(عدن الغد)الشرق الأوسط:

​كشفت مصادر يمنية مطلعة عن تعرض عشرات المواقع الأثرية في محافظة إب لعمليات تجريف وحفر عشوائي واسع النطاق، من قبل عصابة متخصصة في سرقة الآثار وتهريبها إلى خارج البلاد للمتاجرة بها، مرتبطة بقيادات في الجماعة الحوثية.

جاء ذلك في وقت كشف فيه باحث يمني في مجال الآثار عن عرض عشرات التماثيل والقطع الأثرية اليمنية التي سبق أن تم السطو عليها من متاحف ومواقع عدة؛ خصوصاً في محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) للبيع عبر مزادات خارجية.

ومن ضمن معالم إب الأثرية التي تعرضت أخيراً للتعدي والحفر العشوائي والنهب على أيدي عصابات ممولة حوثياً، موقع «العصيبية» في عزلة جبل عصام بمديرية السدة، وجبل «الرئسي» في عزلة حبير بمديرية ذي السفال، وضريح «الحداد» في عزلة عينان في مديرية السبرة، وحصن «العرافة» بمدينة ظفار التاريخية، وموقع «مريت» الأثري في السياني، وقبة وسد «يُم» في العدين، وباحة «جامع العمري» في المشنة، وجبل «العود» التاريخي في مديرية النادرة.

وأكدت المصادر أن تلك المواقع وغيرها في إب لا تزال تشهد عمليات نهب وتنقيب عشوائي، بحثاً عن آثار ونقوش قديمة من قبل عصابات الآثار؛ حيث تتواصل من خلالها مساعي الجماعة الحوثية لتدمير وطمس الهوية التاريخية لحضارة اليمن.

واتهم مهتمون بالآثار -في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»- جماعة الحوثي بمواصلة التجريف والنهب الواسع للآثار بمدينة إب وعدد من مديرياتها، وطالبوا منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) والمنظمات المهتمة بالتراث في أوروبا بالتدخل الفوري لمنع تداول الآثار اليمنية المهربة بالأسواق التجارية والمزادات العالمية، والعمل على إعادتها.

تهريب وبيع في المزادات

عبر سلسلة منشورات بموقع «فيسبوك»، أفاد باحث الآثار اليمني عبد الله محسن بتمكن عصابة متخصصة في سرقة الآثار والمتاجرة بها في غضون شهرين ماضيين، من تهريب أشكال متعددة ومختلفة من القطع والتماثيل والمنقوشات والمخطوطات الأثرية اليمنية؛ حيث تم عرض بعضها للبيع تباعاً، بمزادات علنية في دول عربية وغربية.

وأوضح محسن أنه تم عرض مجسم نسائي استثنائي ونادر مع نقش مسند ومجموعة من التحف اليمنية القديمة، سبق تهريبها من قبل عصابات إلى خارج اليمن، للبيع على منصة «كاتاويكي» للمزادات عبر الإنترنت، بالفترة من 13- 18 من الشهر الجاري.

وقبل ذلك بأيام، كشف الخبير اليمني عن عرض دار آثار بدولة عربية تمثالاً برونزياً من آثار اليمن، تم اقتناؤه بمبلغ 400 ألف يورو من مزاد بيير بيرج (باريس).

ووصف محسن ذلك التمثال المعروض للبيع بأنه استثنائي برونزي، ويبلغ ارتفاعه 80 سنتيمتراً، ويعود للفترة من القرن الثالث قبل الميلاد وحتى القرن الأول الميلادي.

ويشير المتخصص اليمني في تتبع ورصد الآثار المهربة، إلى عرض تمثال يمني قديم للبيع، بأواخر سبتمبر (أيلول) الماضي، بمزاد علني في العاصمة البريطانية لندن.

ويقول الباحث محسن إن دار مزادات «سوذبيز» كانت قد عرضت ذلك التمثال للبيع يوم 7 من ديسمبر (كانون الأول) العام الفائت، بمزاد النحت القديم والأعمال الفنية في جزئه الثاني؛ حيث تم التنافس عليه.

وكان الباحث اليمني قد كشف في وقت سابق عن اعتزام تل أبيب بيع 15 قطعة، إضافة إلى تمثال برونزي من آثار اليمن، بمزاد علني تقرر وقتها إقامته في أكتوبر (تشرين الأول) الجاري.

