هوامش ومتون :جثامين صغيرة وجرائم كبيرة!
تاريخ النشر: 1st, November 2023 GMT
كتب الدكتور أحمد الدوسري، في منشور له «يسأل المذيع طفلا فلسطينيّا: ماذا تريد أن تكون عندما تكبر؟ فيردّ الطفل مستغربا: الأطفال عنّا ما بتكبر».
فأيّ عالم شديد القسوة، هذا الذي لا يتيح للأطفال أن يكبروا!؟
لقد هزّني خبر قرأته حول استشهاد (8) أطفال من عائلة واحدة في قصف على غزة، و«الجثامين الصغيرة التي وضعت على أرض المشرحة في خان يونس» الواقعة في الجزء الجنوبي من قطاع غزّة، كما نقلت وكالة (رويترز)، وأعتبره وصمة عار في جبين الإنسانية، فحين تمتدّ أكفّ الجريمة إلى الأطفال، فهذا يعني أن الجريمة «استحكمت حلقاتها»، لقد أعاد الرقم (8) إلى ذاكرتي مقطعا للشاعر محمود درويش في قصيدته (سجّل أنا عربي) المنشورة في ديوانه الثاني (أوراق الزيتون) الصادر عام 1964م وقد كتبها ردّا على جندي إسرائيلي سأله عندما كان عمره 15 سنة، عن قوميته، فقال:
«سجّل أنا عربي
ورقم بطاقتي خمسون ألف
وأطفالي ثمانية
وتاسعهم سيأتي بعد صيف
فهل تغضب؟»
وتساءلتُ مع نفسي: هل كان درويش يستشعر، قبل حوالي ستّين سنة، أن يد الغدر ستقتل ثمانية أطفال كانوا يعيشون بأمان، قبل سقوط صاروخ الموت؟
هل يعرف الذين أطلقوا الصاروخ أنهم سيقتلون ثمانية مشاريع بشرية، دون أيّ ذنب، سوى أنهم فلسطينيون؟ وخوفا من أن يأتي التاسع بعد صيف، كما يقول درويش، بل قبل أن يكبروا ويتكاثروا!
المعروف أنّ الشرائع والقوانين الدولية تجرّم في الحروب، قتل الأطفال والنساء والمدنيين، وقد أكّدت اتفاقية جنيف 1949 م على حماية الأطفال أثناء النزاعات المسلحة، وذكر البروتوكول الإضافي الأول عام 1977 «يجب أن يكون للأطفال موضع احترام خاص، وأن تكفل لهم الحماية ضد أية صورة من صور خدش الحياء، ويجب أن تهيأ لهم أطراف النزاع العناية والعون اللذين يحتاجون إليهما، كما أشارت اتفاقية جنيف للدول إنشاء مناطق ومواقع استشفاء وأمان منظمة بكيفية تسمح بحماية الجرحى والمرضى والعجزة والمسنين والأطفال دون الخامسة عشرة من العمر» وقد أشارت دراسة للدكتور جلود صالح نشرت في مجلة الاجتهاد للدراسات القانونية والاقتصادية الصادرة عام 2018م «أن إحصائيات اليونيسف تشير إلى أن 226 مليون طفل يعيشون في مناطق النزاعات و125 مليون طفل يتأثرون مباشرة بالمعارك التي تحدث في العالم »، وها هم أطفال غزّة يصبحون هدفا لهجمات صواريخ الاحتلال، يقول الشاعر الكبير سيف الرحبي، مصوّرا شعوره بالألم القاتل حين ينظر في عينَيْ ولده البكر ناصر، حين يداهمه المرض «الأكثر لعنةً في حياتي والكلام للرحبي- وأرى في مرآتهما ذلك الخذلان لجموحه في اللعب والحياة أشعر بهشاشة وجودي وانكساري الأكيد، أنا الذي صمدتُ في أكثر المواقف دمويةً وقسوة، إذن أي قدرة إلهية عظيمة وخارقة تجعلني أحتمل النظر إلى ملايين الأطفال في فلسطين وسوريا والعراق ولبنان و و و و إلخ! وأطفال العالم.
