نشرت مجلة "كريتر" التركية مقال رأي للكاتب مصطفى يتيم سلّط فيه الضوء على العدوان الأخير في قطاع غزة، وكيف حرّك التصدعات العسكرية والسياسية والاجتماعية في منطقة بلاد الشام.

وقال الكاتب، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن منطقة بلاد الشام تتمتع بنظام إيكولوجي إقليمي حيث كانت ديناميكيات الصراع دائمًا شديدة طوال العملية التاريخية، ويرجع ذلك إلى كونها ساحة منافسة للقوى الإقليمية، وموقعها الثانوي في أجندة الفاعلين العالميين، والوجود الراسخ والفعال للجهات الفاعلة المسلحة.

هذه العوامل زادت من خطر تحرك آليات الصراع المعقدة في المنطقة فجأة وانتشارها فيها.

وذكر الكاتب أن النزاعات الأخيرة بين حركة حماس وإسرائيل أعادت إحياء الصدوع العسكرية والسياسية والاجتماعية في منطقة بلاد الشام، التي كانت قد هدأت لفترة من الوقت. لهذا السبب، إذا لم يتم حل هذه النزاعات فقد تؤدي إلى خسائر مدنية بالإضافة إلى تغييرات كبيرة في المنطقة. الأنظار حاليًا موجّهة إلى جبهة حزب الله ولبنان، التي تمثّل المرحلة الثانية من الصراع. ويرجع ذلك إلى أن حزب الله قوة إقليمية قوية، ولبنان بلد ذو موقع استراتيجي مهم.


ردود فعل حزب الله الأولى على الصراع
خلافًا لهجمات حماس السابقة، ذكرت إسرائيل أن عددًا كبيرًا من المحتجزين المدنيين والعسكريين موجودون في أيدي حماس، في أعقاب الغارة الصادمة والخسائر الفادحة، والتي تم تنفيذها من خلال تجاوز آليات الجيش والاستخبارات الإسرائيلية إلى حد كبير. وقضية المحتجزين هذه، التي من المتوقع أن تؤثر على مجرى الصراع، تزيد من احتمال شن إسرائيل أكبر عملية عسكرية ضد غزة.

بينما تبذل دول مثل تركيا وقطر ومصر جهودًا مضنية لمنع الصراع من الخروج عن نطاق السيطرة من أجل تبادل المحتجزين وإطلاق سراحهم، فإن إسرائيل، التي تحظى بدعم سياسي وعسكري كامل من الغرب والولايات المتحدة، تتحدث بقوة عن استراتيجية الاحتلال الشامل وإزالة حماس من غزة وتدميرها، على غرار ما حدث بين 1967 و2005.

وذكر الكاتب أن فاعلي "كتلة المقاومة" في المنطقة، التي تتكون من حزب الله وإيران ونظام الأسد، حيث أعادت حماس تموضعها مع عملية التطبيع اللاحقة، على الرغم من أن العلاقات تضررت بشدة خلال فترة الربيع العربي، يُعربون الآن عن استعدادهم لتنفيذ الإجراءات العسكرية والسياسية وفقًا لتطور الأحداث.

وأضاف الكاتب أن الكتلة التي تقودها إيران، بما في ذلك حزب الله، تشعر بالقلق من تعميق الصراع وتوسعه في المنطقة اللبنانية. ويمكن القول إن حزب الله، الذي كان مع حماس قوة "ردع غير رسمية" ضد إسرائيل لفترة طويلة، يرغب في عدم فقدان مكاسبه الإقليمية والمحلية، المكتسبة خلال كل من فترة الربيع العربي وحرب سوريا الأهلية، في الصراع مع قوة عسكرية مثل إسرائيل، التي تدعمها الولايات المتحدة أيضًا.

لهذا السبب، فإن حزب الله، الذي عزز قدرته العسكرية بشكل كبير بمرور الوقت، والذي أصبح أيضًا تهديدًا عسكريًا وسياسيًا قويًا لإسرائيل، يحافظ على "مراقبة" التوتر والصراع بين حماس وإسرائيل، وهو ما يعكس "قواعد اللعبة" الفعلية القائمة بين الطرفين منذ فترة طويلة.


ويشير هذا الوضع إلى أن حزب الله يتبع استراتيجية صراع محدودة ومنخفضة الكثافة مع إسرائيل، بالإضافة إلى دعمه السياسي الكامل لحماس ضد إسرائيل. كما يسعى حزب الله إلى صرف انتباه إسرائيل، وتخفيف الضغط الذي تمارسه على حماس، وتذكيرها بالعواقب المحتملة لتفاقم الصراع. وبالتالي، يسعى حزب الله إلى الحفاظ على الوضع الراهن.