وذكر أن تمثالاً برونزياً لشاب من آثار اليمن يبلغ ارتفاعه نحو 61 سنتيمتراً، يعود للفترة من القرن الرابع إلى القرن الثاني قبل الميلاد، يعرض في مزاد الدكتور روبرت دويتش على منصة المزادات العالمية «بيدسبريت».

ولفت الباحث عبد الله محسن إلى أن النشر عن تلك القطع المعروضة للبيع يعد بلاغاً، ومن شأنه جعل المشتري الأجنبي والمحلي يُحجم عن الشراء. محمِّلاً الجماعة الحوثية كامل المسؤولية عن التساهل مع الجرائم والانتهاكات التي طالت وتطول الآثار اليمنية بالمناطق التي تقع تحت سيطرتها.

نداءات حكومية

طالبت الحكومة اليمنية غير مرة المجتمع الدولي بإصدار قرار أممي يمنع بيع الآثار اليمنية التي تشهد عمليات نهب وتهريب، زادت حدتها منذ اندلاع الحرب التي تشهدها البلاد منذ 9 سنوات.

ويقول عاملون يمنيون في مجال الآثار، إن الانقلاب الحوثي كان سبباً في نهب كبير ومنظم للآثار؛ حيث عمدت عصابات على ارتباط بقيادات في الجماعة، إلى تدمير ونهب تاريخ وحضارة وإرث اليمن، والتي كان أبرزها نهب أقدم مخطوطة يمنية في التوراة، والذهاب بها إلى إسرائيل في مارس (آذار) 2016.

ومنذ الانقلاب، قامت الجماعة بتكثيف اعتداءاتها ضد كثير من مواقع ومعالم اليمن الأثرية والتاريخية، تارة بالنهب والتهريب والبيع، وأخرى بالتفجير والقصف والتحويل لمخازن أسلحة وثكنات عسكرية.

وكان عاملون في مجال الآثار قد تحدثوا في أوقات سابقة عن استهداف الجماعة لأكثر من 150 مَعْلَماً وموقعاً أثرياً وتاريخياً، بالتدمير والنهب والقصف والتحويل لثكنات عسكرية، منذ انقلابها أواخر عام 2014، مع تأكيدهم اختفاء 60 في المائة من مكنوزات المتحف الوطني بصنعاء.

وتتعرض المعالم الأثرية في محافظة إب على وجه الخصوص لمزيد من أعمال العبث والسرقة، من قبل العصابات المرتبطة بالجماعة الحوثية التي تحكم قبضتها على المحافظة منذ انقلابها.

ويتهم العاملون في مجال الآثار عصابة تتبع جماعة الحوثي بسرقة مقتنيات أثرية من متحف ظفار في إب، يعود بعضها -حسب باحثين- إلى عهد الدولة الحميرية التي حكمت اليمن بين عامي 115 قبل الميلاد و752 بعد الميلاد، منها ختم لأحد الملوك الحميريين، وأحد النقوش الذي يوثق حقبة من تاريخ اليمن القديم، وكثير من القطع الأثرية المهمة.


 

المصدر: عدن الغد

كلمات دلالية: الجماعة الحوثیة فی مجال الآثار الآثار الیمنی آثار الیمن من قبل

إقرأ أيضاً:

عاجل - التغير المناخي يهدد المعالم الأثرية.. كيف تحركت مصر في السنوات الأخيرة؟

أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلًا جديدًا حول "تأثير تغير المناخ على التراث الثقافي والأثري" استعرض خلاله تأثير تغير المناخ على التراث الثقافي والأثري، وذلك من خلال التطرق لكيفية تأثير الظواهر المناخية المختلفة على المعالم الأثرية، ومدى اهتمام المجتمع الدولي والمنظمات الدولية بهذه القضية، وتحليل كيفية تهديد تغير المناخ والظواهر المصاحبة له للمناطق الأثرية على الصعيد العالمي.

وتطرق إلى تجربة مصر من خلال تناول التأثيرات المختلفة المهددة للتراث الثقافي والأثري المصري المتنوع، وكيف تعاملت الدولة مع تلك التهديدات، وما المناطق الأثرية التي تأثرت، وكيف تدخلت الحكومة لإنقاذها وحمايتها من تأثيرات تغير المناخ.

