هل يصبح ما نكتبه الآن هو النداء الاخير في الملعب السياسي؟؟؟
تاريخ النشر: 1st, November 2023 GMT
يتوقع العديد من الناشطين في منصات التواصل الاجتماعي وبكتاباتهم المسؤولة وحتي الهزلية منها ان تنجح جهود منبر جدة وتقود الي توقف اطلاق النار وان تغادر قوات الدعم السريع كل المقار التي سيطرت عليها خلال هذه الحرب وان تترك منازل مواطني ولاية الخرطوم كماهي حتي لو حدث فيها تخريب وافتقد اهلها اعز مايملكون من اثاثات واموال ومغتنيات .
واكثر من ذلك ان يصبح جيشنا قويا مثلما كان في ماضي الزمان .. حاميا للوطن وحافظا للارض والعرض .. مبتعدا عن الانغماس في الشان السياسي المدني .. وان تزول روح الانتقام والاحتقان التي عملت علي تقسيم اهل السودان بسبب الاختلاف في الرؤي والافكار السياسية التي ظلوا يعيشونها ويكتوون بنيرانها الحارقة منذ تحقيق استقلال البلاد في العام ١٩٥٦م. وبخاصة الصراع الازلي الممجوج والذي تغلفه روح الانتقام بين تيار الاسلام السياسي وتيارات اليسار السوداني بمختلف مناهجها.
ولن يحدث ذلك الا بطرد الروح الشريرة التي ظلت تنعش هذا الصراع في كل الازمنة الماضية وحتي اليوم .. وتكون النتائج دائما صفرا كبيرا علي الشمال.
فان لم تنته روح الانتقام هذه بين تلك الاجنحة السياسية فان بلادنا لن تشهد اي استقرار.
وقد إزداد الامر تعقيدا حين اقتحمت المليشيات والحركات المسلحة ميدان السياسة من اوسع ابوابه حتي وصلت الي قمة الهرم السيادي والتنفيذي في الدولة دون ان يحققوا انجازا لخلق بيئة تسامح بين التيارات السياسية لاهل السودان الي ان انفجرت الامور حتي وصلت الي هذه النهايات الحزينة.
فهل نتركهم يتصارعون بالسلاح وتظللهم النشوي وهم يمارسون خاصية الموت المجاني وبلا هدف محدد غير مواصلة قعقعة السلاح .. ام نتكاتف سويا ونطرد تلك الروح الشريرة التي قسمت المجتمع السوداني الي ثلاثه اقسام .. قسم يدعو الي استمرار الحرب الحالية وقسم ثاني يدعو ويعمل علي ايقافها متمنيا نجاح مبادرة منبر جدة . وقسم ثالث يقف متفرجا وكأن الامر لايهمه.
علما بأن اكثر المهمومين بتداعيات الحرب ونتائجها الاهلية والاقتصادية هم سكان ولاية الخرطوم التي هجروها ويمموا شطر مدن وقري السودان وايضا مدن الدول القريبة والبعيدة والتي اصبح بعضها عصيا عليها استقبالهم.
وما المانع في ان يقتنع قادة جيشنا وقادة الدعم السريع بأن استمرار الحرب هو نهاية طبيعية للطرفين .. وبالتالي من الاجدر ان يفكروا بجدية دون النظر لاسباب اندلاع نيران الحرب في أن سلام السودان واستقراره افضل مليون مرة من رهق هذه الحرب وممارسة لعبة الذخيرة التي لن تصنع مستقبلا زاهرا لبلادنا .
وهاهي الحرب تدخل شهرها السابع والكل يعلم بان نتائجها هي المزيد من النزوح لسكان مناطق الحرب في الخرطوم وفي مدن دارفور ... والنتيجة النهائية هي احتلال مدن ومرافق ومباني ولكن بلاحياة فيها .
فهل سيحكمون الاسمنت وطوب المنازل وخرسانتها ؟
لذلك نقول ان منبر جدة هو الفرصة الاخيرة لسلامة البلاد واستقرارها.
