أثير- عبدالله العريمي
يالله كم يحتاج إنسان هذا العصر إلى استئصال الحواجز الفاصلة بينه وإنسانيته، وهدم مستوطنات الخوف والخنوع والاستسلام للذل التي أقيمت في روحه، وكم نحتاج إلى كم هائل من ابتذال وبذاءة المفردات حتى تكون بمقاس ضمير العالم، وحتى نصف بها هذه الهزيمة العربية.
لأمريكا يعود كل هذا الأمر لكن هراوتها ليست إسرائيل؛ فإسرائيل أكثر تفاهة من أن تكون كذلك، لكنه الصمت العربي الذي يفتح الصدور العربية وينبش القبور، إنه القاتل الحقيقي، هو من يقتل الأجنة في بطون أمهاتهم وحارق النساء ومُطلق شذاذ الآفاق وأخلاط اليهود، إن غرف الاجتماعات العربية والدولية باردة كثلاجات الموتى لولا دفء بعض الضمائر التي تناهض هذه الوحشية وتطالب بمحاكمة هذه العصابة التي أسرفت في القتل وارتكبت أبشع جرائم الحروب ومارست أسوأ صور الإنسانية، لولا ذلك وانتباه ضمير الشعوب لاكتملت شهادة وفاة العرب الممهورة بالختم الأمريكي.
إن حقول العنب والقمح والتين والبيارات في غزة أصبحت كلها مقابر تتسكع حولها بنات آوى، والعالم يتفرج وقد صدق خرافة ميثاق حقوق الإنسان، إننا مصابون بحالة التباس غير عادية فلا ندري هل نبكي على أنفسنا ونحن نرى كل هذا الاعتداء على حرمة الإنسان أم نفرح لأن فلسطين هي الملاكُ الحارس لآخر ما تبقى في خيمة العربي من مطالب المروءة وتكاليف الشجاعة.
غزة اليوم تعلمنا كيف نقدس الكرامة والكبرياء، وتصحح أخطاءنا في كتاب الحياة، غزة اختبار الضمير العربي الذي أصبح وعاء للإهانة بشكل معلوم ومستهلك جدا، غزة وحدها من يجابه هذه العداوة السرية والمعلنة، وحدها من يجعل الحياة ممكنة ويرشُّ رذاذ الأمل، وحق لها ذلك، لأنها التأكيد الأوحد على أن الغياب حياة والموت انتصار، وأن العطور العربية متفسخة الرائحة، غزة وضوح النهايات وغموض البداية والتباسها، إنهم يموتون نيابة عنا وينتصرون نيابة عنا، فكيف لنا أن نتحرر من كل هذا الذنب ونفرغ القلب مما فاض فيه من الإثم، كم من غراب سوف يحتاج هذا العالم ليعلمه كيف يواري سوءة أخيه، وماذا سنفعل مع إخوة انشغلنا عنهم بخطب فارغة وتركناهم يبذرون بذور الأمل ويصعدون وحدهم حتى أعلى مستويات الكرامة والحياة، كيف سيقف الصامتون في محكمة التاريخ وكيف سيقدمون اعتذارهم للشهداء في حضرة ملك الملوك، كيف يمكنهم متابعة الحياة وهم يختلسون النظر إلى عيوبهم صباح مساء، إنه إغواء الخطيئة الذي يستدرجهم إلى هاوية الذل والامتهان، أما غزة فقد تخففت من تلك الأعباء وتركتنا نقدّس فعلها البطولي الذي يذكرنا دائما بسر الحياة.
المصدر: صحيفة أثير
إقرأ أيضاً:
حرب ممنهجة على كل قطاعات الحياة في قطاع غزة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
رغم نفي إسرائيل تنفيذ "خطة الجنرالات"، تواصل منذ الخامس من أكتوبر الماضي 2023 شن هجوم مدمر على شمال قطاع غزة، مما أسفر عن استشهاد وإصابة آلاف الفلسطينيين، وتهجير عشرات الآلاف، بالإضافة إلى تدمير المستشفيات والبنية التحتية.
هذه الهجمات تأتي بالتزامن مع حصار خانق، بينما يستمر الهجوم على القطاع منذ 15 شهرًا متواصلة، حيث بلغ عدد الشهداء والجرحى أكثر من 153 ألفًا، ودُمرت غالبية البنية التحتية المدنية.
تدهور الوضع الإنساني في غزة
أكدت منظمة الصحة العالمية أن نحو 7% من سكان قطاع غزة إما قُتلوا أو أصيبوا منذ بداية التصعيد العسكري في أكتوبر 2023، مشيرة إلى أن الوضع الإنساني في القطاع يزداد سوءًا بشكل غير مسبوق.
الحرب المستمرة تستهدف جميع قطاعات الحياة، بما في ذلك استهداف المستشفيات، النازحين، والكادر الطبي.
سياسة التجويع والتهجير الممنهج
قال الدكتور شفيق التلولي، الكاتب والمحلل الفلسطيني، في تصريح خاص لـ "البوابة نيوز"، أن الحرب على غزة ليست مجرد صراع عسكري، بل هي جزء من خطة إسرائيلية منهجية تهدف إلى تصفية الوجود الفلسطيني.
وأضاف التلولي، أن الاحتلال يحاول إفراغ غزة من سكانها عبر سياسة التجويع والتهجير القسري، بالإضافة إلى استهداف الأطباء والعاملين في القطاع الصحي، وهو ما يراه جزءًا من خطة "الجنرالات" التي تهدف إلى اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه.
حرب على المستشفيات والكادر الطبي
أشار "التلولي" إلى أن المستشفيات مثل مستشفى كمال عدوان، العودة، والإندونيسي تم استهدافها بشكل متعمد، مع مقتل العديد من الأطباء، مثل الدكتور عدنان البرش، مدير مستشفى الشفاء، والدكتور سعيد جودة، وكذلك تعرض الأطباء في مستشفى الشهيد كمال عدوان للاعتقال، مثل الدكتور حسام أبوصفية، وهذه العمليات هي جزء من استراتيجية ممنهجة تستهدف الإنسان الفلسطيني ومقومات حياته.
محاولات الوساطة والتهدئة
وفيما يتعلق بالمفاوضات، بدأ الوسطاء جولة جديدة من المحادثات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس، في محاولة أخيرة للتوصل إلى اتفاق بوقف إطلاق النار في غزة، وصفقة تبادل المحتجزين في القطاع بأسرى فلسطينيين في سجون الاحتلال.
احتمالات أهداف الاحتلال من المفاوضات
قدم "التلولي" قدم ثلاث احتمالات لما يهدف الاحتلال من هذه المفاوضات، أولا ابتزاز الفلسطينيين، حيث قد تحاول إسرائيل فرض ضربات قاسية لإجبار الفلسطينيين على الرضوخ لمطالب نتنياهو، بما في ذلك الشروط التعجيزية.
ثانيا مراوغة إسرائيل، قد يحاول نتنياهو اختلاق شروط تعجيزية لتفشل مفاوضات التهدئة، مما يتيح له الهروب من الضغوطات الدولية والداخلية من قبل ترامب والمجتمع الاسرائيلي وبخاصة أهالى المحتجزين،
وأشار "التلولي" الى عدم نضج فكرة إنهاء الحرب حيث أن فكرة إنهاء الحرب لم تنضج بعد داخل حكومة الاحتلال، مما يهدد استقرار حكومة نتنياهو، وقد يؤدي إلى انسحاب بعض أعضاء الائتلاف الحكومي، مما يعوق توقيع اتفاق تهدئة.