لماذا يجب أن تفوز إسرائيل بالحرب، ولماذا لا يمكن؟
تاريخ النشر: 31st, October 2023 GMT
حينما شنت حماس حربها على إسرائيل في السابع من أكتوبر، بدا منطقيا أن نتوقع ظهور حكومة وحدة وطنية في إسرائيل. ولكن حزبا واحدا فقط هو الذي انضم إلى حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، وهو حزب الوحدة الوطني بزعامة بيني جانتز وجادي أيزنكوت. والرجلان هما الرئيسان الحديثان لهيئة الأركان العامة في الجيش الإسرائيلي أي أعلى رتبتين في الجيش.
وهما الآن بجانب وزير الدفاع يوعاف جالانت القائد السابق للجبهة الجنوبية ضمن مجلس الحرب الإسرائيلي المؤلف من خمسة أعضاء، مع نتانياهو ورون ديرمر ـ رجل الأعمال الإسرائيلي أمريكي المولد والسفير السابق لدى الولايات المتحدة. ورفض أغلب أحزاب المعارضة الانضمام إلى مجلس نتانياهو، مع بقاء أفجدور ليبرمان ويائير لابيد بالخارج.
تولت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية عملية اتخاذ القرار السياسي في هذه الحرب. فلا يمكن إلقاء اللوم في هزيمة عسكرية في عام 2023 على ساسة غير أكفاء لا يفسحون للجيش المجال للانتصار. فسوف يكون هذا النصر نصر الجيش، أو يكون هزيمة الجيش.
برغم ثلاثة أسابيع من القصف وسبعة عشر عاما من الحصار، لم تزل إسرائيل عاجزة عن كبح قدرة حماس على إطلاق صواريخ إلى عمق إسرائيل. فإسرائيل تفتقر إلى العمق الاستراتيجي لكونها من أصغر بلاد المنطقة ولأن جيران معادين أو فاترين يحيطون بها من كل جانب. لديها تسع محطات طاقة، ثاني المحطات الكبرى تعرضت لأضرار من صواريخ حماس. وإذا ما أحاق ضرر إضافي بإنتاج إسرائيل للكهرباء ففي ذلك خطر جسيم على الاقتصاد الإسرائيلي، الذي يتلقى بالفعل ضربة شديدة بتعبئة إسرائيل لـ8% من قوة العمل وتشريد مائتي ألف من شعب بلغ تعداده سبعة ملايين، وفقدان عائدات الاستثمارات والسياحة.
لدى إسرائيل تسع قواعد جوية، بدونها يصبح الجيش الإسرائيلي عديم الفعالية. وهذه القواعد جميعا تقع في نطاق صواريخ حماس وحزب الله، مع قدرة خاصة لدى الأخير على استهداف القواعد مرارا والتغلب على أنظمة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية. يستطيع حزب الله بصواريخه أن يقطع شوطا طويلا نحو تعطيل بعض قدرات إسرائيل العسكرية الجوية على أقل تقدير.
خلافا للولايات المتحدة، التي تستطيع أن تقاتل من خلال حاملات الطائرات عن مسافة آمنة، تفتقر إسرائيل إلى العمق الاستراتيجي اللازم لحروب طويلة ضد أعداء قادرين. ولذلك فقد اجتهدت في أن تحتفظ بجيش رفيع المستوى، وميزة استراتيجية جوية، وقدرة ـ حتى عام 2006 ـ على تحقيق النصر في الحروب بسرعة.
تدرك إسرائيل أن جيرانها أعداؤها. وأنهم لو رأوا في إسرائيل ضعفا، قد ينقلبون عليها. وذلك يعني أن أي حرب تواجهها إسرائيل هي بحق حرب وجود. وهذه بصفة خاصة هي الحالة في ضوء أن إسرائيل لم تفز فوزا حاسما بأي حرب منذ عام 1982، وفي ضوء أن حرب غزة الحالية ـ أكثر من أي حرب سبقتها ـ هي حرب الجيش بالكامل.
في حال انكسار سمعة الجيش الإسرائيلي، فقد تحطم التصور بأن السلام مع إسرائيل رهان جيد. ذلك أن الدول تقيم السلام مع عدو حينما تعتقد أن هذا العدو قوي.
ولمعرفتهما بضعف إسرائيل، فقد استعدت حماس وحزب الله لحرب طويلة يستطيعان فيها استهداف إسرائيل في العمق على نحو متكرر. والجماعتان تدركان أنهما بحاجة إلى الهجوم على نحو يعظِّم ضعف إسرائيل الاستراتيجي. فحفرتا أنفاقا في شتى أرجاء لبنان وغزة وربما ـ من خلال حلفائهما ذوي القيادة الإيرانية ـ في سوريا والعراق. وتمكنتا من خوض كل صراع مع إسرائيل، والنجاة منه، وخوض الحرب التالية بقدرات تفوق ما كان لديهما في الحرب السابقة، بتمكين من عمق إيران الاستراتيجي ومواردها.
