ما هي مشكلة السياسة الخارجية الأمريكية؟
تاريخ النشر: 1st, November 2023 GMT
من أوكرانيا إلى إسرائيل إلى العديد من دول غرب إفريقيا، يتحدث كريستوفر موت الباحث في معهد السلام والدبلوماسية عن مشكلة السياسة الخارجية للولايات المتحدة، مشيراً إلى أنها تكمن في أن العديد من صفوف صناع السياسات والقرارات يتألفون من أشخاص يكون مفهومهم للحياة الطبيعية "غير طبيعي" إلى حد كبير.
يقول موت الذي عمل في وزارة الخارجية الأميركية سابقاً، في تقرير لمجلة "ناشونال إنترست" إن الأوبئة والحروب والفوضى الطائفية (المعروفة في المصطلحات الحالية باسم حرب الثقافة) ليست سوى أحداثاً محيرة من منظور تلك الأحداث المشروطة بفترة سابقة استثنائية من الازدهار والنمو اللامتناهي والاستقرار السياسي النسبي.
ويضيف أن المتغيرات الجديدة الوحيدة في حروب العالم الآن عما كانت في السابق هي السرعة التي تتحرك بها المعلومات في جميع أنحاء العالم، وإمكانية وصولها لمجموعات كبيرة من الناس.. لكن، لسوء الحظ بالنسبة للاستقرار العالمي، لا يقتصر هذا السلوك على مطاردي النفوذ على وسائل التواصل الاجتماعي فحسب، بل أصبح أيضاً أكثر شيوعاً بين الحكومات وكيف تصور أدوارها في الخارج.
يستخدم ستيفن بينكر وغيره من كبار التقدميين المعاصرين بيانات انتقائية، ويتجاهلون التجربة الكئيبة الموثوقة لأسلافهم المثقفين، لإثبات أن المسار الحتمي للبشرية هو مسار العقل والنمو الأبدي في ظل ظروف التنوير الغربي، بحسب موت الذي قال إن دولة الصين غير الليبرالية في حد ذاتها تقف وراء 75 في المائة من الحد من الفقر العالمي، وفقاً للبنك الدولي، وهي نقطة من شأنها أن تقوض التقارب المفترض للبشرية في ظل نظام عالمي موحد.
"How Liberals Fell In Love With The West Wing" — @LukewSavage on how the beloved TV drama reinforces catastrophic political delusions... https://t.co/f5y5vhiegI
— Current Affairs (@curaffairs) December 31, 2017ويقول الكاتب إنه في حين أن الوفيات في ساحة المعركة كنسبة من المشاركين في الصراع، قد تبدو وكأنها تنخفض في الماضي القريب (وهو أمر يمكن أن يتغير)، فإن نطاق الصراع آخذ في الاتساع، ما يؤدي إلى وضع تزداد فيه قدرة المزيد من المجتمعات على التورط في حروب الآخرين.. كل هذا يتكشف على خلفية تدهور بيئي خطير وربما لا رجعة فيه.
تصاعد الحروبوفي الوقت نفسه، يرى الكاتب أنه من المفترض أن الفنانين الأذكياء مثل آرون سوركين يخلقون سرداً ممتعاً لطبقات السياسة حيث لا يكون هوس المؤسسة السياسية بالتكنوقراطية هو سبب تراجعها من خلال تراجع التصنيع في الداخل والتوسع المفرط في الخارج، بل هو حالة طبيعية.
وبينما تنظر القوى العظمى في العالم في تصعيد الصراعات المحدودة إقليمياً في أوروبا الشرقية والشرق الأوسط، سيكون من الحكمة أن نضع في اعتبارنا أن التحدي العالمي الفعلي في الوقت الحالي، هو الحفاظ على رأس المرء والتفكير بعقلانية.. فالصراعات المحلية لا تحتاج إلى توسيع نطاقها إلى صراعات عالمية، بل إلى احتوائها، بحسب التقرير.
