الصراع على النظام الدولى.. أى موضوع تتصوره سوف تجده موجودا باستثناء الحرب على غزة. هل يعبر ذلك عن موقف؟ الإجابة متروكة لك. ليس ذلك فقط بل إن مراكز الأبحاث والدراسات السياسية والإستراتيجية وغيرها من التوصيفات الكبرى لتلك المراكز هناك -وهى موجودة وأكثر من الهم على القلب للأسف- لم تقدم ولو تحليلا واحدا لما يجري! يا خسارة!
الأكثر مدعاة للحزن ما بدأ يتم الترويج له فى الغرب على لسان السفير الأمريكى الأسبق دينس روس، من حالة من التماهى بين بعض العرب وإسرائيل على خلفية الطابع الإسلامى لحركة حماس، وأن انتصارها قد يكون له تداعيات سلبية فى المنطقة ككل وليس فقط على مستوى الوضع فى غزة أو العلاقات مع إسرائيل، وهو ما انعكس فى حالة لا يمانع معها بعض العرب -والعهدة على روس- من العمل على تدمير حماس! هل نعيش نسخة جديدة من مرحلة دول الطوائف؟ نعم.. ولكن نسخة أكثر رداءة!..
اللهم انصر اخواننا فى فلسطين.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: تأملات طوفان الأقصى إسرائيل الحرب على غزة
إقرأ أيضاً:
4 ساعات لا يجب أن تنشغل عنهم
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الجمهورية السابق إننا في عصر قد تغيَّر عن العصور السابقة في برنامج حياة الإنسان، وأصبح أكثرَ تعقدًا وسرعة وتطورًا، وقد يكون في بعض جوانبه أكثر تدهورًا، ولابدَّ للمؤمن الفَطِنِ أن يكون مدركًا لشأنه، عالمًا بزمانه.
العاقل لا يشتغل عن أربع ساعاتوتابع جمعة أنه قد وردَ ذلك المعنى في الآثار النبوية؛ فعن وهب بن مُنَبِّهٍ من حكمة آل داود: «على العاقل أن لا يشتغل عن أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربَّه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يفضي فيها إلى إخوانه الذين يصدقونه عيوبه وينصحونه في نفسه، وساعة يخلو فيها بين نفسه وبين لذتها مما يحل ويَجْمُلُ، فإنَّ هذه الساعة عون لهذه الساعات، واستجمام للقلوب وفضل وبُلْغَةٌ. وعلى العاقل أن لا يكون ظاعنًًا إلا في إحدى ثلاث: تزود لمعاد، أو مرمة لمعاش، أو لذة في غير محرم، وعلى العاقل أن يكون: عالمًا بزمانه، ممسكًًًا للسانه، مقبلا على شانه».
إدراك الواقعوأضاف جمعة: وكثيرًا ما نذكر في كلامنا عبارة «إدراك الواقع» فما هو هذا الواقع؟ وما مكوناته؟ وكيف نتعامل معه في جزئياته وكلياته؟ وما القواعد التي يمكن للمسلم بعامة، وللفقيه بخاصة أن يحفظها وأن يستخدمها في هذا الإدراك؟
نظرة شاملة على الواقعوأشار جمعة إلى أنه عند ذكر ذلك في نظرة شاملة على الواقع، وعلى سمات العصر، وتناول ذلك الواقع بالاقتراح والتعامل والاستفادة من جوانب الخير، ومحاولة البعد عن الشر، ومحاولة الحفاظ على الهوية في عالم متلاطم الأمواج سمي بـ «عالم ماك» وهو المقطع الأول من كلمات كثيرة شاعت في ثقافة العصر مثل: (ماكدونالد، وماكنتوش، ماكروييف) والتي ترمز للتطور والتغيير في الطعام، والتقنية، والاتصالات.
العوالم الأربعةالواقع كما حلله مالك بن نبي يتكون من عوالم أربعة: "عالم الأشياء، وعالم الأشخاص، وعالم الأحداث، وعالم الأفكار"، ولكل عالم من هذه العوالم مكوناته، ولكل منها أسلوب أمثل للتعامل، ومنهج مختلف للفهم.
فعالَمُ الأشياء له واقعٌ مدرَكٌ بالحسِّ المعتاد، وله حقيقةٌ يدركها الإنسان بالمجهر