عمليات الفصائل الفلسطينية من لبنان.. "انتهاك للسيادة ومطالبة للجيش بمنعها"
تاريخ النشر: 31st, October 2023 GMT
مخيمات اللاجئين الفلسطينيين المكتظة
لا تكاد تمر من أمام بيت او دكان إلا ويتناهى إلى مسمعك آخر الأخبار، أو ترى مجموعة من الأطفال والنساء والرجال يتجمعون مشدوهين أمام تلفاز المقهى لمتابعة مجريات الحرب في غزة وإسرائيل.
تحتل غزة الفضاء السمعي والبصري في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، والممتدة من عمر اللجوء الأول سنة 1948، حينها بالكاد مضى على استقلال لبنان خمس سنوات نتيجة عقد شفهي لتقاسم السلطة بين مسلميه ومسيحييه، عرف باسم "الميثاق الوطني".
شكل هذا اللجوء، ذو الغالبيته المطلقة مسلمين، تحديا هائلا لميثاق بالكاد استطاع تنظيم العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في لبنان. وسرعان ما تحول من ضغط اقتصادي إلى عسكري مع تشكل مجموعات "فدائية" فلسطينية تنفذ عملياتها ضد إسرائيل من جنوب لبنان، فينتهي الأمر برد عسكري يدفع ثمنه اللبنانيون.
التوتر العسكري، أضاف بعدا طائفيا للصراع اليساري- اليميني وقتها، فجاء "اتفاق القاهرة" سنة 1969 (في ظل حكم الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر) ليعطى "الشرعية" لعمليات المقاتلين الفلسطينيين من جنوب لبنان ضمن منطقة اصطلح على تسميتها بـ "فتح لاند" نسبة لحركة فتح.
أحداث ما عرف باسم "أيلول الأسود" سنة 1970 بين الجيش الأردني بقيادة الملك الراحل الحسين بن طلال من جهة، وفصائل "منظمة التحرير الفلسطينية" بقيادة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات من جهة أخرى، نقلت المنظمة بكل ثقلها العسكري والسياسي إلى لبنان، وصارت لاعبا مؤثرا في مسار الحرب الأهلية التي اندلعت عام 1975، وشكل عرفات فيها رافدا أساسيا لـ "الحركة الوطنية" التي شكلها اليسار اللبناني في غرب بيروت ذات الغالبية المسلمة، بمواجهة "الجبهة اللبنانية" التي ضمت أحزاب اليمين المسيحي.
جانب من مخيم شاتيلا للاجئبين الفلسطينيين
استمر هذا الواقع يلقي بثقله على الحرب الأهلية اللبنانية إلى أن انتهى بالاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 وإجبار عرفات ومقاتليه على مغادرة بيروت إلى تونس. وذلك في أعقاب تطورات دراماتيكية، إذ اتهمت إسرائيل منظمة التحرير الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات التي كانت تتخذ من بيروت مقرا لها، بالتخطيط لإعتداءات داخل إسرائيل. وفي 6 يونيو/ حزيران 1982 هاجمت إسرائيل لبنان. وانتهت الحرب في سبتمبر/ أيلول من العام نفسه واضطرت منظمة التحرير(عرفات ومقاتليه) إلى مغادرة بيروت إلى تونس. وفي مايو/ أيار عام 2000 أنهت إسرائيل احتلالها في جنوب لبنان ونفذت انسحابا أحادي الجانب من المنطقة.
غزة توحّد فلسطينيي لبنان المشتتين
لم يكد يمر يومان على الهجوم الدموي غير المسبوق الذي نفذته "حماس" ضد إسرائيل، حتى أعلن "الجهاد الإسلامي" مسؤوليته عن عملية تسلل من الحدود اللبنانية جنوبا وتنفيذ اشتباك مع جنود الجيش الإسرائيلي. توالت منذ ذلك الحين العمليات العسكرية التي يشنها "حزب الله" عند الحدود مع إسرائيل، كما تبنت مجموعات فلسطينية مسلحة تابعة لكل من "حماس" و"الجهاد الإسلامي" عمليات إطلاق صواريخ من جنوب لبنان باتجاه شمال إسرائيل.
