الغارديان: موقف الهند التاريخي تغير من فلسطين ومودي يمارس التضليل
تاريخ النشر: 1st, November 2023 GMT
استعرض صحيفة "الغارديان" تقرير للصحفية هنا إليس بيترسن، الموقف الهندي من الأحداث في الشرق الأوسط والعدوان على غزة.
وقالت الصحيفة، "بعد ساعات قليلة من شن حماس هجومها على إسرائيل، كان رئيس وزراء الهند من بين أوائل زعماء العالم الذين استجابوا، وفي بيان شديد اللهجة، أدان ناريندرا مودي (الهجمات الإرهابية) وقال إن الهند تتضامن مع إسرائيل في هذه الساعة الصعبة".
وأعاد وزير الخارجية الهندي تغريد التعليق على الفور تقريبا، كما حذر وزير دولة آخر من حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم الذي يتزعمه مودي في تغريدة على منصة إكس، من أن الهند "قد تواجه الوضع الذي تواجهه إسرائيل اليوم إذا لم نقف ضد التطرف ذو الدوافع السياسية".
وتضيف الصحيفة، "على الرغم من أن كلمات مودي تتوافق مع رسائل معظم الحكومات الغربية، إلا أنها بالنسبة للهند كانت بمثابة تحول عن الماضي، حيث ولم تمر سوى بضعة أيام حتى قامت وزارة الخارجية بتذكير الجمهور بهدوء بالتزام الهند التاريخي بحل الدولتين لإسرائيل وفلسطين".
وفي يوم الجمعة، كانت الهند من بين الدول التي لم تدعم قرار الأمم المتحدة بشأن "هدنة إنسانية" في غزة، واختارت بدلا من ذلك الامتناع عن التصويت.
بالنسبة للكثيرين، فإن فورية تعليقات مودي والتصويت على قرار الأمم المتحدة يرمزان إلى مدى أهمية التحول الذي طرأ على العلاقات الهندية "الإسرائيلية" منذ وصوله إلى السلطة في عام 2014، وهو ما تجلى بشكل ملحوظ في الود العام بينه وبين نتنياهو.
وقال نيكولاس بلاريل، الأستاذ المشارك في العلاقات الدولية بجامعة ليدن ومؤلف كتاب تطور سياسة الهند تجاه إسرائيل: "كان موقف مودي داعما علنا لإسرائيل، لكن هذه هي المرة الأولى التي يكون لديك فيها رد فعل فوري مؤيد لإسرائيل دون بيان يتبعه على الفور لموازنة الموقف".
وترى الصحيفة، "أن إسرائيل تعتبر تصريح مودي بمثابة دعم لا لبس فيه. وفي حديثه للصحفيين في دلهي الأسبوع الماضي، شكر سفير إسرائيل، ناؤور جيلون، الهند على دعمها بنسبة 100 بالمئة".
ومع ذلك، لم تكن هذه المشاعر مقتصرة فقط على المستويات العليا في الحكومة الهندية، وكما قال أزاد عيسى، الصحفي ومؤلف كتاب (أوطان معادية: التحالف الجديد بين الهند وإسرائيل)، "أعطت هذه الرسالة إشارة واضحة إلى خلية الإنترنت اليمينية بأكملها في الهند".
وفي أعقاب ذلك، بدأ مدققو الحقائق الهنديون على الإنترنت، AltNews و Boom، في ملاحظة طوفان من المعلومات المضللة التي تستهدف فلسطين والتي نشرتها حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الهندية، والتي تضمنت قصصا مزيفة عن الفظائع التي ارتكبها عناصر حماس والتي تمت مشاركتها أحيانا ملايين المرات، وغالبا ما تستخدم الصراع لدفع نفس الخطاب المعادي للإسلام الذي تم استخدامه بانتظام لتشويه صورة السكان المسلمين في الهند منذ وصول حزب بهاراتيا جاناتا إلى السلطة.
