أثير- الروائي الأردني جلال برجس

كشفت الحرب الأخيرة على قطاع غزة الفلسطيني، حيث يتعرض المدنيون العَّزل لأبشع مجزرة، ما تبقى من الوَهْم الذي يلف مفاهيم عالمية كثيرة لم تكن مؤكدة في السياق الإنساني بالشكل القاطع، إلا من جهة التنظير، أما من حيث الأخذ بها، وتفعيلها، فهي في عمقها معطلة فيما يخص العالم العربي؛ مفاهيم سياسية، وإنسانية، وثقافية، واجتماعية، ومناخية؛ تحديدًا ونحن ما نزال في بدايات الألفية الثالثة، التي كان من المفترض بناء على العديد من التنظيرات، والسياقات التاريخية التي شهدت تجارب كارثية ابتداء من الحربين الكونيتين، وما أدت إليه من هزة عالمية -قوضت المعمارين الداخلي والخارجي- أن تؤدي إلى توافقات نهائية على مفاهيم العيش والتعايش، والِّسلم العالمي، قبالة صراع الغرب مع الشرق، والشمال مع الجنوب، والأبيض مع الأسود، وصراع الأديان، والإمبراطوريات، ومرورًا بكثير من التجارب كالحقبة الكولينيالية التي لم تغادرها فلسطين للآن، واحتلال العراق، والاعتراف بخطأ الإقدام على تدميره بذلك الشكل مخفي المقاصد، الذي نشهد نتائجه، وآثاره المريرة الآن على صعيد عيش الإنسان العراقي بشكل خاص، والعربي بشكل عام.


بعد انتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي، وظهور القطبية الواحدة، ومن ثم نشوء أقطاب جديدة، وما نشأ عن كل تلك التبدلات من مسارات طارئة، يبدو-بل من المؤكد-أن العالم قد عبر نحو مرحلة بات الإنسان فيها بكل قيمه، ومبادئه، وحقوقه، في ذيل القائمة إن لم يكن خارجها؛ مرحلة تسودها مفاهيم غير مألوفة، وانصياع تام نحو مركز غامض الملامح ثقافته تشييء الإنسان، والإعلاء من السطحي قبالة الجوهري، واختزال أي فعل إنساني حقيقي من السياقات اليومية للآدمي، الذي وبناء على رؤى ذلك المركز؛ سيصبح فائضًا عن الحاجة ذات يوم، مع توحش منطق السوق الاستهلاكي، وتصاعد حمّى الرقمنة، والذكاء الاصطناعي.
ومن أبرز تلك المفاهيم التي ظهرت ازدواجية التعامل معها في غزة هي الحرية بكل مستوياتها، وتجلياتها؛ فمع عبور العالم إلى مستوى وشكل جديدين من التعاطي مع المعلومة، من حيث إنتاجها، ومن حيث الحصول عليها سلكت وسائل الإعلام العالمية مسلكًا كان من شأنه أن يخفي نصف الصورة، ويستبدل به واحدًا آخر مزيفًا، الغرض منه تحقيق المصلحة الإسرائيلية في تنفيذ مخطط التهجير؛ فقد أبدت تلك الوسائل انحيازًا تامًا لطرف على حساب طرف، هذا الانحياز الذي لم يتخذ فقط في فلسطين، إنما في مناطق عالمية عديدة مثل الأزمة الروسية الأوكرانية.
ومن جانب آخر أسقطت وسائل التواصل الاجتماعي: (منصة X، فيس بوك، ويوتيوب) حق الإنسان العربي في التعبير بحرية عما يحدث من استهداف للمدنيين العزَّل، ولمنازلهم، ومستشفياتهم، ومساجدهم في غزة؛ إذ حذفت كثيرًا من الصور، والتسجيلات، والمنشورات، التي تتعلق بما يحدث في بلاد منكوبة؛ بل إن الأمر وصل إلى حجب كل أشكال الاتصالات بما فيها الإنترنت عن القطاع يوم الثامن والعشرين من هذا الشهر.

لقد أظهرت الشركات العالمية التي تهيمن على الإعلام، وعلى المنصات الإلكترونية، وجميع المنابر التي تعنى بحرية التعبير، أن هناك أحادية مفرطة فيما يخص تعاملهم مع مفهوم الحرية الذي بدا الآن أنه مجرد أيقونة، ورأي خارج السياق الحضاري، يتوقف تنفيذه عند فئة بشرية معينة، وقد تجاوز هذه الأيام وصفه السابق بالازدواجية في المعايير؛ إذ بات في معيار واحد إقصائي، ينطلق من وعي صِدامي، لا يؤمن إلا بطرف واحد. من هنا فقد سقطت تلك المقولات التي يروج أصحابها لحق امتلاك المعلومة، ولحق الإنسان في المعرفة، ولحقه في التعبير بما أننا في الأوج العالمي لحقوق الإنسان، والحيوان، وحتى البيئة. أمام هذا التجاهل الرسمي العالمي لما يتعرض له المدنيون العزَّل في غزة من مجازر، بل الاصطفاف ضدهم، يماط اللثام عن وجه مختلف للغرب الذي يتنطع بتحضره، وبإيمانه بالقيم الإنسانية، وبالحرية، والعدالة، والكرامة. يماط هذا اللثام عن انحدار لمفاهيم كان يمكن رغم كل الصراعات أن تأخذ بيد الإنسان نحو مسافات مستقبلية، لكن أمام هذا الانحدار هناك صعود مريع للعنصرية، والتطرف، والكيل بمكاييل عديدة.
لقد حذفت الصورة من شاشات الإعلام العالمي، صورة تضم منازل هدمت، وأطفالًل، ونساءً، وشيوخًا، استشهدوا، وشعبًا أعزلَ يدفع للجوء من جديد، لكن شاشة الضمير الإنساني العالمي لم تحذف هذه الصورة، بل ستبقيها شاهدة على انحدار العالم نحو الهاوية.

المصدر: صحيفة أثير

إقرأ أيضاً:

موتسيبي : المغرب بلدي الثاني وأفريقيا ممتنة لجلالة الملك بإستضافة المنتخبات الإفريقية التي لا تتوفر على ملاعب

زنقة 20. الرباط

جدد رئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، باتريس موتسيبي، اليوم الجمعة بسلا، على شكره لجلالة الملك محمد السادس على مبادرة إستضافة المنتخبات الأفريقية التي لا تتوفر على ملاعب مؤهلة، على الأراضي المغربية.

وأشاد المسؤول الكروي الإفريقي، الذي وجد في استقباله رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، السيد فوزي لقجع، بجهود الجامعة للنهوض بالكرة المغربية وخدمة كرة القدم الإفريقية، معربا عن السعادة التي تنتابه كلما حل بالمغرب “بلدي الثاني”.

ونوه السيد موتسيبي بمبادرة المملكة المغربية بفتح ملاعبها في وجه المنتخبات الإفريقية التي لا تتوفر على ملاعب لخوض مبارياتها، معربا عن امتنانه لصاحب الجلالة الملك محمد السادس على هذه المبادرة.

وحول التظاهرات الكبرى التي تنظمها المملكة، جدد موتسيبي التأكيد على أن كأس أمم إفريقيا للسيدات (المغرب- 2024) ستكون “النسخة الأفضل والأنجح على الإطلاق” لهذه المسابق مؤكدا أن نسبة المشاهدة ستكون بدون شك أعلى خلال النسخة المغربية، بالنظر إلى المؤهلات التي تحظى بها المملكة، “البلد المتميز وأحد أفضل الوجهات السياحية في القارة”.

من جهة أخرى، أكد السيد موتسيبي أن المنتخب المغربي “دخل التاريخ” ببلوغه نصف نهائي كأس العالم الأخيرة (قطر 2022) لأول مرة في تاريخ كرة القدم بالقارة الإفريقية، مشددا على أن تلك اللحظة مثلت “مصدر فخر لنا جميعا”.

وبخصوص التنظيم المشترك لكأس العالم لكرة القدم 2030 بين المغرب وإسبانيا والبرتغال، سجل السيد موتسيبي أنه سيمثل “لحظة تاريخية وإنجازا غير مسبوق ومصدر فخر ليس للمغاربة فحسب، وإنما لكل شعوب القارة الإفريقية”.

مقالات مشابهة

  • بالفيديو.. لندن تشهد لقاء وتكريم أطول امرأة في العالم التركية روميسا التي تناولت الشاي مع أقصر امرأة بالعالم الهندية جيوتي
  • منتدى المرأة العالمي– دبي 2024 يستضيف شخصيات مُلهِمة
  • شاهد الشخص الذي قام باحراق “هايبر شملان” ومصيره بعد اكتشافه وخسائر الهايبر التي تجاوزت المليار
  • موتسيبي : المغرب بلدي الثاني وأفريقيا ممتنة لجلالة الملك بإستضافة المنتخبات الإفريقية التي لا تتوفر على ملاعب
  • منظر مرعب.. شاهدة عيان تروي تفاصيل مؤلمة في دهس ابن شيف شهير لعامل دليفري
  • زيلينسكي يعلق على الضربة التي شنتها روسيا بصواريخ "أوريشنيك"
  • مجلس الأمن الذي لم يُخلق مثله في البلاد!
  • حكاية صورة أول بث تلفزيوني شاهدة على تغير التاريخ.. من صاحبها؟
  • الأمم المتحدة تحتفل باليوم العالمي للتلفزيون
  • في اليوم العالمي للتلفاز.. حكاية أول جهاز يبث صورا في التاريخ