على الرغم من الخلافات الفلسطينية-الفلسطينية خصوصا بين منظمة "فتح" من جهة، وكل من "حماس" و"الجهاد الإسلامي" من جهة أخرى والتي تجلت مؤخرا في معارك دامية شهدها مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين بالقرب من مدينة صيدا جنوب لبنان واستمرت لعدة أسابيع، إلا أن الجو الفلسطيني العام في مخيمات لبنان اليوم متفق حول "التضامن" مع غزة.
ويقول مصدر فلسطيني مسؤول من داخل أحد مخيمات مدينة صور، فضل عدم الكشف عن اسمه، "لا نقول إن كل الفلسطينيين موحدون في تأييد التصعيد من لبنان، لكن الجو العاطفي الآن يطغى وكله مؤيد لما يمكن أن يخفف عن أهلنا في غزة".
ويذكر أن حركة حماس هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية. ويشار إلى أنّ حركة "الجهاد الإسلامي" الفلسطينية تصنف على أنها منظمة إرهابية، وهناك دلالات على تبعيتها لإيران.
لبنان ومعضلة السلاح الفلسطيني
شكل التبني الصريح للعمليات من قبل فصائل فلسطينية تتلقى دعما إيرانيا مباشرا وتنسق مع "حزب الله"، سابقة لم يشهدها لبنان منذ سنوات طوال. وأعاد ذلك إلى الاذهان مخاوف واعتراض لبناني على ظهور "فتح لاند" أخرى بما تعنيه من انتهاك للسيادة اللبنانية، يضاف اليه مصادرة "حزب الله" أساساً لقراري الحرب والسلم متجاوزا إرادة السلطات الدستورية المنتخبة.
اللاجئون الفلسطينيون في لبنان
وفي هذا الإطار، يرى مارك ضو، النائب في البرلمان اللبناني عن الكتلة التغييرية لثورة "17 تشرين"، لـ DW ان ما يحصل "كله بتنسيق كامل وتحت مظلة "حزب الله" لتحريك الجبهة الجنوبية وتوجيه رسائل من خلال اشراك فصائل فلسطينية في المواجهة".
ويتهم ضو، "حزب الله" بأنه يكرس "فتح لاند" مرة أخرى "لأن فتح لاند ليست جغرافية، بل هي فكرة (تتمثل في) القيام بعمل عسكري من دون التنسيق مع القيادة اللبنانية السياسية والجيش اللبناني، بما يختلف والأجندة الوطنية اللبنانية. وهذا بالضبط ما يفعله حزب الله منذ امساكه بملف الحرب والسلم من خارج إرادة الدولة اللبنانية. هو نفس الخطأ التاريخي الذي أوجد فتح لاند (في الستينات) في ظل غياب سياسة وطنية تحمي لبنان".
من ناحيته، يعتبر ناجي حايك، نائب رئيس "التيار الوطني الحر" وهو الحليف المسيحي الأقرب لحزب الله"، انه بغض النظر عما إذا كانت هجمات الفصائل الفلسطينية منسقة مع "حزب الله" أم لا، فإن المنطقة التي تنفذ فيها العمليات "منطقة عسكرية ويجب على الجيش اللبناني وحزب الله ان يكونا على علم بإطلاق فصائل فلسطينية للصواريخ وأن يقوما بإيقاف ذلك لأن هذه المجموعات غير المنضبطة يمكن ان تجرنا (اللبنانيين) إلى حرب مع إسرائيل نحن بغنى عنها".
ويرفض حايك "هذا السلاح الفلسطيني المتفلت الذي يمكن أن يهدد سلامة اللبنانيين عند استخدامه خارجيا وداخليا أيضا"، ويشدد على أن "لا بيئة لبنانية حاضنة لهذا السلاح فيما غالبية القوى السياسية اللبنانية ترفض العودة إلى "فتح لاند" جديدة."
الصحافي والمحلل السياسي اللبناني داود رمال، القريب من "حزب الله"، ذهب أبعد من ذلك ووصف، لـ DW، ما تقوم به "حماس" بأنه "استباحة ساحة الجنوب" واتهم حماس بـ "تجاوز ليس السيادة اللبنانية والدولة اللبنانية فقط، انما المجتمع أيضا"، لكنه رفض تحميل الحزب مسؤولية هذه العمليات، مشددا على أن حزب الله "لا يستطيع منع أي مقاوم ضد إسرائيل" وهو "ليس حرس حدود لإسرائيل"، مشددا على أن منع هذه العمليات هي "مسؤولية الدولة اللبنانية".
