“طوفان الأقصى” تُسقط زيف أقنعة الأنظمة
تاريخ النشر: 1st, November 2023 GMT
يمانيون – متابعات
مع تواصل معركة “طوفان الأقصى” القاصمة ظهر العدو الصهيوني الغاصب لليوم الـ24 على التوالي ، تتساقط أقنعة الأنظمة العربية المزيفة التي أزاحت عملية الطوفان قشرتها الرقيقة التي يغلفها العدو السعو صهيو أمريكي غربي عربي على مدى عقود ، لتظهر خلفها أبشع صور الخيانة والعجز والتواطؤ والخذلان .
فما يحدث في غزة ولا يزال حتى اليوم يحدث يفوق الخيال البشري، فكيف لغزة المحاصرة أن تتحول منذ سنوات قليلة إلى قوة عسكرية ضاربة تسيطر المقاومة فيها على ضعف مساحتها وتستعيد مستوطنات اغتصبها المحتل..؟
سقوط الأقنعة
أسقطت عملية الطوفان أقنعة كثيرة وجاري تساقط البقية منها , فقد أسقطت عملية السابع من أكتوبر 2023 ، أقنعة التضامن العربي والإسلامي ونصرة الأقصى، كما سقط قبلهما أقنعة حلم الشارع العربي ومنظومة الالتزام العربي وشعار وحدة المصير وأكذوبة حقوق الإنسان” وسلام التطبيع العربي و زوبعات المدافعين عن القضية الفلسطينية.. وغيرها من الأقنعة ضلت على مدى عقودا من الزمن ترسم أحلام للشعوب المستضعفة.
وكما أسقطت عملية “طوفان الأقصى” تلك الأقنعة المصنوعة في دهاليز الحكومات الصيهو ـ غربية بخبرات ومساعدة لوجستية من الحكومات العربية ، فقد أسقطت أعتاها والتي تمثلت في أسطورة الجيش الذي لا يُقهر”، خلال بضع ساعات قادتها إرادة أبطال الطوفان وتحرير فلسطين كل فلسطين من الغزاة والمحتلين.
ولعل أول قناع تم إسقاطه هو قناع حقوق الإنسان والتي تتغنى به دول الغرب ما تعاقب الليل والنهار ؛ فقد خرجت كل الأبواق الحاكمة للغرب الكافر لتعلن عن دعمها الكامل وغير المشروط لجيش العدو الصهيوني المتهالك ضاربه بشعاراتها الإنسانية وما يسمى بشعار حقوق الإنسان عرض حائط السور الفولاذي والعنصري لقطاع غزة.
الفصل العنصري
فهذا وزير الحرب الصهيوني يوآف غالانت، يعتبر الفلسطينيين “حيوانات” وأنه سيتعامل معاهم حسب هذا المصطلح ، والحال كذلك عند مسؤولي وساسة الغرب وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيسة المفوضية الأوروبية فون ديرلاين، فقد صنفا الحرب بأنها “حرب ضد الإرهابيين في غزة”.
أن تساقط الأقنعة الغربية ليس وليد اليوم في حرب غزة وأنما تعود جذوره لجرائم الفصل العنصري التي ارتكبتها دول الغرب في إطار الحملة الممنجة التي تشنها على العدو الأخضر الذي هو دين الإسلام حسب الخطة التي رسمها مستشرقوها ، بداً من المذابح الصليبية في زمن العصور الوسطى وبدايات وما قبل القرن العشرين ،مرورا بجرائم النازية الغربية التي نفذتها في ربيع ثورات التحرر العربية في منتصف القرن الماضي ، انتهاء بمذابح شماعات الإرهاب وداعش وخواتها في عدد من الدول العربية والإسلامية.
والحال نفسه مع أقنعة التضامن العربي والشارع العربي والالتزام العربي ووحدة المصير والتطبيع العربي، وكل ما له علاقة بالعرب، فقد اسقطتها بيانات وخطابات الأنظمة العربية المخزية في حين تحشد دول الغرب ساستها ودعمها السياسي والعسكري وترسل جنودها وعتادها وأسلحتها الفتاكة دعما للعدو الصهيوني لقتل أطفال غزة على مرأى ومسمع العالم.
يُعد معبر رفح الذي يفصل قطاع غزة عن مصر أكبر مثال على ذلك السقوط، فقد عادت شاحنات المساعدات أدراجها بعد أن هدد الكيان المحتل بقصفها، بل قصف المعبر أكثر من مرة دون ردة فعل مصرية تذكر ولو حتى بالتنديد الكاذب ، خاصة بعد أن وصلت صواريخ الكيان الصهيوني للعمق المصري ولم تحرك مصر العروبة أي ساكن.
