جريدة الرؤية العمانية:
2024-07-03@13:47:49 GMT

ميزان الاقتصاد العُماني (2- 2)

تاريخ النشر: 31st, October 2023 GMT

ميزان الاقتصاد العُماني (2- 2)

 

د. يوسف بن حمد البلوشي

yousufh@omaninvestgateway.com

 

 

نستكمل اليوم الحديث عن الكفة الثانية لميزان الاقتصاد العُماني بشيء من التفصيل والتحليل، من خلال التركيز على بعض المؤشرات المعنية بدخول الأموال والعملة الصعبة إلى الاقتصاد العُماني، مقابل الطلب العالمي على السلع والخدمات المُنتَجَة في سلطنة عُمان، والتي نستعرضها في هذا المقال، وندعو إلى تعظيمها، كما تعكسها البيانات المتوفرة في تقرير البنك المركزي لعام 2022.

البداية من المصدر الأهم المُتمثِّل في الصادرات بمُختلف أنواعها؛ حيث تُعد قضية تعزيز الصادرات أحد أهم التحديات الاقتصادية التي تواجه السلطنة؛ كونها مُكمِّلًا للعملية الإنتاجية، فبدون التصدير يظل الإنتاج المحلي حكرًا على السوق المحلية الصغيرة نسبيًا، ومن ثم عدم تمكُّنه من تحقيق الزيادة المرجوة في الدخل القومي.

الإحصاءات تشير إلى أن سلطنة عُمان صدَّرت سلعًا خلال السنوات الثلاثة الأخيرة (2020- 2021- 2022) بقيمة 12.9، و17، و25.4 مليار ريال عُماني على التوالي؛ بارتفاع بنسبة 49% خلال عام 2022. وعند استعراض تفاصيل هذه الصادرات لعام 2022، نجد أنها تنقسم إلى ثلاث مجموعات؛ الأولى: مرتبطة بالنفط والغاز، وهذه حققت زيادة مطردة؛ حيث بلغت صادرات النفط الخام 11.6 مليار ريال، والمُصفَّى 1.8 مليار ريال، والغاز 3.1 مليار ريال عُماني. وترجع هذه الزيادة بشكل الرئيسي إلى ارتفاع أسعار النفط التي بلغت في المتوسط 95.4 دولار للبرميل، لعام 2022، بالمقارنة مع 64.3 دولار للبرميل لعام 2021، بزيادة قدرها48.4 %، إضافة إلى زيادة كمية الإنتاج.

وهنا نطرح عددًا من التساؤلات: لماذا لا يُضاعف الإنتاج من مليون إلى 3 ملايين برميل يوميًا، مع مُضاعَفة كميات الغاز المُنتَجَة، خاصة وأننا نتشارك جغرافيًا مع دول الخليج وعلى حدود طويلة مع المملكة العربية السعودية التي تنتج حوالي 12 مليون برميل، ودولة الإمارات التي تنتج 3 ملايين برميل وتستهدف إنتاج 5 ملايين برميل في المرحلة المقبل.. وهل قمنا فعلًا باستنفاد جميع البدائل مع شركائنا الاستراتيجيين وتوظيف المُكوِّن التكنولوجي والخبرات الوطنية والمساحات الشاسعة برًا وبحرًا. ومن جانب آخر، لماذا لا نحِد من تصدير النفط والغاز كمادة خام ونستغله في بناء صناعات للشق السفلي تزيد من قيمتها أكثر من 16 ضعفًا حسب بعض الدراسات لإنشاء تجمعات صناعية متكاملة لمنتجات الألمنيوم والبلاستيك وغيرها، خاصة ونحن في طور تحقيق رؤية طموحة تسعى لزيادة القاعدة الإنتاجية وتعزيز القيمة المحلية المضافة والاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية والتي حتمًا ستخلق المزيد من فرص العمل وفرص الاستثمار وتكبر من حجم الاقتصاد وتحقق الاستدامة المالية والاقتصادية والاجتماعية.

أما المجموعة الثانية؛ فهي الصادرات غير النفطية العُمانية المنشأ؛ حيث بلغت خلال السنوات الثلاثة الأخيرة (2020- 2021- 2022) بقيمة 4.1، و5.8، و7.5مليار ريال عُماني؛ بارتفاع بنسبة 29% خلال عام 2022. وهذه زيادة مُهمة، لكن مع ذلك لا تتجاوز حصة الصادرات غير النفطية 30% من إجمالي الصادرات، علمًا بأن معظمها مرتبطة بقطاع البتروكيماويات المرتبط هو الآخر بقطاع النفط.