ورغم تأييده لأعمال "حزب الله" يؤكد رمّال أن ما تقوم به الفصائل الفلسطينية "وتحديدا حماس هو انتهاك للسيادة اللبنانية ويتعارض مع الاجماع اللبناني الرافض لاستباحة الجنوب من قبل أي فصيل غير لبناني"، مضيفا ان ذلك مرفوض أيضا من أهالي الجنوب، ومن ضمنهم "جمهور حزب الله ".
العلم الفلسطيني في أزقة مخيم اللاجئين في لبنان
وقال ان "الممارسات التي نشهدها اليوم إذا لم تضبط ستجعل الامور أسوأ مما كانت عليه قبل الاجتياح الإسرائيلي للبنان العام 1982، لأن دخول العامل الفلسطيني إلى المواجهة عبر الجبهة الجنوبية هو خارج إرادة اللبنانيين وستكبد لبنان والمخيمات الفلسطينية أثمانا باهظة جدا في الأرواح والممتلكات".
لا يتفق حايك مع رمّال على تحييد حزب الله فيما يخص العمل الفلسطيني المسلح من جنوب لبنان، "هناك مسؤولية يتحملها حزب الله، لكن المسؤولية الكبرى لضبط الفصائل الفلسطينية تقع على عاتق الجيش اللبناني الذي يجب ان يطبق القرار الدولي رقم 1701، خصوصا لجهة منع ضرب الصواريخ".
من جهته يبدي النائب مارك ضو معارضة أوضح من خلال اعتباره كل العمليات العسكرية التي تتم انطلاقا من الجنوب اللبناني "ينسقها ويسلحها ويحركها حزب الله بكل منطقة الجنوب، وهو على دراية بها ومسؤول عنها".
وفي مقابلة مع وكالة فرانس برس الاثنين(30 اكتوبر/ تشرين الأول) الحالي، أكد رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي أنه يعمل على "تجنيب لبنان دخول الحرب".
وكان ميقاتي قد أكد في وقت سابق (منتصف العام الحالي)، التزام لبنان بمندرجات القرار الدولي رقم 1701 والتنسيق بين الجيش وقوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "اليونيفيل" للحفاظ على الاستقرار في الجنوب وعلى طول الحدود اللبنانية".
وبموجب القرار 1701 الصادر عن مجلس الامن الدولي تم نشر القوات الدولية في جنوب لبنان ووضع حدا للعمليات الحربية بين حزب الله واسرائيل في صيف 2006 بعد نزاع استمر 33 يوما وتسبب بمقتل 1200 شخص في الجانب اللبناني و120 شخصا في الجانب الاسرائيلي.
وفي أحدث قرار لمجلس الأمن الدولي يقضي بتجديد التفويض لبعثة"الونيفيل"أكد مجلس الأمن، في نهاية شهر أغسطس آب 2023، في قراره رقم 2695 من جديد دعوته لجميع الدول إلى تقديم الدعم والاحترام الكاملين لإنشاء منطقة "خالية من أي أفراد مسلحين وأصول وأسلحة" باستثناء تلك التابعة للحكومة اللبنانية واليونيفيل جنوب نهر الليطاني، وأدان المجلس استمرار احتفاظ الجماعات المسلحة بالأسلحة خارج سيطرة الدولة اللبنانية في انتهاك للقرار 1701.
وتعتبر دول عديدة حزب الله اللبناني أو جناحه العسكري، منظمة إرهابية. ومن بين هذه الدول الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وأغلبية الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية. كما حظرت ألمانيا نشاط الحزب على أراضيها في عام 2020 وصنفته كـ "منظمة إرهابية".
محمد شريتح - بيروت
المصدر: DW عربية
كلمات دلالية: لبنان مخيمات اللاجئين بيروت غزة شمال لبنان اسرائيل لبنان مخيمات اللاجئين بيروت غزة شمال لبنان اسرائيل الفصائل الفلسطینیة الجهاد الإسلامی منظمة إرهابیة جنوب لبنان فی لبنان حزب الله من جنوب من جهة على أن
إقرأ أيضاً:
الرد اللبناني على مقترح وقف إطلاق النار وصل واشنطن.. هذا مضمونه
نقلت وسائل إعلام لبنانية، عن مصدر دبلوماسي غربي قوله، إن "تعديلات لبنانيّة حول المقترح الأمريكي وصلت مباشرةً إلى واشنطن، ولا تنتظر ردّا مكتوبا من لبنان، وهي بمثابة جواب أولي قدمه فورا رئيس مجلس النواب نبيه بري، شكلت أرضية لمسار التّفاوض المفتوح، على قاعدة تطبيق القرار الدّولي 1701".
