النَّزاهة والرقابة، والمحاسبة والمساءلة، وحوكمة الأداء، مفردات بناء أصيلة، عميقة الأثر، عظيمة التأثير، مسارات لتعظيم الإنجاز، وصناعة الإنتاجيَّة، وخلق الفرص، عِندما تتجلَّى في حياة المُجتمعات وتنشط في ثقافة المؤسَّسات، تأتي القوَّة وتنتصر المبادئ والقِيَم، فلا فساد في الإدارة، أو سوء استغلال للمناصب، أو هدر في الثروات والموارد، أو اختلاس للمال العامِّ، أو تجاوزات غير مسؤولة تطول جوهر القِيَم والمبادئ والثوابت العُمانيَّة، بل ضبط وربط، ومسؤوليَّة والتزام، وكفاءة وحُسن إدارة، وتطوير وتحسين، وحياة ضمير ونهوض وعي، لحماية المكتسبات وتعظيم نُمو المنجزات لمستقبل أفضل للأجيال القادمة.


من هنا شكَّلت المنظومة الرقابيَّة في أجندة بناء عُمان المستقبل بقيادة حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ خيارًا استراتيجيًّا، فكانت خِطاباته وكلماته وأوامره وتوجيهاته، شارحة ومفصّلة ومؤكِّدة وواضعة النقاط على الحروف في تأسيس منظومة رقابيَّة كفؤة وفاعلة وممكنة، لها حضورها في الأداء المؤسَّسي والممارسة الفرديَّة والمُجتمعيَّة، محكَّات للقياس وأدوات متكاملة تضع سلطنة عُمان في مسار آمن، في خيوط ممتدَّة مع الإرث الحضاري والثوابت والقِيَم والأخلاق العُمانيَّة، انطلاقًا من القناعة الوطنيَّة بأنَّ الوصول إلى منظومة أداء مؤسَّسي عالية الجودة، منتِجة وفاعلة، بحاجة إلى مسارات رقابيَّة تعصمها من الخطأ، وتصونها من الانحراف، وتحفظها من التخبط والعشوائيَّة، وتضْمَن توجيهها نَحْوَ تحقيق الأولويَّات الوطنيَّة والمستهدفات التنمويَّة لــ»رؤية عُمان 2040»، لِتمارسَ المنظومة الرقابيَّة أدوارًا متعدِّدة أساسها النَّزاهة والكفاءة، والتقييم والمتابعة والرقابة على الأداء مرورًا بجملة من الموجِّهات الَّتي تستهدف صناعة الإنسان العُماني ـ الرأسمال البشري الاجتماعي المواطن ـ، وإعادة إنتاج الفرص والتثمير في الموارد، والمحافظة على استدامة فرص النُّمو في الاقتصاد الوطني، وانتهاج سياسات رقابيَّة ناضجة أساسها الوعي الجمعي، وغايتها إنتاج القدوات وبناء القدرات وصناعة النماذج الوطنيَّة المخلِصة.
لذلك كانت كُلُّ مؤشِّرات العمل الوطني الَّتي تحقَّقت في السنوات الماضية بدءًا من إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدَّولة والمراسيم السُّلطانيَّة الَّتي حددت معالم التحوُّل الشَّامل في مختلف المجالات، وأصَّلته التشريعات والقوانين ومِنْها؛ النظام الأساسي للدَّولة الصَّادر بالمرسوم السُّلطاني (6/2020) إذ نصَّت المادَّة (٦٦) مِنْه على: «ينشأ جهاز يُسمَّى «جهاز الرقابة الماليَّة والإداريَّة» يتبع السُّلطان، يختصُّ بالمتابعة الماليَّة والإداريَّة لوحدات الجهاز الإداري للدَّولة، وغيرها من الأشخاص الاعتباريَّة العامَّة، وذلك على النَّحْوِ الَّذي يبَيِّنه القانون»؛ لِتؤكِّدَ في مجملها على الدَّوْر المحوري الَّذي تُحقِّقه منظومة الرقابة والنَّزاهة في مَسيرة البناء والتطوير، لِتصبحَ محطَّة لإعادة إنتاج وصياغة الممارسة المؤسَّسيَّة في إطار الحوكمة والمحاسبة وكفاءة الأداء وجودة الممارسة؛ لِيؤدِّيَ جهاز الرقابة الماليَّة والإداريَّة للدَّولة دَوْرًا محوريًّا فاعلًا في مَسيرة العمل الرقابي، وتعزيز النَّزاهة ومكافحة الفساد، وحماية الموارد، والمحافظة على المال العامِّ، وفق مِنْهجية رقابيَّة حكيمة، وأدوات