مجزرة تلو الأخرى.. فإلى متى التخاذل؟!
تاريخ النشر: 1st, November 2023 GMT
تشاهد دول العالم والمنظمات الدولية المجازر الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني على الهواء مباشرة، إلا أن ضمائرهم عميت عن الجاني الذي يستهدف الأطفال والنساء، وشلّت إرادتهم لاتخاذ قرارات حاسمة لوقف نزيف الدم الفلسطيني الذي يروي أرض غزة بدماء أهلها.
تأتي المجزرة تلو الأخرى، والحصيلة متشابهة، عشرات الأطفال والنساء يسقطون شهداء بعد كل قصف يهدم المنازل فوق رؤوسهم، ليصمّ العالم آذانه عن سماع صوت المدافع والصواريخ وصرخات الأطفال والنساء وأنين الأمهات الثكالى والنساء الأرامل والأطفال اليتامى.
لا يكلف المجتمع الدولي نفسه أن ينهي هذه المأساة المستمرة منذ السابع من أكتوبر، بل الأسوأ من ذلك أنه يحاول تحسين صورة تخاذله بالمطالبة فقط بالسماح لدخول المساعدات الإنسانية إلى مئات الآلاف من أهالي غزة المحاصرين والذين يعيشون في ظلام حالك ليلاً دون طعام أو شراب، دون أن يتحدث عن ضرورة وقف إطلاق النار.
إنه لمن العار أن يقول البيت الأبيض إن هذا الوقت ليس الوقت المناسب لوقف إطلاق النار في قطاع غزة حتى لا تستفيد حماس منه لتنظيم صفوفها، وكأن العالم لم يشبع بعد من دماء الأبرياء، في موقف تجمع فيه حلفاء إسرائيل حولها مساندة معنويا وعسكريا، وانفض الجميع عن غزّة وكأنَّ هذا القطاع من كوكب آخر، وكأن سكانه ليسوا بشرا.. فإلى متى هذا التخاذل الدولي وإلى متى يستباح الدم العربي والإسلامي؟!
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
أمريكا الأخرى: كلمة التحرير
عبد الله علي إبراهيم
(من الأرشيف)
لا أعرف اقتراحاً وعى محنة الصحافة السودانية المهنية مثل ذلك الذي تقدم به الدكتور محجوب عبدالمالك. فقد قال محجوب إن خلو الصحيفة من كلمة المحرر خلل مهني كبير. وهي كلمة كاتبها مبني للمجهول تحمل رأي الصحيفة في مجريات الأمور. وهذا مربط الفرس في قولنا أن الصحافة هي سلطة رابعة. ولعظم تبعة الكلمة فالجريدة تنتخب لها من محرريها أولي الفطانة وحسن التبليغ تعينهم جماعة ساهرة من الباحثين الذين يوفرون لهم المعلومة حتى يتمكنوا من رؤية الصورة من كل جوانبها.
وقد ضمرت كلمة التحرير عندنا حتى أصبحت بمثابة التهنئة في الأعياد، أو العزاء في كوراث الأمة الفاجعة. وليس هذا بمستغرب في صحافة مضربة عن بناء مراكز المعلومات ولا اعتقاد لها في جدوى البحث. ولهذا غالباً ما صدرت الكتابة فيها عفو الخاطر. وكنت التمست من الحكومة أن تكف عن اشتراط عدد صفحات معينة للجريدة لكي تصدر، أو أن تظل تنظر شذراً للصحف تعتدي عليها أثناء أداءها لواجبها من فرط الوسوسة. واقترحت عليها بدلاً عن ذلك ألا تصدق لصحيفة ليس لها برنامجاً قصير المدى، أو طويله، لبناء مركز للمعلومات وتدريب المحررين. وأضفت أنه لو تعذر ذلك على الصحف فالبديل أن تؤسس الحكومة مركزاً للمعلومات تموله باشتراكات متراوحة من الصحف. وليس بناء هذا المركز بمعجز. فنواته قائمة بالفعل في وكالة سونا للأنباء. ومن تجربة شخصية وجدتها بوبت الوقائع السياسة وغير السياسة في ملفات غاية في الضبط والإبانة.
ومعلوم أنه اشتكت الحكومة، لو أحسنا الظن بها، من الكتابة "العشوائية" عنها. ولا منجاة لها من ذلك بالرقابة المستترة أو المعلنة. فشفاء الصحف والحكومة معاً في أن تقوم الصحف على مهنية مستنيرة ويكون الخلاف الذي لا مهرب منه بينهما على بينة.
ولا أريد الإيحاء هنا أن المهنية ستنصف الحكومة. لا. بل ربما ضربت المهنية وأوجعت. ولكننا هنا حريصون على القارئ الذي نريد لها أن يقرأ كتابات تحترم ذهنه. وهو الفيصل في الأمر طال الزمن أو قصر.
لقد عاودتني هذه الفكرة وأنا أقرأ قبل سنوات افتتاحية للنيويورك تايمز تطلب من مولانا اسكاليا رئيس المحكمة العليا الأمريكية أن ينسحب من النظر في قضية معروضة على المحكمة أحد أطرافها السيد ديك شيني نائب الرئيس الأمريكي. ودعوة الصحيفة لاسكاليا أن يعفي نفسه من نظر القضية سببها مظنة الغرض. وقد أسست الصحيفة ذلك على بينات جمعتها كدم الحجامة.
وكانت الجريدة قد كتبت من قبل تكشف عن رحلة صيد للبط جمعت شيني واسكاليا بعد أيام من قبول المحكمة العليا النظر في قضيته. ولم يحرك اسكاليا ساكناً. ثم أتضح أن اسكاليا كان سافر الي الرحلة على طائرة سلاح الجو رقم 2 وهي طائرة نائب الرئيس. واختتمت الجريدة مناشدتها للقاضي بالانسحاب بقولها:
(إن أحكام إعفاء القاضي عن النظر في قضية فيها مظنة حياده (وهي أحكام فدرالية) لا تحمي الخصمين فحسب، بل المحكمة ذاتها. وإذا بقي اسكاليا بالمحكمة وصوت لصالح شيني ستواجه المحكمة المزيد من النقد. وإننا لنعتقد أن اسكاليا لا بد أن يعفي نفسه من القضية إما طوعاً أو بتشجيع حثيث من زملائه).
سيقول القائل نحن وين وديلا وين. وهذه مماحكة معروفة عند أهل الهزء. لكل شيء بداية.
ibrahima@missouri.edu