مع إكمال الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في السودان مئويتها الثانية؛ اتسعت رقعة القتال والخسائر والدمار الواسع الذي طال العاصمة الخرطوم وعدد من المدن الغربية، وسط تشاؤم كبير حيال حل نهائي للأزمة التي أحدثت تغييرا كبيرا في وجه البلاد.

تفشي الكوليرا وحمى الضنك في السودان.. الصحة تكشف التفاصيل السعودية تدعو طرفي النزاع في السودان لوقف إطلاق النار

ومنذ اندلاع القتال في منتصف أبريل وحتى الآن وصلت الخسائر البشرية إلى أكثر من 10 آلاف شخص، وتشريد نحو 8 ملايين إلى مناطق داخل وخارج البلاد؛ واستمر توقف أكثر من 70 في المئة من النشاط الاقتصادي، واتسعت رقعة الجوع لتطال أكثر من 24 مليون من سكان البلاد البالغ عددهم نحو 42 مليون نسمة.

 

مفاوضات متعثرة

وعلى الرغم من استئناف مفاوضات السلام في مدينة جدة الأسبوع الماضي؛ إلا أن وتيرة القتال اتسعت بشكل ملحوظ خصوصا في إقليم دارفور بغرب البلاد الذي تمكنت قوات الدعم السريع من السيطرة فيه على مدينتي نيالا وزالنجي الاستراتيجيتين، لتصل نسبة سيطرتها على مجمل مناطق الإقليم الأكبر في البلاد إلى أكثر من 70 في المئة، إضافة إلى نحو 90 في المئة من العاصمة الخرطوم ومدن ومناطق أخرى في إقليم كردفان.

ومع احتدام القتال وتزايد القصف الجوي والأرضي؛ شهدت مدن العاصمة الثلاثة - الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري - المزيد من موجات النزوح لتتحول أكثر من 80 في المئة من تلك المدن إلى مناطق شبه خالية تماما من السكان؛ في حين يواجه العالقون أوضاعا إنسانية وأمنية بالغة التعقيد وسط تقارير عن انعدام المخزون الغذائي خصوصا في أحياء وسط مدينة ام درمان شمال الخرطوم.

وتتزايد الأوضاع الصحية سوءا في ظل خروج أكثر من 80 في المئة من المستشفيات عن الخدمة والنقص الحاد في الأدوية المنقذة للحياة؛ وانتشار الحميات والأمراض المعدية التي حصدت أرواح المئات في عدد من اقاليم البلاد.

انكماش اقتصادي

اقتصاديا؛ توقع البنك الدولي انكماش نمو البلاد إلى سالب 12 في المئة خلال العام الحالي وذلك بسبب تداعيات الحرب التي أدت إلى توقف عجلة الإنتاج في معظم مناطق البلاد، وهبوطا حادا في قيمة الجنيه السوداني، حيث يتم تداول الدولار الواحد حاليا باكثر من ألف جنيه في السوق الموازي مقارنة مع نحو 600 جنيه قبل اندلاع الحرب.

وفقدت معظم الأسر السودانية مصدر دخلها لترتفع معدلات الفقر إلى أكثر من 60 في المئة وسط شح حاد في السلع الغذائية.

ومع تطاول أمد الحرب يتخوف السودانيون من تشكل واقع جديد تصعب السيطرة عليه؛ مطالبين بحلول واقعية تخاطب الأزمة، وتمنع تمددها اكثر بما يهدد وحدة البلاد.

وفي هذا السياق؛ يقول الكاتب والمحلل السياسي وائل محجوب لموقع سكاي نيوز عربية: "بعد مرور 7 أشهر على اندلاعها والدمار الكبير الذي ألحقته بالبلاد؛ كشفت الحرب الحالية عن مقدار السوء الذي تنطوي عليه الأطراف المشاركة فيها بما لا يصح معه وصفها بحرب للكرامة، ولا معركة للديمقراطية، فقد قادت البلاد لسلسلة من جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية.

