في "منتدى شيانغشان الأمني" المنعقد في بكين، والذي يشارك فيه ممثلون لنحو 90 دولة، من بينهم وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، تم رسم صورة مقلقة للاستقرار في العالم.
اجتماعات بكين وواشنطن لم تؤد إلى إذابة الجليد بين البلدين
العالم يعيش مرحلة انتقالية صعبة لا بد منها للوصول إلى عالم متعدد الأقطاب
ما يدل على أن العلاقات الدولية تتجه نحو مزيد من التعقيد، في ضوء اتساع المجابهات على أكثر من ساحة دولية، وآخرها ما يجري في منطقة الشرق الأوسط، واحتمال خروج الحرب في قطاع غزة عن حدودها الحالية، باتجاه انخراط قوى إقليمية أخرى فيها، بما يشكله ذلك من مخاطر حقيقية على أمن المنطقة، والعالم، خصوصاً أن الحرب الأوكرانية لا تزال مستعرة من دون أفق لحل سياسي، كما أن المجابهة بين الولايات المتحدة والصين لا تزال في أوجها.
نائب رئيس اللجنة العسكرية المركزية الصيني، تشانغ يوشا، قال لدى افتتاح المنتدى "بينما ننظر إلى جميع أنحاء العالم اليوم، فإن القضايا الساخنة تظهر واحدة تلو الأخرى، وإن آلام الحرب والفوضى والاضطرابات والخسائر تظهر باستمرار"، وفي إشارة إلى الولايات المتحدة، ودول أخرى، أضاف "بعض الدول، وخوفاً من استقرار العالم، تتعمد خلق الاضطرابات، والتدخل في القضايا الإقليمية، والتدخل في الشؤون الداخلية لدول أخرى، وتدفع باتجاه الثورات الملونة، وخلف الكواليس تقوم بتوزيع السكاكين، وتستفز الناس لخوض الحروب، ضامنة استفادتها من الفوضى".
هذا الموقف الصيني يؤشر إلى أن الاجتماعات المتعددة التي تعقد على أكثر من مستوى، بين بكين وواشنطن منذ أشهر، وآخرها اجتماع وزيري الخارجية، الأمريكي أنتوني بلينكن، ونظيره الصيني وانغ يي، في واشنطن، مؤخراً، لم تؤد إلى إذابة الجليد بين البلدين، كما لم تفتح الطريق، على ما يبدو، أمام قمة مقترحة بين الرئيس الأمريكي، جو بايدن، والرئيس الصيني، شي جينبينغ، في فرانسيسكو، في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، على هامش "قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (أبيك)"، إذ وصف الوزير الصيني الطريق إلى هذه القمة بأنها "مملوءة بالعقبات".
أما وزير الدفاع الروسي، شويغو، فقد شن حملة عنيفة على واشنطن، واتهمها بالسعي لإثارة عدم الاستقرار في آسيا والمحيط الهندي، وحذر من مخاطر مواجهة نووية بقوله "إن خط الغرب تجاه التصعيد مع روسيا يشكل خطر نشوب صراع مباشر بين القوى النووية، الأمر الذي سيؤدي إلى عواقب كارثية".
هذه المواقف الصينية - الروسية، هي تعبير عن قلق حقيقي تجاه مختلف التهديدات الأمنية التي تقوض الاستقرار، والتوازن الإستراتيجي العالمي، وتجعل العالم رهن سياسات لا تأخذ في الاعتبار مصالح جميع الدول والشعوب، ولا تحترم ميثاق الأمم المتحدة، ولا مبادئ حقوق الإنسان.
ومع ذلك، فالعالم يعيش مرحلة انتقالية صعبة، لا بد منها للوصول إلى عالم متعدد الأقطاب سوف تتخللها صراعات وحروب، كما في كل المراحل التي واجه فيها العالم الانتقال من نظام عالمي إلى نظام آخر، طالما تصر الولايات المتحدة على البقاء متفردة بالنظام العالمي الحالي الذي فقد صلاحيته.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الحرب الأوكرانية غزة وإسرائيل
إقرأ أيضاً:
قراءة.. سياسات ترامب ستحول الدولار مصدراً للاضطراب العالمي
منذ فوز الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الجمهوري دونالد ترامب، بانتخابات الرئاسة الأمريكية التي أجريت يوم 5 نوفمبر(تشرين الثاني) الحالي، تتوالى التحليلات والتعليقات التي تحذر من تداعيات السياسات التي يتبناها ترامب على العالم في مختلف المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية.