أشار التحليل إلى أن الأنشطة البشرية منذ القرن التاسع عشر أسفرت عن حدوث تغير غير مسبوق في درجات الحرارة؛ مما أدى للتأثير على أنماط الطقس والمناخ، وهو ما يعود سببه في بادئ الأمر إلى حرق الوقود الأحفوري (الفحم والنفط والغاز)، الذي يتولد عنه انبعاثات الغازات الدفيئة (مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان وغيرها من الغازات ذات الصلة)، مُسببًا ما يطلق عليه ظاهرة الاحتباس الحراري، والتي يترتب عليها ارتفاع درجة حرارة الأرض على نحو غير معتاد، وما يترتب عليها من ظواهر مناخية متطرفة مثل زيادة معدل هطول الأمطار، والفيضانات، وموجات الجفاف الحادة، وظاهرة ارتفاع مستوى سطح البحر، وحرائق الغابات، كما أنه يؤدي إلى تسارع وتيرة الظواهر المناخية الطبيعية مثل الأعاصير والانفجارات البركانية.

ومع تفاقم أزمة المناخ، التي تؤثر على حياة الملايين من البشر والكائنات الحية، يتضح أن تأثيرها لا يقتصر على ذلك فقط، بل امتدت عواقبه إلى التراث الثقافي، وخاصة المواقع الأثرية التاريخية.

تأثير تغير المناخ على التراث العالمي

وعن تأثير تغير المناخ على التراث العالمي، فقد أوضح التحليل أن هناك علاقة وثيقة بين استقرار التراث الثقافي والأثري، والنظام البيئي، فإذا كانت البيئة مستقرة لا تتعرض لتهديدات فإن التراث الثقافي في مأمن من التأثيرات المصاحبة، ولعل تغير المناخ والظواهر المناخية الحادة التي تصاحبه، تؤدي إلى تغيرات غير طبيعة في النظام البيئي والتأثير سلبًا على اتزان النظام الإيكولوجي، وهو ما ينعكس بصورة غير إيجابية على المواقع الأثرية، سواء الثابت منها أو المنقول أو تلك المدفونة تحت سطح الأرض، وبالتالي يكمن تأثير تغير المناخ على التراث العالمي في تعرض الأماكن الأثرية المكشوفة للظواهر المناخية في البيئة المحيطة بها، واحتمالية إصابتها بالتلف نتيجة للملوثات الناجمة عن الأنشطة البشرية المختلفة، وخاصة الأنشطة الصناعية الكبيرة، مما قد يؤدي إلى تآكل القشرة الخارجية للآثار، وخاصة في المباني الحجرية والمكونات الصخرية.

وعلى سبيل المثال، قد يؤثر التغير في معدل هطول الأمطار ومستويات المياه الجوفية ومعدل الرطوبة والطبيعة الكيمائية للتربة على البقايا الأثرية المدفونة تحت الأرض، فضلًا عن تأثير ارتفاع درجات الحرارة على المناطق القطبية وتسببها في ذوبان الجليد، وهو ما قد يؤول إلى حدوث الانهيارات الأرضية بسبب عدم استقرار باطن الأرض والتسبب في تلف المناطق الأثرية في بعض الأرجاء.

فقد البيانات المحفوظة على الأثر

كما تستعرض المناطق الأثرية القريبة من سطح البحر لخطر فقد البيانات المحفوظة على الأثر بفعل تأثير ظاهرة ارتفاع سطح الأرض التي ينتج عنها تآكل للشواطئ أو الغمر الدائم للمناطق الأثرية الواقعة في الأراضي المنخفضة، كما أنه يتسبب في زيادة نسبة ملوحة التربة الساحلية وتشبعها بالمياه الممزوجة بالأملاح في ظل تربة خالية من الأكسجين؛ مما قد يؤدي إلى فقدان سلامة تلك المناطق الأثرية وتآكلها.