وأضاف "هذه الحرب أطلقت روح الشر الكامنة في مجموعات نظام الإنقاذ العسكرية ومليشياتها المختلفة".

ويشدد محجوب على أن أي محاولة لمعالجة سطحية للواقع الذي خلقته الحرب الحالية عبر ترتيبات أمنية تنبني على القوات المسلحة والدعم السريع فقط، وتتجاهل وضعية بقية المليشيات، وتبقي عليها وعلى أسلحتها وعتادها العسكري، وتضع خطوات عملية لإنهاء الأساس القانوني والمادي لوجودها، لن تفضي الإ لتأجيل للحرب، أو إغراق البلاد مستقبلا في مستنقع الفوضى، والإبقاء على عناصر الانقسام الاجتماعي الذي صنعته الحرب حاضرا ما بعدها.

ويرى محجوب أن أهم متطلبات مرحلة ما بعد الحرب هي تفكيك القوى الضالعة في القتال؛ مشيرا إلى أن الحرب الحالية ليست مجرد حرب بين طرفين، إنما هي صراع بين قوى مختلفة، انتجها نظام الإخوان في إطار حروبه وتكتيكاته السياسية، ورعتها من بعده، قياداته الأمنية، في سعيها لإضعاف الحكومة الانتقالية ومساعيها للهيمنة والاستيلاء على السلطة، ومحاصرة القوى المدنية.

ويضيف "الحرب الحقيقية ستبدأ بفتح الطريق أمام العدالة والمحاسبة على كل الجرائم التي وقعت والاعتراف بخطأ منهج تأسيس ورعاية قوى مسلحة خارج القوات النظامية المخولة بحمل السلاح، والاستعداد لمعالجة الخلل البنيوي والهيكلي داخل القوات المسلحة".

خسائر ضخمة

قتل أكثر من 10 آلاف شخص وشرد نحو 8 ملايين شخص من مناطقهم الأصلية خلال الأشهر السبع التي تلت اندلاع الحرب في منتصف أبريل.

تعرض أكثر من ألف مبنى حكومي وخدمي على الأقل لدمار كامل أو جزئي من بينها مباني تاريخية كالقصر الجمهوري والمتاحف القومية، وعدد من ابراج الوزارات والبنوك.

قدرت الخسائر الاقتصادية المباشرة بأكثر من 100 مليار دولار بحسب بيانات مستقلة؛ كما توقف أكثر من 400 مصنع عن العمل تماما بعد اندلاع الحرب.

أحدثت الحرب دمارا واسعا في البنية التحتية شمل جزءا كبيرا من شبكات المياه والكهرباء والطرق والجسور وغيرها من المرافق الحيوية.

توفي أكثر من ألف شخص من مرضى الكلى والأمراض المزمنة الأخرى بسبب نقص الأدوية والرعاية الطبية، وإصابة 100 الف على الأقل بالملاريا ونحو 3500 بحمى الضنك و1450 بالكوليرا والاسهالات المائية خلال 3 أشهر بحسب منظمات الأمم المتحدة

اكثر من 10 ملايين طالب خارج مقاعد الدراسة حتى الآن وسط جدل محتدم من استئناف محتمل للدراسة في ظل الأوضاع الأمنية والاقتصادية المعقدة حاليا

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: السودان مفاوضات متعثرة فی المئة من أکثر من

إقرأ أيضاً:

