«الوثائقية» تعرض الجزء الثالث من «هيكل.. سيرة الأستاذ» في نوفمبر
تاريخ النشر: 1st, November 2023 GMT
أعلنت قناة الوثائقية إنتاج وعرض الجزء الثالث من الفيلم الوثائقي «هيكل.. سيرة الأستاذ»، الذي يتناول تفاصيل السنوات الأخيرة من حياة الأستاذ محمد حسنين هيكل، وصولًا إلى رحيله عام 2016.
الجزء الثالث من سيرة هيكل على الوثائقيةويتضمن الجزء الثالث مشاهد وشهادات لم تظهر من قبل عن حريق منزل الأستاذ هيكل في برقاش، وتفاصيل محاولة اغتياله عقب أحداث ثورة 30 يونيو 2013 والوصية التي كتبها، واللحظات الأخيرة في حياته.
يذكر أنّ قناة «الوثائقية» أنتجت وعرضت الجزءين الأول والثاني من فيلم «هيكل.. سيرة الأستاذ» خلال الشهرين الماضيين، احتفاءً بمئوية ميلاد الكاتب الصحفي الراحل محمد حسنين هيكل.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: محمد حسنين هيكل هيكل القناة الوثائقية الجزء الثالث
إقرأ أيضاً:
سامح قاسم يكتب | "أم كلثوم.. من الميلاد إلى الأسطورة".. سيرة على مقام القصيدة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
ليس من السهل أن تكتب عن صوتٍ صار وطنًا. أن تروي حكاية امرأةٍ تجاوزت جسدها وصارت تجسيدًا لعصر، وذاكرة جمعية لعشاقٍ، وثوّار، وملوك، ومهزومين. لكن حسن عبد الموجود لم يدخل إلى أم كلثوم من بوابة التوثيق، بل من نوافذ الحنين، ومن ممرات الحكاية، ومن شرفات اللغة. في كتابه "أم كلثوم: من الميلاد إلى الأسطورة"، لا نجد السرد التقليدي لسيرة فنانة، بل نصًا هجينًا بين الأدب والتاريخ، بين القصيدة والأرشيف، بين النشيد والمناجاة.
هذا الكتاب لا يسير على خطى الزمن، بل يعيد ترتيبه على إيقاع خاص، كما لو أن الكاتب أعاد توزيع حياة أم كلثوم على خمسين مقامًا سرديًا، حيث يتكرر اللحن، لكن لا تتكرر الحكاية. إنه لا يكتب عن سيدة الغناء العربي بقدر ما يستحضرها كأيقونة تتقاطع فيها العاطفة والفن والسياسة والقدر.
لا يبدأ حسن عبد الموجود من القاهرة، ولا من الميكروفون، بل من الطمي. من قريتها طماي الزهايرة، كأنه يبحث عن بذور الصوت، عن الماء الأول الذي شربته الحنجرة، عن الحقول التي سمعت ترتيلها الطفولي. لا يتعامل الكاتب مع الريف كمعلومة، بل كفضاء شعري، كأرضٍ تمهّد لقدَر. وهناك، في الحكايات الأولى، تبدأ أم كلثوم كامرأة لا تعرف أنها ستحكم السمع والمزاج العربي لعقود، بل كابنة إمام، تسكنها البدايات لا النهايات.
ومع تقدم الفصول، يتغير الإيقاع، لكن لا تفقد اللغة شغفها. يرصد الكاتب لحظات التحوّل: انتقالها إلى القاهرة، مواجهتها الأولى مع الذكور الذين يحرسون الميدان الفني، توترها بين الشرقي الأصيل والتجديد، وقبل كل ذلك، حذرها من الحب، من الرجل، من الضعف.
يأخذ عبد الموجود على عاتقه تفكيك صورة أم كلثوم الأسطورية دون أن يمسّ بهالتها، يعريها ليزيدها رهبة. يقترب منها لا كناقد بل كعاشق، يشكّك أحيانًا، يندهش غالبًا، ويترك الباب مفتوحًا للتأويل دائمًا. يظهر الجانب الإنساني الذي نادرًا ما يُرى: صرامتها، حساباتها الدقيقة، حسّها السياسي، وربما حتى وحدتها. يكتب عنها لا ليُحاكمها، بل ليجعلنا نفكر فيها على نحوٍ أعمق: ماذا يعني أن تكون صوتًا لجيل؟ كيف تحتمل امرأة أن تصبح رمزًا بلا لحظة ضعف علني؟
ومن هذا المنطلق، لا يفصل الكاتب بين أم كلثوم الفرد وأم كلثوم المؤسسة. هي التي غنّت للثورة كما غنّت للغرام، غنّت للزعيم كما غنّت للدمعة التي تنام على خدّ أرملة في قريةٍ لا تعرف أسماء الوزراء. بذلك، تصبح أم كلثوم مرآة عصرها، لا مجرد موسيقاه.
ما يميز هذا العمل ليس فقط ما يقوله، بل كيف يقوله. اللغة هنا ليست وسيلة نقل، بل أداء فني بحد ذاته. جملٌ طويلة كجملة موسيقية تتهادى، واستعارات تنبت من قلب الحكاية، وصور تتراكم مثل نغمات "ألف ليلة وليلة". لا نجد الحياد الصحفي، بل التورط الأدبي، ولا نجد الخطابة، بل همس عاشق يعرف أن الأسطورة لا تكتب بمداد الحبر فقط، بل بارتجاف القلب.
يتركنا الكتاب كما تتركنا أم كلثوم في نهاية كل حفل: مشبعين، لكن غير مكتفين. نغلق الصفحة، ونشعر أن الصوت لا يزال في الداخل. ربما لأن الكاتب لم يكتب النهاية، بل ترك الأسطورة مفتوحة. وربما لأن أم كلثوم نفسها لا تنتهي: كلما ظننا أننا سمعناها بما يكفي، فاجأتنا مرة أخرى من عمق الذاكرة.
"من الميلاد إلى الأسطورة" هو كتاب لا يُقرأ مرة واحدة، ولا يُقرأ كوثيقة، بل يُقرأ كما يُستمع إلى أغنية طويلة تُحيا كلما أُعيد غناؤها. حسن عبد الموجود كتب شيئًا لا نعرف كيف نصنّفه، لكنه كتب ما يشبه أم كلثوم: لغزًا، صوتًا، ذاكرة، ومقامًا لا يُعاد.