وهنا نشير إلى أن ترتيب سلطنة عُمان قد سجل تراجعًا في مؤشر "التعقيد الاقتصادي" بواقع 4 مراتب؛ ليصل إلى 73 حسب تقرير عام 2022، وذلك من بين 134 دولة، كما سجَّل ترتيبنا تراجعًا في مؤشر الابتكار العالمي؛ حيث جاءت في المرتبة 79 من بين 132 دولة في العام 2022م.

وحريٌّ بنا قراءة مُؤشر التعقيد الاقتصادي الذي طوَّره باحثون في جامعة هارفارد؛ وهو مقياس شامل لخصائص الإنتاج في بلد مُعين يُوضِّح حجم المعرفة المتراكمة في ذلك البلد والتي تُترجِم في قدرته على مواصلة الابتكار والإنتاج والتصنيع، وتُقاس هذه المعرفة من خلال تقييم مدى تنوّع وتطوّر سلة المنتجات الصناعيّة للدولة والتي تمكنها من المنافسة وتقود إلى ازدهارها. لذلك، هناك علاقة طردية بين كمية المعرفة الإنتاجية الموجودة في المجتمع وعدد المنتجات التي يستطيع هذا المجتمع إنتاجها. وهناك علاقة إيجابية بين درجة التعقيد الاقتصادي وزيادة الناتج المحلي الإجمالي، وهناك عاملان يؤثران على مؤشر التعقيد الاقتصادي للدولة؛ يكمن الأول في التنوع، والذي يُدلِّل على عدد المنتجات التي يمكن أن ننتجها في عُمان. فيما يكمُن الثاني في الوفرة التي تدل على مدى انتشار منتج معين بين دول العالم.

ننتقل الآن إلى المكون الثالث من الصادرات، وهو إعادة التصدير؛ والذي يُدلِّل على نشاط ومكانة الموانئ العُمانية والإمكانات اللوجستية والبنية الأساسية للنقل ووضع السلطنة كلاعب مهم في سلاسل التجارة العالمية، وهناك الكثير من الآمال معقودة عليه في تحسين قدرات الاقتصاد واستغلال الموقع الجغرافي المتميز للسلطنة في القيام بدور حيوي في مجال توزيع السلع في المنطقة وخارجها. وتُظهر الأرقام أن قيمة إعادة التصدير حققت نتائج متواضعة؛ حيث تراجعت من حوالي 1.8 مليار ريال عُماني في عام 2020م إلى حوالي 1.3 مليار ريال عُماني في كل من عامي 2021 و2022. ولو قارنَّا هذه الأرقام بتلك المتوفرة في عام 2015، نجد أنَّ قيمة السلع المُعاد تصديرها حققت نموًا كبيرًا في تلك السنة؛ حيث بلغت 2.6 مليار ريال عُماني، وهذا يعكس التراجع الكبير في هذا القطاع، وأنه لم يصل للمستوى المطلوب في مساهمته في تدعيم الاستراتيجية الرامية إلى تنويع مصادر الدخل، خاصةً في ضوء وجود موانئ الحاويات الضخمة في كل من صلالة وصحار والسويق، إضافة إلى منطقة الدقم الاقتصادية الخاصة والتي جميعها تتمتع بمواقع فريدة ولا تزال تحوي قدرات متاحة غير مستغلة؛ بما يمكنها بكل جدارة من المنافسة إقليميًا وهو ما يستدعي عمل الحكومة المزيد لتعزيز تنافسية الموانئ العُمانية.

وعلى صعيد حساب الخدمات، تشير الإحصاءات في ميزان المدفوعات إلى ان متحصلات السلطنة من الخدمات التي قدمتها للعالم خلال السنوات الثلاثة الأخيرة (2020- 2021- 2022) بلغت 0.86، و0.86، و1.4 مليار ريال عُماني على التوالي. ومن أهم بنود المتحصلات لعام 2022، متحصلات بند السفر (غالبيته مدفوعات غير المقيمين مقابل خدمات السياحة) والتي لم تتجاوز 604 ملايين ريال عُماني على الرغم من الإمكانيات السياحية الكبيرة التي تتمتع بها السلطنة وهو الأمر الذي يستدعي تطبيق الاستراتيجيات اللازمة.