حزب الله في احتمالات السيناريو الصعبة
خلافاً للسيناريو الأول، الذي له تكاليف أقل ولا يؤدي إلى تورط حزب الله بشكل مباشر في الصراع، يمكن أن تنشأ حالة الدخول المباشر في الحرب، كما حدث خلال الحرب الأهلية السورية، حين اعتبر حزب الله بقاء نظام الأسد على رأس السلطة خطا أحمر ومصلحة حيوية له، ولعب دورًا حاسمًا في جميع الصراعات المهمة تقريبًا في سوريا مع استمرار نظام الأسد بدعم من إيران.

خلال هذه الصراعات، عزز حزب الله ميليشياته وتكامله الجغرافي مع إيران وقدراته العسكرية. وعلى الرغم من أن هذه المكاسب موضع شك، إلا أن شعبية حزب الله وشرعيته قد ضَعُفت بشكل كبير بسبب موقفه المناهض للمحتجين في احتجاجات لبنان وتحركه مع نظام الأسد كنظام إقليمي.

يمكن أن نفهم بسهولة من تجارب الماضي أن المشاركة في الصراعات بين حماس وإسرائيل قد تكون لها مكاسب، إلا أنها تنطوي أيضًا على مخاطر جسيمة. وتعني استحالة التدخل الإيراني المباشر أن احتمال فتح جبهة ثانية أو شماليّة ضد إسرائيل سيتم بالكامل من خلال حزب الله، وهو ما قد يدفع إسرائيل في هذا السيناريو إلى توسيع احتلالها لغزة إلى لبنان وحتى الخط السوري، كما حدث في الماضي.

الخطر الحقيقي في هذا السيناريو الصعب هو الخسائر العسكرية والإقليمية المحتملة. فقد اندمج حزب الله وإيران، اللذان لهما وجود قوي بالفعل في العراق، جغرافيًا بسبب الحرب الأهلية السورية، بينما تخاطر إسرائيل التي تتلقى الدعم الكامل من الولايات المتحدة والغرب، بهذه الوحدة الجغرافية بنظام احتلالها المتوسع. لذلك، يمكن القول إن تحالف إيران-حزب الله يأخذ بعناية الحسابات السياسية والعسكرية والجغرافية الدقيقة في أصعب سيناريوهات الصراع المحتملة، التي ستبدأ بتدخل شامل محتمل في غزة ويمكن أن تتعمق.

وأشار الكاتب إلى أن استراتيجية "الحدود المزدوجة" عبر الجهات الفاعلة غير الحكومية التي تتمحور حول حماس وحزب الله هي خيار إيراني حاسم وفعال في الواقع لممارسة الضغط على إسرائيل. وبالمثل، يمكن القول إن إيران وحزب الله لن يوافقا بأي شكل من الأشكال على هذا السيناريو، لأن احتمال القضاء على حماس سيؤدي إلى تركيز إسرائيل بشكل أكبر على "العدو اللدود" الآخر، حزب الله. لذلك، سيعملان على حشد جميع إمكاناتهما لإبقاء إسرائيل في جبهة غزة، إلى الحد الذي يسمح به الرأي العام الداخلي والسياق الخارجي، تمامًا كما حدث في الحرب الأهلية السورية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي منوعات تركية غزة الصراع إسرائيل إسرائيل فلسطين غزة الصراع محور المقاومة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی المنطقة حزب الله

إقرأ أيضاً:

الرئيس أردوغان: الشعب السوري الذي ألهم المنطقة بعزيمته على المقاومة قادر على إعادة إحياء بلده 

أنقرة-سانا

أكد رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان أنه ليس هناك أدنى شك بقدرة الشعب السوري الشقيق الذي ألهم المنطقة والمظلومين بعزيمته على المقاومة، على إعادة إحياء بلده مرة أخرى.

وقال الرئيس التركي في عدة تغريدات على حسابه في منصة “إكس”: “أقدم التهنئة مرة أخرى إلى أخي العزيز الرئيس أحمد الشرع، وإلى الشعب السوري بأكمله على كفاحه وتحقيقه الانتصار، لقد تم فتح صفحة جديدة ليس في سوريا فحسب، بل في منطقتنا بأكملها، بعد 13 عاماً من الدماء والدموع، ونحن في تركيا، سنقدم الدعم اللازم إلى أشقائنا السوريين في المرحلة الجديدة أيضاً، مثلما لم نتركهم وحدهم في أيامهم البائسة والصعبة”.

وأضاف الرئيس أردوغان: “إن تركيا في هذه المرحلة الحرجة، تولي أهمية كبيرة لبناء نظام للبلاد بنهج شامل يحتضن الجميع، ويعكس إرادة السوريين”، لافتاً إلى أنه إضافة للمساعدات الإنسانية، فإن بلاده مستعدة أيضاً لتقديم الدعم اللازم لإعادة إعمار المدن المدمرة والبنية التحتية الحيوية في سوريا، باعتبار أنه كلما تسارعت التنمية الاقتصادية، اكتسبت العودة الطوعية للسوريين زخماً.

