كتب المهندس خالد نجم الدين أحد جرحي ندوة الأربعاء 12 أكتوبر 1964 عن اصابته بطلق ناري في المواجهة بين الطلاب والشرطة في تلك الليلة. ليلة الأربعاء التي فيها "نصبوا بروج الموت فوق الجمعة" كما قال ود المكي. وكتب خالد عن شجاعة جماعة من الطلاب من حوله خص منهم بالذكر المرحوم الرفيق عبد الله محمد الحسن. فقال:
لحظة إصابتي بالطلق الناري وأنا في وسط زملائي الطلاب.

أذكر أنه كان بجواري الزميل القانوني (الإداري) عبد الله محمد الحسن الذي توفي في حادث حركة بالخرطوم، رحمة الله عليه. لم يتردد هذا الطالب الشهم، وحملني بين يديه بمساعدة بعض الزملاء، وانطلقوا بي بسرعة البرق متجهين نحو البوابة الرئيسية لداخليات (البركس) في الجهة الغربية، في محاولة منهم لإسعافي بالسرعة الممكنة نحو مستشفى الخرطوم. وعند البوابة تصدت لهم قوات الشرطة بالقنابل المسيلة للدموع. وهنا تجلت لي نخوة وشجاعة هؤلاء النفر من زملائي الطلاب. فبدلاً من أن يتركوني أصارع الموت لوحدي، أصروا على حملي متوجهين جنوباً نحو الجدار الذي كان يفصل بين داخليات البركس ومدرسة الخرطوم الثانوية. فتسلق بعضهم الجدار إلى الجانب الآخر، وحملني البعض الآخر على كفوفهم متجاوزين الجدار، ليسلموني لزملاء في الجانب الآخر. ومن هناك أسرع بي الزملاء نحو الطريق الرئيسي بحثاً عن وسيلة نقل إلى مستشفى الخرطوم.
انتهى كلام خالد: من هو عبد الله محمد الحسن:
كان يكتب اسمه الأخير أحياناً ك"المجذوب". وهو من قرية فتوار شمالي بربر غربي النيل وقريباً من الباوقة. وتربى في الحصاحيصا. وقرأ الثانوية ببورتسودان الحكومية. والتحق بكلية الآداب بجامعة الخرطوم في عام 61-62. وهو شقيق الرشيد محمد الحسن المناضل الشيوعي المخضرم المعروف ببحري الجزيرة. وله أخوات. وتزوج عام 1969 من الدكتورة دينا شيخ الدين وله منها خالد.
عمل بعد تخرجه مع المرحوم عبد الوهاب موسي في مكتب استشاري للعمل كان بعمارة تحتل بعضها صحيفة الرأي العام. وقام بعمل ميداني في مشاريع الشمالية للغاية.
ثم التحق بمعهد الإدارة العامة الذي أوفده في نحو أوائل1971 لبعثة بجامعة جنوب كاليفورنيا. فحصل على درجة الماجستير في الإدارة العامة وعاد في 1973 للسودان. وتوفي رحمه الله في حادث حركة فاجع في 1975.
من جهة السياسة فعبد الله عضو الجبهة الديمقراطية بالجامعة، ورابطة الطلاب الشيوعيين، فالحزب الشيوعي. ومثّل الجبهة لديمقراطية في مجلس الاتحاد ولجنته التنفيذية للعام 1963-1964. وفُصل من الجامعة لعام 63-64 بسبب تظاهرة للطلاب في حفل تخريج بالجامعة شهدها مدراء الجامعات الأفريقية. وكان قرار الاتحاد أن ينسحب الطلاب بهدوء احتجاجاً على قرار نظام عصابة 17 نوفمبر بضم الجامعة إلى وزارة التربية. ولكن عضوين من الجبهة الديمقراطية هما الدكتورين سراج علي اللبني وعبد المنعم عطية خرقا الاتفاق، وهتفا، وتبعهما الطلاب. وسبِّب خروج الزميلين لنا حرجاً في أروقة الاتحاد تفهمت المعسكرات الأخرى اعتذارنا عنه. وشملني الإيقاف كسكرتير للاتحاد. وشمل المرحوم بابكر الحاج الذي كان أول من تحدث في ندوة "الإخوان" أو كما قالوا، ولم يكمل كلمته كما هو معروف.