مهرجان سعودي على جراح غزة
أليس من المخجل أن تدعي دول عربية عروبتها وإسلامها كدويلات الإمارات والبحرين فتظهر في بياناتها الرسمية منددة ومستنكرة بتصعيد المقاومة الفلسطينية وتسميتها بالمجموعات الإرهابية ضد مدنيي كيان إسرائيل، في حين تكتفي جامعة الدول العربية كالعادة بتصريحاتها الهزيلة .
ليس ذلك فحسب ، بل ذهبت أغلب دول الخليج العربي وبكل وقاحة إلى مهاجمة المحتويات الفلسطينية وتشويه نضال الشعب الفلسطيني واتهامه بالإرهاب بشكل لم يحدث من قبل، مما اضطر المغردون إطلاق عليهم مصطلح “الصهاينة العرب” .
وعلى جراح غزة ، يغرق أمراء ومواطني السعودية وعرب في غمرة احتفالاتهم المهرجانية الراقصة في فعاليات موسم الرياض 2023 ، في نسخته الرابعة والذي انطلق يوم 20 أكتوبر ويستمر لمدة ثلاثة أشهر بحضور عدد تقديري يصل لأكثر من 12 مليون زائر وفقا لتصريح رئيس الهيئة العامة للترفيه تركي آل الشيخ
، وسط دعوات ناشطون للسلطات للسعودية إلى تأجيل احتفالاتها مراعاة لما يحدث في غزة من قصف وحشي وتضامنا مع القضية الفلسطينية ولا ثبات عروبية ال سعود في مواقفهم مع القضايا العربية وقضية فلسطين بشكل خاص.
صمت عربي مطبق
المخجل الأبرز هو الصمت العربي المطبق الذي ضرب كل المشاهير والوجوه العربية المعروفة على الساحات الرياضية والفنية والفكرية وغيرها باستثناءات قليلة هنا وهناك ، في حين تقف الشعوب العربية عاجزة عن الحركة بعد أن فعل الاستبداد بها فعلته، فجزء كبير منها لا يهمه غير توفير ضروريات الحياة له ولعائلته وسط بحيرات الفساد التي تسبح فيها المنطقة العربية.
الجدير ذكره أنه كما أسقطت عملية “طوفان الأقصى” الرهانات والأقنعة، فإنها أعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة، بل وأعادت لها هيبتها، وهدفها الرئيس هو إزاله العدو المحتل عن أرض فلسطين ووقف مشاريعه الاستيطانية، وليس فقط التسوية والتطبيع معه في اطار الهدنة طويله الأمد كما كان من قبل .. لذا من الواجب على القوى العربية والإسلامية وشعوبها مناصرة الشعب الفلسطيني حتى استرجاع كامل حقوقه.
السياسية / مرزاح العسل
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: طوفان الأقصى
إقرأ أيضاً:
ما بعد طوفان الأقصى
19 يناير 2025م.. دخلت الهدنة بين إسرائيل وحماس مرحلة التطبيق، بعد مفاوضات عويصة تلازمت مع حرب الإبادة التي شنتها القوات الإسرائيلية على غزة؛ إثر العملية التي قامت بها حماس في 7 أكتوبر 2023م باسم «طوفان الأقصى»، حيث وضعت إسرائيل ثلاثة أهداف لحربها؛ هي: فك الأسرى من يد حماس، وتدميرها، وتهجير أهل غزة. اليوم.. إسرائيل ترضخ لحماس وفق شرطها بألّا تسلم الأسرى إلا بعد إيقافها الحرب وانسحابها من غزة.
حتى الآن.. لا توجد اتفاقية لوقف الحرب نهائياً، وإنما هي هدنة لفترة 42 يوماً يتبادل فيها الطرفان الأسرى، وهذه هي المرحلة الأولى، مع خطة لمواصلة المفاوضات في مرحلتين قادمتين. ومع ذلك؛ يمكننا الحديث عن «مرحلة ما بعد طوفان الأقصى»، لأن مسار مرحلة الطوفان قد تحددت، ولا يُتوقع مسار آخر يُحدِث فرقاً فيما لو استمرت الحرب؛ غير مزيد من الإبادة والتدمير، ومزيد من الخسائر الباهظة تتكبدها إسرائيل، كما أن أمريكا في ظل إدارة دونالد ترامب تجنح لإنهاء الحرب.