 وشدد الرئيس أردوغان على أن سلسلة العقوبات الدولية المفروضة على سوريا تشكّل عقبة أمام تعافي البلاد من الناحية الاقتصادية والبنية التحتية، مبيناً أن الجهود التركية الرامية إلى رفع العقوبات أثمرت بتخفيف جزئي للعقوبات التي كانت مفروضة على النظام المخلوع، وأن تلك الجهود ستتواصل حتى تحقيق النتائج بشكل كامل.

وقال الرئيس أردوغان: “أثبتنا منذ اليوم الأول بخطوات ملموسة ودون تردد أننا نقف إلى جانب الشعب السوري، فبعد أن أعدنا فتح سفارتنا في دمشق، قمنا بفتح قنصليتنا العامة في حلب، كما بدأت الخطوط الجوية التركية رحلاتها إلى دمشق، إضافة إلى أننا بذلنا قصارى جهدنا على الصعيد الدبلوماسي خلال الشهرين الأولين للإدارة الجديدة، من أجل جعل صوتها ونواياها الصادقة مسموعة في المنطقة وعلى الصعيد الدولي.”

وأشار الرئيس أردوغان إلى قيام مسؤولين في الإدارة الجديدة في سوريا بزيارات إلى تركيا، وإجراء العديد من الوزراء والبيروقراطيين الأتراك زيارات إلى دمشق، ومواصلتهم القيام بذلك، مؤكداً العمل على تطوير العلاقات بين البلدين بشكل متعدد الأبعاد وفي جميع المجالات، بدءاً من التجارة إلى الطيران المدني، ومن الطاقة إلى الصحة والتعليم.

ولفت الرئيس أردوغان إلى أن أساس السياسة التركية تجاه الجارة سوريا منذ فترة طويلة، هو الحفاظ على سلامة ووحدة أراضيها، موضحاً أن اللقاء الذي جمعه مع السيد أحمد الشرع رئيس الجمهورية العربية السورية كان مبنياً على هذا المبدأ.

وقال الرئيس أردوغان: “أسعدني أن أرى أننا متفقون تماماً بشأن جميع القضايا تقريبا، ولقد قمت وأخي العزيز بتقييم الخطوات المشتركة التي يمكن اتخاذها من أجل إرساء الأمن والاستقرار الاقتصادي في سوريا، وبحثنا على وجه الخصوص الخطوات التي يجب اتخاذها ضد المنظمة الإرهابية الانفصالية التي تحتل شمال شرق سوريا وداعميها”.

 وأضاف الرئيس أردوغان: “أكدت له أننا مستعدون لتقديم الدعم اللازم إلى سوريا في مكافحة تنظيمي “داعش” و”بي كي كي”، وكل أشكال الإرهاب”، مجدداً تأكيد وقوف بلاده إلى جانب السوريين في إطار السيطرة على المعسكرات في شمال شرق سوريا.

وتابع الرئيس أردوغان: “أود أن أعرب مرة أخرى عن ترحيبنا بالإرادة القوية التي أبداها أخي أحمد الشرع فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، وأنا على ثقة أنه من خلال التحرك في نطاق التضامن بيننا، فإننا سنتمكن من ضمان أن يسود جو من السلام والأمن، خالٍ من الإرهاب في مناطقنا الجغرافية المشتركة”.

مقالات مشابهة

  • لماذا اشتعل جدل النصر والهزيمة بعد وقف إطلاق النار في غزة؟
  • رسائل حركة حماس خلال عمليات تسليم الأسرى!
  • صفقة القرن بعد خمس سنوات.. فشل أمريكي وخذلان عربي وانتصار للمقاومة
  • خسارة “إسرائيل” في طوفان الأقصى لا تعوَّض مهما حاولت أمريكا
  • لاريجاني: أميركا وإسرائيل تعملان على إثارة الفوضى في المنطقة
  • طهران تحذّر: أمريكا وإسرائيل تعملان لإثارة الفوضى في المنطقة
  • الرئيس أردوغان: الشعب السوري الذي ألهم المنطقة بعزيمته على المقاومة قادر على إعادة إحياء بلده 
  • حماس تعلن بدء محادثات ثاني مراحل اتفاق غزة.. وإسرائيل ترسل وفدًا للدوحة
  • خبير عسكري: إسرائيل تفرض واقعا تكتيكيا شمال الضفة لكن المقاومة مستمرة
  • ملامح المرحلة الجديدة من الصراع بعد الطوفان