Tune in as I deliver remarks on protecting Americans’ retirement security. https://t.co/1y58uImfV2
— President Biden (@POTUS) October 31, 2023ويرى الكاتب أنه يجب التخلص من المؤامرات الغامضة لـ "المستبدين"، الذين يسيرون في خطوة أيديولوجية لدحر العالم الليبرالي لصالح فهم الواقع الحقيقي والمادي المتمثل في تناقص تأثير القوة العظمى على دول الطبقة الوسطى، لا سيما في المناطق ذات القوى الإقليمية القوية والراسية.. مشيراً إلى أن قول تركيا في الشرق الأوسط مهم الآن، إن لم يكن أكثر، من الولايات المتحدة، وينطبق الشيء نفسه على الهند وجنوب آسيا.
ادعاءات هزليةويختتم موت تقريره بالإشارة إلى أن هذا يجعل الادعاءات بالنظام العالمي ليس هزلية فحسب، بل خطيرة وتصعيدية.. مشدداً على ضرورة احتواء الصراعات الإقليمية بدلاً من نشرها من قبل القوى العظمى، لكن الحرب النووية والصراعات بالوكالة التي تتوسع إلى ما لا نهاية لا تعرف مثل هذه الحدود.. وهذا هو السبب في أنه من الأهمية بمكان الاعتراف بأن الحرب والتنافس الإقليميين هما، في الواقع، الظروف العادية للتاريخ.
وبدلاً من مواجهة هذا التحدي بالذعر من فقدان ماض يمكن التنبؤ به مرة أخرى، حان الوقت لإعادة الحذر والحصافة إلى طليعة التنقل في واقع لا يمكن التنبؤ به، ولكنه نموذجي تاريخياً إلى حد كبير، في عالم لا يدوم فيه شيء إلى الأبد، فإن القدرة على التكيف البراغماتية هي الفضيلة الحاسمة لفن الحكم.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة أمريكا الحرب الأوكرانية
إقرأ أيضاً:
السياسة والأماني الضالة
بيئة منظومة تنمية التخلف:ننظر هنا إلى زاوية فقط في بيئة نعيشها واقعا لم نعرف طعم الحياة التي قضى بعضنا عمره وغادرها وهو في انتظار طيف الرفاهية والراحة، ويتباهى فيها الفاسد بنزاهته والجبان بشجاعته، ويتحدث كل من هب ودب بتافه القول المعبّر عن غرور الجاهل ويسميه نشاطا سياسيا، راكضا وراء ما يظنه مصلحته ولو كان الضرر مما يفعل يحيق ببلد يدّعي حبه.
وهكذا تختفي وتتدارى الكفاءات ومجاميع البناء ويظهر أناس غير قابلة للقياس تلقب بالسياسي وتفتقد سلوكية السياسي.. عند هذا ببساطة نقرر ولا حاجة للتعليل: نحن في بيئة منظومة تنمية التخلف.
السياسة المظلومة:
السياسة يمكن أن تدرس أكاديميا أو تعبر عن مواقع سياسية من أناس طارئين أو انتهازيين، لكنَّ الحالتين لا تصنعا ساسة، عندها ستظلم السياسة لأنها ستتهم بسلوكيات من يوصفون بها.
الطارئون الذين لا يحملون رؤية أو قيمة مدنية لا يشكلون أمة وبالتالي لا يشكلون دولة، فهم يلجأون إلى العصبيات واستثارتها كالعرقية والطائفية والمظلومية والروابط الهابطة التي لا تنتج إلا الاستقطاب، وهذه استثارة الغرائز وإعماء المنظومة العقلية ليصلوا إلى كراسي الأماني الضالة، ويسخّرون في هذا كمّا من التفاهة والتافهين الذين يزيدون التشظي والتخلف، وعندها لن تجد إلا تعبيرا عما يضع الظلم والتفاهة
فعندما تجد حديثا عن الفوز بالمناصب دون الحديث عن برامج وحلم وتطلعات لبناء من خلال هذا المنصب، فأنت حتما أمام مغامر يركب الموج، يريد الوصول وكل همه من الوصول هو تحقيق لذاته بما يحلم لذاته، والحقيقة أن هؤلاء الناس لا يملكون إلا مهارة صناعة التخلف للأمة.