إسرائيل.. لم تحقق أهدافها من الحرب، وقامت بأسوأ إبادة في العصر الحديث، بغية كسر إرادة الشعب الفلسطيني في غزة، وإجباره للتخلي عن الوقوف مع المقاومة، فخسرت إسرائيل أمام صلابته.. بل ثارت شعوب العالم ضدها. وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية حكماً باعتبار القادة الإسرائيليين مجرمي حرب، ولم يستطع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يقنع شعبه بأن الحرب هي السبيل لتحرير الأسرى، فخرج الإسرائيليون ملء شوارع تل أبيب مطالبين بتحريرهم، وأخيراً.. رضخ لضغوطهم وللضغوط الدولية، ولفشله في تحقيق أهداف الحرب.
استطاعت إسرائيل تفكيك محور المقاومة، بعد اغتيالها قيادات عليا في حزب الله وحماس وقيادات عسكرية إيرانية، وحيّدت حزب الله وإيران والمقاومة العراقية، مما جعل نتنياهو يدعو إلى تشكيل شرق أوسط جديد تكون إسرائيل محوره. وأعطت الحرب إسرائيل موثوقية أن الغرب لن يتخلى عنها، وأنه لا توجد قوة دولية قادرة على تغيير خارطة المنطقة لتهديد وجودها، غافلة عن تغيّر المواقف بتغيّر المصالح.
ليس أمام إسرائيل خطة حاسمة لما بعد الطوفان.. فمسار السلام فشل، واستعمالها العنف أضر بها، وستعاني كثيراً من الجيل الفلسطيني القادم؛ الذي يحمل عقيدة تحرير فلسطين والثأر من الكيان الذي أباد أهله ودمر مجتمعه. والتطبيع.. أصبح طريقه وعراً بين شعوب المنطقة، يشكل خطراً ليس على إسرائيل وحدها، وإنما كذلك على الدول المطبعة معها. ولعل الخيار الأخف لإسرائيل والتي عليها أن تفكر جدياً به هو «حل الدولتين»، والتي ستفرض المقاومة شروطها على رسم حدود الدولة الفلسطينية فيه.
المقاومة الفلسطينية.. أثبتت بأنها رقم صعب، تمكنت خلال العقود الماضية أن تنمو عسكرياً وسياسياً واجتماعياً، وكشفت الحرب أن حماس لم تعد جماعة، وإنما أصبحت دولة بعناصرها الممكنة تحت الاحتلال، فقد استطاعت حشد الشعب الفلسطيني معها، الذي لم تنكسر عزيمته طيلة الحرب، فخرج مؤيداً لها في تبادل الأسرى. واستطاعت أن تدير المعركة منذ بدايتها حتى نهايتها. كان كل شيء محسوباً لديها حتى لحظة تسليم الأسرى؛ حيث خرج جيشها بكامل أبهته، ولم يتغير انطباع أسرى هذه الدفعة عن انطباع أسرى الدفعة السابقة عند بداية الحرب؛ من الإعجاب والتقدير لحماس بالحفاظ على نفوسهم ومعاملتهم بالحسنى.
حماس.. خسرت كثيراً في الحرب، فقد قتل الكثيرون من جندها، واغتيل بعض قادتها؛ في مقدمتهم إسماعيل هنية ويحيى السنوار، ونَقَصَ عتادها العسكري، وتأثرت نفسياً من الإبادة الجماعية لشعبها والتدمير شبه الكامل لغزة. لكن من أهم ما حققته حماس قدرتها على مواصلة الحرب، رغم تحييد جبهة الإسناد، وهذا يدل أنها قادرة على خوض حروب قادمة، فقد أصبحت تصنع السلاح من مواد متوفرة في قطاع غزة، مما يجعل حكومات المنطقة تنظر إليها باعتبارها كياناً باقياً، وأن إزالتها من الوجود لم يعد وارداً.. بل صمودها عزّز فكرة المقاومة نفسها، وقوّى من صمود بقية الفصائل. كما أنها أفشلت «خطة اليوم التالي للحرب» التي أعدتها إسرائيل لإدارة قطاع غزة من دون حماس.