مقنَّنة، وأساليب محكَمة، وأُطُر ومحكَّات مجرَّبة، مشخِّصًا الحالة العُمانيَّة بِرُمَّتها، مدرِكًا لمتطلباتها واحتياجاتها ومَواطِن قوَّتها وتحدِّياتها ومعيقاتها، وعَبْرَ نظام تشريعي واضح، ومعايير حوكمة ضابطة، تتَّجه نَحْوَ تصحيح الواقع المالي والإداري في مؤسَّسات الجهاز الإداري للدَّولة ذات الصِّلة، لضمان تحقيق الإنتاجيَّة، ويُقدِّم في إطار تشخيصه الرقابي مراجعة شاملة لمنظومة الرقابة الحاليَّة ومُكوِّناتها، وإنتاج أدوات متكاملة في المتابعة والضبطيَّة والمحاسبة والمساءلة والنَّزاهة تتَّسم بالقوَّة والتمكين والصلاحيَّات والابتكاريَّة وقوَّة النَّفاذ.
من هنا عكست الزيارة التأريخيَّة لصاحب السُّمو السَّيد نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء الموقَّر لجهاز الرقابة الماليَّة والإداريَّة للدَّولة يوم الأربعاء الأوَّل من نوفمبر المَجيد لعام 2023، حرص الحكومة على تعظيم هذا الدَّوْر المحوري الَّذي يضطلع به جهاز الرقابة الماليَّة والإداريَّة للدَّولة، وتمكينه بتوفير كُلِّ المعطيات والفرص والبيانات والتسهيلات له في إطار الشفافيَّة والمصداقيَّة والمعياريَّة الَّتي تضْمَن تمكُّنه من تأدية واجباته المنوطة به، وتعزيز الشراكة بَيْنَ وحدات الجهاز الإداري للدولة وأهمِّية تكاتفها مع جهود ومبادرات الجهاز الرقابيَّة، في كُلِّ ما من شأنه حماية المال العامِّ وتعزيز النَّزاهة، انطلاقًا من دَوْر المنظومة الرقابيَّة في مَسيرة التنمية المستدامة.
إنَّ شواهد التحوُّل الَّتي صنعها جهاز الرقابة الماليَّة والإداريَّة للدَّولة، والبصمات النَّوْعيَّة الَّتي تركها في واقع منجزه الرقابي، وعَبْرَ تقريره السنوي الَّذي يتشرف برفعه إلى المقام السَّامي متناوِلًا فيه دَوْره في تعزيز النَّزاهة ومكافحة الفساد المالي والإداري، بالإضافة إلى ملخَّص المُجتمع الَّذي يُمثِّل منصَّة تواصليَّة تفاعليَّة حواريَّة بَيْنَ الجهاز والمُجتمع، مُعزَّزة بروح النَّزاهة وقِيَم المحاسبة والوعي الرقابي والَّذي استشعر المواطن قِيَمته وأدرك أهمِّيته، واستوعب فصوله وأدواته، وتفاعل معها بروح وطنيَّة عالية المسؤوليَّة، فإنَّ هذا اللقاء يأتي في ظلِّ مستجدَّات كثيرة وطموحات متعاظمة بدأت مع فترة جديدة لمجلس عُمان، ومبادرات نوعيَّة يقوم بها الجهاز وعَبْرَ الخطَّة الوطنيَّة لتعزيز النَّزاهة 2022ـ2030 الَّتي تُعدُّ بمثابة أداة مرجعيَّة متكاملة للعمل المؤسَّسي في تعزيز النَّزاهة ومكافحة الفساد، الأمْرُ الَّذي يعكس سَعْيَ مجلس الوزراء الموَقَّر إلى تأكيد هذا التناغم والتكامل بَيْنَ وحدات منظومة الجهاز الإداري للدَّولة في دعم هذه المبادرة، والوقوف مع الجهاز في تبنِّي أفضل الممارسات وأنضج الأدوات في مجالات العمل الرقابي.

د.رجب بن علي العويسي
Rajab.2020@hotmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: ة والإداری الع مانی

إقرأ أيضاً:

رئيس الوزراء يستعرض أبرز مؤشرات موازنة العام المالي الجديد

التقى الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، اليوم بمقر الحكومة بالعاصمة الإدارية الجديدة،/ أحمد كُجوك، وزير المالية، لاستعراض عدد من مؤشرات الأداء المالي، وذلك بحضور/ ياسر صبحي، نائب وزير المالية، و/ مجدي محفوظ، رئيس قطاع التمويل بوزارة المالية، و/ وليد عبدالله، رئيس قطاع الموازنة العامة بوزارة المالية.