هذه الحالة السائدة تعني التعبير عن حاجات وغرائز الطامعين وغياب الضمير والفكرة الأساسية من السياسة والعمل السياسي، فالهدف امتلاك وسائل النفوذ وديمومته وهو مقتنع تماما بأن عدم انتخابه خسارة ومجرد وجوده نصر، وأن أي منافسة على السلطة يخوضها وينتصر بها أهم من تغلب منتجمري على رومل في العلمين، مع أن سلطته لا ينتفع بها الشعب الذي انتخبه.
الطارئون الذين لا يحملون رؤية أو قيمة مدنية لا يشكلون أمة وبالتالي لا يشكلون دولة، فهم يلجأون إلى العصبيات واستثارتها كالعرقية والطائفية والمظلومية والروابط الهابطة التي لا تنتج إلا الاستقطاب، وهذه استثارة الغرائز وإعماء المنظومة العقلية ليصلوا إلى كراسي الأماني الضالة، ويسخّرون في هذا كمّا من التفاهة والتافهين الذين يزيدون التشظي والتخلف، وعندها لن تجد إلا تعبيرا عما يضع الظلم والتفاهة أمام الجمهور وترسيخ الجدل السطحي دون مناقشة ما يوقف التدهور المدني للبلاد. وتستعيد تلك الروابط أهميتها لمجرد أن يحصل "المستنفذون" على دعم لوجودهم وخداع الناس واستلاب حياتهم، وتعميق فاعلية منظومة تنمية التخلف بإعادة تغذيتها بالأمراض الاجتماعية والسموم الفكرية والتخلف عن العالم والتباهي بإنجازات وهمية ليست مبرمجة إلا لزيادة مراكز القوى.
في سياسة الأماني الضالة في منظومة تنمية التخلف تجد خلية لا تنتج عسلا، بل هنالك صراع ومهمة العاملات -تلك الزنابير المتحولة- فيه هي احتلال المكان وطرد الآخرين من الخلية التي تتفكك أواصرها اعتقادا أن الخلية لها وحدها، فالملكة عاقر مفقودة والذكور ميتة والعاملات القادمة من خلايا الزنابير هائمة تأكل عسلا متبقيا فيها ولا يعوض بإنتاج جديد.
الكيان الذي تنشئه سياسة الأماني الضالة في منظومة تنمية التخلف هو كيان هش ضعيف يعتمد الظلم، وأي خطر يحس به يحوله إلى اضطهاد داخلي لمن يَفْتَرِض أنهم أعداؤه، ويسخّر كل التفاهة التي هو فيها لتبرير إحداث الشروخ الكبيرة التي تصل حدا لا يمكن إصلاحه، فيبقى البلد على حافة التفكك وإعادة هيكليته من جديد؛ إما بعنف يستعيد وحدته، أو بالتفكك إلى أجزاء هي جاهزة للابتلاع من المحيط الإقليمي؛ لأن التفكك لا يقوم بدافع نضج فكري أو عقلي وإنما على الغرائز والمشاعر السلبية ولا رؤية غيرها، لتستمر في التلون والاستحواذ وإن تغيرت المسميات ما لم يتولى الأمر أناس آخرون.