وفي تحليل نشره موقع المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) البريطاني، قال ديفيد لوبين، الباحث البارز الزميل في برنامج الاقتصاد والتمويل العالمي بالمعهد، إن الرئيس الأمريكي المنتخب لديه مشكلة مع الدولار.
ففي الشهور الأخيرة أوضح ترامب تفضيله الواضح لخفض قيمة العملة الأمريكية لدعم تنافسية الصادرات الأمريكية والمساهمة في خفض العجز التجاري الأمريكي.
By positioning himself as too big to fail, Trump turned his financial disaster into a partnership with the very banks he owed.
Realizing that traditional real estate income wouldn’t be enough, Trump shifted his focus to branding. pic.twitter.com/NuKkMVgzvg
ورغم ذلك فإن الأسواق العالمية ترى أن سياسات ترامب ستؤدي في نهاية المطاف إلى ارتفاع قيمة العملة الخضراء وليس خفضها. والخطر هو أن يؤدي استمرار تنامي قوة الدولار الذي ارتفع إلى مستويات مرتفعة للغاية أمام العملات الرئيسية في العالم إلى زيادة مخاطر حدوث اضطرابات مالية عالمية.
والحقيقة أن الدولار سجل سلسلة تقلبات واضحة خلال العقود القليلة الماضية. وخلال الفترة من 2002 إلى 2011 على سبيل المثال تراجع سعر الدولار بنسبة 30% تقريباً مع حساب معدل التضخم وحجم التعاملات بحسب بيانات بنك التسويات الدولي. ولكن منذ 2011 وحتى الآن أرتفع الدولار إلى أعلى مستوياته منذ 1985.
وخلال تلك العقود كان الدولار يعكس ميزان الحيوية الاقتصادية، فعندما يكون الاقتصاد الأمريكي قوياً نسبياً مقارنة بباقي اقتصادات العالم ترتفع قيمة الدولار، والعكس صحيح أيضاً.
وبعد انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في 2001، تحول ميزان الحيوية الاقتصادية بشكل حاسم بعيداً عن الولايات المتحدة، لصالح الصين وغيرها من الاقتصادات الناشئة. كان العقد الأول من الألفية الثالثة، عقد طفرة السلع الأساسية حيث شهد أكبر وأطول فترة متصلة لزيادة أسعار السلع الأساسية في زمن الحرب منذ ما يقرب من 200 عام، حيث دعم الارتفاع المستمر في الاقتصاد الصيني نمو الناتج المحلي الإجمالي في جميع أنحاء العالم النامي. ونتيجة لذلك، تراجع الدولار.
???????? Real Yields
While not extreme, the current US real interest rate of about 2% is relatively high, reflecting a restrictive monetary policy aimed at bringing inflation under control
???? https://t.co/blMxcoFA78
h/t @johnauthers pic.twitter.com/zcjPUXH5Sa
ولكن بعد 2011 عاد ميزان الحيوية الاقتصادية لصالح الولايات المتحدة نتيجة عدة عوامل منها أزمة منطقة اليورو والفترة التالية لها وتباطؤ الاقتصاد الصيني.
وكانت النتيجة ارتفاع قيمة الدولار. ومن المتوقع استمرار ميزان الحيوية الاقتصادية لصالح الولايات المتحدة في ظل استمرار الحالة الهشة للاقتصادين الأوروبي والصيني. وهناك عنصران آخران يشيران إلى استمرار ارتفاع سعر الدولار في فترة حكم ترامب الثانية.
العنصر الأول هو تأثيرات الرسوم الجمركية التي يعتزم ترامب فرضها على الواردات الأمريكية على سعر الصرف. فعندما تفرض الولايات المتحدة رسوماً على منتجات دولة أخرى، تتجه أسواق الصرف إلى بيع عملة تلك الدولة، وهو ما يدفعها للتراجع، حتى يتم تعويض الزيادة سعر منتجات تلك الدولة في السوق الأمريكية نتيجة الرسوم الإضافية. ولعل هذا ما يفسر تراجع سعر اليوان الصيني بنسبة 10% في عام 2018 عندما فرض ترامب قيودا تجارية على الصين في يناير/ كانون الثاني من ذلك العام.