كما بدأت مجموعات فيسبوك المرتبطة بحزب بهاراتيا جاناتا في نشر رسالة مفادها أن حماس تمثل نفس التهديد الإسلامي الذي يواجه الهند في منطقة كشمير المضطربة ذات الأغلبية المسلمة، وأن الفلسطينيين يوصفون على نطاق واسع بأنهم جهاديون.
وحثت الرسائل التي تم تداولها على نطاق واسع عبر تطبيق واتساب الهندوس على تسليح أنفسهم ومقاطعة المسلمين، وجاء فيها: "في المستقبل، يمكن أن تواجه الهند أيضا مؤامرات وهجمات مثل إسرائيل. لا يمكن استبعاد احتمال تعرض النساء الهندوسيات للوحشية".
كما شقت نفس الرواية طريقها إلى بعض القنوات الإخبارية الأكثر إثارة للجدل في الهند، حيث قال أرناب جوسوامي، المذيع اليميني المتشدد على قناة تلفزيون الجمهورية الهندية، للمشاهدين: "نفس التفكير الإرهابي الإسلامي الجهادي المتطرف الذي أصبحت إسرائيل ضحية له، نحن ضحيته أيض إسرائيل تخوض هذه الحرب نيابة عنا جميعا".
ويبدو أن بعض الجماعات القومية الهندوسية اعتبرت ذلك بمثابة دعوة لحمل السلاح، وخلال الأسبوع الماضي، تجمعت مجموعات خارج السفارة الإسرائيلية في دلهي، لعرض خدماتها لمحاربة حماس.
وكان من بينهم فيشنو غوبتا (58 عاما)، الرئيس الوطني لحزب هندو سينا، الذي قال إنه كان من بين 200 رجل تطوعوا في الجيش "الإسرائيلي"، مضيفا أن مودي عزز ثقته.
وقال غوبتا: "كلانا ضحية للإرهاب الإسلامي، ولهذا السبب كنا ندعم إسرائيل منذ البداية، تماما كما استولى المسلمون على القدس، تم غزو الأماكن المقدسة في الهند أيضا من قبل المسلمين، ومثل حماس، هناك مسلحون من كشمير تدعمهم باكستان، والذين ينفذون هجمات إرهابية في جميع أنحاء الهند. الشيء الوحيد الذي يجعلنا محظوظين هو أننا لسنا من الأقلية".
تاريخيا، كانت علاقة الهند بإسرائيل مختلفة تماما. فقد عارض رئيس وزرائها الأول، جواهر لال نهرو، والمناضل الهندي من أجل الحرية المهاتما غاندي إنشاء دولة إسرائيلية، خشية أن تؤدي إلى حرمان الفلسطينيين من حقوقهم، وصوتت الهند ضدها في الأمم المتحدة.
كانت الهند أول دولة غير عربية تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي لفلسطين في السبعينيات، ومنحت المجموعة وضعا دبلوماسيا كاملا في الثمانينيات ودعت زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، للزيارة عدة مرات.
وحافظت باستمرار على موقف مؤيد لفلسطين في الأمم المتحدة، ولم تتمكن الهند أخيرا من إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل إلا بعد أن بدأت منظمة التحرير الفلسطينية حوارا مع "إسرائيل"، ومع تزايد الضغوط الأميركية، في عام 1992.
وجاءت نقطة التحول في عام 1999 عندما دخلت الهند في حرب مع باكستان وأثبتت "إسرائيل" استعدادها لتقديم الأسلحة والذخيرة، لقد كانت بداية علاقة دفاعية نمت بشكل كبير، حيث تشتري الهند ما قيمته ملياري دولار من الأسلحة من إسرائيل كل عام، وتعد أكبر مورد لها للأسلحة بعد روسيا، وتمثل 46 بالمئة من إجمالي صادرات الأسلحة الإسرائيلية، وفق الصحيفة.
ولكن انتخاب مودي كان بمثابة التغيير الجذري الجوهري. وفي حين أبقت الحكومات السابقة تعاملاتها مع إسرائيل هادئة إلى حد كبير، بسبب المخاوف من تنفير الحلفاء الأجانب وعدد كبير من سكانها المسلمين، كانت لحكومة مودي القومية الهندوسية، حزب بهاراتيا جاناتا، أولويات مختلفة تماما.