الإعلام ومآلات حسم الحرب في السودان

زين العابدين صالح عبد الرحمن

معلوم تاريخيا: أن جوزيف غوبلز وزير الدعاية في زمن ألمانيا الهتلرية هو الذي أدخل الإعلام كعامل جوهري في المعارك العسكرية في الحرب العالمية الثانية، و لم يتخلف الإعلام في كل الحروب التي كانت قد خاضتها المانيا في ظل النازية و خاصة في دول أوروبا.. كان الإعلام يستخدم الحرب النفسية ضد شعوب الدول التي كان يراد أحتلالها و السيطرة عليها، و من تلك الفترة أصبح الإعلام يلعب دورا أساسيا في المعارك العسكرية، بهدف تحطيم المعنويات وسط مقاتلي العدو و أيضا شعوبهم، و الغريب في الحرب الدائرة في السودان أن إعلام الميليشيا الذي جندت له العديد من الإعلاميين و الصحافيين السودانيين و غيرهم من الدول الأخرى، و جعلت لهم مراكز عديدة في عدد من دول شرق أفريقيا، و أيضا في بعض الدول العربية و الغربية، و هؤلاء دورهم الأساسي أن يخلقوا حالة من الإحباط النفسي و المعنوي وسط الجماهير، لكي يشككوا في قيادة الجيش، و يقولون ليست قدر التحدي، أو أن لها أجندة أخرى غير أجندة المواطنين التي تتركز على إخراج الميليشيا من منازلهم و إعادة ممتلكاتهم، و الهدف من ذلك هو ضرب اسفين بين الجيش و الشعب، في اعتقاد أن فك ارتباط هذه العلاقة سوف تدفع قيادة الجيش من خلال الضغط الخارجي أن تستجيب لدعوات "لا للحرب" و الهدف عمل تسوية بين المتقاتلين للعودة لفترة ما قبل الحرب" الاتفاق الإطاري"..
و أن تصريحات القائد العام للجيش الذي أكد فيها لن يكون للميليشيا موطيء قدم في البلاد. و تصريحات مساعد القائد التي وضع فيها أربعة شروط للميليشيا تؤكد أن الجيش لن يساوم في قضية القضاء على الميليشيا.. و يجب النظر للقضية بموضوعية بعيدا عن المزايدات السياسية، و التي تحاول أن تصور فيها بعض من قوى اليسار و التابعين لهم، أن الإسلاميين مسيطرين على القرار في الجيش، هي فرية سياسية تهدف منها أحزاب قحت المركزي و بعض قبائل اليسار الذين فقدوا قدرتهم على التعاطي مع الفكر السياسي، و أصبحوا مجرد أدوات فاقدة الأهلية، و قدرتهم أصبحت فقط على صناعة شعارات التحريض، و حتى التحليل السياسي للأحداث قد فشلوا فيه، و أوكلوا ذلك لعدد من مثقفي المقاولات بالقطعة.. أن هدف هؤلاء من ربط الإسلاميين بالجيش لزرع الخوف في حكام دول الخليج و أيضا في صناع القرار في الغرب و أمريكا.. واصبح الرهان الوحيد لهذه القيادات و التابعين لها هو البحث عن رافعة لهم من دول الخارج تمكنهم من الوصول للسلطة دون الدعوة إلي الانتخابات.. و أيضا غياب الإعلام في معركة الكرامة يؤكد ليس هناك أي نفوذ للإسلاميين على الجيش، و إذا كان بالفعل لهم نفوذ لم يكن هناك شكوى لغياب الإعلام. و يعلم كل السودانيين كيف كان يدير الإسلاميون الآلة الإعلامية زمن الإنقاذ في حربهم مع الحركة الشعبية، أسسوا إعلاما موازيا لإعلام الدولة و أنتجوا به المادة الإعلامية التي تغطي العمليات الحربية مع الحركة الشعبية، و إذا كان الإسلاميون هم يديرون الآلة الحربية كانوا سيطروا على الساحة إعلاميا، و الكل يعرف ذلك..