للمرة الأولى.. بيتكوين تتجاوز 90 ألف دولار - موقع 24واصلت العملة الرقمية المشفرة بيتكوين ارتفاعها بعد توقفه في وقت سابق، الأربعاء، ليصل سعرها إلى أكثر من 90 ألف دولار للوحدة الواحدة لأول مرة إطلاقاً، في الوقت الذي يقيم فيه التجار بقايا تأثير حديث الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب القوي عن دعم العملات الرقمية على السوق.العنصر الثاني هو إطار عمل الاقتصاد الكلي المنتظر أن يكشف عنه ترامب. فهو يريد تمديد تخفيضاته الضريبية التي أقرها في 2017 إلى ما بعد 2025، مع تبني سياسات مالية شديدة المرونة. لآن ازدهار الاقتصاد الأمريكي سيؤدي إلى ضغوط تضخمية، تتوقع أسواق المال زيادة أسعار الفائدة الأمريكية مجدداً، وبالتالي سترتفع قيمة الدولار أمام العملات الأخرى.
ويقول ديفيد لوبين في تحليله إنه عندما يصبح سعر الدولار مرتفعاً بصورة قابلة للاستمرار، ستظهر مشكلة جديدة، وهي كيفية التعامل مع العملة الأعلى من قيمتها دون إثارة اضطرابات مالية كثيرة. وقد حدثت هذه المشكلة في أوائل 1985، عندما كان سعر الدولار مرتفعاً بدرجة خطيرة. في ذلك الوقت كانت الولايات المتحدة قادرة على دعوة شركائها التجاريين الذين اعتمدوا على المظلة الأمنية الأمريكية وهي بريطانيا وألمانيا وفرنسا واليابان للتفاوض حول ما عرف باسم "اتفاق بلازا"، الذي نسق سلسلة تدخلات في سوق الصرف الأجنبي، مما سمح للدولار بالانخفاض بشكل مدروس.
لكن الأوضاع الدولية الآن تختلف تماما عما كان عليه الحال في عام 1985، كما أن رؤية ترامب المعلنة للعلاقات الخارجية، تقول إنه سيكون من الصعب على الولايات المتحدة ضمان خفض مدروس للدولار، كما حدث قبل نحو 4 عقود. في الوقت نفسه فإنه بدون التخفيض التدريجي والمتفق عليه للدولار، يمكن أن يشهد العالم بدائل أكثر فوضوية.
البدائلأحد هذه البدائل أن تقرر سوق الصرف بشكل مفاجئ أنها لم تعد لديها شهية امتلاك الأصول الدولارية باهظة الثمن، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تغييرات فوضوية وعنيفة في سوق الصرف الأجنبي.
أما البديل الآخر فيتمثل في سعي ترامب نفسه لخفض قيمة الدولار. لكن أي من الطرق التي يستخدمها لتحقيق هذه الغاية مثل فرض قيود على مشتريات الأجانب من الأصول الأمريكية أو الحد من استقلال مجلس الاحتياط الاتحادي (البنك المركزي) الأمريكي ستقوض بشكل خطير المصداقية المالية الأمريكية، ما قد يؤدي مرة أخرى إلى نتائج فوضوية بالنسبة للاقتصاد العالمي ككل.
أخيراً، يمكن القول إن ترامب قد لا يكترث كثيراً بتحول الدولار إلى مصدر للاضطراب العالمي. ففي العام الماضي قال جيه.دي فانس نائب الرئيس الأمريكي المنتخب إن دور الدولار كعملة احتياط عالمية يدعم استهلاك الأمريكيين المفرط للسلع المستوردة غير المفيدة.
ومن هذا المنظور ترى إدارة ترامب بعض الفوائد في انهيار الدولار. لكن من وجهة نظر بقية العالم، يكون مصير الدولار في ظل رئاسة ترامب الثانية خسارة للجميع، بحيث لا يصبح استمرار الدولار القوي ولا انخفاضه بصورة عشوائية مفيداً للاقتصاد العالمي.