للفنان الشهير الراحل حسن عثمان (١٩٢٩_ ٢٠١٤) مقولة ساخرة كان يرددها كثيرا وهى: اصدقائى من الحجر أكثر اخلاصًا من البشر..
أتذكر هذه الكلمات وأنا أتجول فى معرضه الشامل بقاعة أحمد صبرى بمركز الجزيرة للفنون؛ المعرض يضم أهم أعماله النحتية على مدى ستين عاما تمكن خلالها من أن يكون أحد أميز فنانى النحت على مستوى مصر والعالم العربى.
حسن عثمان تخرج فى كلية الفنون الجميلة قسم الزخرفة عام ١٩٥٢ والتحق بمراسم الأقصر تحت إشراف المهندس المعمارى العالمى حسن فتحى. عام ١٩٥٤ وبعد ست سنوات صار عضوا فى الاتحاد الدولى لنقاد الفن بباريس المعروف بـ(الايكا).
يمكنك بسهولة أن تلمح وجوها فرعونية تمتزج بالملامح القبطية والملامح الإسلامية فى تضافر فريد يصعب تحقيقه مع فنان آخر؛ فهو لا ينطق الحجر بل يتتبع فقرات نموه كأنه كائن حى يولد بين يديه. إلا أن هناك هما آخر تركته سنوات دراسته على يد حسن فتحى هو ذلك الإيقاع المطلوب الالتزام به. وعدم الحياد عنه فقد تعلم من مهندس الفقراء كما كان يحلو للفنان الوزير بدر الدين أبوغازى أن يسبق به اسم حسن فتحى. تعلم منه أربعة معادلات متى تحققت صار المبنى المعمارى _ أو المنحوتة الخزفية _ نموذجًا.
أولها: تحقيق التآلف البيئى؛ وثانيًا: تقدير تأثر أرض العمل بحالة الطقس؛ وثالثا: تطبيق نظرية المنظور الهيولى على القطاع الرئيسى للقطعة المنحوتة واحتوائها من حيث ارتباطها بالتراث الشعبى. وأما رابعا: فهو تتبع التطور الحضارى والثقافى والاجتماعى الذى تمر به منطقتنا العربية.
حسن عثمان إضافة إلى كل ذلك كان واعيا لتثوير أعماله من معرض لآخر فقد درس النقد الفنى فى انجلترا عام ١٩٨٤ وبعد أن عاد إلى مصر أسس صفحه متخصصة فى الفن التشكيلى فى جريدة الجمهورية فى نفس العام ١٩٨٤ وكان قبلها مسئولًا عن صفحة الفن التشكيلى فى جريدة المساء منذ عام ١٩٥٦.
منحوتات حسن عثمان فى معرضه الشامل تؤكد أنه كان سباقا فبعض المنحوتات عمرها تجاوز النصف قرن وكأنها ولدت منذ ساعات.!
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: رحلة حياة كاريزما حسن عثمان احمد صبرى الجزيرة للفنون حسن عثمان
إقرأ أيضاً:
إبداع|| "سينما".. نورا عثمان – المنصورة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
بكى ألـمًا، ورَدَّ البابَ،
بـابـًا لم يكن مِن خلفِهِ ريحٌ ولا طُـرُقٌ ولا إنـسٌ ولا جنٌّ،
كأنَّ البابَ مِن وهمٍ.
بكى ألـمًا، وقالَ:
شُفِيتُ منكِ، ومن عذابِكِ، ما أعادكِ؟
وارتجى منها جوابـًا، أيَّ حرفٍ عابثٍ يتلوهُ حرفٌ عابثٌ،
وأنا مُسَمَّرَةٌ على التِلْـفازِ أهمسُ:
قَــبــِّليهِ، أو اذهبي.
فى الليلِ يقتتلانِ فى نــَفَقٍ، ويظفَرُ واحدٌ.
وهنيهةً بعدَ النجاةِ، يُثَـبِّتُ السهمَ الحديديَّ الطويلَ بذقــنِهِ، ويُفَجِّرُ الرُّوحَ التى كانت قبيلَ الفجرِ أشبَهَ بالفراشةِ...