المقاومة الفلسطينية.. أمامها طريق شاق من إعادة بناء غزة وترميم نفوس الشعب، وإعادة بناء استراتيجيتها لما بعد الطوفان. وما حصل من إبادة ودمار يجعلها تحسب ألف حساب قبل القيام بعملية أخرى؛ على الأقل خلال عشر سنوات قادمة. لكنها ستعمل على إعادة تأهيل قواتها، وسيتكون لديها جيل جديد؛ متسلح بخطط وأفكار أكثر ثوريةً، في فضاء رقمي مفتوح. الآن نرى فصائل، وغداً؛ جيشاً أكثر تنظيماً وثقةً بنفسه. أما السلطة الفلسطينية في رام الله.. ففي طريقها للتغيّر، وستنتهي حكومة محمود عباس، وتحل محلها سلطة وطنية توافقية بعقيدةٍ مقاوِمة، هذا ما سيفرضه الجيل الجديد في الضفة الغربية.
إيران.. خرجت مهيضة الجناح من الحرب، خسرت مجموعة من قيادات الإسناد، وفقدت موطئ قدمها بسوريا، وضعف نفوذها بلبنان بعدما فقدت حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله حليفها الأهم بالمنطقة. تأتي خسارة إيران وهي تشهد جدلاً سياسياً وشعبياً في طبيعة نظام الحكم مع تقدم عمر المرشد الأعلى علي خامنئي. لكن علينا أن نفهم المسار العام لإيران، فنظامها السياسي ديناميكي، ولديه قدرة على المراجعة الفورية لإعادة تموضعها في المنطقة، وإعادة بناء استراتيجياتها بما يواكب المتغيرات وأمنها القومي وقدراتها العسكرية وتوجهاتها السياسية وخططها الاقتصادية. وقد أثبتت الحقبة الماضية أنها استطاعت أن تتخطى الأخطار المحدقة بها، وتستثمر «الفوضى الخلاقة» بالمنطقة، وبهذا؛ تمكنت من احتضان قوى وقيادات عراقية، وهي التي خاضت بالأمس القريب مع العراق حرباً استمرت قرابة العقد. كما تمكنت أن تمد ذراعها إلى اليمن؛ رغم الأوضاع المتشابكة والمعقدة هناك. واقتدرت على التعامل مع قوى العنف في أفغانستان والعراق وسوريا.إن إيران أمام مفترق طرق، تحدده التوجهات المستقبلية لسياستها، ولكن لا يبدو أنها ستتخلى عن مواجهة إسرائيل وأمريكا، فقد أبرمت مؤخراً استراتيجية شاملة مع روسيا وقعها الرئيسان مسعود بزشكيان وفلاديمير بوتين. ويبدو أن إيران في توجهها ما بعد الطوفان ستقلل من اعتمادها على الجماعات العسكرية، وتتجه إلى الأحلاف الدولية لمواجهة الغرب، فهي تعمل ضمن الأحلاف التي تجمعها بالصين وروسيا على صياغة نظام دولي متعدد الأقطاب السياسية.
أما سوريا.. فنظام الأسد منتهية صلاحيته منذ أمد، فهو بقايا البعث العربي؛ الذي أدبرت أيامه منذ نهاية السبعينيات بصعود الإسلام السياسي في المنطقة، لكن كأي نظام قائم يحتاج إلى وقت حتى يسقط، وعملياً.. سقط مع بدايات الربيع العربي، وإن تأخر حتى نهاية عام 2024م بإطلاق الرمية الأخيرة لإعلان سقوطه رسمياً. سوريا هي الأسبق في دخول مرحلة ما بعد طوفان الأقصى، فقد عجّلت بها أحداثه.
ظاهراً.. ما حصل بسوريا يصب في صالح إسرائيل، فالإدارة الجديدة تعتنق العقيدة الأردوغانية، التي دشنت مرحلة ما بعد الإسلام السياسي «السياسة الإسلامية المدنية»؛ التي تتعامل مع إسرائيل باعتبارها دولة لها مشروعيتها، وهذا يطمئن إسرائيل وتسعى إليه. لكن الوضع في سوريا لا يزال غير مستقر، والجماعات التي سيطرت عليها مؤدلجة بالعنف، ذات براجماتية تمكنها من تغيير مسارها بحسب الظروف، فمستقبل إسرائيل محفوف بالخطر من الجهة السورية.
العرب.. سيواصلون توجههم السابق، وهو الدفع بـ«حل الدولتين» إلى التنفيذ؛ لا سيما مع التوجه العالمي الذي قد يجبر إسرائيل عليه. وعليهم أن يدركوا بأن طوفان الأقصى غيّر من الخارطة الجيوسياسية للشرق الأوسط، وأصبحت تتشكل من جديد، من دون أن تكون إسرائيل هي اليد الضاربة فيه بعدما هزتها الحرب بقسوة. على العرب أن يتعاونوا لتحقيق ذلك مع الأتراك، مستفيدين من التغيرات في سوريا.