فعل يقتنع الطرفان بذلك ؟
هذا هو التحدي. لأن السلام يحققه الشجعان .. والحرب يؤججها الجبناء .
حفظ الله السودان وشعبه.
ولا أزيد ؛؛؛؛
bashco1950@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
حرب السودان والأسئلة الصعبة
د. الشفيع خضر سعيد
لم تنجح المبادرات المختلفة في إيقاف الحرب بين حكومة الإنقاذ والحركة الشعبية لتحرير السودان إلا بعد أن انتظمت المفاوضات بين الطرفين على أساس إعلان مبادئ الإيقاد الصادر في 20 مايو/أيار 1994 والذي وافق عليه الطرفان.
صحيح أن إعلان المبادئ ذاك صاغته دول الإيقاد وقدمته جاهزا إلى الطرفين ليوقعا عليها، لكن لابد من التنبيه إلى أن محتوى بنوده لم تكن من وحي بنات أفكار علماء السياسة الدوليين والإقليميين بقدر ما كان إعادة صياغة وترتيب للأطروحات المتناثرة في أدبيات الحركة السياسية السودانية، وخاصة الحركة الشعبية لتحرير السودان. واليوم، تظل قناعتي الراسخة أن القوى المدنية والسياسية السودانية هي وحدها المؤهلة لإجتراح إعلان المبادئ الذي يشكل المدخل أو التمهيد لإطلاق العملية التفاوضية، وكذلك إجتراح الرؤية التي تشكل محتوى وتفاصيل هذه العملية للسير بها في اتجاه وقف الحرب ووضع أسس عدم تجددها أو إعادة إنتاج الأزمة في البلاد. وفي هذا السياق، هنالك نقطتان متعلقتان بإعلان المبادئ، أولها ضرورة موافقة كل الأطراف عليه، بما في ذلك الأطراف المتحاربة، حتى يكون مدخلا أساسيا لعملية التفاوض، ولذلك، وهذه هي النقطة الثانية، فإن بنوده تتناول العموميات التي يسهل الإجماع حولها مثل التمسك بمبادئ ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018، وبوحدة السودان، وبالحكم المدني الديمقراطي، وبالنظام الفدرالي الذي يراعي التعدد والتنوع، وبالجيش الواحد وبنائه كل القوات النظامية على أساس مهني وقومي، وبإصلاح الخدمة المدنية والنظام العدلي، وبالحوار السوداني سوداني… إلى غير ذلك من المبادئ التي سيتقبلها الجميع، وإن ليس مستبعدا أن بعضهم سيتقبلها تقية! ومن الواضح أن إعلان المبادئ وحده ليس كافيا لوقف الاقتتال، لكنه يشكل معيارا لدرجة التنازلات الممكنة في العملية التفاوضية، بمعنى أن التنازلات لإنجاح العملية التفاوضية لصالح الهدف الرئيسي، أي وقف الحرب والانتقال المدني الديمقراطي، يجب ألا تصل إلى درجة التصادم بين محتوى إعلان المبادئ ومحتوى ما سيتم الاتفاق حوله في طاولة التفاوض.
وفي المقابل، فإن الرؤية التي تشكل محتوى وتفاصيل العملية التفاوضية للسير بها في اتجاه وقف الحرب، تتكون من الإجابات المحتملة على الأسئلة المتعلقة بكيفية وقف الحرب وتداعيات ما بعد ذلك، آخذين في الاعتبار أن هذه الأسئلة ليست مجرد تهويمات نظرية بقدر ما هي نابعة من واقع البلاد الراهن المأزوم.