وفي عام 2017، أصبح مودي أول رئيس وزراء هندي يزور إسرائيل، وهو ما تم رده بالمثل بعد أشهر عندما سافر نتنياهو إلى دلهي. وصور الثنائي وهما يسيران حافي القدمين وسراويلهما ملفوفة على طول شاطئ حيفا في تل أبيب، والتي وصفتها وسائل الإعلام الهندية في ذلك الوقت بأنها "علاقة صداقة ناشئة"، استخدمها الشخصان لاحقا في مواد الحملة الانتخابية.
وقال عيسى: "السردية التي كانوا يدفعون بها كانت واضحة، أن الهند وإسرائيل هما هاتان الحضارتان القديمتان اللتان أخرجهما الغرباء عن مسارهما، وهو ما يعني المسلمين، وقد اجتمع قادتهما، مثل الإخوة المفقودين منذ زمن طويل، لتحقيق مصيرهم".
ومن المؤكد أن التوافق الأيديولوجي بين الزعيمين كان أكثر وضوحا مما كان عليه في الماضي، كان أسلاف حزب بهاراتيا جاناتا الإيديولوجي، وقواعده اليوم، ينظرون إلى إسرائيل منذ فترة طويلة باعتبارها نموذجا للدولة القومية الدينية، التي يشار إليها باسم هندو راشترا، والتي يأمل اليمين الهندوسي في الهند في تأسيسها.
وبينما كان مودي أيضا أول رئيس وزراء هندي يزور مدينة رام الله في فلسطين، فإن جزءا كبيرا من تركيز حكومته كان على تعزيز العلاقات مع إسرائيل، سواء كان ذلك من خلال الدفاع والثقافة والزراعة وحتى صناعة الأفلام. وهذا العام، دفع غوتام أداني، رجل الأعمال الهندي الملياردير الذي يُنظر إليه على أنه مقرب من مودي، 1.2 مليار دولار لشراء ميناء حيفا الإسرائيلي الاستراتيجي.
ومع ذلك، فقد أشرفت سياسة مودي الخارجية أيضا على تحول في العلاقات مع دول الخليج العربي، بما في ذلك السعودية والإمارات وقطر، وهو ما كان ذا فائدة مالية كبيرة للهند وأرسى الأساس لممر تجاري اقتصادي رائد بين الهند والشرق الأوسط، يمتد على طول الطريق إلى أوروبا، والذي تم الإعلان عنه في منتدى مجموعة العشرين للتعاون الاقتصادي الدولي هذا العام ولكن لم يتم بناؤه بعد.
وبينما يعمل الخليج أيضا على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، قال المحللون إنه إذا استمر الصراع بين "إسرائيل" وحماس في التصاعد، فمن المحتمل أن تهدئ الهند موقفها المؤيد لإسرائيل لمنع الاحتكاك مع شركائها الخليجيين المهمين.
ونقلت الصحيفة، عن ألفيت سينغ نينغثوجام، زميل معهد الشرق الأوسط في دلهي قوله، إنه منذ تصريحات مودي الأولية، كان هناك "صمت محسوب" من جانب الحكومة.
وأضاف: "رغم أن مودي يشعر بالارتياح للإدلاء بتصريحات تدين الإرهاب عبر الحدود، إلا أنه إذا تصاعد هذا الصراع وتورطت دول أخرى تربطها علاقات بحكومته، فسيكون ذلك اختبارا كبيرا للهند".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة الهندي غزة مودي نتنياهو غزة نتنياهو الهند الاحتلال مودي صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حزب بهاراتیا جاناتا الأمم المتحدة مع إسرائیل فی الهند من بین فی عام وهو ما
إقرأ أيضاً:
هذه هي المخططات الخفية التي تُدبّرها إسرائيل لتركيا
لم يعد اليمين الأكثر تطرفًا في إسرائيل، يبدي أي قدرٍ من الحياء أو التحسب والحذر، وهو يبوح بما يختزنه في عقله الأسود، من مخططات ومشاريع، تكاد تطال مختلف دول المنطقة ومجتمعاتها، وتمسّ بالعمق، أمنها واستقرارها وسيادتها وسلامة أراضيها ووحدة شعوبها.