ثُمَّ تعلو رنَّةُ النايِ الشَّجـِيَّةُ، مِن دَوِيٍّ، كالصدى.
وأظلُّ أنظرُ للدماءِ، كأنّنى أُمٌّ، فُجِعتُ.
وإنَّهُ لـم يستطع هذا، تخـيّلَ أو تمنَّى فعــلَهُ.
يتبادلانِ الصدَّ. لو قامتْ إليهِ لضمَّها،
أمّا هي، الرئةَ الجريحةَ، لو دنا منها،
وقد عرفتْ عبيرًا ليسَ منها فى ملابسِهِ، لثارت كالزوابعِ..
"كيفَ أَمكَـنَـكَ؟!" استطاعتْ أن تقولَ لهُ.
أجابَ بنظرةٍ أسيانةٍ.
ووجدتُ عينيَّ اللتيـنِ اخضلَّتا تتذكّرانِ خيانةً.
وضعتْ يديها حولَ سيِّدِها، وقالتْ:
أنتَ أجملُ مَن على الأرضِ ابتسامًا.
ثُمَّ فى مكرٍ، وفى شرٍّ،
أرادَ لها المؤلـــِّفُ أن تموتَ عليهِ حُزنًـا؛
فجأةً تصحو فإذ هى فى منامٍ...
والفتى المقتولُ ينزفُ عمرَهُ فى الطَّستِ، فى الحمامِ.
والفرسانُ خلفَ السورِ، فوقَ السورِ،
حولَ حبيـبِها المغدورِ.
تبكي،
بينما أدركتُ أنّ حدادَها سيكونُ أسبوعًا. وقلتُ:
لعلَّ تلكَ الحـيَّةَ الرَّقطاءَ تخلـعُ جلدَها فى نحـوِ أسبوعٍ فقط، وتعاشِرُ الملكَ الجديدَ.
يمرُّ عبرَ حوائطٍ، بَشَرٍ، بناياتٍ، جذوعٍ سامقاتٍ...
بل وعبرَ بهائـها،
وهى السويعاتُ القليلةُ قبلَ ضوءِ الفجرِ:
سَمتٌ هادئٌ، وجمالُ موسيقى الفلوتِ.
وكلّما مرَّ الزمانُ تحـرَّكتْ نحوَ السعادةِ.
كلّما مرَّ الزمانُ توقَّفتْ عن ذكرِهِ.
ومنعتُ نفسى من بكاءٍ حارقٍ
دعها لــِتَهنأَ؛ لن تعودَ، ولن تعودَ.
"أجئتِ وحدَكِ؟ أم أتى ذاكَ القطيعُ من الأيائـلِ خلفَ مشيتــِكِ الخفيفةِ كالندى وَقـعًا على الأعشابِ؟"
يسألــُها.
تقولُ:
"تَـعِـبتُ؛ هل تدرى بأنَّ مسافةً ما بينَ بيـتـيـنا تــُقَـدَّرُ بالقـرونِ؟"
فيفتحُ الشفتيـنِ وحشٌ قائمُ الساقيـنِ، ممشوقٌ، دميمٌ...
لم يكن يدرى بأنّ الموتَ قد أعفاهُ.
ظلَّ يحاولُ الكلماتِ، يفشلُ.
واختنقتُ بدمعةٍ؛ فى وجهِـهِ شيءٌ بريءٌ صادمٌ
لدقائقَ احتشدتْ طيورٌ فوقَ بـحرٍ.
والرياحُ، وزرقةُ البحرِ المثيرةُ للشجونِ، وشاطئٌ...
يتجاوبونَ مع الشعورِ الـحُرِّ للطيرانِ.
ثُمَّ رَصاصةٌ، موتٌ، وجسمٌ أزغبُ ارتعدتَ فرائصُهُ على الزبـَدِ الـمُتاخِمِ للرمالِ.