استطاع إعلام الميليشيا أن يكون مؤثرا في مجريات الحرب، و خاصة في الحرب النفسية وسط الناس، من خلال تصوير أن قوات الميليشيا هي التي تبادر في العمليات العسكرية، و هي التي تختار أين تكون أماكنها، و تحاول أن تصور بأن قيادة الجيش ضعيفة و لا تستطيع مجاراة الميليشيا، بهدف خلق حالة من الإحباط و الذعر وسط الشعب، بالقول أن الجيش غير قادر على حماية القرى و المدن و المدنيين، رغم أن الميليشيا تعلم تماما؛ أنها فقدت القدرة على المبادرة، و كل محاولاتها هو إظهار أنها ماتزال مؤثرة و لها قوة ضاربة تساعدها على الحركة، و هي بذلك تقدم طلبا للمجتمع الدولي أن يضغط على قيادة الجيش في السودان لكي يذهبوا إلي مائدة التفاوض، و ليس للميليشيا خيار غير " تسوية سياسية" تعيدها مرة أخرى و اتباعها من القوى السياسية إلي أجندة "الإتفاق الإطاري" و هي أجندة قد تجاوزتها الأحداث، و تجاوزت حتى الذين كانوا فاعلين فيها، أن الاحتفاظ بتماسك اللحمة بين الشعب و الجيش وحده سوف يحبط كل المؤامرات التي تحاك ضد السودان..
كان المتوقع من القيادات التي على رأس الجيش و السلطة، و جميعهم قد درسوا دراسات إستراتيجية و يعلمون أهمية الإعلام في المعركة العسكرية، أن يلتفتوا إلي دور الإعلام في المعركة، و يؤسس لعمل أعلامي مدروس قادر للتصدى لإعلام الميليشيا ، و التي أصبحت تركز على العمل الإعلامي بهدف ضرب العلاقة بين الشعب و الجيش.. و في نفس الوقت زراعة الإحباط في المجتمع. و هناك العديد من الطابور الخامس و الجهلاء داخل السودان و خارجه يرفعون البوسترات الداعمة للميليشيا على الوسائط الإعلامية لتخويف المواطنين، و في نفس الوقت إدخال الياس في قلوبهم.. و أن الميليشيا قد استطاعت أن تستقطب العديد من هؤلاء الذين يعملون على مدار 24 ساعة، لخلق حالة الاحباط وسط الناس. و كان على الجيش أن يلتفت لذلك، باعتبار أن الإعلام يلعب دورا كبيرا في المعركة، و كان عليهم أن يفتحوا الباب لمراسلين حربين من السودانيين للعمل من أجل طمأنة الناس من خلال ضخ المعلومات الصحيحة باستمرار، و مساعدة القنوات التي كانت تعمل في البلاد مثل النيل الأزرق و سودانية 24 و البلد و الشروق للتصدي لهذه الحملة الإعلامية، و أيضا دعم الصحف.. أن الحرب الدائرة الآن، ليست معركة سياسية فقط، بل هي معركة وجود و يلعب الشعب و الجيش الدور الأساسي في حسمها لصالح الوطن و الموطنيين. و نسأل الله حسن البصيرة..

zainsalih@hotmail.com  

مقالات مشابهة

  • الفلسطيني للشؤون الاستراتيجية: البنية التحتية في قطاع غزة دمر منها أكثر من 80%
  • رئيس المركز الفلسطيني للشؤون الاستراتيجية: جيش الاحتلال يذل اليوم في غزة (فيديو)
  • وكيل الخارجية السوداني: بعد تمرد الدعم السريع البلاد أصبحت أكبر الدول المُصدرة للهجرة
  • الخيار الديمقراطي الذي نقلته عصابات الجنجويد من الخرطوم إلي سنجة والدندر
  • السودان: رسائل إلى المجتمعين في القاهرة
  • بين إصلاحي ومحافظ متشدد.. إيران تخوض جولة جديدة لاختيار رئيسها
  • ولاية سنّار.. موطن أول دولة إسلامية في السودان
  • السودان.. نزوح أكثر من 136 ألف شخص بسبب معارك سنار
  • السودان.. نزوح أكثر من 136 ألف شخص بسبب "معارك سنار"
  • الإعلام ومآلات حسم الحرب في السودان