ومن شأن هذا أن يمثل مشكلة كبيرة حتى في حال تمكُّن إسرائيل من الاكتساح، واقتلاع جماعات من قبيل حماس وحزب الله، ودفع أعدائها إلى التقهقر بشكل دائم. لكنها لا تستطيع ذلك. فمنذ عام 2018 على الأقل، يحذر الجنرال إسحاق بريك ـ أمين المظالم السابق في الجيش الإسرائيلي ـ من أن القوات المسلحة الإسرائيلية غير مجهزة لحرب شاملة. فخبرات أغلب المجندين في الجيش الإسرائيلي تقتصر على المهام الشرطية في الضفة الغربية والدوريات خارج غزة. والقوات المخصصة لمنع حماس من الخروج من غزة انهارت في غضون ساعات في السابع من أكتوبر، ومنيت فرقة غزة بأكملها بالهزيمة، ملحقةً العار بقيادة جالانت الجنوبية.
لم تنتصر إسرائيل في حملة برية كبيرة منذ معركة مخيم اللاجئين في جنين سنة 2002. وفي عام 2006، فشلت إسرائيل في التقدم لأربعة كيلومترات من إسرائيل في لبنان للاستيلاء على بلدة بنت جبيل اللبنانية. بل لقد فشلت في الاستيلاء الكامل على قرية مارون الراس ـ وهي قرية صغيرة على بعد كيلومترين من الحدود. وثار جدل كبير في إسرائيل بشأن دروس الحرب اللبنانية سنة 2006، مع توصيات كثيرة يفترض أن الجيش قام بتنفيذها. غير أن هذا لم يغير من حقيقة أن إسرائيل لم تستطع تقريبا دخول حي الشجاعية في غزة سنة 2014 برغم قوة النيران الطاغية. ولم تحاول إسرائيل القيام بتوغل بري كبير منذ ذلك الحين.
ولعل هذا الشك في قدرة إسرائيل على الانتصار في الحرب هو الذي يدفع البلد إلى انقسامه السياسي وافتقاره إلى الوحدة في مواجهة خطر وجودي. لو كان ثمة طريق واضح إلى الانتصار، واقتلاع حماس وتحقيق الردع، لاصطف القادة السياسيون للانضمام إلى نتانياهو، بدلا من تركه يفوز بالحرب وحده، أو برفقة بضعة جنرالات. وبهذا المعنى، فإن غياب الوحدة مؤشر قوي على أن هذه الحرب لن تنتهي بالنجاح في إسرائيل، وأن ذلك بدوره سوف يضمن وقوع حرب أخرى، أشد سوءا، في المستقبل.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الجیش الإسرائیلی إسرائیل فی فی إسرائیل فی الجیش
إقرأ أيضاً:
سموتريتش: إسرائيل تستعد لـ تغيير جذري في طريقة إدارة الحرب بغزة
أعلن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش أن دولة الاحتلال تستعد لـ"تغيير جذري" في طريقة إدارة الحرب بغزة، معربًا عن دعمه لإقامة تجمعات استيطانية على أراضي القطاع.
وقال سموتريتش: "نحن نستعد الآن لتغيير جذري للغاية في الطريقة التي ندير بها الحرب في غزة، ونحن نعد الجحيم لحماس، وأعتقد أنه لم يكن ينبغي أن تكون هناك مفاوضات مع حماس".
ودعا سموتريتش لإرجاء مفاوضات صفقة التبادل بين حماس وإسرائيل لحين تنصيب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، بعد أقل من أسبوعين، وفق موقع "والا" الإسرائيلي.
وتابع: "نحن بحاجة إلى البقاء في غزة لمدة طويلة جدًا، وإقامة مستوطنات فيها، والجيش سيكون الضاغط والحاسم في توفير الأمن لها".
وتتواصل مفاوضات غير مباشرة بين حماس وإسرائيل بوساطة مصرية وقطرية وأمريكية، لوقف الحرب في قطاع غزة التي اندلعت قبل 15 شهرًا، والتوصل لصفقة تبادل بين الجانبين.
ومن بين الملفات الشائكة في الاتفاق، مسألة بقاء الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، إذ تتمسك حماس بانسحاب إسرائيل من المناطق التي احتلتها خلال العملية البرية في غزة، في حين تقول إسرائيل إنها ستحتفظ بوجود عسكري داخل القطاع.