واستهل رئيس الوزراء اللقاء بالإشارة إلى استمرار الحكومة في العمل على استهداف تحقيق الانضباط المالي وزيادة الإنفاق على قطاعي الصحة والتعليم وزيادة مخصصات برامج الحماية الاجتماعية، موضحًا أن اجتماع اليوم يأتي لعرض عدد من المؤشرات المهمة المتعلقة بالأداء المالي للفترة من يوليو 2024 إلى فبراير 2025، وكذا أبرز مؤشرات موازنة العام المالي الجديد.

وخلال اللقاء، استعرض وزير المالية أهم النتائج المالية للفترة من يوليو 2024 إلى فبراير 2025، موضحًا أن هذه المدة شهدت تحقيق أعلى قيمة فائض أولي ليصل إلى نحو 330 مليار جنيه، كما ارتفعت الإيرادات الضريبية بنسبة 38.4% على أساس سنوي، وهو أعلى معدل نمو سنوي يتحقق منذ سنوات.

وأشار الوزير إلى أنه خلال هذه الفترة تحسنت إدارة الدين من خلال توزيع أعباء مدفوعات الفوائد على السنة المالية، كما تباطأ معدل نمو الاستثمارات المُمولة من الخزانة، في ضوء توجه الدولة نحو ترتيب أولويات الإنفاق ومراجعة خطة الاستثمارات العامة في ظل الالتزام بسقف الإنفاق الاستثماري للعام المالي الحالي.

وأوضح/ أحمد كُجوك أن الإنفاق على قطاعي الصحة والتعليم، خلال هذه الفترة، زاد بنسبة 29%، و24% على التوالي مقارنة بالفترة المماثلة من العام المالي السابق، كما أن الانفاق على باب الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية، قفز بنسبة 44% خلال الفترة من يوليو 2024 إلى فبراير 2025.

وخلال اللقاء، استعرض وزير المالية أهم محاور وأولويات موازنة العام المالي المقبل 2025-2026، مشيرًا إلى أن المحور الأول يتمثل في دفع النمو والنشاط الاقتصادي وإتاحة فرص عمل خاصة من خلال دعم الثقة في الاقتصاد المصري، ومساندة القطاعات الإنتاجية وقطاعي السياحة والتكنولوجيا، والحفاظ على الاستقرار المالي والاقتصادي من خلال الالتزام بالمستهدفات المالية وخفض الدين وأعبائه، والمساعدة في تأمين مصادر الطاقة والوفاء بالتزامات القطاع، واستمرار زيادة المُخصصات المُوجهة لصالح الحماية الاجتماعية والتنمية البشرية وبرامج مساندة الفئات ذات الأولوية.

وفي هذا السياق، عرض الوزير أهم المستهدفات المالية بموازنة العام المالي الجديد، مشيرًا إلى استهداف استمرار تحقيق فائض أولي، وزيادة الإيرادات الضريبية، وزيادة الإنفاق على برنامجي تكافل وكرامة وقطاعات الصحة أو أي برامج أخرى للحماية الاجتماعية.

وخلال اللقاء، قدّم أحمد كُجوك عرضًا بشأن متابعة تنفيذ إصلاحات برنامج صندوق النقد الدولي والموافقة على صرف الشريحة الرابعة والتمهيد للمراجعة الخامسة، كما قدّم الوزير عرضًا تضمن مُقترحًا لخفض دين أجهزة الموازنة.

مقالات مشابهة

  • الرقابة المالية: 2.2 مليار جنيه لعملاء التمويل العقاري خلال يناير الماضي
  • المحروقي: "جهاز الرقابة" يبذل جهودًا حثيثة لحماية المال العام وتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد
  • مدبولي: الرئيس السيسي يوجه بتطبيق الحزمة الاجتماعية قبل بدء العام المالي المقبل
  • «جهاز الرقابة» .. جهود حثيثة في حماية المال العام وتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد
  • السودان..  تسليم الحساب الختامي للدولة للعام المالي 2023
  • عبد الباقي لـ سانا: نُؤكد استمرار تعزيز آليات الرقابة والتدقيق في جميع المشاريع والعمليات المالية، لضمان حماية المال العام واستعادة حقوق الدولة والمواطنين بمهنية عالية
  • رئيس الوزراء يلتقي وزير المالية لاستعراض عددٍ من مؤشرات الأداء المالي
  • رئيس الوزراء يستعرض أبرز مؤشرات موازنة العام المالي الجديد
  • لمواجهة العجز المالي.. تجميد بطاقات الائتمان الحكومية في بريطانيا
  • السيسي: القوات المسلحة والشرطة الركيزة الأساسية للدولة في هذه الأوقات الاستثنائية