أما في المرتبة الثانية، فتأتي متحصلات بند خدمات النقل، والتي بلغت ما يقارب 454 مليون ريال عُماني، وهو رقم متواضع يجب أن يحقق هو الآخر قفزات نوعية، في ظل ما استثمرت السلطنة من مبالغ ضخمة في إنشاء الطرق والموانئ والمطارات. ومن ثم تأتي خدمات الاتصالات والخدمات المتصلة بها بقيمة 100 مليون ريال عُماني، وخدمات التأمين بـ25 مليون ريال عُماني، والخدمات المالية بـ7 ملايين ريال عُماني، وخدمات أخرى بقيمة 193 مليون ريال عُماني. ولا تزال هذه الحصيلة لاقتصاد الخدمات متواضعة، إذا ما قورنت بالامكانيات المتاحة.

هناك قناة أخرى قد تكون مهمة لدخول الأموال إلى السلطنة وترتبط بإيجاد علاج للباحثين عن عمل؛ وهي تحويلات العُمانيين العاملين في الخارج إلى السلطنة؛ فهي تكاد لا تُذكر، وهو ما قد يُعزى إلى ضآلة حجمها، وبالتالي عدم تغطيتها إحصائيًا. ولا شك أن هناك فرص عمل كبيرة في دول الخليج في قطاعات الصحة والبنوك والتعليم والنفط والغاز، وهناك أهمية لتجسير الهوة بين تلك الوظائف والأعداد الكبيرة من الشباب العُماني الباحث عن عمل في مُختلف القطاعات الإنتاجية في دول الخليج، وايجاد قنوات للتوظيف، وهذا لا يعني الانتقاص من شبابنا فهم يعملون في وظائف جيدة. وهناك آمال كبيرة معقودة على دور سفاراتنا لدراسة هذه الاقتصادات والفرص المتاحة فيها. كما نشير إلى أنَّه على الحكومة في إطار سعيها لبناء قدرات شبابنا، أن تتبنى برامج تستهدف إرسال عدد من الفنيين العُمانيين سنويًا إلى عدد من المصانع خارج السلطنة؛ لتحقيق جملة من الأهداف؛ أهمها: تعلُّم أساليب العمل وبيئة الأعمال الدولية؛ سواء من خلال استثمارات وشركاء جهاز الاستثمار العُماني أو من خلال فروع المصانع الموجودة في السلطنة.

ننتقل الآن إلى مصدر آخر لدخول الأموال إلى الاقتصاد العُماني، ويتمثل في أرباح شركاتنا العُمانية العاملة في الخارج. وهذه الأرباح متواضعة للغاية وتستوجب دورًا مُهمًا من غرفة تجارة وصناعة عُمان لمساعدة الشركات المحلية على الانطلاق نحو العالمية وفتح آفاق أرحب للنمو، وليس ذلك بسبب صغر حجم السوق المحلي فقط، وإنما لوجود فرص واعدة في الأسواق العالمية، خاصة ونحن جزء من المنظومة الخليجية التي تعج بالنشاط والديناميكية. لكن الأمر يستوجب إعداد استراتيجيات توسُّع نحو العالمية، وتعظيم دور الغرفة والاستفادة من زيارة وفودها للدول المختلفة والالتقاء بسفراء مختلف الدول؛ فالغرفة هي بيت الشركات المحلية والمعنية بتهيئة الظروف لتقدمها، وعليها أن تسعى لصناعة شركات محلية قوية من خلال تشجيع عمليات الاستحواذ والاندماج بين الشركات، لإيجاد كيانات كبيرة قادرة على امتصاص الصدمات والخروج للعالمية، ومن ثم تحويل أرباحها للاقتصاد العُماني.

هناك قناة مفصلية لدخول الأموال تتسابق عليها الدول وتعمل على تطويع تشريعاتها لاجتذابها، وهي الاستثمارات الأجنبية، وخاصة الاستثمار الأجنبي المباشر المعني ببناء قواعد إنتاجية بخبرات ورؤوس أموال أجنبية، والإحصاءات تشير إلى أنه بالرغم من الجهود الكبيرة المبذولة والتحسن النسبي في هذا المجال لكن حصاد السلطنة من الاستثمار الأجنبي لا يزال متواضعًا- كمًا ونوعًا- بالنظر إلى الفرص والموارد المتاحة، ولا تزال متركزة بأكثر من 65% في قطاع النفط والغاز، وجغرافيًا يأتي ما يقرب من 60% من الاستثمار الأجنبي المباشر في عُمان من المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية. هذا الأمر يستدعي مزيدًا من الحوافز الذكية لترويج الاستثمار في ظل المنافسة العالمية والإقليمية المحتدمة، ولتسويق السلطنة كوجه مثلى للاستثمار ووضعها في شاشات المستثمرين العالميين، ولا مناص من وضع الاستراتيجية الوطنية للاستثمار وغيرها من الاستراتيجيات موضعَ التنفيذ لخلق الانسجام والتنسيق المطلوب في إدارة ميزان الاقتصاد العُماني المتداخل.

 

قبل الختام.. نذكُر أن تحقيق معدلات مرضية للتنمية الاقتصادية في السلطنة كغيرها من الدول يتطلب وجود تنسيقٍ تامٍ ومتبادلٍ بين قطاع التجارة الخارجية والقطاعات الإنتاجية المختلفة؛ وذلك من خلال وضع الواردات في خدمة الصادرات والصادرات في خدمة التنمية الاقتصادية. ولا مناص من ضرورة تفعيل الاتفاقيات الدولية وأدوار السفارات لتعزيز المكانة الاقتصادية ودعم تنافسية المنتجات العُمانية، وكذلك زيادة حصاد السلطنة من جذب الاستثمار الأجنبي المباشر. وهناك ضرورة لمزيد من البحث والابتكار لدراسة هيكل الواردات وهيكل الصادرات العُمانية للوصول إلى عدد من السلع التي يمكن التركيز عليها من خلال الفترة المقبلة؛ لتكون القاعدة الإنتاجية للاقتصاد العُماني والتي يجب أن تنصب جهود التنمية عليها في المستقبل، بحيث يتم التركيز على التصنيع كخيار استراتيجي للسلطنة. وكل ذلك مرهون بالدرجة الأولى بتنشيط وتفعيل دور شركات القطاع الخاص وتقديم الممكنات الضرورية. ويُظهر لنا التحليل ضرورة تحسين الإحصاءات المحلية المُرتبطة بميزان الاقتصاد العُماني واحصاءات المرتبطة بالقطاع الخاص، حيث ان المعلومات والبيانات الدقيقة التي تصدر بانتظام هي نقطة البداية للانطلاقة الصحيحة في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار

وفي الختام.. وبالتزامن مع إعلان نتائج انتخابات مجلس الشورى، نبارك لجميع الإخوة المُنتَخَبين مُمثلي المجتمع، ونُذكِّر بدورهم المُهم والمفصلي في الجانب التشريعي والتنظيمي، الذي يعد مكونًا مُهمًا مع أدوار المؤسسات والأجهزة الحكومية، وندعو الأعضاء الجُدد لقراءة مضمون ميزان الاقتصاد العُماني بأبعاده المختلفة. ونؤكد هنا أن تحليل ميزان الاقتصاد العُماني يُوضِّح بشكل جليّ حجم الفرص الواعدة والمساحات المتاحة لتحقيق تحسينات مُهمة في كفتي الميزان، من خلال إدارة قنوات دخول وخروج الأموال في الدورة الاقتصادية المحلية، والعمل على زيادة درجة استقرارها لتعظيم مُضاعِف ومتانة الاقتصاد، وإيجاد صناعات محلية قادرة على خلق فرص عمل للعُمانيين، وتعظيم الاستفادة من المكانة الرفيعة للسلطنة بين الأمم لجذب استثمارات. إلى جانب ضرورة إعادة هندسة الاقتصاد العُماني بالتركيز على محورين يجب العمل عليهما، الأول: يتمثل في تمكين تحول عميق في الأدوار بين الحكومة وشركات القطاع الخاص، بحيث تنتقل الحكومة من كونها المحرك والمشغل والمستثمر الرئيسي والمولد لفرص العمل، إلى التركيز على تهيئة بيئة الاعمال والأُطر الضامنة لحُسن استغلال الجاهزية وتوافر البنية الأساسية والموارد البشرية والطبيعية، والاعتراف بوجود القطاع الخاص ودوره المفصلي في تشغيل محركات الاقتصاد نحو المزيد من الاستثمار والإنتاج والتصنيع والتصدير وتقديم الخدمات وهي أدواره الاصيلة. أما المحور الثاني فيتمثل في معالجة الاختلالات الواضحة في عناصر الإنتاج، وخاصة الحصول على راس المال والتمويل بتكلفةٍ واشتراطاتٍ مناسبة، وكذلك توافر العمالة بالمهارات والخبرات المناسبة، وضرورة تجنب ضبابية المواقف وإيجاد السياسات والأُطر المُحفِّزة على الاستثمار في موارد الأرض المختلفة، واتخاذ الإجراءات الضرورية لتخفيض تكاليف التشغيل وتحفيز الطلب والعرض المحلي.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

11 عاما من المعاناة.. كيف تدهور الاقتصاد المصري منذ 30 يونيو؟

رغم مرور 11 عامًا على أحداث 30 حزيران/ يونيو 2013 والتي حملت معها وعودا بالرخاء والازدهار، يعاني المصريون اليوم من تفاقم الأزمات الاقتصادية التي باتت أكثر حدة من ذي قبل.

يواجه المصريون مشكلات متزايدة مثل انقطاع الكهرباء، وارتفاع الأسعار، وانهيار قيمة الجنيه المصري الذي تدهور من حوالي 7 جنيهات للدولار إلى نحو 48 جنيهًا، وتراجع مستوى الخدمات وزيادة ثمنها.

مشروعات ضخمة في البنية التحتية
في فترة حكم رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، شهدت مصر إطلاق العديد من المشروعات الضخمة في مجال البنية التحتية، مثل بناء الطرق والكباري، والقطارات الكهربائية وتطوير المرافق العامة، وإنشاء المدن الجديدة.

ورغم أن هذه المشروعات تهدف إلى تحسين جودة الحياة وجذب الاستثمارات، إلا أن التدهور الاقتصادي المتسارع يلقي بظلاله على هذه الإنجازات التي كانت تفتقر لدراسات الجدوى، بحسب خبراء ومحللين، ولا تدر أي عوائد وتمت بقروض محلية وخارجية.

وأقر السيسي، خلال الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الاستثمار المصري الأوروبي، بالقاهرة، أن المصريين يعيشون في ظروف اقتصادية صعبة منذ 12 عاما.
من أول حكمك.. والاعتراف سيد الأدلة https://t.co/Yw8WCRFNeE — سليم عزوز (@selimazouz1) June 29, 2024
حجم الإنفاق على مشروعات البنية التحتية
تم إنفاق عشرات مليارات الدولارات على مشروعات البنية التحتية، حيث أُعلن عن مشروعات ضخمة مثل العاصمة الإدارية الجديدة، والتي تعتبر من أكبر المشروعات العمرانية في تاريخ مصر. ومع ذلك، يتساءل الكثيرون عن الفوائد الاقتصادية الفعلية لهذه المشروعات في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية.

بلغ إجمالي الإنفاق على مشروعات البنية التحتية في مصر حوالي 400 مليار دولار خلال السنوات الأخيرة، بهدف جذب الاستثمارات وتحسين جودة الحياة للمصريين من هذا المبلغ، تم إنفاق حوالي 100 مليار دولار في السنوات السبع الماضية فقط على مشروعات البنية التحتية .

حجم القروض والديون
تزايدت ديون مصر الخارجية بشكل كبير منذ عام 2013. بلغت الديون الخارجية لمصر مستويات قياسية، مما زاد من الأعباء الاقتصادية على الدولة وأدى إلى زيادة الأعباء المالية على المواطن المصري البسيط.

انهيار الجنيه المصري
شهد الجنيه المصري تدهورًا كبيرًا في قيمته مقابل الدولار الأمريكي، حيث انخفض من حوالي 7 جنيهات للدولار في عام 2013 إلى نحو 48 جنيهًا للدولار في 2024.

هذا الانخفاض الحاد في قيمة العملة الوطنية أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع والخدمات، مما أثر سلبًا على مستوى المعيشة للمواطنين.

التضخم والغلاء الفاحش
تعد نسبة التضخم في مصر من أعلى النسب في المنطقة، مما أدى إلى غلاء فاحش في أسعار السلع الأساسية والخدمات. يعيش المواطن المصري تحت ضغط اقتصادي كبير نتيجة ارتفاع تكاليف المعيشة وتراجع القدرة الشرائية.

التركيز على العقارات وإهمال الإنتاج
ركزت الحكومة المصرية في السنوات الأخيرة على تطوير قطاع العقارات والمدن الجديدة، مع إهمال القطاعات الإنتاجية الأخرى مثل الصناعة والزراعة. هذا التوجه أدى إلى نقص في الإنتاج المحلي والاعتماد بشكل أكبر على الواردات، مما زاد من العجز التجاري ورفع من مستويات الديون.

الاعتماد على المساعدات الخارجية
لجأت الحكومة المصرية إلى طلب المساعدات المالية والقروض من المؤسسات الدولية والدول الصديقة لإنقاذ الاقتصاد من الإفلاس. ورغم تلك المساعدات، لا تزال مصر تواجه تحديات كبيرة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والنمو المستدام.

حجم الديون والقروض
وفقا لبيانات البنك المركزي المصري، اقترب الدين الخارجي لمصر من حوالي 170 مليار دولار في نهاية نهاية العام الماضي.

تكلفة خدمة الديون السنوية تبلغ حوالي تريليون و 834 مليار جنيه أي ما يعادل أكثر من 38 مليار دولار، وتمثل 47.4 من حجم مصروفات الموازنة


يتوقع البنك المركزي سداد أكثر من 60 مليار دولار خلال الفترة من 2025 إلى 2027، إجمالي استحقاقات خارجية خلال السنوات الثلاث المقبلة.

معدلات التضخم
وصلت معدلات التضخم السنوية في مصر إلى مستويات قياسية، حيث تجاوزت 41% في بعض الفترات الأخيرة.

تحرير سعر الصرف أدى إلى تراجع كبير في قيمة الجنيه المصري، حيث انهار من حوالي 7 جنيهات للدولار إلى حوالي 48 جنيهًا للدولار.

قيمة الصادرات
يعكس تدني قيمة الصادرات المصرية أزمة القطاع الخاص ومعاناة الصناعة في تحقيق تقدم يذكر، وبلغت صادرات مصر في 2013 حوالي 29 مليار دولار وبعد 11 عاما بلغت حوالي 43.6 مليار دولار فقط، وهي أقل زيادة متوقعة.

تراجعت قيمة الناتج المحلي الإجمالي، من حوالي 285 مليار دولار في عام 2013 إلى 208 مليارات رغم زيادتها بالعملة المحلية إلى 10.155 تريليون جنيه خلال عام 2022/2023 مقابل 2.130 تريليون جنيه خلال 2013/2014، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.

أعاد نشطاء على منصات التواصل الاجتماعي تداول منشور قديم للسيسي، يتحدث فيه عن مشروعات الطاقة التي لولاها لحدث انهيار حقيقي، إلى جانب حقيقة الوضع الاقتصادي الحالي.
بعد قرابة 6 سنوات..
نشطاء على منصات التواصل الاجتماعي يعيدون تداول منشور قديم للسيسي، يتحدث فيه عن مشروعات الطاقة التي لولاها لحدث انهيار حقيقي pic.twitter.com/TJFKkpq1Q5 — شبكة رصد (@RassdNewsN) June 23, 2024 #ارحل_ياسيسي..
كيف عبر المصريون عن غضبهم من أزمة قطع الكهرباء؟ pic.twitter.com/Vh4RzzNtnA — شبكة رصد (@RassdNewsN) June 25, 2024
لا دراسات جدوى
وبعدين حصل إيه؟؟؟ pic.twitter.com/Yv27oijaOi — فاطمة الأسيوطيFatema (@asyooty_el) June 25, 2024
تدهور الاقتصاد
قالوا لي #خد_دي pic.twitter.com/5TAYmxPvhT — فاطمة الأسيوطيFatema (@asyooty_el) June 24, 2024
من الإنجازات إلى الأزمات
في تعليقه على حصاد 11 عاما على 30 يونيو 2013، أوضح الخبير الاقتصادي، محمد النجار، أن "ما تحقق خلال 11 عاما من وما تم إنجازه من مشروعات تتعلق بالبنية التحتية لم تنعكس على حياة المواطنين كما كان متوقعا ويتم الترويج له وإن كان بعضها ساعد على تحسين وتسهيل عملية النقل والتنقل من خلال مشروعات الطرق والكباري".

واعتبر في حديثه لـ"عربي21": أن "الأزمة تكمن في ترتيب أولويات الإنفاق الحكومي والذي أودى بنا إلى هذا الوضع السيء؛ لأن القيادة والنظام الجديد ركز بشكل أكبر على القطاع العقاري والذي لا يدر دخلا، وأهمل قطاع الإنتاج الذي يدر موارد متجددة للدولة ويحافظ على قيمة العملة واحتياطي البلاد".


ودلل على حديثه "بفشل الدولة في زيادة صادراتها طوال 11 عاما إلا بنسبة قليلة، كما أن أرقام الصادرات الحالية لا تتماشى أبدا مع حجم الإنفاق الكبير على البنية التحتية والتطلعات والوعود التي تم إطلاقها في مناسبات عديدة، مع وجود مشكلات يعاني منها القطاع الصناعي مثل ارتفاع تكاليف الإنتاج وعدم استقرار سعر العملة وشح العملة الأجنبية".

ورأى أن "استشراء الفساد هو الوجه الآخر لعدم تحسن أحوال المصريين طوال تلك الفترة، وأكثر عقبة أمام جذب استثمارات أجنبية مباشرة تساهم في حدوث تنمية اقتصادية حقيقية

لا إصلاح اقتصادي دون إصلاح سياسي
يقول استشاري الاستثمار والاستراتيجيات، الدكتور مراد علي، إن "السبب الحقيقي للوضع الاقتصادي المصري المتردي والذي يئن تحت وطأة الديون والأزمات هو مصادر المستقبل في مصر اقتصاديا وسياسيا والتخلي عن ثروات البلاد وأصولها وتدمير العملية التعليمية وتسليعها، وتنفير رجال الأعمال وحملهم على نقل استثماراتهم إلى الخارج والكوادر والكفاءات".

وأضاف لـ"عربي21": "كل الأرقام الرسمية والدولية تؤكد أن البلد تعاني من فشل اقتصادي كبير وغير مسبوق وغياب أي إصلاح اقتصادي حقيقي تفسر الوضع الصعب للمصريين وزيادة نسبة الفقر وصعوبة الحياة اليومية وعودة مسلسل الأزمات سواء في ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وتدني الأجور وانهيار العملة وتضخم الديون".

ورأى مراد أن الأخطر "هو تجفيف أي أمل في المستقبل من خلال عقد اتفاقات جائرة تصادر موارد البلاد وأصولها التي لا يمكن تعويضها، وإضافة أعباء ديون على الأجيال المقبلة، ومصادرة حقوقها في تلقي تعليم يساعد على الإبداع والابتكار، وتطوير مهاراتهم لمواجهة تحديات العصر، مما يؤدي إلى تراجع مستوى الكفاءة والإنتاجية في المجتمع بأسره".

في ظل هذه الأوضاع الاقتصادية الصعبة، يبقى السؤال حول مدى فعالية السياسات الاقتصادية الحالية وقدرتها على تحقيق الأهداف المعلنة. مع تزايد الأزمات والتحديات الاقتصادية، يبدو أن الطريق نحو الاستقرار والازدهار لا يزال طويلا وشاقا.

مقالات مشابهة

  • "هجرة إلى أرض الإسراء" في احتفاء السلطنة بذكرى الهجرة النبوية الشريفة
  • البنك الأهلي يعلن نجاح إصدار سندات بـ40 مليون ريال عُماني
  • أنا عُماني
  • السلطنة تدعو إلى إيجاد حلول عمليّة مُبتكرة للتّصدي للآثار السلبية للتغير المناخي
  • 15 مليون ريال أذون خزانة
  • غواص يرصد صدفة مشهد تزاوج بين سلحفاتين بحريتين بجزر الديمانيات في سلطنة عُمان
  • 11 عاما من المعاناة.. كيف تدهور الاقتصاد المصري منذ 30 يونيو؟
  • بدء الوقف التدريجي لخدمات "الجيل الثالث" في السلطنة
  • اتفاقية تعاون بين "بوشر الوقفية" و"أونك" لتسهيل التبرعات عبر القنوات الرقمية
  • عُمان تحرضُ فضول الكوريين!