وإنّنى أسقطتُ قلبى من فمي، وعلتْ عيونى دمعتي.
جسدٌ صفا كالماءِ...
ماءٌ خالصٌ،
ويكادُ فى الخطواتِ يـُشرَبُ.
عندما وجدتْ أخيرًا واحدًا من جنسِها ذابا.
وكنتُ أنا أحدِّقُ فى ابتسامٍ حالـمٍ...
وأظـنُّ أنّ غزالةً فى غُبـرَةِ الصحراءِ يَـبـلُغـُها مع المطرِ الغزيرِ
مذاقُها ومذاقُهُ.
"باللهِ؟"
تشتبكُ العيونُ ولا تقولُ.
جوابــُها: واللهِ.
تشتبكُ العيونُ ولا تقولُ.
وإنّ ذاكَ الصمتَ يظهـرُ للعيونِ كأنَّهُ سورٌ...
وفيهِ منافذُ انفتحتْ تـُطـِلُّ على الخرابِ،
على الفراغِ،
على بيوتٍ كلُّها سقطتْ، وناسٍ كلُّهم ماتوا.
وإنّى كنتُ أبصرُهُ لأوّلِ مرَّةٍ،
وأشكُّ فى لُغـةِ الغرامِ بأسرِها.
قد يسمعُ الخطواتِ فى البهـوِ الطويلِ،
وقد يقولُ أتى بمنجـلِهِ ملاكُ الموتِ.
لكنْ...
كلَّ يومٍ، مَن يجيءُ، صغيرةٌ نزلتْ بذاتِ الموضعِ المعزولِ بالمشفى.
تقولُ لهُ:
أتكملُ لى الحكايـةَ؟ ما جرى؟
ويصيحُ:
هل تـبـغينَ حـقًّا أن تـطـولَ بـلا انـتـهاءٍ؟!
- إنّها ليست تُحِسُّ بما يُحِسُّ مِن المرارةِ.
إنّهُ يـقسو عليها-
يرجفُ القلبُ الصغيـرُ وليسَ يفهـمُ ذنبـَهُ!
وأنا أقولُ:
كفاكَ! لا تفعلْ بها هذا، تمسَّكْ بالحياةِ ولا تــَمُـتْ.
فى هيبـةِ الأربابِ، يمشى تارةً، ويطيـرُ أخرى...
يسحبُ الشمسَ الجميلةَ من أصابـعِها فتتبعُه دلالاً.
كان يـغفو فوقَ نهرِ النيلِ عريانًا، ويصحو صحوةَ المكلومِ؛
"لى ثأرٌ" ويدرِكُهُ.
أقالَ لهُ: إليكَ الآنَ عينى فالتهمها؟!
وقفتُ هُنا.
وقفتُ كأنــّنى أدركتُ سرَّ الرُّوحِ،
أو كُشِفتْ ليَ الأسرارُ شتّى.
قالَ: يا أبتا، إليكَ الآنَ عينى فالتهمها!
إليكَ الآنَ عينى فالتهمها.
إليكَ الآنَ عينى فالتهمها.
إليكَ الآنَ عينى فالتهمها.
إليكَ الآنَ عينى فالتهمها.
إليكَ الآنَ عينى فالتهمها!
وقعتُ فريسةَ السِّحرِ الخرافـيِّ القديمِ...
وكلّما أبصرتُ شيئًا -أيَّ شيءٍ- قلتُ فلتأخذْ عيوني،
ولتعدْ شيئًا جميلاً لا دميمًا،
ولتعدْ حـيًّا لأجلى أيـُّها الماضى مع الموتى...
كأنّا لم نَـعِشْ إلّا بفيلمٍ. كأنّكَ لم تَمُتْ إلّا بفيلمٍ
إليكَ الآنَ عينى فالتهمها.
إليكَ الآنَ عينى فالتهمها.
إليكَ الآنَ عينى فالتهمها.
إليكَ الآنَ عينى فالتهمها.
إليكَ الآنَ عينى فالتهمها.