آخر الصيحات التي خرجت من أفواه قادته، جاءت على لسان الوزير جدعون ساعر، ودعوته لتشكيل "حلف أقليات" في الإقليم، تستند إليه إسرائيل في استهداف أعدائها من شرقي المتوسط إلى ضفاف قزوين.
لم يكن الرجل قد قضى سوى أيام قلائل، في منصبه على رأس وزارة الخارجية، إثر انقلاب نتنياهو على وزير دفاعه، حتى بدأ يُلقي على مسامعنا، بعضًا من فصول "نظرته الإستراتيجية" للإقليم، الذي تشكل إسرائيل فيه، "أقلية وسط أغلبية معادية"، مُقترحًا البحث عن "مُشتركات" مع أقليات أخرى، بدءًا بدروز سوريا ولبنان، وليس انتهاء بأكراد سوريا، والعراق، وتركيا، وإيران، فاللعب على ورقة "المكونات"، كفيل بجعل إسرائيل، "أكبر الأقليات وأقواها"، في فسيفساء المشرق العربي وهلاله الخصيب ودول الجوار الإقليمي للأمة العربية.
الأمر الذي يدفع على الاعتقاد الجازم، بأن ساعر لم يعرض سوى رأس جبل الجليد من مشروعه لـ "تجزئة المجزَّأ"، في حين ظل الجزء الأكبر منه، غاطسًا تحت السطح، وهو بالقطع، يشمل مختلف "المكونات" الاجتماعية في دول المشرق وجوارها الإقليمي.
وبالنظر إلى السياق الذي طُرح فيه، "حلف الأقليات" وتوقيت هذا الطرح، يمكن الافتراض، بأن تركيا، قبل غيرها، وأكثر من غيرها من الدول المستهدفة، هي الحلقة الأولى في إستراتيجية التفكيك المنهجي المنظم، لبنية هذه المجتمعات ووحدة وسلامة أراضي هذه الدول.
فأنقرة، رفعت وتيرة انتقاداتها لحرب إسرائيل البربرية على غزة ولبنان، وهي تقدم حماس والجهاد وبقية الفصائل الفلسطينية، بوصفها حركات تحرر وطني مشروعة، في مواجهة "طوفان الشيطنة" و"حرب الإلغاء" اللذين تتعرض له من قبل آلة "البروباغندا" الإسرائيلية، المدعومة من قبل أوساط غربية وإقليمية وازنة.
ولعلّ هذا ما تنبهت إليه القيادة التركية، مبكرًا وقبل أن يُخرج ساعر ما في جوفه، عندما بدأت التحذير من مغبة تطاير شرارات الحرب إلى سوريا، وعلى مقربة من حدودها، بل وإبداء الاستعداد لمواجهة تركية – إسرائيلية إن تدحرجت كرة النار، وعجز المجتمع الدولي عن وقفها.
وفي كل مرة صدرت فيها عن أنقرة، تحذيرات من هذا النوع، كانت أنظار المسؤولين والناطقين باسمها، تتجه إلى لعبة "المكونات" التي تريد إسرائيل فرضها على الإقليم، بدعم وإسناد من دوائر غربية عديدة، وتحت حجج وذرائع ومزاعم شتى.
مبادرتان استباقيتانفي هذا السياق، يمكن النظر إلى المبادرات الاستباقية الأخيرة التي صدرت عن أنقرة، وأهمها اثنتان: الأولى؛ داخلية، وصدرت عن دولت بهتشلي، حليف أردوغان وزعيم الحركة القومية و"ذئابها الرمادية"، الرامية لإغلاق ملف المصالحة بين أتراك تركيا وكردها، وهي مبادرة كانت مفاجئة لجهة توقيتها والجهة التي صدرت عنها، وسط قناعة عامة بأنها لم تأتِ منبتّة عن السياق الإقليمي، وانفلات "التوحش" الإسرائيلي من كل عقال، وأنها لم تأتِ من دون تنسيق مسبق بين الحليفين: بهتشلي وأردوغان.