وبداهة، بينما تظل أسئلة الرؤية واحدة وثابتة، فإن الإجابات عليها تختلف عند هذا الطرف أو ذاك. ولكن من البديهي أيضا أن تتوافق القوى المدنية والسياسية الرافضة للحرب على إجابات موحدة على هذه الأسئلة، وتنتج رؤيتها التي يجب أن تطرحها في أي منبر تفاوضي يسعى لوقف الحرب. ولعل من الضروري الإشارة إلى أن تسهيل توصل القوى المدنية والسياسية إلى الرؤية المنشودة، يقتضي التوافق قبلا على مجموعة من الحقائق، منها أن الحرب الراهنة خلقت واقعا جديدا يجب أن يغير في طريقة تفكير القوى المدنية في التعاطي مع تفاصيل الأحداث الراهنة وتداعياتها، وأن هذا الواقع الجديد لابد أن تكون له مستحقاته العملية التي يجب أن تبحث وتتمعن في الأسباب الجذرية للحرب، بدءا من أن الدولة السودانية فشلت منذ استقلالها في التعبير عن كافة مكوناتها الوطنية الأمر الذي أدى إلى تمكن الحلقة الشريرة والأزمة العامة في البلاد بتجلياتها العديدة والتي من بينها الانقلابات العسكرية والنزاعات واشتعال الحروب التي كانت حتى وقت قريب تستوطن الأطراف قبل أن تأخذ منحىً جديدا وصادما باندلاعها في عاصمة البلاد في 15 أبريل/نيسان الماضي، وأن من النتائج المباشرة لهذه الوضعية إضعاف الدولة السودانية وعدم قدرتها على توظيف كل مكوناتها السياسية والاجتماعية والثقافية للتوافق على مشروع وطني نهضوي ينتشل البلاد من وهدتها المتمكنة منها منذ فجر الاستقلال قبل ثمانية وستين عاما، وهو مشروع لايزال السودانيون يتمسكون به حتى في أتون هذه الحرب المجرمة، وأن هذه الحرب لا يمكن حسمها عسكريا، ولن ينتصر فيها طرف، وإن هُزم الطرف الآخر، ولكن قطعا الخاسر الوحيد فيها هو الشعب السوداني والوطن، وكل يوم جديد في الحرب يحمل معه مزيدا من الجراح والآلام لشعبنا ومزيدا من التدمير لبنية الوطن، وأن جوهر هذه الحرب يحمل عداء سافرا لثورة ديسمبر المجيدة.
ونحن نؤسس وجهة نظرنا حول ماهية الرؤية لإنهاء الحرب، على رفض أن تكون الحرب بديلا للحوار والتفاوض لحل الخلافات والأزمات السياسية والاجتماعية مهما بلغت من الحدة والتعقيد، وأن مسألة وقف الحرب يجب أن يتم التعامل معها كحزمة واحدة مكونة من ثلاث حزم فرعية تتكامل مع بعضها البعض، تشمل وقف الاقتتال، وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة وحماية المدنيين، وإطلاق عملية سياسية جديدة.
وإذا كان للمجتمع الدولي والإقليمي دور رئيسي في الحزمتين الأولى والثانية، فإن الحزمة الثالثة، العملية السياسية، حصريا من مهام القوى المدنية والسياسية السودانية، وأن دور المجتمع الدولي والإقليمي في الحزمتين الأولى والثانية لن يأتي أكله إلا من خلال الرؤية التي ستجترحها القوى المدنية والسياسية الرافضة للحرب.
أما جوهر هذه الرؤية فهو، من وجة نظرنا، مجموع الإجابات على ما أسميناه بالأسئلة الصعبة المتعلقة بحرب السودان، نوردها هنا باختصار على أن نتوسع حولها في مقالاتنا القادمة، وتشمل:
1 ـ ماهي الخيارات المتاحة حول مستقبل ودور قيادة القوات المسلحة في السودان بعد انتهاء الصراع؟
2 ـ ما هي الخيارات حول مستقبل قوات الدعم السريع ومستقبل الحركات والميليشيات المسلحة الأخرى على أساس مبدأ بناء الجيش المهني الواحد في البلاد؟
3 ـ كيف نطور إطارا للعدالة والعدالة الانتقالية يضمن إنصاف الضحايا وعدم الإفلات من العقاب؟
4 ـ كيف نتعامل مع البعدين الدولي والإقليمي في الحرب؟
5 ـ ما هي تفاصيل العملية السياسية من حيث أجندتها وأطرافها؟
سنتناول هذه الأسئلة وإجاباتها بالتفصيل بدءا من مقالاتنا القادمة.
نقلا عن القدس العربي