يظنون أنهم سياسيون ولكن لا يبدعون حلولا بل يواجهون الاستقطاب باستقطاب، وقد يكون مقبولا من المتنافسين والمختلفين لكنه لا يبني دولة ولا يحل مشكلة أمة، المتنافسون لا يأتون برؤية تعالج مشاكل المجتمع وإنما هذا الأسلوب لتفاقم تضارب المصالح على الوليمة والخلية التي لم يعد عسلها كافيا ويوشك على النضوب، أما الشعب والناس الآخرون ففي حسابات لا تأتي أهميتها إلا لتعطي شرعية اللعبة التي تكرر الوجوه في الخلفية، وإن أبدلت الواجهات التي غالبا تجد نفسها أهلا لتكون وجوها وليس واجهات، وقسم منها يضاف إلى الدار بعد أن كان من الخطّار.
في بيئة الأماني الضالة لا تعرف من الرأس ومن يتخذ القرار، ولماذا هنالك شخص لا يحاسب بما يحاسب معشار معشاره المواطن. الكفاءات غريبة مضطهدة مسفهة، والتمكين والثقة للناس المزايدين، فالغاية الكرسي؛ لا ما يمكن فعله عليه وما يجلبه الكرسي من "مستحقات"، فالبناء لا يتعدى العنوان والشعارات بالوعود وديمومة الأمل بالأوهام.
فما هي السياسة عمليا إذن؟
إذا فهمنا السياسة من الجدلية أعلاه وأنها أمر فيه معاير القياس لدرجتي الرقي والانحدار، وليس عملا يقوم به أي كان ناقلا فوضى داخله للمجتمع، نكون عندها سياسيين، أما إن رأينا أن المعيارية مختلة عندنا فنحن نشارك في احتضار أمتنا ومجتمعنا
1- حقيقة أن السياسة مهمة عندما تكون "إدارة مصالح الأمة"، ويبذل المتصدر الجهد للتعاون مع طاقات البلد ووضع برامج وآليات للارتقاء بالواقع الفكري والمدني إلى الأفضل، وهنا يأتي الاختلاف بين الأحزاب إما على الأولويات أو التزامن أو الآليات، ومحاولة كل منهم إقناع مقابله بخططه ومن ثم الانتقال بالبرامج وشروحات الخبراء إلى الجمهور ليختار بين الرؤية والمنهج والآليات، ومن يفضل أن تمشي خططه أولا إلى اختبار الجمهور فإبقاء أو تغيير في انتخابات قادمة؛ فمن الضروري تعاون الجميع لتحقيق ما يريده الجمهور برؤية الفائز التي أدت لانتخابه وتصويب ومتابعة المعارضة بكل اهتمام.
2- سعي الجميع لوأد أية فتنة وبذل الجهد للتلاحم المجتمعي، وتحفيز الطاقات والارتقاء بالمنظومة العقلية، ووضع النظم للاستفادة من كل طاقة حتى نهاية قدرتها على العطاء.
3- لا يبقى أي شخص في منصبه الوظيفي إن تبين له فشل تفكيره في قيادة عمل ما، فيستقيل ليتقدم آخر بما يملك من كفاءة.
4- محاولة إبداع الوسائل لإزالة العقبات الداخلية والخارجية والأولوية للتنمية.
5- فهم السياسة أنها توظيف السلطة والنفوذ للتنمية.
6- تحقيق المصالح العليا مع الربح إن أمكن ذلك، وعندما تضر الأيديولوجيا بأي بلد تعتبر تلك الأيديولوجيا غير صالحة لدعم عمل سياسي ناجح.
فإذا فهمنا السياسة من الجدلية أعلاه وأنها أمر فيه معاير القياس لدرجتي الرقي والانحدار، وليس عملا يقوم به أي كان ناقلا فوضى داخله للمجتمع، نكون عندها سياسيين، أما إن رأينا أن المعيارية مختلة عندنا فنحن نشارك في احتضار أمتنا ومجتمعنا؛ وكما أن حمل هموم الأمة بالتضحية والعطاء قيمة عدل؛ لا يكون الاستحواذ سياسة وإنما ظلم بطغيان التفاهة والأماني الضالة.