عمل عبد الله خلال سنة الإيقاف مديراً لأعمال علي دنقلا في الخرطوم بحكم صلة الأسرتين في الحصاحيصا. وكان دنقلا قد وقع عليه عطاء بناء عدد من قرى خشم القربة لتوطين أهالي حلفا. وكان مكتبه على شارع الحرية في أواسط المنطقة الصناعية. وكنت عمِلت مدرساً بمدرسة الجمهورية عند مقابر حمد النيل بأم درمان. ومتنت هذه السنة أواصر المحبة بنا على طريق الزمالة. كنت نلتقي في قهوة قريبة من الكوباني بالسوق العربي كل مساء تقريباً. وكان يغشانا المرحوم عمر عوض حمور المدرس بوادي سيدنا. وكان هي تلك الظروف التي أول ما عرفت فيها الدكتور عبد الرحيم على الطالب بمدرسة وادي سيدنا.
أهديته كتابي "بئر معطلة وقصر مشيد" بقولي: "يا حبيبي، اسهدتني عليك". كان ارأف الناس بي وأبرهم. وكنت احبه جداً لله والحزب والوطن. ثم التقينا على محبة أستاذنا عبد الخالق محجوب وكتاب ماركس: "الثامن عشر من برومير" لبلاغته قبل كل شيء. ولو آثر أستاذنا أحداً بمحبته من جيلنا لكان عبد الله على غير ما يدعي بعض الناس لي. فكان يغشاني نهارات الجمع لنزور أستاذنا في بيته. وكان بمثابة سكرتير له. ينتحي به أستاذنا جانباً في حديث وتكاليف. ثم نجتمع بعدها ونسمر.
وتصدى عبد الله أكثر مرة للرد على المرحوم صلاح أحمد إبراهيم في مقالات بجريدة الصحافة عام 1968 تتريق فيها على أستاذنا تريقة حامضة وغير مجدية. كما كتب الشعر ونشر بعضه على صفحة "الراي العام" الأدبية التي حررها الأستاذ أحمد على بقادي.
ولما قام انقلاب مايو 1969كان عبد الله قريباً من أستاذنا في اللجنة الحكومية التي نشأت للتنسيق بين الحكومة والحزب لتفادي الصدام وسوء التفاهم، ولتدارس مشروعات الحزب للدولة. ثم صار إلى وزارة الجنوب الجديدة مع الرفيق الشهيد جوزيف قرنق مستشاراً للعمل النقابي. وأول ما رأيت أستاذنا عبد الخالق في غير بيته أو في العمل العام كان في أغسطس 1969 جاء يهنئ عبد الله بزواجه في بيته بامتداد الثالثة قريباً من محطة 7.
كان عبد الله في البعثة حين قام انقلاب 19 يوليو 1971 وتشتت الشمل. وعاد في 1973 ووجدني في طيات العمل السري. وكان بيته مفتوحاً لي في كل وقت. آكل واشرب وأهنأ. وفوجئت ضحى يوم من عام 1975 بمن نقل لي خبر مصرعه في حادث حركة على شارع الصحافة شرق. وعرفت أني تيتمت. وكانت سيارته الخضراء البيضاء قعيدة عند القسم الجنوبي لشهور أمر عليها فتنتحب روحي.
هذا هو الحبيب عبد الله. كان لما عاد للجامعة في 1964 عضواً بمجلس الاتحاد. وها أنت تراه العضو الوحيد من المجلس الأربعيني الذي كان بين الطلاب جريحاً هو نفسه ويداوي جرحاهم. ولا أحسب أنه كان من سكان البركس. فعهدي به أنه كان إما بداخلية بحر العرب أو الرهد أو ربما بحر الغزال. وغير متأكد. لم أكن لا أنا، ولا ربيع حسن أحمد، ولا أنور الهادي عبد الرحمن، الذي ما كف يرمينا بالجبن ومهادنة النظام، ممن شهدوا الوغي مثل شهود عبد الله. وبينما كان عبد الله جريحاً يحف جريجاً بعناية شجاعة وسط زخات الرصاص كانت زوجته مستقبلاً، دينا شيخ الدين، تطلق زغروداتها في ساحة البركس تحض على الوقوف والبسالة.