صحيح أن المبادرة، فجّرت قلق خصومها الداخليين، بالذات على "ضفتي التطرف القومي" الكردي – التركي، وأنها أثارت انقسامًا بين "تيار قنديل" داخل أكراد المنطقة، وتيار المصالحة والاعتدال، الذي يُعتقد أن عبدالله أوجلان، يقف على رأسه، من مَحبَسه على جزيرة "إمرالي".
وصحيح أن خصوم المصالحة عملوا على تفجير مركبها قبل إبحاره وسط تلاطم أمواج المواقف والمصالح المتناقضة، بدلالة الهجوم على شركة "توساش" في قلب العاصمة التركية في الثالث والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وما أعقبه من تصعيد في العمليات طال مناطق داخل تركيا وخارجها (سوريا والعراق).. لكن الصحيح كذلك، أن قطار المبادرة ما زال على سكته، رغم العرقلة، وأنه قد يواصل مسيره، ما دام أن وجهته النهائية، تحصين الداخل التركي في مواجهة مؤامرات التفكيك.
أما المبادرة الثانية؛ فسابقة على تطورات الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، وإن كانت اكتسبت زخمًا إضافيًا في الأسابيع الأخيرة، والمقصود بها، الرغبة التركية الجارفة بالمصالحة مع دمشق، وعروض الرئيس التركي المتكررة، للقاء الأسد، وإغلاق صفحات الخلاف (الصراع) بين البلدين.. وهي المبادرة، المدفوعة بجملة من الحسابات والاعتبارات التركية، من بينها قضية اللاجئين السوريين، وأهمها "المسألة الكردية".
والحقيقة أن أنقرة، لم تكن بحاجة لأن تنتظر جدعون ساعر ليخرج ما في "صندوقه الأسود" من مشاريع طافحة بالعدائية لتركيا، حتى تبدأ بالتحرك المضاد، وتشرع في العمل على إحباط مراميها وأهدافها، والمؤكد أنها كانت تدرك، أن "النجاحات" التي سجلتها إسرائيل على الجبهة الشمالية مع لبنان، وفي مواجهة حزب الله، وتكثيفها العمليات ضد حزب الله وإيران في سوريا، فيما يشبه الاستباحة الكاملة للأجواء والسيادة السوريتين، من شأنها إحياء النزعات الانفصالية لدى بعض تيارات الحركة الكردية في المنطقة، ما دام أن هذه النزعات كانت قد تغذّت تاريخيًا وتضخمت، على جذع "الغطرسة" و"الاستعلاء" الإسرائيلي.
كما أن التطاول الإسرائيلي المتكرر على إيران، سواء في عمقها أو مناطق نفوذها، وعدم نجاح الأخيرة في بناء معادلة ردع صارمة في مواجهة التهديدات باستهداف برنامجَيها النووي والصاروخي – من ضمن أهداف إستراتيجية أخرى – ساهم بدوره في زيادة المخاوف التركية، من تضخم الدور الإقليمي لإسرائيل، ولجوء تل أبيب لاستخدام أسلحة وأدوات من النوع الذي تحدث عنه ساعر: "حلف الأقليات".
العامل الأميركيلم تكن علاقات تركيا بإدارة بايدن سلسة دائمًا، وغلب عليها التوتر في بعض الأحيان على حساب مقتضيات عضوية البلدين في "الناتو"، ومن بين جملة الأسباب الباعثة على فتور العلاقات وأحيانًا توترها، احتلت "المسألة الكردية" مكانة متميزة في صياغة شكل ومحددات العلاقة مع إدارة بايدن الديمقراطية.