بالإضافة إلى أن الفيضانات وزيادة معدل المياه قد يضر بمواد البناء الخاصة بالأثر، والتي لا تتحمل الرطوبة لفترات طويلة، إلى جانب احتمالية تلف الأسطح المزخرفة في المباني الأثرية بسبب زيادة معدل الرطوبة، ويمكن أن تؤدي زيادة غزارة الأمطار كذلك إلى فقدان أنظمة الصرف لقدرتها على استيعاب المياه، مما قد يتسبب في حدوث خلل في أنظمة مياه الأمطار وحدوث انقسامات وتشققات في الأثر، كما يمكن للحوادث المناخية المفاجئة، مثل الزلازل والعواصف وتباين درجات الحرارة، أن تؤدي إلى انقسام وتشقق وتقشير المواد والأسطح؛ مما يؤثر على المباني الأثرية الواقعة في المدن التاريخية المختلفة ويحدث أضرارا في هيكل المباني وجوهر ارتكازها.

تسريع عملية التدهور والتآكل

وأفاد التحليل أن التغيرات المفاجئة في طبيعة التربة جراء الظواهر المصاحبة لتغير المناخ قد تُشكل تهديدًا كبيرًا على المعالم الأثرية المدفونة في باطن الأرض التي لم يتم اكتشافها بعد؛ نتيجة لإحداث خلل في التوازن الهيدرولوجي والكيميائي والبيولوجي للتربة التي تحفظ البقايا الأثرية لمئات وآلاف السنين، مما يتسبب في تسريع عملية التدهور والتآكل في المناطق الحساسة في الأثر.

وأشار التحليل إلى أن العلاقة بين ملف تغير المناخ والإرث الثقافي والأثري حظيت باعتراف دولي موسع بسبب مخاطرها المحتملة، ففي مؤتمر الأطراف COP 25 المقام في مدينة مدريد عام 2019، تمت الإشارة لقضية تأثير تغير المناخ على الإرث الثقافي بمختلف أنواعه، وأصبح تأثيره أكثر وضوحا في مؤتمرات الأطراف التي تلته، وفي مؤتمر الأطراف “COP 28” في ديسمبر 2023 ترأست دولة الإمارات العربية طاولة الحوار بشأن العمل المناخي القائم على الثقافة في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية، وتطرقت من خلاله إلى تناول ملف تغير المناخ من منظور واسع يتضمن التحديات الثقافية والبيئية والمالية والعلمية.

24 موقعًا أثريًّا تأثرو فعليا

وأضاف التحليل أن الحراك العالمي للمحافظة على الإرث الثقافي يأتي كرد فعل على الخسائر والأضرار التي تعرضت لها المعالم التراثية فعليًّا، فجدير بالملاحظة أنه يوجد نحو 24 موقعًا أثريًّا تم الاعتراف بها من جانب منظمة اليونيسكو، متأثرين بتغير المناخ في قارة إفريقيا، حيث إنها تأتي في المرتبة الأولى كأكثر القارات التي تحتوي على مواقع تراث عالمي ومعرضة للتأثر بتقلبات المناخ، وفي المرتبة الثانية تأتي قارة أوروبا بنحو 21 موقعًا، وتليها قارة آسيا بقرابة 15 موقعًا.

واستعرض التحليل أهم الأمثلة على المناطق الأثرية المتضررة من تبعات المناخ وذلك على النحو التالي:

- مدينة البندقية (Venice): تلك المدينة التراثية الأيقونة في شمال إيطاليا، التي تبلغ مساحتها 118، جزيرة متصلة بقنوات مائية، إذ إنها تأسست في القرن الخامس، وتتسم بأنها تحفة معمارية من القصور والمباني التاريخية، وكانت دائمًا عُرضة لارتفاع منسوب سطح البحر والتهديد بالغرق بفعل التغيرات الطبيعية في سطح الأرض، إلا أن الظاهرة أصبحت أكثر تواترًا وحدة في السنوات الأخيرة بفعل تغير المناخ والظواهر المصاحبة له، مما شكل خطرًا كبيرًا على المدينة الأوروبية الشهيرة، وقد أفادت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) بأن المتوسط العالمي لمستوى سطح البحر قد ارتفع بين 0.1 متر و0.2 متر خلال القرن العشرين.

كما أنها تتوقع زيادة متوسط المنسوب العالمي بما يتراوح بين 0.09 و0.88  مترًا في الفترة ما بين عامي 1990 و2100، وبالفعل تأثرت البندقية من خلال فقدان جزء من ارتفاعها جراء الفيضانات التي تحدث بالمدينة، ومن المتوقع وفقًا للسيناريوهات المعتدلة لتغير المناخ أن تفقد المدنية 54 سم من ارتفاعها جراء الغمر بالماء بفعل تلك الحوادث.

