مآلات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي
تاريخ النشر: 31st, October 2023 GMT
ربما تكون الصورة الذهنية الشائعة في الأذهان هي «الصراع العربي الإسرائيلي» لا «الصراع الفلسطيني الإسرائيلي»؛ ولكن هذه الصورة ربما تكون متوارثة من الماضي حينما كان الصراع قائمًا بالفعل بين الدول العربية وإسرائيل، وهو ما بدا جليًّا في حرب 1973 التي كانت مصر رأس الحربة فيها، ولاقت دعمًا من سائر الدول العربية حينها؛ ولكن هذا أصبح شيئًا من الماضي غير القادر على التواصل في عالمنا الراهن.
الشعب الفلسطيني يكاد يكون هو القلب النابض للشعوب العربية. شعب جبار بالفعل، فلماذا هو شعب جبار؟ ببساطة لأنه شعب قادر على بعث الحياة وسط الموت والدمار، شعب قادر على خلق الحياة والوجود من الموت نفسه. شعب لا يملك من وسائل الحرب والدفاع عن النفس سوى أبسط أدوات الحروب الحديثة وأكثرها بدائية. هذا الشعب قادر على الانتصار بهذه الروح النادرة على شعب مغتصب يحرص على التواجد من خلال اغتصاب أرض الآخرين. وهذا الأمر يستدعي التأمل، حتى من الناحية الدينية.
حينما نتأمل الأمر من الناحية الدينية نجد أن الله عز وجل يقول واصفًا بني إسرائيل في القرآن الكريم بقوله: «ولتجدنهم أحرص الناس على حياة». لنتأمل هنا دلالة المفرد الذي يفيد التنكير هنا؛ فلم يقل الله: «على الحياة»؛ بل قال: «على حياة»، أي على أية صورة من صور الحياة، ولا شك أن من يتشبث بالحياة على أي نحو كان، لا يمكن أن يصمد أمام من يطلبون الموت في سبيل حياة شعبهم والحفاظ على أرضهم، وربما يُقَال هنا: إن الله نفسه في قرآنه الكريم قد كرَّم بني إسرائيل واصطفاهم من دون البشر، وهو ما روَّج له بنو إسرائيل باعتبارهم «شعب الله المختار»! ولكننا لا ينبغي أن نتناسى الأوصاف المضادة في القرآن التي تستنكر أن هؤلاء قد نقضوا عهد الله ومارسوا كل الأفعال الإجرامية التي تفضحهم باعتبارهم قوما ينقضون العهد؛ إذ يصفهم الله تعالى بقوله: (أوَ كلما عاهدوا عهدًا نبذه فريق منهم) (سورة البقرة، آية رقم 100). كما يصفهم المولى عز وجل بأنهم (يقتلون النبيين) ويجادلون في الحق؛ ولعل تصوير القرآن لهم في سورة البقرة يكون أبلغ تصوير في هذا الصدد. يجسد القرآن هذه الصورة البليغة بقول الله تعالى:
(وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين * قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون * قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين * قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون * قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون * وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون * فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون»}البقرة:67-73{.
ربما يرى البعض أن هذا الطرح غير مشرع؛ لأنه يقوم على نوع من التأويل الديني لأمور تتعلق بالواقع السياسي الراهن؛ ولكن من يرى هذا الرأي عليه أن يبين لنا أن هذا التوصيف الديني يجافي الواقع ولا يبرره، لكن الواقع المعيش الراهن يؤكد لنا على الدوام أن شعب إسرائيل يحرص على الحياة ويهاب الموت، وحياة الفرد منهم أغلى من حيوات الآلاف من غيرهم؛ بينما شعب فلسطين لا يهاب الموت، بل يطلب الموت والشهادة دفاعًا عن أرضه، وهذا ما ينبغي أن تدركه إسرائيل إن تحررت من الغطرسة والغرور والمكابرة. ما أود قوله في النهاية هو أن إسرائيل إذا استمرت في ممارستها الحالية التي تقوم على الظلم والعدوان، فسيكون مصيرها الزوال، أو على الأقل ستبقى مهددة بالزوال. لا سبيل إلى حل هذا الصراع إلا بإيمان مغتصب الأرض بأن الحل الوحيد يكمن في التخلي عن عقيدة السياسات الاستعمارية التوسعية «من البحر إلى النهر»، والإيمان بأن السبيل الوحيد لحل الصراع هو حل الدولتين وتقسيمهما وفقًا لحدود يوم 4 يونيو (وهو اليوم السابق على حرب يونيو 1967)، وتلك الحدود هي الحدود التي تعترف بها المواثيق الدولية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الدول العربیة
إقرأ أيضاً:
حزب الله والقوات المسلحة اليمنية يُعيدان رسم خريطة الصراع الإقليمي
تشهد المنطقة العربية تحولات جذرية في المشهد العسكري والسياسي، حيث أطلق حزب الله والقوات المسلحة اليمنية سلسلة من العمليات النوعية التي تُعيد رسم خريطة الصراع الإقليمي. فمن جهة، أعلن حزب الله عن بداية فصل جديد من المقاومة، بعد أن وجه ضربة موجعة لإسرائيل باستهداف مقر وزارة الحرب الإسرائيلية وهيئة أركانها في تل أبيب بصواريخ متطورة. ومن جهة أخرى، أظهرت القوات المسلحة اليمنية قدرة استثنائية على إحباط أي عدوان على أراضيها، مستهدفة حاملة طائرات أمريكية ومدمرات حربية في البحر الأحمر.
عملية حزب الله غير المسبوقة في تل أبيب تُمثل تحولًا جذريًا في موازين القوى في المنطقة. فرسائل حزب الله، التي عبر عنها الأمين العام الشيخ معين قاسم، تؤكد أن لا مكان آمن للكيان الإسرائيلي في فلسطين المحتلة، مهما بلغت قدراته العسكرية من تطور.
هذه العمليات ليست ردود فعل عابرة، بل هي جزء من استراتيجية مدروسة تهدف إلى فرض واقع جديد على الصراع مع إسرائيل. فإطلاق الصواريخ من القرى التي ادعى نتنياهو سيطرته عليها يُظهر زيف ادعاءاته ومهزلة زعمه بالسيطرة على قرى جنوب لبنان.
تُعاني إسرائيل من حالة قلق وتصدعات في جبهتها الداخلية، حيث تواجه الحكومة انتقادات لاذعة بسبب فشلها في مواجهة التحديات المتصاعدة. يزداد قلق المواطنين الإسرائيليين من عجز حكومتهم عن حماية أراضيهم، مما يثير تساؤلات جدية حول قدرة المؤسستين العسكرية والسياسية على مواجهة التحديات الراهنة.
أظهر حزب الله، من خلال استخدام صواريخ متطورة كـ”فادي 6″ و”قادر 2″، تطورًا ملحوظًا في قدراته العسكرية، مما يُشكل تحديًا استراتيجيًا لإسرائيل. ويؤكد الشيخ معين قاسم على استمرار الضربات وعدم وجود ملاذ آمن لجنود العدو، مما يعزز معنويات مقاتلي المقاومة في ظل تراجع معنويات جيش الاحتلال المُثقل بالخسائر.
فشل الحملة البرية الإسرائيلية في جنوب لبنان، ودخولها في مناورة برية ثانية، يُظهر ضعف قدراتها العسكرية ويُفضح أكاذيب نتنياهو حول احتلاله لقرى لبنانية. فقد أطلق حزب الله صواريخه من تلك المناطق، مُثبتًا زيف ادعاءاته أمام الرأي العام العالمي.
وليس فشل إسرائيل في لبنان وحده ما يُثير القلق، بل تُضاف إليه العملية النوعية التي نفذتها القوات المسلحة اليمنية في البحر الأحمر، والتي استمرت لثمان ساعات واستهدفت حاملة الطائرات الأمريكية “أبراهام لنكولن” ومدمّرتين حربيتين، باستخدام مسيرات وصواريخ مجنحة وبالستية. تُظهر هذه العملية قدرة اليمن على إحباط أيّ عدوان على أراضيها، وتُؤكّد على تصاعد قدرات المقاومة في المنطقة، مُرسلةً رسالةً قويةً حول قدرة المقاومة على مواجهة القوى العظمى.
تطرح هذه التطورات تساؤلات جوهرية حول مستقبل المنطقة: هل تُشير هذه العمليات إلى بداية مرحلة جديدة من المواجهة بين المقاومة وإسرائيل؟ وهل ستُؤدّي إلى تصعيدٍ أكبر في التوتر الإقليمي؟
من الواضح أن المقاومة في المنطقة، ممثلةً بحزب الله والقوات المسلحة اليمنية، تزداد قوةً وقدرةً على مواجهة أيّ عدوان، مُفضحةً في الوقت ذاته ادّعاءات إسرائيل حول سيطرتها وفاعليتها العسكرية.