فالرئيس بايدن، عُرِفَ عنه، تاريخيًا، تعاطفه الشخصي مع "الانفصالية" الكردية، وهو كان سبّاقًا من موقعه في مجلس الشيوخ لعرض تقسيم العراق إلى دويلات ثلاث. ودعم بكل قوة، قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والأطر والأذرع السياسية والاجتماعية والمالية المنبثقة عنها والموازية لها.
ونافح بقوة أيضًا عن بقاء وحدات من الجيش الأميركي في مناطق شمال شرق سوريا؛ لحماية الحركة الكردية وتدعيمها، إن في مواجهة دمشق وطهران وحلفائهما، أو بالأخص في مواجهة تركيا. وهو أغدق على أكراد سوريا، الأكثر قربًا من "مدرسة أوجلان" والـ "بي كي كي"، السلاح والعتاد، الأمر الذي لطالما قرع نواقيس الخطر في مراكز صنع القرار في الدولة التركية.
وربما لهذا السبب بالذات، سقطت أنباء فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية واكتساح حزبه الجمهوري مقاعد الأغلبية في مجلسَي الشيوخ والنواب، بردًا وسلامًا على تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، فالأول نجح في إقامة "علاقات عمل" مثمرة، ونسج بعض خيوط الصداقة مع الأخير، لأسباب لا مجال للخوض فيها في هذه المقالة، وهو متحرر من أية صلات أو "مشاعر" حيال كُرد المنطقة، والأهم، أنه بادر في ولايته الأولى إلى الإعلان عن نيته سحب قواته من شمال سوريا، وقد يستكمل في ولايته الثانية، ما كان بدأ به، قبل تدخل مؤسسات "الدولة العميقة" الأميركية لإحباط مساعيه آنذاك.
على أن مشاعر الارتياح للتحولات الأخيرة في الإدارة والكونغرس الأميركيين، لا تكفي لتبديد مخاوف أنقرة مما يمكن لتل أبيب، أن تقدم عليه. فالأتراك، بلا شك، يدركون أتم الإدراك، "مساحات المناورة وحرية الحركة" التي تتمتع بها إسرائيل في علاقاتها مع الولايات المتحدة.
ويعرفون تمام المعرفة، أن اليمين الفاشي في تل أبيب، قادر على مغازلة مشاعر اليمين الأميركي المتطرف، ومداعبة أولويات "الدولة العميقة" في الولايات المتحدة، وبالضد من إرادة الإدارة في بعض الأحيان، إن تطلب الأمر و"المصلحة العليا" ذلك. ومن هنا يمكن القول إن مشوار تركيا في تعاملها مع "المسألة الكردية"، لن يكون معبدًا وسلسًا.
أنقرة تعوّل أيضًا على قلّة اهتمام ترامب بالقضية السورية، وتلمّست خلال ولايته الأولى، استعداده للتسامح مع دور روسي متنامٍ في سوريا، وتحبيذه تنامي هذا الدور على حساب الدور الإيراني بالأخص، فيما الرجل ربما يكون مقبلًا على فتح صفحة من التعاون مع الكرملين في أوكرانيا، وملفات أخرى، على الساحة الدولية.
وأنقرة تعوّل أيضًا على ما يمكن لموسكو أن تفعله بوحي من مصلحتها في خروج القوات الأميركية من سوريا، إن لجهة حفز جهودها للمصالحة مع دمشق، أو لجهة التوسط بين القامشلي والأسد، فضلًا عن تخفيف احتقانات علاقاتها مع إسرائيل، في ضوء ما يشاع عن جهود روسية للدخول على ملفات الوساطة بين إسرائيل ولبنان، ونوايا لم تتضح بعد، تنمّ على دعم روسي لقيام سوريا، بدور في الحد من قدرة حزب الله على إعادة بناء قدراته العسكرية، حال وضعت الحرب على هذه الجبهة، أوزارها.
هي مرحلة جديدة، تدخلها العلاقات التركية الإسرائيلية، تحكمها ثوابت ومتغيرات لدى الطرفين، في بيئة محلية وإقليمية بالغة التعقيد، والأيام المقبلة، تبدو محمّلة بكل جديد.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية