توتر متصاعد.. لماذا تخشى أمريكا وإيران من اندلاع حرب أوسع في الشرق الأوسط؟
تاريخ النشر: 1st, November 2023 GMT
نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" مقالا للصحفي جدعون راشمان قال فيه إن المؤرخين ينبهرون بظروف اندلاع الحرب العالمية الأولى، فكيف كان من الممكن أن يؤدي اغتيال الأرشيدوق النمساوي في سراييفو في حزيران/ يونيو 1914، بعد بضعة أسابيع فقط، إلى صراع اجتذب كل القوى الكبرى في أوروبا، وفي نهاية المطاف الولايات المتحدة؟
والسؤال مثير للقلق بشكل خاص لأن العديد من القادة المشاركين حاولوا جاهدين تجنب حرب أوروبية عامة، كما تبادل الأباطرة الألمان والروس العديد من الرسائل في محاولة لنزع فتيل الأزمة التي استمرت شهرا وأدت إلى الصراع، لكنهم فشلوا.
والآن يخيم خطر مماثل من التصعيد غير المقصود على الشرق الأوسط.
وقال، إن أهوال الصراع في غزة قاهرة إلى الحد الذي يجعل التركيز على القتال هناك فقط مغريا، لكن صناع السياسة الغربيين يركزون بشكل متزايد على المنطقة الأوسع، وخطر نشوب حرب عامة في الشرق الأوسط يمكن أن تجر إيران والولايات المتحدة وحتى السعودية.
وأضاف، بالنسبة لإدارة بايدن، يعتبر هذا التهديد بحرب أوسع نطاقا الآن التحدي الرئيسي في الأزمة برمته وكما يقول أحد المطلعين على بواطن الأمور في واشنطن: "إن كافة البلدان المعنية لديها عتبات، إذا تم تجاوزها، فسوف تجعلها تعتقد أن عليها أن تتحرك، لكن لا أحد يعرف حقا ما هي عتبة الطرف الآخر".
وتابع راشمان، خلال عطلة نهاية الأسبوع، أصدرت إيران تهديدا واضحا بأن العتبة الخاصة بها تقترب، ولجأ إبراهيم رئيسي، رئيس البلاد، إلى موقع X (تويتر سابقا) ليصرح بأن تصرفات إسرائيل في غزة "تجاوزت الخطوط الحمراء، وهذا قد يجبر الجميع على التحرك".
وأضاف: "واشنطن تطلب منا عدم القيام بأي شيء، لكنهم مستمرون في تقديم دعم واسع النطاق لإسرائيل".
كيف يمكن أن يحدث التصعيد؟
جاء أحد المؤشرات الأسبوع الماضي، عندما قصفت الولايات المتحدة الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا.
وقالت واشنطن إنها ترد على هجمات على القوات الأمريكية في العراق وسوريا نفذها وكلاء إيرانيون، وإذا استمرت تلك الهجمات، وقُتل جنود أميركيون، فإن الرد الأمريكي القادم سوف يكون أكثر شراسة.
وبين راشمان، أن الدور الذي يلعبه حزب الله، الجماعة المسلحة المدعومة من إيران والمتمركزة في لبنان، حاسم، إذا صعّد حزب الله هجماته على إسرائيل، فإنه سيمتلك في ترسانته من الصواريخ الموجهة بدقة ما يكفي لإجبار معظم السكان المدنيين في إسرائيل على اللجوء إلى الملاجئ.
هدد نتنياهو، لبنان بـ"الخراب" إذا تعرضت "إسرائيل" لهجوم من أراضيه، ولكن إذا كان حزب الله معرضا لخطر الدمار، فمن الممكن أن ترسل إيران قوات من الحرس الثوري الإسلامي للقتال إلى جانب حليفها، وفي تلك المرحلة، قد تقرر إسرائيل ضرب الحرس الثوري الإيراني في إيران، وكذلك في لبنان.
يرى راشمان، أن من المحتمل أيضا أن يرد وكلاء إيرانيون آخرون في جميع أنحاء المنطقة على حرب يشارك فيها حزب الله، من خلال تكثيف هجماتهم على أهداف إسرائيلية وأميركية.
وربما تتصرف إيران أخيرا بناء على تهديداتها العرضية بإغلاق مضيق هرمز، الذي يتدفق من خلاله جزء كبير من النفط العالمي ربما عن طريق زرع الألغام في المضيق، وهذا من شأنه أن يدخل الاقتصاد العالمي في حالة من الفوضى ويهدد السعودية بشكل مباشر.
ويعتقد ، أن البحرية الأمريكية ستحاول إعادة فتح المضيق. لكن هذا قد يدفع إيران ووكلائها إلى الرد لدى الولايات المتحدة قوات ومنشآت في جميع أنحاء المنطقة يمكن استهدافها، بما في ذلك البحرين والإمارات وقطر وسوريا والعراق.
إحدى القوى المدعومة من إيران والتي يراقبها الأمريكيون بقلق خاص هي الحوثيين في اليمن، الذين تم استهدافهم في حرب وحشية مع السعودية، حيث أطلقت قوات الحوثي صواريخ باتجاه إسرائيل الأسبوع الماضي.
كما ضربوا منشآت النفط السعودية في الماضي. يمكن لعدد قليل من الصواريخ الدقيقة أن تدمر محطات تحلية المياه التي تزود العاصمة السعودية الرياض بالمياه.
إن الصراع الذي يتكشف بهذه الطريقة سيكون بمثابة كارثة لكل واحد من المشاركين وجميعهم يعرفون ذلك، ومع ذلك، يمكن أن يحدث ذلك لأن جميع الأطراف تعتقد أيضا أن هناك أحداثا معينة سيكون من الخطير جدا بالنسبة لهم عدم الرد عليها.
لقد غزت إسرائيل غزة، من دون خطة خروج ذات مصداقية، لأنها تشعر أن عليها "استعادة الردع"، وتعتقد إيران أن عليها أن تثبت أن "محور المقاومة" الخاص بها يدعم الفلسطينيين، وتعتقد أمريكا أنها يجب أن ترد بقوة على أي هجوم على قواتها.
وليس الجميع في المنطقة يشعرون بالذعر؟ وفي الرياض الأسبوع الماضي، وجدت بعض السعوديين ذوي المكانة الجيدة يؤكدون بثقة أن هذه مجرد أزمة أخرى في منطقة غير مستقرة تاريخيا.
وأصروا على أن أجندة التحديث الطموحة للمملكة – رؤية 2030 – لا تزال تسير على المسار الصحيح.
وأشار إلى أن المعتقدين أن الوضع على ما هو في الرياض يدفنون رؤوسهم في الرمال، حيث يشعر ولي العهد محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للبلاد، بقلق بالغ بشأن خطر نشوب حرب إقليمية.
ويقول أحد المقربين إن استراتيجية محمد بن سلمان هي "الضغط على الأمريكيين للضغط على الإسرائيليين"، ويأمل الأمريكيون، من جانبهم، أن يتمكن محمد بن سلمان وقطر وحتى الصين من إقناع إيران بمخاطر التصعيد والحاجة إلى ضبط النفس.
وقد أدت هذه الأزمة بالفعل إلى محادثة غير مسبوقة بين محمد بن سلمان والرئيس الإيراني.
وكما هو الحال مع الأباطرة الروس والألمان قبل الحرب العالمية الأولى، كان القادة الإيرانيون والسعوديون على استعداد للتحدث مع بعضهم البعض، في محاولة لتجنب حرب كارثية، ولم ينجح الأمر في عام 1914، ودعونا نأمل أن تكون هذه المرة مختلفة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة الحرب الولايات المتحدة غزة إيران السعودية إيران السعودية الولايات المتحدة غزة الاحتلال صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة محمد بن سلمان حزب الله
إقرأ أيضاً:
منير أديب يكتب: مخطط محكم.. خريطة الشرق الأوسط الجديد ودور التنظيمات الإسلاموية في رسمها
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق أحداث 7 أكتوبر الحلقة الثانية لمشروع الشرق الأوسط الجديد.. الولايات المتحدة تحقق أهدافها فى المنطقة من خلال الحركات المتطرفة بدلًا من الأذرع الإيرانية
لا أحد يستطيع أن يُنكر أن ثمة خريطة جديدة يتم رسمها للشرق الأوسط؛ خاصة أنه تعرض لزلزال كبير من خلال سقوط أنظمة وقيام أخرى، كانت بدايته في عام ٢٠١١، وربما قبل ذلك، بعد احتلال العراق، وصولا إلى أحداث ٧ أكتوبر عام ٢٠٢٣، الذي شهد هجوم حركة المقاومة الإسلامية «حماس» على إسرائيل؛ فمنذ ذلك الهجوم وبدأت ملامح هذا الشرق تتحدد، حتى أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي أن ثمة شرق أوسط جديد في المنطقة العربية.
السهم الذي أطلقته حركة حماس، فرع الإخوان المسلمين في فلسطين، هو البداية الحقيقية لهذا الشرق وشرارة الإعلان عنه؛ فتحت وقع المواجهة التي قامت بها حماس، قُتل إسماعيل هنية وحسن نصر الله وصالح العاروري وآخرون، حتى أن هذه الضربات طالت يحيى السنوار، الذي اتخذ قرار المواجهة مع إسرائيل، وهو ما يتناغم مع ما أرادته إسرائيل فيما بعد.
فقد نجحت إسرائيل في كسر إرادة حزب الله وإعادة احتلال الجنوب اللبناني بعد أن دمرته، وربما تراجعت قوة إيران كثيرًا، وما بين هذا وذاك تم إسقاط نظام بشار الأسد في سوريا، وهنا تم إطلاق الصافرة للتنظيمات الإسلاموية الراديكالية وتحديدًا هيئة تحرير الشام الموجودة في محافظة إدلب، ومنها خرجت للسيطرة على حمص وحماة حتى وصلت إلى دمشق دون أي مقاومة تذكر، وباتت هي القوة الحاكمة في سوريا.
فقد نجحت إسرائيل في إضعاف إيران ومحورها بالكامل في العراق ولبنان واليمن، بينما سقط المحور في سوريا، سقط نظام بشار الأسد وأزيل من الخارطة بعد خمسين عامًا من الحكم، وهنا تم إعطاء الضوء الأخضر لهيئة تحرير الشام والجماعات المنضوية تحت لوائها، فالأخيرة لم يكن لديها مشكلة في أن تكون جزءا من المشروع الإسرائيلي طالما حقق ذلك هدفها، وهنا تبدو العلاقة غير المباشرة والمصلحة المشتركة بين المشروعين.
وهنا يمكن أن نربط بين أحداث ٧ أكتوبر التي وصفها البعض بأنها كانت مفتعلة أو سهلت إسرائيل لها من أجل تحقيق هدف أكبر في مشروعيها السياسي والأمني في المنطقة العربية، وما نجحت في تحقيقه بالفعل بعد أكثر من عام من الصراع، حيث أسقطت أنظمة سياسية في المنطقة من خلال التنظيمات الإسلاموية الراديكالية وهنا نتحدث عن الحالة السورية على وجه الخصوص، ليس هذا فحسب بل استبدلت بعض هذه الأنظمة بهذه التنظيمات، وما زالت تُحاول في تحقيق أهدافها بنفس هذه الطريقة.
ملامح التغيير في الشرق الأوسط والتنظيمات الراديكالية
التغيير الذي شهده الشرق الأوسط مؤخرًا كانت إيران الشيعية والتنظيمات الإسلاموية الراديكالية السنية في القلب منه أيضًا؛ ولكن واشنطن استبدلت التنظيمات السنية بأذرع إيران الشيعية، وهنا يمكن أن نفهم طبيعة الأنظمة والتنظيمات المؤدلجة وخصوصية توظيفها في الصراع الدولي.
الشرق الأوسط الجديد ألمحت إليه وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق، كونداليزا رايس، أثناء الحرب الإسرائيلية على لبنان يوليو عام ٢٠٠٦، وكانت إيران وهيئة تحرير الشام طرفًا فيه، وربما شرعت تل أبيب هذا المشروع على خلفية هجمات حماس على إسرائيل، وهنا يبدو التوظيف للجماعات الإسلاموية المتطرفة بحسن أو بسوء نية، ولكن يبقى في النهاية أنهما أداة حقيقية لرسم الشرق الأوسط.
أعلنت هيئة تحرير الشام في ٨ ديسمبر عام ٢٠٢٤ سقوط العاصمة السورية دمشق، ومن ثم أدارت الهيئة التي ينضوي تحت جناحها ٥ تنظيمات إسلاموية أنها من تُدير المشهدين السياسي والأمني الحاليان في سوريا؛ فنتاج الزلزال هو صعود التنظيمات الإسلاموية سلم السلطة في المنطقة العربية، وهذا لم يكن عفويًا وإنما كان مخططًا له.
وهنا تبدو خطورة المشروع وتلاقي الأهداف بين تل أبيب وواشنطن من جانب وبين التنظيمات الإسلاموية السنية من جانب آخر، فما كان لهذه التنظيمات أن تصل للسلطة في سوريا إلا بموافقة أمريكية وتخطيط إسرائيلي؛ فأرادت كلا الدولتين أن تحتل هذه التنظيمات الأماكن التي سبق واعتلتها إيران بمحورها.
التنظيمات الإسلاموية فشلت في تجربتها في منطقة الشرق الأوسط بعد العام ٢٠١١، نفس هذه التنظيمات تحاول أن تعيد هذه التجربة وأن تطل على المشهد السياسي في المنطقة العربية ولكن من خلال الشرفة الأمريكية وبرعاية إسرائيل، التي تبدو الراعي الرسمي لهذه التنظيمات، التي ما زالت تتنفس الصعداء بعد أن سيطرت على المشهدين السياسي والأمني في سوريا.
رهان واشنطن وتل أبيب
الولايات المتحدة الأمريكية لها تاريخ طويل في استخدام الجماعات المتطرفة سواء القاعدة أو داعش أو حتى الإخوان المسلمين، التي ترفض وضعهم على قوائم الإرهاب، رغم أنها تعلم أنهم الحاضنة الفكرية لكل التنظيمات المتطرفة، وهو ما يؤكد أن واشنطن لا رغبة لديها لمواجهة هذه التنظيمات، بل تعتبرها ضمن قوى التمرد التي تستخدمها أمريكا للضغط على أنظمة الشرق الأوسط أو لرسم سياستها فيه.
وبالتالي لا توجد لدى واشنطن أي حساسية في التعامل مع التنظيمات الإسلاموية الراديكالية، بل تستثمر في هذا الملف، واتجاهها لمواجهة هذه التنظيمات ليس الهدف منه القضاء عليه ولكن الحد من قدراته فقط، فهذه التنظيمات لها أهمية في رسم سياسات واشنطن.
فعلت واشنطن ذلك في العام ١٩٧٩ كمثال وتحديدًا في الحرب الأفغانية، حيث دعمت المقاتلين العرب أو المجاهدين العرب، هؤلاء هم من شكلوا فيما بعد تنظيم القاعدة أو قاعدة الجهاد، وظل دعم واشنطن لهم حتى نجحوا في اختراق أمن الولايات المتحدة الأمريكية ونفذوا هجمات ١١ سبتمبر عام ٢٠٠١، وهنا اضطرت أمريكا لمواجهة التنظيم.
حتى هذه المواجهة التي أعقبت هذا الهجوم لم تكن على المستوى، باستراتيجية واشنطن لمواجهة الإرهاب والقاعدة وداعش بعد العام ٢٠٠١ ما زالت محل نظر وعلى أفضل تقدير يمكن وصفها بالاستراتيجية الفاشلة، ورغم ذلك دعمت واشنطن التنظيمات المتطرفة في دول أخرى، وربما تساهلت كثيرًا في مواجهة داعش، الابن الشرعي للقاعدة بما يُشكك في استراتيجية أمريكا.
وهنا أرادت واشنطن وتل أبيب استخدام التنظيمات الإسلاموية في منطقة الشرق الأوسط بهدف إعادة رسم خرائطه؛ فواجهت بعض هذه التنظيمات بتنظيمات أخرى، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أرادت أن تُحقق أهدافها وترسم حدود أمنها، وكان البطل في هذه القصة التنظيمات الإسلاموية الراديكالية، التي لم يكن لديها مانع من القيام بهذا الدور.
التنظيمات الإسلامية تُراهن على خريطة إسرائيل التي تُعيد رسمها، كما تُراهن الأخرى في تنفيذ هذه الخريطة على التنظيمات المتطرفة ذات الخلفية السنية، وهذا قد يُفكك المشهد ويزيل الالتباس عن السيطرة السريعة والدعم المتواصل للتنظيمات الإسلامية في سوريا.
وهذا يبدو واضحًا من لغة خطاب أحمد الشرع الملقب بأبو محمد الجولاني، والذي يتغزل من خلاله في أمن إسرائيل، ومطالبته للولايات المتحدة الأمريكية أكثر من مرة أن تكون وسيطًا مع تل أبيب، فضلًا عن التصريحات الأخرى التي يتحدث فيها قيادات الهيئة بأنهم باتوا منكفئين على بناء دولتهم ولا يسعون لزعزعة استقرار أي بلد حدودي!
واشنطن لن تفك ارتباطها بالتنظيمات الإسلاموية؛ فهي ساعدها الأيمن في المواجهة مع بعض الأنظمة العربية وغير العربية، كما أنه بديل يستخدم العنف، وبالتالي قادر على تحقيق أهدافه وأهدافها وبسرعة وبطريقة تبدو آمنة، وهو ما تُدركه هذه التنظيمات وتستخدمه في معركتها مع خصومها.
الأنظمة الوطنية ومواجهة التنظيمات الراديكالية
هناك صراع بين مشروعين في المنطقة، مشروع وطني هدفه الإبقاء على تماسك الدول والحفاظ على مكوناتها، ومشروع آخر مرتبط بمواجهة التنظيمات المتطرفة، التي تسعى لتفكيك هذه الأنظمة وبناء مشروعها القائم على الإرهاب والتطرف.
المجتمع الدولي غير معني بمشروع الحفاظ على الدول، بل يسعى لاستخدام التنظيمات الإسلاموية من أجل تفكيك وتقسيم المنطقة العربية، وهنا تبدو أهميته في تحقيق هذا الغرض، خاصة أن هذه التنظيمات مسلحة وتستخدم العنف، وبالتالي قادرة على تحقيق أهدافها سريعًا، وهنا تبدو شكل العلاقة وقوتها وربما يُفسر ذلك استمراريتها.
هناك رغبة أمريكية في تفكيك المنطقة العربية من أجل تحقيق أمن إسرائيل، وتستخدم التنظيمات الإسلاموية الراديكالية التي تدعي أنها تُحارب إسرائيل في هذه المهمة، وهناك مشروع وطني هدفه تماسك الدول وبقاءها قوية؛ وهنا تقع هذه الدول بين سندان الرغبة الإسرائيلية والإرادة الأمريكية وحلف التنظيمات الإسلاموية التي ترغب في الصعود بأي صورة.
دول المنطقة العربية تقف أمام المشروع الأمريكي وأمام رغبة إسرائيل في تفكيك بعض الدول معتقدة أن ذلك سوف يُحقق أمنها، كما أن دول المنطقة تواجه أدوات كلا الدولتين في المنطقة ممثلة في التنظيمات الإسلاموية الراديكالية التي لم تبدي أي ممانعة من التماهي مع هذا المشروع؛ ويبدو هذا واضحًا بصورة كبيرة مع الحالة السورية.
صحيح واشنطن تُحاول أن تضغط من أجل تنفيذ مشروعها وتُعطي مساحة أكبر للتنظيمات الإسلاموية وتُطالب دول المنطقة العربية أن تُعلن تأيدها ودعمها لهذه التنظيمات، تارة بهدف الحفاظ على أمنها هي! وتارة أخرى بادعاء أن هؤلاء يحملون رياح التغيير التي لا بد منها، والحقيقة أن هؤلاء يحملون الشرور والسموم للمنطقة العربية بأكملها، لأنهم جزء من مشروع التقسيم والتفتيت.
في النهاية لابد أن ينتصر المشروع العربي على المشروع الأمريكي أو على مشروع تمكين التنظيمات الإسلاموية الراديكالية في المنطقة العربية؛ لأنه مشروع تخريبي لكل المنطقة، وقائم على أيديولوجيا سامة مستقاة من أفكار هذه التنظيمات ومن رغبة أمريكية هدفها الأساسي تحقيق مصالحها ومصالح إسرائيل ولكن على حساب المشروع الوطني العربي.
آلية مواجهة المشاريع الاستعمارية وخرائط التفتيت
لا بد بداية من الانتباه إلى خطورة المشروع الأمريكي ودور التنظيمات الإسلاموية الراديكالية في هذا المشروع، وبالتالي مواجهة كل هذه المشاريع مجتمعة من خلال عدة نقاط أهمها وأبرزها:
الاتفاق على مواجهة التنظيمات الإسلاموية الراديكالية التي تمثل خطرا على أمن المنطقة العربية، والوقوف أمام محاولات دعم هذه التنظيمات أو استخدامها سواء من قبل المجتمع الدولي أو من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
وضع رؤية عامة للمواجهة تكون مبنية على الاتفاق على الأهداف والنتائج معًا، بمعنى يكون هناك مشروع عربي موحد، أو الحفاظ على هذا المشروع أمام مشاريع التغريب والاحتلال والتفكيك.
وضع رؤى استشرافية للخطط التي يتم وضعها لتمكين التنظيمات المتطرفة، كما لا بُد من قراءة هذه التنظيمات قراءة دقيقة تنتهي بمواجهتها وفق ما وصلت إليه من تحولات حقيقية.
لا يمكن النجاح في مواجهة خطط إعادة رسم الشرق الأوسط أو بمعنى أحرى العبث بأمن هذا الشرق دون مواجهة التنظيمات الإسلاموية أو وضع خطة لذلك، وألا يكون ذلك مرتبطًا باستخدام هذه التنظيمات برسم حدود الشرق الأوسط الجديد، وإنما يكون مبعثه خطورة هذه التنظيمات في أمن المنطقة العربية.
مواجهة التنظيمات الإسلاموية الراديكالية لا بُد أن تكون شاملة لكل التنظيمات المتطرفة سواء المحلية أو الإقليمية أو عابرة الحدود والقارات وألا يتم التفريق بين كل هذه التنظيمات، لخطورة مشروعها، ولأنها جميعًا قائمة على هدم الدول، وكل منها قائم على خدمة غيرها في تحقيق الهدف، حتى ولو كانت بينها جميعًا خصومة معلنة.
لا بُد من احتضان الأهداف العربية لمواجهة كل المشاريع القائمة على التفتيت والتجزئة التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية من خلال التصالح مع التنظيمات الإسلاموية الراديكالية، وأن تتحمل القاهرة وأبوظبي والرياض، دورها في مواجهة هذه المشاريع والحفاظ على وحدة المشروع العربي.
أخذ هذه التوصيات بعين الاعتبار من خلال احتضانها من قبل جامعة الدول العربية، التي تضم في عضويتها كل الدول العربية، على اعتبار أن هدف المشروع هو تفكيك المنطقة العربية وتجزئتها وإعادة رسم حدودها من جديد، وبالتالي لا بُد أن يكون لها دور في المواجهة.