خبر استشهاد الأطفال الثمانية في غزّة، لم يمر مرورا عابرا، على الشاعر السعودي إياد الحكمي، فهزّ كيانه، فكتب مصوّرا النيران التي تلتهم الأخضر واليابس حين تشتعل الحروب، وبدلا من أن تعدّ الطعام لأطفالها، تقوم بخبز النيران المستعرة في أفران الحروب والكوارث:
يقول لي شاعر شدّ الخيال إلى
الذكرى وزاد إلى الأوزان ألحانا
في غزّة الآن أطفالٌ ثمانيةٌ
وأمّهم تخبز النيران نيرانا
وحتى نذكر عمق المأساة، نشير للفيلم الذي عرضه تلفزيون فلسطين، وأظهر صور أطفال من غزة دأب أهاليهم بكتابة أسمائهم على أجسادهم، ليتعرّفوا عليهم بعد استشهادهم! وهذا مثال من أمثلة تصوّر بشاعة الحرب الدائرة في غزة اليوم، التي صار وقودها الأطفال، بعد أن كانوا مشاريع رجال يبنون مستقبل فلسطين، هم اليوم مشاريع جثامين صغيرة في عالم لا يعطيهم فرصة أن يكبروا مثل أطفال العالم.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
الأطفال في السودان مأساة تحت نيران الحرب.. 2.3 مليون يصارعون الجوع
حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة يونيسف، من تعرض ملايين الأطفال للمعاناة بسبب الصراع المزمن، والكوارث الطبيعية الموسمية وانتشار الأمراض، وكذلك من نقص الاستثمار في الخدمات الاجتماعية الأساسية.
السودان واحد من البلدان الأسوأ في العالم من حيث نقص التغذيةوصنّفت الأمم المتحدة السودان كواحد من البلدان الأسوأ في العالم، من حيث نقص التغذية، حيث يبلغ عدد أطفال السودان غير الملتحقين بالمدارس ممن هم في سنّ المدرسة 3 ملايين طفل وطفلة.
ولفتت اليونيسيف في تقرير منشور على موقعها، إلى أن 1.6 مليون طفل وطفلة نازحين بحاجة إلى مساعدة، وأن 61% من الأشخاص النازحين داخلياً في المخيمات هم من أطفال وأن 65% من اللاجئين تقريباً في السودان هم أطفال.
وذكرت اليونيسيف أن معدل الالتحاق بالمدرسة في المناطق المتضررة من النزاع 47%، وهي نسبة متدنية جداً مقارنة مع متوسط معدل الالتحاق بالمدرسة في باقي مناطق البلاد، لافتة إلى أن 1.7 مليون طفل وطفلة ممن هم في سنّ التعليم حتى 16 عاما بحاجة إلى المدارس.
2.3 مليون طفل وطفلة تقريبًا يعانون من سوء التغذيةوأكدت الأمم المتحدة أن 2.3 مليون طفل وطفلة تقريبًا يعانون من سوء التغذية بينما ترجع نصف حالات وفاة الأطفال دون سنّ 5 سنوات إلى سوء التغذية، ويعاني 694 ألف طفل من سوء التغذية الحادّ ويصارعون من أجل البقاء.
وتعاني 11 ولاية من 18 ولاية من انتشار سوء التغذية بنسبة تزيد عن 15% بنسبة أعلى من عتبة الطوارئ، حسب معايير منظمة الصحة العالمية.
كما يعاني طفل من كل 6 أطفال في السودان من سوء التغذية الحادّ ويحتاج 820 ألف طفل وطفلة دون سنّ 5 سنوات إلى الحصول على الرعاية الصحية، شاملة التطعيم والخدمات المنقذة للحياة الأساسية.