IbrahimA@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: کان عبد الله

إقرأ أيضاً:

القوات المسلحة تهنئ الرئيس السيسي بمناسبة الذكرى الـ51 لنصر أكتوبر المجيد

بعث الفريق أول عبد المجيد صقر القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي، ببرقية تهنئة للرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة، بمناسبـة ذكرى إنتصارات أكتوبر المجيدة لعام 2024، جاء فيها:

السيد الرئيس / عبد الفتاح السيسى

رئيس الجمهورية - القائد الأعلى للقوات المسلحة

يطيب لى أن أبعث إلى سيادتكم بأصدق آيات التهانى بمناسبة الإحتفال بالذكرى الحادية والخمسين لنصر أكتوبر المجيد، الذى جسد أصالة شعب مصر وقواته المسلحة وعظمة ولائهم للوطن المفدى بما قدموه من تضحيات وبطولات وأثبتوا للعالم أنه لا تهاون مع معتدٍ ولا تفريط فى حبة رمل من أرض مصر المقدسة.

ورجال القوات المسلحة وهم يهنئون سيادتكم بهذه المناسبة الوطنية يشعرون بالشموخ والعزة بهذا النصر العظيم، ويؤكدون لسيادتكم وقوفهم خلف قيادتكم حراساً أمناء على الوطن ومقدساته وسلامة أراضيه، محافظين على إنجازات جيل أكتوبر التى حفظت للوطن عزته وكرامته فى يوم مجيد من أيام العسكرية المصرية.

حفظكم الله ورعاكم وحفظ مصر وشعبها بقيادتكم الوطنية الحكيمة.

وكل عام وسيادتكم بخير.،

كما بعث الفريق / أحمد خليفة رئيس أركان حرب القوات المسلحة ببرقية تهنئة مماثلة للسيد الرئيس / عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة بهذه المناسبة.

وأصدر الفريق أول / عبد المجيد صقر القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربى توجيهاً لتهنئة القادة والضباط وضباط الصف والصناع العسكريين والجنود وأفراد القوات المسلحة المشاركين بقوات حفظ السلام والعاملين المدنيين بالقوات المسلحة ووزارة الإنتاج الحربى بمناسبة الإحتفال بذكرى نصر أكتوبر المجيد لعام 2024.

كما أصدر الفريق / أحمد خليفة رئيس أركان حرب القوات المسلحة توجيهاً لتهنئة القادة والضباط وضباط الصف والصناع العسكريين والجنود وأفراد القوات المسلحة المشاركين بقوات حفظ السلام والعاملين المدنيين بالقوات المسلحة بنفس المناسبة

اقرأ أيضاًنقيب الأطباء يفتتح المقر الجديد لمشروع علاج اتحاد المهن الطبية

مجلس الشيوخ يؤيد إجراءات الرئيس السيسى لحماية الأمن القومي المصري

مقالات مشابهة

  • القوات المسلحة تهنئ رئيس الجمهورية بالذكرى الحادية والخمسين لانتصارات أكتوبر
  • القوات المسلحة تهنئ رئيس الجمهورية بمناسبة الذكرى 51 لنصر أكتوبر المجيد
  • القوات المسلحة تهنئ الرئيس السيسي بمناسبة الذكرى الـ51 لنصر أكتوبر المجيد
  • القوات المسلحة تهنئ رئيس الجمهورية بمناسبة الذكرى الحادية والخمسين لنصر أكتوبر المجيد
  • أيقونة أكتوبر 1964 .. إلى روح الشاعر الفذ والدبلوماسي الأديب محمد المكي إبراهيم
  • محمد بن زايد يهنئ الصين بمناسبة الذكرى الـ 75 لتأسيس الجمهورية الشعبية
  • موضوع تعبير عن حرب أكتوبر بالعناصر والمقدمة والخاتمة في الذكرى الـ51
  • شوقي غريب مديرا فنيا للنادي الإسماعيلي
  • تكريم الدكتور محمد العجمي بإعلام 6 أكتوبر
  • بلينكن: حسن نصر الله كان "إرهابيا وحشيا" وكان من بين ضحاياه العديد من الأميركيين