وأضاف المصدر، أن "جوهر الرد اللبناني، تمحور حول رفض التدخل العسكري الإسرائيلي عند اللّزوم، والمراقبة الجوية". مبينا أن بري طرح "حلا لإشكالية لجنة الإشراف على تطبيق القرار الدولي المذكور، بالاستناد إلى تجربة تفاهم نيسان، وهو أمر قابل للنقاش، يُدرس حاليًّا؛ ولا مشكلة جوهرية بشأن هذا البند".
والجمعة، قال رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري؛ إن المقترح الأمريكي، بشأن وقف إطلاق النار، ينص على تشكيل لجنة تضم دولا غربية للإشراف على تنفيذ القرار الأممي رقم 1701، مؤكدا أن هذا غير مقبول لبنانيا، وفق ما نقلته وكالة الأنباء اللبنانية.
وأضاف بري أن المقترح حول وقف إطلاق النار، لا يتضمن أي نص يسمح بحرية عمل جيش الاحتلال الإسرائيلي في لبنان حال الاشتباه بوجود تهديد، كما تطالب تل أبيب.
وأكد بري، أن تضمين أي بند يسمح بحرية عمل جيش الاحتلال الإسرائيلي في لبنان، "أمر غير مقبول، ولا يمكن حتى فتح نقاش بشأنه؛ لأنه مساس بسيادة لبنان".
والخميس، قال مصدران سياسيان لرويترز؛ إن السفيرة الأمريكية لدى لبنان، سلمت مسودة مقترح هدنة إلى رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري الخميس، لوقف القتال بين حزب الله وإسرائيل.
وتسعى الولايات المتحدة إلى التوسط في وقف إطلاق النار، الذي سينهي الأعمال القتالية بين حليفتها إسرائيل وحزب الله المدعوم من إيران، لكن الجهود لم تثمر بعد عن نتيجة.
وكشفت هيئة البث الإسرائيلية عن بنود مشروع الاتفاق المقترح بين لبنان وإسرائيل، وتتضمن: إقرار الطرفين بأهمية قرار الأمم المتحدة رقم 1701، كما يعطي مشروع الاتفاق للطرفين حق الدفاع عن النفس إذا لزم الأمر.
ويؤكد المقترح، أن الجيش اللبناني هو القوة المسلحة الوحيدة بالجنوب مع اليونيفيل، بالإضافة لإشراف الحكومة اللبنانية على أي بيع للأسلحة إلى لبنان أو إنتاجها داخله.
ويتعيّن على إسرائيل وفق المقترح، سحب قواتها من جنوب لبنان خلال سبعة أيام، كما ينص على أن
يحل الجيش اللبناني محل قوات الاحتلال المنسحبة من الجنوب، وستشرف على ذلك الانسحاب الولايات المتحدة ودولة أخرى.
ويطالب المقترح، لبنان بنزع سلاح أي مجموعة عسكرية غير رسمية في جنوب لبنان في غضون 60 يوما من توقيع الاتفاق.
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، أن المقترح الأمريكي يقضي بانسحاب حزب الله إلى شمال نهر الليطاني، وانتشار الجيش اللبناني في الجنوب ومنعه الحزب من إعادة إقامة مواقع بالمنطقة، ومنع نقل السلاح عبر سوريا إلى الحزب، إلا أن دولة الاحتلال تريد الاحتفاظ بحق مهاجمة حزب الله في لبنان حتى بعد الاتفاق، وهو ما يرفضه لبنان بشدة.
في المقابل، يؤكد حزب الله أن تفاوضا غير مباشر مع "إسرائيل" يجب أن يكون مبنيا على أمرين، هما وقف العدوان، وحماية السيادة اللبنانية بشكل كامل غير منقوص.
وأفادت وسائل إعلام لبنانية أن رئيس البرلمان نبيه بري يقود المحادثات نيابة عن حزب الله.