- منطقة تشان تشان(Chan Chan):  التي تقع شمال بيرو والمدرجة في قائمة التراث العالمي باليونسكو عام 1982 و1983 تأثرت بالتغير في وتيرة ظاهرة النينيو الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ، والتي تسببت في هطول الأمطار الغزيرة والفيضان الجزئي في المنطقة الأثرية الطينية الهشة، وألحقت الضرر بقاعدة الهياكل المعمارية الطينية بالمنطقة، وجدير بالملاحظة أن الخسائر الاقتصادية العالمية الناجمة عن ظاهرة النينيو خلال تلك الحقبة تم تقديرها من جانب البنك الدولي بنحو 14 مليار دولار أمريكي، وكان نصيب "بيرو" من تلك الخسائر ما يقارب مليار دولار أمريكي.

- كهوف موجاو (Mogao Caves): تقع الكهوف المدرجة ضمن قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي في "دونهوانغ" شمال غرب الصين، حيث تتعرض الأعمال والنقوش الفنية العتيقة في المنطقة لظواهر جوية متضاربة بشكل مستمر نتيجة لتغير المناخ، مثل ارتفاع الحرارة والرطوبة والأمطار الغزيرة بشكل مفاجئ وغير معتاد، مما يمثل تهديدا صريحا للمنطقة التاريخية.

جهود مصرية لا تتوقف للحفاظ على التراث

وأشار التحليل إلى أن التاريخ المصري وما يتضمنه من معالم أثرية على مر العصور يُعد من أهم ركائز التراث الثقافي العالمي، مضيفًا أن مصر تمتلك حضارة تاريخية عريقة وإرثًا ثقافيًا فريدًا بداية من العصور الفرعونية حتى التاريخ المعاصر، ومع وضوح تأثيرات تغير المناخ على مختلف القطاعات -ومن ضمنها التراث الثقافي والحضاري للدولة-، فقد بذلت الحكومة المصرية جهودًا حثيثة لتسليط الضوء على قضية تأثير تغير المناخ على الآثار المصرية على الصعيد الدولي، وهو ما ظهر جليًّا على مستوى الخطط والاستراتيجيات وبرامج العمل الوطنية.

وركزت على أهمية "الحفاظ على التراث التاريخي والثقافي من الآثار السلبية لتغير المناخ" كأحد توجهات الهدف الثاني في الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ في مصر 2050، الذي ينص على "بنـاء المرونـة والقـدرة علـى التكيـف مـع تغيـر المنـاخ وتخفيف الآثار السلبية المرتبطة بتغيـر المنـاخ"، عن طريق تحديد عدة مسارات، ومنها تقليل الخسائر والأضرار التي تمس أصول الدولة والحفاظ عليها من تغير المناخ، ومن أهم هذه الأصول إرث الدولة الثقافي.

وأضاف التحليل أنه على هامش استضافتها لمؤتمر قمة المناخ (COP 27) بمدينة شرم الشيخ، أطلقت منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (ICESCO) بالشراكة مع وزارة السياحة والآثار مبادرة إنشاء صندوق حماية المواقع التراثية والمتاحف من أضرار التغيرات المناخية، مما عزز من التزام مصر بمكافحة تأثير تغير المناخ على إرثها الثقافي؛ إذ يعمل الصندوق على تحقيق عدة أهداف، وهي دراسة واقع تأثير تغير المناخ على المناطق الأثرية والمتاحف، والبحث عن فرص تمويلية لصياغة خطط حماية الآثار.

ووضعت وزارة السياحة والآثار هدفًا رئيسًا متمثلًا في "الحفاظ على التوازن البيئي واستدامة نشاط السياحة والآثار" كأحد أهداف الوزارة الاستراتيجية لتحقيق التنمية المستدامة في إطار رؤية مصر 2030، وهو ما ترجمته الوزارة بالعديد من البرامج والمشروعات التي تنهض باتجاه الحفاظ على استدامة المعالم الأثرية، وحفظها من تأثيرات تغير المناخ، ولعل من أبرز تلك المشروعات: (ترميم صالة الأعمدة الكبرى بمعابد الكرنك - مشروع خفض منسوب المياه الجوفية في مقابر كوم الشقافة - مشروع ترميم وتطوير معبد دندرة).

حماية الآثار المصرية

ولا يقتصر تنفيذ مشاريع حماية الآثار المصرية من العوامل الناتجة عن ظواهر تغير المناخ على وزارة السياحة والآثار فقط، بل تتشارك الوزارات الأخرى المعنية في تلك المشروعات، فقد قامت وزارة الموارد المائية والري بتنفيذ عدة مشروعات بهدف التكيف مع ظواهر تغير المناخ، ويتم تطبيقها تحت شعار حماية الشواطئ المصرية من ظاهرة ارتفاع مستوى سطح البحر الناتج عن الاحترار العالمي وما يتسبب به من تبعات ومشاكل بيئية تُهدد المناطق الساحلية المصرية مثل "النوات" - ظاهرة مناخية تحدث في فصل الشتاء في المناطق الساحلية تصحبها رياح شديدة وأمطار غزيرة وعواصف رعدية -  الساحلية وتآكل الشواطئ وتملح الأراضي ومشاكل النحر.

ولعل أبرز تلك المشروعات: (حماية قلعة قايتباي والمنتزه من خطر "النحر" الناجم عن الأمواج العالية في أوقات النوات والتقلبات الجوية - حماية مدينة رأس البر التاريخية ضمن مشروع حماية سواحل محافظة دمياط - مشروع خفض مناسيب المياه الجوفية بمنطقة "أبو مينا" الأثرية بالإسكندرية والتي تم تسجيلها على قائمة التراث العالمي لليونسكو في عام 1979 وتعد المنطقة الوحيدة المدرجة في القائمة بالإسكندرية ويتضمن المشروع إنشاء خطوط صرف للمياه لتخضع لعملية التطهير بصفة دورية وتحديث منظومة التحكم الإلكتروميكانيكية).

أفاد التحليل أن الإجراءات الوقائية التي اتخذتها الحكومة لا غنى عنها لأجل ضمان سلامة المعالم الأثرية المصرية وحمايتها من المخاطر التي تهددها، سواء ارتبطت بالمناخ أو العوامل الجغرافية الأخرى.

توصية بإنشاء وحدات بحث

وأوضح التقرير في ختامه أنه من الضروري زيادة رصد تأثير الظواهر المصاحبة لتغير المناخ على المعالم الأثرية المختلفة عن طريق إنشاء وحدات بحث ومتابعة مختصة لإيجاد حلول لتقليل الضرر وبناء القدرة على التكيف، وضمان سرعة التدخل من جانب أجهزة الدولة وتنفيذ شراكات مع المنظمات الدولية المعنية، ومع كفاءة المشاريع القائمة، لا تزال هنالك المزيد من الحاجة لمضاعفة الجهود لضمان الحفاظ على سلامة الإرث الحضاري المصري.

مقالات مشابهة

  • تدمير سور قلعة شمع الأثرية ومقام النبي شمعون الصفا والمنازل المحيطة بهما
  • وفاة الأديبة اليمنية مها صلاح.. خسارة فادحة لأدب الطفل في اليمن
  • "اليمن.. مسارات الصراع وآفاق الحلول" ندوة للجالية اليمنية في ماليزيا بذكرى الإستقلال
  • عاجل - التغير المناخي يهدد المعالم الأثرية.. كيف تحركت مصر في السنوات الأخيرة؟
  • اليمن: الصخرة التي كسرَت قرون الشيطان وتستعد لتحطيم طغاة العصر
  • ضربات أمريكية مرتقبة لقيادات حوثية بارزة .. ترامب يفتتح رئاسته بخطوة عسكرية جريئة في اليمن
  • تطور جديد في قضية دهس نجل زوجة شيف شهير لعامل دليفري.. والمتهم يكشف مفاجآت
  • باحث في الآثار يكشف عن رأسين "أثريين" فريدين في بنسلفانيا بأمريكا
  • معهد أمريكي يسلط الضوء على القاذفة الشبحية B-2 ونوع الذخائر التي استهدفت تحصينات الحوثيين في اليمن (ترجمة خاصة)
  • عصابات السطو والأغذية الملوثة.. أسلحة صهيونية لإبادة أطفال غزة